الكاتبة .. غدير إيهاب
الكاتبة .. غدير إيهاب


«رحيل » قصة قصير لـ «غدير إيهاب»

الثلاثاء، 16 مايو 2017 - 08:10 م

قصة قصيرة .. بقلم: غدير إيهاب

نهاية هذا الشهر هي السنة العاشرة في زواجنا ..كل شيء يبدو أكثر من هادئ ورائع، أحمد اختارني عقلا و أسرني عشقا كيف يكمن كل هذا الحنين للحب بداخلك وأنت لا تدري ليفيض النبع و يهدر كأنهار بين الضلوع ولا يهدم أي شيء في جريانه بداخلك مهما حدث!
تزوجنا بسرعة بدون معرفة عميقة فقد تقدم لي احمد ووجدني طبيبة ناجحة و هو ضابط وقته محسوب في كل شيء ..واسترحت لكل شيء كأنه مقدر لي.
فقمت أنا بمعظم التجهيزات لضيق الوقت و تزوجنا و منذ لحظات زواجنا الأولي وأنا لم أكن أتوقع هذا الفيض من المشاعر ، أحمد بدا متحفظ جدا في فترة الخطوبة حتى أنني لم اشك أننا سنحيا أي حياة غير الحياة التقليدية !
و لكنني فوجئت برومانسية غير عادية و اهتمام دائم بكل ما يسعدني، فهو لا ينسي أي مناسبة إلا و يفاجئني برقة متناهية عن طريق مفاجئة غير متوقعة ، لحظاتي معه كلها اهتمام ، ضمته لا تختفي عندما يذهب في أي مأمورية ، هو كل ما كنت احلم به وزيادة في كل شيء.
 ليلي: صباح الخير 
 صباح الخير يا احمد
 أنت نازل امتي ننزل سوا
 استني اعملي قهوة و تعالي 
 ادخل فيفتح الدولاب بهدوء و أجد هديتي أمامي 
 احمد هو كل مرة تعمل مفاجأة حلوة كدة 
 أنت أجمل حاجة في حياتي
 ودي أحلى حاجة هتفضل في رقبتي (اسمك جوا القلب ) فعلا!
أنا التي لم تعرف الحب أصبحت لا أرى غير حياتنا و يوم رزقني الله بسيف لم يكن هناك أحد أكثر سعادة مني 
ثم أتت "جنى" ووجدت أن الحياة تكتمل وأن السعادة تطرق أبواب البعض دون آخرين !


حتى حملي الثالث الذي كان أصعب ما يمكن، ولم أكن اخطط له فعندنا ولد رائع و ابنه أجمل ما يكون، فلماذا أتحمل مشقة جديدة ؟ ولكنها إرادة الله كيف نعترض ؟ .
سعادتك واحتوائك هونت كل شيء ..حتى بدأت أشاهد العلبة القطيفة تختفي بين ملابسك في الناحية اليمني وبدأت اشعر أنك تخفي شيئا لعيد ميلادي مميزا كعادتك .. فبدأت أفكر أن أعد لك مفاجأة ..ميدالية لها تصميم مميز لا يحمله سواك وبالفعل رسمت تصميم و ذهبت به لمحل الفضيات الذي نتعامل معه ليرسم تصميمه علي وجه الفضة التي تحبها مثلما أحبها أنا !
سأكتب احمد و ليلي في اتحاد بين حروف لن يقرأها سوانا فأنا ..أنت 
- سيف ...هات خالد وتعالي أوصلكم النادي عايز أتكلم معاك
- ماما بتقول انك عامل تدريبات متوسطة 
- بابا أنا بحاول أقصي حاجة بس أنت عارف السباحة متعبة أوي والكابتن بيعمل تحملات والتحملات مش قادر أحقق فيها بحس إني تعبان في نص التمرين .
- سيف علي فكرة أنت و خالد لكم عندي بدلة صاعقة لو أخر المسابقة واحد فيكم علق ميدالية !
هكذا كان التفوق ليس حكرا علي سيف فقط تحتوي كل من حوله كأنك تحيطنا بالناجحين الطيبين لنقوي بهم ،لم تحتفظ بالمكافأة لإبننا وحده! هذا أنت.. رائع من الداخل و الخارج !
وقبل أن ننام فاجئتني بهذا التصريح بإلغاء إجازتك.
- ليلي أنا كنت عامل حسابي نخرج بكرة سوا لكن استدعوني في الوحدة ..أوعدك أول ما ارجع نقضي سوا يوم كامل 
- حبيبي ..اتفقنا
اتصال بلا رد...اكره أن تنقطع الشبكة داخل الوحدة ، اعرف انك ستتصل من رقم ارضي بعد قليل لأطمئن علي وصولك غريب جدا ألا تتصل !!لماذا اقلق هكذا !
أتذكر عندما تقدمت لي و كنت اخشي ارتباطي بك بعض الشيء لما تبديه من حزم في ملامح وجهك ، و لكن فور أن تحدثنا وجدت أن الحوار لا ينتهي بيننا ، أمر غريب أن تلتقي الأرواح . 


هكذا فتجد أنك تكتمل بحوارك مع الآخر ، وكيف لا تهدأ نفسي إلا عندما اسمع صوتك واطمئن عليك...ننتظر أن نلقاه بنبضات لاهثة تبحث عن الاكتمال عند اللقاء! 
حتى بعد الزواج عندما سافرت في مأمورية خارج مصر ..لم نفتقد القرب و كان البعد يخففه تواجدك الدائم معي في لحظات الحوار السريعة التي كنا نتحدث فأشعر انك بجواري علي بعد خطوات و ليس بيننا بحر و محيط !!هناك سر في صوتك يأسرني ..
أنت ذلك الرجل الذي نادرا ما تلقاه امرأة ..صامت و لكن في صمتك شعراً لا تقرأه إلا من تهواها ..أنت ذلك الملثم لك النور كثغر من حرير و ضوء مبهر رغم هدوء نفسك  هكذا عرفت أيامي معك ! تبحر نفسي بداخلك لأفهم حقيقتك فلا تعود للشاطئ إلا راضية ومطمئنة!
 الو ..مدام ليلي لو سمحتي محتاجين حضرتك ضروري في المستشفي العسكري 
 خير ..في ايه
 معلش نستأذن حضرتك تحضري بس بسرعة إن أمكن.
 الو ..ريهام الحقي اتصلوا بيا عايزيني أروح المستشفي العسكري .
 أنا حاسة إن أحمد جري له حاجة ..إلحقيني مش هقدر أسوق خالص
 حاضر أنا وعصام في الطريق
أنا ريهام ..اتعرفت علي ليلي في النادي ..دائما تجلس وحدها أو مع احمد لا تختلط ابداً بنا ظننتها في اول الامر متكبرة من ذلك النوع الذي لا يري غير نفسه جديرة بالاحترام و لا يحب الاختلاط لدونية جميع من حوله! حتي وجدتها يوما وحدها و اخذني الفضول للاقتراب .فذهبت اليها ادعوها للجلوس معي فوافقت و عرفت لماذا تنأي بنفسها عن الجميع ...هي تلك المرأة الناعمة شديدة البياض من الداخل و من فرط الشفافية قد تجرحها فرط التلوث المحيط فيجب ان تبقي بعيدا عن ملوثات الحياة الاجتماعية التي نعاني منها يوميا!
اتصل عصام بأحد زملاء احمد  و نحن بالطريق و عرف الخبر ...تم اطلاق النار العشوائي في مدخل الوحدة علي احمد و اصابته تبدو مميتة ولكننا نتمني العكس و نتعشم ان يكون هناك خير !كم هو عجيب ان نقترب من ليلي من سنة لنصبح اصدقاء لنكون معا في  لحظة لا يمكن ان تمحي من حياتنا ابدا.
داخل المستشفي ...وجوم علي وجوه الجميع يبدو الأمر شديد السواد
ما هي الا لحظات و عرفت ليلي كونها طبيبة ان الوضع يقترب من نهاية 
اصابات في الصدر و الرقبة ..طلقات يبدو علي من اطلقها انه يحمل حقدا شديد ليمزقه بهذا الشكل !
لكن الغاء الاجازة كان بشكل مفاجيء ..يبدو انه كان يستهدف اي ضابط و ليس احمد بوجه خاص .لماذا دبر القدر ان يكون احمد هو المستهدف ؟!


كيف رحلت و متي ، وانا اراك ..اسمع حديثك تسألني واجيبك يوميا في كل التفاصيل الحياة الغياب لا يصبح غياب الا عندما نفتقد الاحبة و انا لا افتقدك ..اراك ..اضحك معك اهمس لك بأسرار لا تنتهي كل ساعة ، حتي ابنائنا بكوا فترة قصيرة ثم استمريت انت معهم وكأنك بيننا!
اهكذا يكون الحب اقوي من الفراق معك انت وحدك ! ام انه هكذا مع جميع الراحلين،  ام انك زرعت من الحب ما يكفينا ما بقي لنا من الايام..
اتراني انساك
اتراني اهجر الذكري 
وتتوه منا الايام
انت في صحوي و منامي 
كل الايام 
ترحل و تعود في كل يوم
تحمل بين قسمات وجهك 
خصام..ملام
ابدا لم انسي ذلك القلب 
و لن يهدأ داخلي الشوق
حتي اراك ..
حتي انام بين راحتيك
فأنت علي رغم الرحيل
ما بقي لي من الايام!
احملك بين ضلوعي 
جنين...احملك كيان 
انت مني ..
فكيف تمحوك الايام !
أول الأمر ...باغتني الخبر و سقطت و انا احمل بين أنحاء رحمي ابنتنا ، سقطت وأنا أتمنى أن ألحق بك ، لا يعنيني حال ابننا و ابنتنا سيتولاهم الله ، أما أنا لم أكن أحيا إلا لك وليس لي سواك اسعي اليه ، رفضت أن أتناول مهدئات لأحزن قدر المستطاع لعل صوت الصراخ الذي يشعل عقلي يختفي أو لعل الحريق يأكل ما بقي مني و انتهي و لكني للاسف لم الحق بك ، كيف هذا ألم نعرف ان الحزن يقتل ، لماذا لم ينل مني ، أكان حزني قليل لهذه الدرجة التي لم تنهي ما بقي لي 
وأخيرا أنارت حياتنا "ريماس "..نعم حياتنا حتى وأنت غائب عنا ، أتعرف لقد وافقتك عندما اخترت الاسم لكونه بريق الماس و لكنني لم اكن اعرف انه يحمل معني اخر هو الاختفاء داخل القبر، أكنت تعني انك ستمنحني بريقا غاليا ثم ترحل !لماذا الم تعرف انك أنا و إنني لم ارحل لك و لن ارحل الآن!
انارت ريماس حياتنا جميعا ، اعلم انك تعرف ذلك جيدا ، اتعرف لماذا لم ينهي حياتي الحزن لأنني عرفت انك معي و لم ترحل من صدي ضحكاتها حولي ، لو كانت تفتقدك ما ضحكت هكذا!
و كبر اولادنا و يكبرون كل يوم و انا حولي العديد من الاصدقاء ، رغم اني كنت اعتزلهم في وجودك و لكنهم اقتحموا حياتي بعد رحيلك ليمسكوا بيدي و يمروا بي عبر هذه المرحلة لأصبح اقوي ..انتظر لقاءنا لكن بصبر و قوة و سعادة
تخيل انني ابتسم و اضحك مثلما كنا معا ...ريماس تملأ حياتنا بهجة
ابننا كبر يلعب دور الأب للبنتين ..تخيل انه يذهب بهم ممسكا ايديهم داعماً لهم  أول كل يوم دراسة ، في حفلاتهم ، في اعياد ميلادهم ،حتي في تدريباتهم بالنادي  كأنه انت!


أما عصام صديقك و زوجي فيحمل في جيبه دبلة أحمد .. أعطاها لي لأردها لليلي ، كيف يمكنني فعل هذا !
سأضعها في علبة قطيفة و احفظها أمانة عندي حتى يكبر خالد ابني ... و سأقوم بردها يوم يكون خالد زوجا لأحدي البنتين  ...لا يهم ايهم فهما زهرتين نادرتين لأجمل رجل و امرأة عرفتهم في حياتي و لا يمكن أبدا أن تترك الزهور النادرة بلا رعاية !
خالد يحمل إحداهم داخل قلبه.. وأما الأخرى سنكون لها أسرة أخرى
سنحمل هذه الأسرة بين ضلوعنا حتى تمر الأيام عليهم ناعمة  ..حانية!
تلك هي رسالتنا معهم ، لا تقلق يا أحمد فأنت بيننا ...حي لم تمت ، فلم يكن أبدا غيابك رحيل!


حبيبي أنا لم اعرف بعد ما هي الهدية التي تخفيها بدولابك ! أنتظر أن تهديها لي يوم نلتقي !
في الانتظار ...!


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة