«هذا الكشف الكبير والمهم هو بشرة خير عظيمة لدفع عجلة التنمية والاستثمار من أجل مستقبل مصر»

عشت سنوات طويلة أتابع نشاط البترول والغاز الطبيعي في مصر والعالم.. وعاصرت بدء إنتاج الغاز الطبيعي من أول حقول منتجة في مصر في أبو ماضي بالدلتا، وأبو قير بالبحر المتوسط، وأبو سنان بالصحراء الغربية. وتنقلت بين تلك الحقول وغيرها مع أربعة وزراء كان كل منهم يسعى إلى زيادة احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي.
كانت الفرحة كبيرة عند كل كشف جديد خاصة إن كان غازاً طبيعياً لأنه أنظف وأسهل وأقرب للاستخدام من الزيت الخام.. كان احتياطي الغاز الطبيعي في منتصف الثمانينيات لا يتجاوز ملياري متر مكعب.. وكان الحلم هو أن يصل إلى 12 مليار متر مكعب (المتر المكعب يساوي 35 قدماً مكعباً).
الحلم تحقق.. وتجاوزناه كثيراً.. ودخلنا مرحلة التصدير سواء من حصة الشريك العالمي أو من حصة مصر بعد ذلك.. ولكن ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية هو أن عمليات التنقيب تراجعت وعمليات تنمية الحقول المكتشفة توقفت بسبب تراكم ديون الشركات العالمية التي تنقب في مصر حتي تجاوزت ستة مليارات دولار.. وتبدل حالنا من دولة مصدرة للغاز إلى مستوردة له.. وتصل المأساة إلي ذروتها عندما تحولنا من كارثة تصدير الغاز لإسرائيل إلى كارثة أكبر وهو استيراد الغاز من اسرائيل.
لكن البسمة عادت إلينا من جديد.. ونحن نستقبل خبرا مهما مفرحا لا تقل فرحتنا به عن فرحتنا بحفر قناة السويس الجديدة.. وهو خبر الكشف الجديد للغاز الطبيعي الذي تحقق في مياه البحر المتوسط.
الكشف الجديد الذي تم بمياه البحر المتوسط ( شروق ) هو إحدى النتائج الإيجابية للاتفاقيات البترولية التي تم توقيعها خلال العامين والنصف الماضيين والتي بلغت 56 اتفاقية باستثمارات حدها الأدني أكثر من 13 مليار دولار وحفر 254 بئراً بحد أدنى بالإضافة إلى 21 اتفاقية جديدة.. وهو يفتح آفاقاً جديدة لاكتشافات أخرى ويؤكد أن منطقة البحر المتوسط بمصر من أهم الأحواض الترسيبية الحاملة للغاز الطبيعي على المستوى العالمي، ويؤكد أيضاً أن مصر دولة واعدة وسوف تدخل إلى مرحلة جديدة في مستقبل الطاقة والغاز الطبيعي ليس فقط على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم.
من حقنا أن نفرح بهذا الكشف الكبير والمهم الذي نعتبره بشرة خير كبيرة للاقتصاد المصري لدفع عجلة التنمية والاستثمار في مصر لأنه باختصار يوفر احتياطيات حقيقية في منطقة شمال شرق المتوسط تقدر بحوالي ٣٠ تريليون قدم٣ غاز، ولذلك يعتبر من الاكتشافات الضخمة في مصر والعالم واذا ما قورن بحجم احتياطي شمال المتوسط البالغ ٢٠٩ بلايين قدم٣ ( ٠٫٢ تريليون قدم٣) أو احتياطي غرب المتوسط البالغ ٦٠٠ بليون قدم٣ ( ٠٫٦ تريليون قدم٣) بمعنى أن احتياطي الكشف الجديد يصل إلى ٣٧ ضعف الحقلين المجاورين له مجتمعين. وهو يقع علي بعد 180 كيلو مترا من ميناء بورسعيد، وقد تم حفره في عمق مياه 1450 مترا، ووصل إلي عمق 4131 مترا ليخترق طبقة حاملة بالهيدروكربونات بسمك حوالي 2000 قدم (تعادل 630 مترا) من صخور الحجر الجيري من عصر الميوسين. وهو سمك لم يتحقق من قبل. وطبقا لخطة الشركة الإيطالية التي غامرت بالمال ووفرت التكنولوجيا وقامت بالأبحاث والدراسات من المتوقع أن يصل الانتاج اليومي إلي ما يوازي ٢٫٥ مليار قدم٣/ اليوم ليصل معدل الانتاج اليومي للغاز بمصر إلي ما يوازي ٧ مليارات قدم٣/ اليوم وهذا المعدل يغطي على العجز الحالي من الغاز الطبيعي وسيؤدي إلى خفض كبير في استيراد المازوت المستخدم كبديل للغاز الطبيعي. وللعلم فأن تلك الشركة تعمل في مصر منذ الخمسينات وتعاقدت معها مصر لكسر احتكار الشركات الأمريكية والبريطانية التي كانت تسيطر على صناعة البترول في العالم.. وكانت مصر هي أول دولة خارجية تعمل بها الشركة وحققت فيها اكتشافات كثيرة أهمها حقل أبو ماضي أول حقل للغاز في مصر لكنه لم ينتج بسبب نكسة يونيو وبدأ الانتاج بعد نصر أكتوبر.. وحققت أكبر حقول الزيت الخام في سيناء واغتصبته اسرائيل بعد احتلالها سيناء واستعادته مصر عام 1975. ولكننا يجب أن نفهم أن الكشف بعد حفر الآبار التقييمية وتنمية المنطقة سيدخل الانتاج خلال فترة تصل إلي سنتين ونصف ليكتمل انتاجه في ٣ سنوات، لذلك فاننا أيضا لابد أن ندرك أننا لن نستخدم الحقل غداً، وأننا سوف نتوقف عن الاستيراد اليوم.. وأقول ذلك لأني سمعت نكتة تقول إن الشهر القادم سيدق مندوب شركة الغاز باب كل مصري قائلا له : افتح.. احنا شركة الغاز.. ما تخافش.. احنا جايين نديلك نصيبك من الحقل الجديد.
الشعب لابد وأن يشعر بعائد المشروعات الجديدة.. هذا أمر طبيعي.. ولكن لابد أن ندرك أن تلك المشروعات الكبري تصب في إطار عام من مشروعات التنمية.. ومشروعات الطاقة من أهم المشروعات التي تفتح الباب للتنمية.. بل هي روح التنمية.. فقط علينا أن نصبر قليلا.. ونعمل كثيرا.. وإذا لم نعمل كثيرا مثلما تعمل الشعوب التي تريد تحقيق التقدم والتنمية فلا تتوقع لا تقدم ولا تنمية.