عبد الهادى عباس
عبد الهادى عباس


يوميات الأخبار

العقاد وألاعيب الصهيونية العالمية!

عبدالهادي عباس

السبت، 11 مايو 2024 - 07:53 م

نختنق فلا نجد الهواء، وإذا وجدناه فالشهيق زفير والزفير نهيق؛ ولا نأمن بعد ذلك أن نفهم مأساتنا الملهاة باستعداد واعٍ لمستقبل أخطبوطى متعدد الحيل والأحابيل

الثلاثاء:

العقاد.. الحاخام الأكبر!

لا مكان فى الحياة للصدفة واللقاءات العشوائية؛ وإنما هى أقدار الإنسان وخُطاه التى تدفعه إلى مسالك الطريق ودروبه، فلا يملك الفكاك من مصيره مهما بلغ من الوعى واللوذعية.. وفى حياة عملاق الأدب العربي؛ عباس محمود العقاد (28 يونيو 1889- 13 مارس 1964)، محطات مهمة لمواجهة الأفكار الصهيونية المدمرة، وكشف مؤامراتها وخيانتها للقوانين العالمية.. ومن ضمن الكتب التى قرأتها مرارًا للعقاد (الصهيونية العالمية) لأنه دراسة متعمقة عن هذه الشرذمة الآبقة من كل اجتماع إنساني، والتى تستفيد من دموعها التمساحية بابتزاز العالم كله؛ وقد قالها العقاد صريحة منذ احتلالها لأرضنا: بأن الصهاينة فئة ستقضى على اليهود وعلى نفسها فى نهاية المطاف؛ لأنها فى حالة حرب دائمة، لا تعرف الأمن ولا تؤمن بالسلام، ولا يُمكن أبدًا أن يأمن لهم إنسان عاقل؛ ورغم وضوح آراء الأستاذ العقاد حول الصهيونية وأخطارها المُحدقة بالعالم كله، وليس بالأمة العربية فقط، فإننا نجد بعض تلاميذه من اليهود المصريين الذين حرصوا على حضور صالونه الأدبي، ومنهم عائلة «هراري»، الذين كانوا يعتقدون أن العقاد يصلح أن يكون «الحاخام الأكبر» لمعرفته الوثيقة بتاريخهم، والذين أعجبوا بشجاعته عندما واجه أفكار النازية فى كتابه (هتلر فى الميزان)، حتى إن الصحف الألمانية قد كتبت على لسان القادة النازيين قولهم: إنهم سيشنقون العقاد فى حبل أطول منه عندما يدخلون القاهرة!

والغريب ما ذكره الأستاذ «أنيس منصور» فى كتابه الشهير عن صالون العقاد أن هؤلاء اليهود قد مارسوا ألاعيبهم مع الأستاذ وعرضوا عليه أن يكتب عن (عبقرية الكليم) أو عن (موسى بن ميمون)، وأنهم سيوفرون له مئات المراجع اللازمة، وسيترجمون الكتاب إلى عشرات اللغات الأخرى؛ ولكن العملاق رفض هذه المساومات وفطن إلى ما وراءها من تكتلات ومخاتلات صهيونية لاستقطاب الكتّاب وإرهابهم وتشويه صورتهم، مثلما فعلوا مع «فرويد» رغم أنه ربيبهم وابن جلدتهم، وغيره من أولئك الذين فكّروا أن يُخالفوهم، ولو فى بعض الرأي!

ثم إذا طوينا التاريخ إلى حاضرنا المأزوم نجد أن كل ما ذكره الأستاذ العقاد ونبّه إليه قد أصبح أمام أعيننا نُشاهده بوجوهه الشائهة الكالحة، نبتئس بقلوب أفرغ من فؤاد أم موسى، ونعايشه مكظومين مغتاظين، لا نملك لأوصالنا المبتورة التئامًا، ولا لعقولنا الشاردة لجامًا؛ نختنق فلا نجد الهواء، وإذا وجدناه فالشهيق زفير والزفير نهيق؛ ولا نأمن بعد ذلك أن نفهم مأساتنا الملهاة باستعداد واعٍ لمستقبل أخطبوطى متعدد الحيل والأحابيل.

الأحد:

متاحف للمجرمين!

عند الأحداث الكبرى التى تعصف بالأذهان المكدودة فتلطشها لطشة الماء البارد لأجساد أنهكتها حرارة أغسطس، لا أحبذ الانفعال الأهوج، وإنما أنكمش على ذاتي، وأبحث عن الأسباب فى الماضى القريب، والماضى البعيد، على السواء؛ أحاول أن أقرأ وأن أقرأ، كأننى أشحن بطاريات الذهن وأحشوها بكل شيء وأى شيء يتناول موضوع الأحداث ولو من بعيد!

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، والأحداث التى تجرى بصورة مرعبة تشغلني؛ تحتل كياني، مثلما تحتل كياننا جميعًا؛ غير أننى أبحث عن موجبات تلك التصرفات الهمجية، أبحث عن دوافع الإجرام الإنسانى التى تتحول ببنى آدم الذى كرّمه الله إلى رتبة الحيوان، وإننا لنلتمس العُذر لأشد الحيوانات وقاحة وشراسة إن أنفت هذا التشبيه!

وإذا كانت المتاحف تُقام إحياء للتراث المنقضي، وتذكيرًا بالأبطال والمصلحين الذين قدّموا للإنسانية ما يُساعدها على الحياة؛ فإن التذكير بالمجرمين أولى بالاهتمام فى أيامنا هذه التى تتكدس فيها سِحنهم الشائهة وتتزاحم على الشاشات فى صلفٍ مغرور، لتطالب بالعدالة التى تنتهكها، وبإنفاذ القانون الدولى الذى تُخالفه عامدةً، وبنزع أسلحة دول تملك هى أضعافها آلاف المرات؛ وكأننا نعيش فى واقعٍ موازٍ مع الأبالسة والشياطين والمردة والعفاريت الذين لا يؤمنون بغير الحرق والإحراق والقتل والاغتيال وسيلة للبقاء!

ولهذا؛ فإننى أطالب بإنشاء عشرات من متاحف الشمع لمجرمى الصهاينة، بامتداد تاريخهم، ثم نفتح هذه المتاحف مجانًا للجمهور للفُرجة اليومية، لنتذكر مكر أعدائنا وخداعهم؛ فاليقظة والتنبه ودراسة العمق ووسائل الحياة والتفكير، أولى مراحل المواجهة الحقيقية، لا ذلك السباب الحنجورى الذى لا يجاوز الفضاء الأزرق، هذا إذا سمح به الحاج «مارك» أصلًا ولم يحذفه باعتباره انتهاكًا لحرية القتل والإبادة!

الجمعة:

«الأشية» معدن!

الناس معادن، و الأشية معدن.. كلمات لا تجدها إلا عندنا؛ عنوان للرضا والقناعة بقضاء الله، ونوع من الحمد، مع تقبيل اليدين وجهًا لبطن مرات عديدة مع نظرة سريعة إلى السماء؛ قناعة حقيقية نابعة من القلب وليست زائفة ولا واهنة؛ يؤمن المصرى بربه ويثق فى عطائه، تمامًا كما يثق فى كدّ ذراعه وغراس يده الذى يراه كل عام فى (زرع- حصد)، فالمعافرة وحدها هى الطريق إلى أكل العيش؛ والناس معادن، فمنهم الحديد والصفيح والزئبق والألمونيوم، كما أن منهم الذهب والفضة؛ وكل إنسان بحسب رتبته عند الله وعند الناس وبما أنفق من كيسه فى وجوه الخير، فلا معارج الدرجات واحدة، ولا مهاوى الدركات واحدة؛ فبعض الناس تبكى لفقدانهم الجدران ويشتاق إليهم المكان، ومنهم الذين تلعنهم الأرض عند كل خطوة يخطونها عليها؛ والأسوأ منهم الذين يعيشون فى عماية عمياء وهم يظنون أنهم يُحسنون صُنعا!

الأربعاء:

آه من هذا التراب

يتهمنى بعضُ زملائى المثقفين بالتحيز لأفكار العقاد، وهذا اتهامٌ لا أدفعه وشرفٌ لا أتنصل منه؛ فالعقاد قوة ضاربة فى الوجود الفكرى المصرى والعربى منذ بدايات القرن المُنصرم وحتى الآن، ليس فقط لأنه أسهم فى شتى نواحى العلوم الإنسانية الرَّائجة فى عصره، بل لأن الرَّجل كان يحملُ كيانًا مُنبثقا عن مشكاةٍ معرفيةٍ فريدة فى بابها، مُشاكهًا لأبطال الأساطير الأولين؛ وأنت إزاء إبداعه بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تنحاز إليه بكيانك كله أو لا تنحاز إليه على الإطلاق، ولكنك لا تملك أبدًا أن تتجاهله أو تعده حدثا عارضًا فى تاريخ الأدب العربي، بل والعالمي؛ إذ الحقيقة أنه أحد آلهة قمم جبال الأوليمب العربي، إن لم يكن «هُبل» هذه الآلهة جميعًا.. ونعوذ بالله من الخذلان، ونستغفره من التشبيه المُبالغ فى كل حال.

وهذه الاتهامات بالتحيز للعقاد لا تطول ما يحدث الآن من تجريف وتخريب لتاريخ عملاق الأدب العربي، متعمدًا كان هذا التخريب أو غير مُتعمدٍ، فالواقع يقول إن النتيجة واحدة، إذ تتعرض شقة العقاد فى مصر الجديدة، للتخريب، بفعل عوامل الزمان وعدم الترميم والإهمال تارة، ولأسباب ومآرب أخرى تعرفها الفئران الناخبة فى الجدران لإسقاط البيت تارات ثانية، خاصة أنه فى تقديرات رجال الأعمال يوازى ملايين عديدة تنتظرها فى لهفة وشوق شفاهٌ مُتلمظة لغربان سُوءٍ لا تعرف الفارق بين التاريخ والجغرافيا، أو تعرف ولكنها لا تهتم.

المنزل رقم (13 ش شفيق غربال)، الذى شهدت درجاتُ سُلمه خطوات عملاق الأدب العربى دالفًا إلى شقته طوال أربعين عامًا، يئن ويتوجع بعدما ناشته رماح الزمن وكشفت عن أضلعه؛ والصالون الذى استقبل كبار الفنانين والشعراء والمفكرين والمبدعين والناشرين المصريين والعرب، أضحى كومة من تُراب لا يجد من يكنس عنه وعثاء الزمن ودناءة الأيام.

تحوَّلت حياة كاملة بأنفاسِها الحرَّى إلى حطام، وتبدَّلت ثقافة ضاربة بجذورها فى عمق الوجود إلى كُرة «بينج بونج» حائرة بين وزارتى التنمية المحلية والثقافة، وكل طرف يرميها إلى الآخر ليتخلص منها ويلقى بالعبء عليه، اللهم إلا استجابة سريعة من جهاز التنسيق الحضارى حين وضع لافتة «عاش هنا»، وقد تمت سرقتها بعد حين؛ وها هو ذا المنزل يتعرَّض لانتكاساتٍ جديدةٍ عند كل هبَّة ريحٍ، أو دفقة مطرٍ، ولا مُغيث؛ ولا نملك إلا التأمل فى خيبتنا الثقيلة حين تتوه منا مشكاة إنتاج العبقريات وعشرات المؤلفات والدواوين التى ملأت الدنيا وشغلت الناس، وكأننا ننفخ دخانا فى الهواء أو نقبض على الريح.
والعجيب ألا يشغل هؤلاء وأولئك الموظفون أنفسهم بالتفكير فى كيفية الاستفادة من هذا الكنز المُهدر، ولا يُلقون نظرة إلى الدول المتقدمة التى تحتفى بمساكن أدبائها وتتخذ منها متاحف خالدة تُدر دخلًا كبيرًا تنفق منه على تطويرها وتدعم دولها بالفائض وهو بالملايين.

يقول العقاد: 

أنصفتَ مظلومًا فأنصفْ ظالمًا
فى ذلةِ المظلوم عُذر الظالمِ
مَن يرضَ عدوانا عليه يضيرُه
شرٌّ من العادى عليه الغانمِ

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة