«نيران طفولتي» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي
«نيران طفولتي» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي


«نيران طفولتي».. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

صفوت ناصف

الإثنين، 04 مارس 2024 - 08:49 م

اقترب منها  بحذر، أعرب لها عن إعجابه الشديد بها، ابتسمت له ثم تركته وانصرفت .

كل يوم يبحث عنها كي يوطد علاقته بها، فقد شغلت تفكيره مذ رآها اول مرة، والذي يحيره  أنها تبتسم ثم تغادر دون كلمة .

أخيرا قرر أن يضع حداً لهذا الشعور بالإيجاب أو السلب.

رآها من بعيد تصعد درج الكلية، هرول في آثرها، لحقها في منتصفه، استوقفها محدثاً:  لماذا الفرار من شعور استنفذ كل صبري معه  كي ينال رضاك ؟ لماذا تهربين منى هكذا ؟!

ألا تعلمين من أكون؟ هل أنا لست جدير بك ؟! الا تعلمين أننى ضابط شرطة؟

نظرت إليه كعادتها ثم رمقته بنظرة حزينه مغلفة ببعض الإعجاب ولم تبتسم هذه المرة ثم تركته وانصرفت .أدرك أن رغبتها في الحوار منعدمة.

أمسك يدها معنفاً: أريد فقط أن تتكلمى معى أرى الإعجاب  في  المقل ؟! هل أنا لا أروق لك ؟ أريدك زوجة لي فلماذا التجاهل ؟

نظرت إليه في حيرة ولم تجب.

 أردف : هل كما يقولون عنك أنك غير طبيعية ؟ وأنك تعودت  أن تعذبين من يقترب منك  

بل وتتلذذين بهذا  !!، لماذا تعذبين من يحبك؟ رجاء  أجيبي ولن أضايقك مرة آخرى.

قالت: نعم أنا هذه التى ذكرتها، أنا مجنونة كما قالوا لك، ممكن انصرف .

تنحى جانبا  وفرد يمناه لها، ومرت من أمامه .

دخلت قاعة المحاضرات، صعدت الدرج وجلست بعيداً منفردة، أخذتها الأفكار بعيداً عن واقعها مارة بمن عشقها  حد الجنون، ومن كان يريد اللهو معها، ومن كان معجبا بها، وهي تقترب  وتبتعد بحذر إلى أن تتأكد أنه قد تعلق بها، ثم تتلذذ وتتفنن في بعثرة كرامته في أذقة عشقها، وتفر هاربة  دون إبداء الأسباب .

وتنزح الذاكرة إلى أيام طفولتها البريئة، وهذا الوغد الذي كان ينتظرها حينما تخرج من منزلها،  ويتحسس برائتها بأنامل آسنة، ولم تخبر أحد بما يحدث معها، وتنهمر الدموع من مقلها مواسية وتتساءل نفسها المحطمة: ما ذنب هؤلاء الفتية؟ يجلدها الشعور بالذنب يجيب العقل في حدة وتوتر: هم جميعاً رجال، أريد النيل منهم جميعاً؛ كما قتل أحدهم برائتى، وكلما قررت الابتعاد عن هذه الأفعال عدت أكثر شغفاً عن ذي قبل بروح قتالية ونفس شهية لتحطيم الرجل .

أنتبهت لصوت الفراش ينبهها أن الجميع قد انصرف .

غادرت إلى منزلها تلفها الدنيا وتفردها وتطويها، وشعورها مطرب غير مستقر، يشدها نحو  أيام طفولتها، وكثرة عنادها مع أمها، وعدم تلبية طلباتها؛ عندما كانت تريد منها شراء حاجتها من البقال الذي بجانب المنزل، وكثرة نومها معظم أوقات النهار، وحيرة الأم منها وعليها، والأم لا تعلم ما ألم بالإبنة، وحيرة الإبنة  من تخبر  بالذي يلاحقها كل يوم؟ وبعد مدة من الزمن اختفى هذا الوغد من أمامها، سنوات عدة إلي أن أصبحت في ريعان شبابها في السنة النهائية في الجامعة، ولا تعلم أين اختفى هذا الوغد؟

وبعد كل هذا الوقت من الزمن ظهر مرة ثانية أمامها، والآن هو يلاحقها، يقطع طريقها ذهاباً وإياباً وتتسأل: أين المفر؟ وقد علمت  أنه كان في السجن، وأنه معتاد الاتجار في المخدرات، وهم إناس بسيطة، والدها رجل بسيط لا ناقة له ولا جمل فأين المفر من هذا الوغد؟.

 بعد عدة أيام سمعت طرقاً علي باب شقتهم، لم يستجب أحد، خرجت من غرفتها لترى من الطارق؟

وجدت الضابط امامها دهشت وألجمت المفاجأ ة فيها.

خرجت الأم بعد أن أتمت الصلاة لترى من الطارق، رآت أبنتها تقف دون حراك، بادرت الأم بالتحية محدثة: من انت تفضل يا بني .

بعد التحية والتعارف على الأسرة وعدهم بزيارة ثانية بعد الإجابة على طلبه بالارتباط بالإبنة، بعد نيل القبول، وانصرف بعد تسجيل أرقام هواتفهم، وعند خروجه من منزلها اعترض طريقة هذا النذل وضع قدمه أمامه فهوي علي الأرض واقعاً، التفت له بعد نهوضه معتذرا له أعتقد أنه هوى لتعثره أثناء سيره ومضى منصرفاً.

انزوت في غرفتها تلفها الدنيا لا تعلم أين المفر، من إحساسها بالرغبة في الارتباط به وتعلقها به، وبين شعورها بالانتقام من أي رجل يغازلها ويريد أن يمتلكها ؟

وتنظر في مرآتها وتتوالي دموعها مواسية أياها، فبداخلها طفلة رقيقة المشاعر، قد اغتصب برائتها منذ الصغردون المساس بعذريتها، هذا الوغد الذي ألهب مشاعرها في ربيع قاحل، شدها صوت هاتفها من شرودها

أجابت الطرف الآخر: الو الو

أجابت:  من معي؟

تحدث: ألا تعلمين؟  أنا من تقدم لخطبتك فهل تقبليني زوج لك؟

علقت: نعم أقبلك زوج لي؛ ولكن بشرط،؟ هناك من قتلنى في الصغر وأريد الثأر منه، أريد قتله، فهل تقبل هذا الشرط؟

رد: فيما بعد نتحدث عن هذا .

ذهب إليهم  بعد عدة أيام  بالاتفاق معهم، استأذن في مصاحبتها للخارج كي يتحدثا باستفاضة، أثناء خروجهم من المنزل، ومرورهم من الشارع قبالة المنزل، اعترض طريقهم تاجر المخدرات، أمسك يدها بقوة وقال في صوت أجش جهورى اذهبى إلى المنزل، ثم استدار   وضرب الضابط بقبضة يمناه قائلا: إياك أن تمر من هنا، وأخرج نصلا من  بنطاله  وأحدث جرحاً غائراً في يد الضابط، ثم أمسك الضابط وهوى به على الآرض، ووضع النصل على رقبته أمام المارة الذين لم يحركوا ساكناً خوفا منه، وأراد ذبحه فأحدث جرحاً في رقبته،   أخرج الضابط مسدسه على عجل وارداه قتيلاً نهض الضابط من مرقده وطلب الشرطة، ثم اتجه قبالتها وربت على كتفها.

مسحت دموعها مبتسمة ومعللة: لقد ارحت خافقي، هذا الوغد ألهب طفولتي بنيران لم تنطفيء إلا الآن .

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة