صورة موضوعية
صورة موضوعية


الحكومة والبرلمان في مواجهة «دولة السياس»

عبد الجليل محمد- شريف الزهيري

الخميس، 01 يونيو 2017 - 10:18 م

هل تنجح الحكومة فى فك شفرات دولة السياس.. أم إنها محاولات لاتسمن و لا تغني من جوع..؟،  وفي ظل تحركات حثيثة من قبل مجلس النواب ومحافظة القاهرة لتقنين أوضاع السياس في مصر.

و بعد ردود الأفعال الغاضبة من المواطنين الذين يتعرضون لبلطجة وفرض إتاوات عند كل ركنة رصدنا على أرض الواقع عالم السياس وردود الأفعال الغاضبة من قبل المواطنين ومحاولات الدولة لحل هذه الظاهرة الخطيرة في السطور القادمة.

فعلى طريقة فيلم الجزيرة وشعاره الرنان «من النهارده مافيش حكومة..  انا الحكومة» تبنى السياس هذا الشعار في شوارع القاهرة والمحافظات التي أصبحت لا يخلو فيها شارع او ميدان او زقاق من تلك «الفوبيا» التي تحولت إلى كابوس يطارد قائدي السيارات او «هم» فوق الهموم والمتاعب اليومية التي يواجهونها على مدار الأسبوع.. أصحاب سوابق إجرامية..  أم فارضو إتاوات..  أم جهاز معلومات لعصابات السطو المسلح على منازل المواطنين و التي تعتبر خارج سيطرة دولة القانون..  كلها اتهامات موجهة لأصحاب مهنة «السايس»..  ميزانية أخرى بدأ صاحب اى سيارة يضعها في اعتباره حفاظا على سيارته من أن تتعرض للدمار او الهلاك على أيدي هؤلاء السياس الذين اخترعوا لأنفسهم مهنة يستنزفون من خلالها جيوب المواطنين في ظل الأوضاع الاقتصادية الطاحنة التى نعيشها..  وأدواته مجرد فوطة صفراء وصافرة يوجه بها السيارات إلى أماكن الانتظار العشوائية ليزداد نشاطهم يوما بعد يوم في الوقت الذي تعجز فيه القوانين عن مواجهة مثل هذا الوباء الذي لا يرحم..  وفى ظل عجز القانون عن مواجهة هذه المافيا..  قدم عدد من أعضاء مجلس النواب طلبات إحاطة بالبرلمان للحد من هذه الظاهرة ووضع قوانين صارمة لها منعا لاستغلا المواطنين..  قمنا بجولة في الشوارع والميادين لمعرفة آراء المواطنين الذين يتأذون من السياس الذين انتشروا كالسيول فى ليلة ممطرة.

التسعيرة حسب المنطقة
في منطقة وسط البلد تنتشر ظاهرة السياس في كل حارة وشارع وميدان وكل منهم وضع تسعيرته الخاصة لركن السيارة والتي بدأت بـ 10 جنيهات للسيارة الواحدة..  ففي شارع رمسيس أمام دار القضاء العالي وقف ما يقرب من 5 سياس كل منهم منهمك في ركن السيارات باختلاف أنواعها غير مهتمين بما قد يسببونه من تعطيل للحركة المرورية في ذلك الشارع الحيوي الذي يمتد من ميدان عبد المنعم رياض وحتى غمرة..  وأثناء جولتنا بشارع رمسيس كانت من أكثر الكلمات التي لفتت انتباهنا كلمة قالها سايس لصاحب إحدى السيارات الراكنة وهى «يا تدفع قبل ما تروح مشوارك..  يا ما تزعلش على اللي هيحصل فى عربيتك»..  جملة حملت بين طياتها تحديا واضحاً للقانون وفرض الإتاوة وممارسة كل إشكال البلطجة على أصحاب السيارات دون رابط..  وبدأت جولتنا الثانية فى مصر الجديدة المعروفة «بالحي الراقي» التي كادت لا تخلو من تلك الظاهرة في كل شوارعها وميادينها وحددوا التسعيرة حسب نظافة كل منطقة ومستوى العائلات التى تسكن فيها والتي وصلت إلى 30 جنيها..  ففى شارع الحجاز وبسبب وجود السياس تحول إلى شارع عشوائي لا يحكمه سوى الفوضى وتزاحم السيارات وتلاحمها بسبب قيام هؤلاء السياس بتوفير أماكن لركن السيارات..  وكانت الظاهرة الغريبة التي لاحظناها أثناء جولتنا ان هؤلاء السياس يقومون بحجز الأماكن بجانب الأرصفة والمؤسسات الكبرى عن طريق وضع مجموعة من «الأقماع» والتي تزيد من الشلل المروري رافعين شعار «احنا تجار الرصيف».

مصدر للرزق
التقت «الأخبار» مع عدد من السياس لمعرفة لماذا امتهنوا تلك المهنة على الرغم من تعرضها للعديد من الاتهامات.. وبوسط البلد وتحت حرارة الشمس القاسية وقف احمد مرزوق يقوم بتنظيم عملية ركن السيارات داخل منطقته بشارع رمسيس وعندما حاولنا الاقتراب منه لمعرفة مدى المعاناة التي يشعر بها والظروف التى جعلته يعمل سايساً وبمجرد الاقتراب والتحدث معه شعر بحالة من الخوف والرهبة خشية من ان نكون من أفراد الأمن ولكن عندما اطمأن لنا تحدث معنا عن رحلته فى العمل كسايس في الشارع فيقول احمد انه خريج كلية تجارة وعندما تخرج من كليته لم يستطيع ان يعمل بشهادته فخاب أمله فى الحصول على وظيفة فعندها قررت ان اعمل في أي مجال حتى أستطيع ان اصرف على نفسى قائلاً أعمل إيه يعنى..  مكنش فى قدامى غير شغل الشارع أركن عربيات مش أحسن ما أسرق أنا شغال شغل شريف.. فيما يقول محمد سمير سايس بأحد شوارع مصر الجديدة إحنا بنساعد البلد إنها تكون منظمة أكتر وفى نفس الوقت بنشتغل بدل ما إحنا قاعدين مش لاقيين شغل في الحكومة ومش بنعرف نعمل حاجة غير نسوق عربيات قائلا: السايس مش بياخد غير حقه من ركن العربية وحمايتها من السرقة مطالبا بضروره قيام الدولة بإنشاء هيئة ومصلحة حكومية نكون تابعين لها لان ذلك يحمى السايس من سوء معاملة المواطن له.

تقنين الأوضاع
وفى محاولات جادة من محافظة القاهرة أكد اللواء محمد الشيخ، سكرتير عام المحافظة، أن المحافظة تقوم بتقنين أوضاع «السياس» الذين يقومون بفرض الإتاوات على ركن السيارات فى شوارع القاهرة، قائلا: «عارفين إن فيه بلطجية بتفرض إتاوات على ركن السيارات فى الشوارع والموضوع أصبح أمراً واقعاً وسنعمل على التعاون معهم للاستفادة منهم وقال «الشيخ» إن وجود البلطجية فى الشوارع وفرض الإتاوات أصبح أمراً واقعاً، ومن ثم تقوم المحافظة فى الفترة الأخيرة بالتنسيق معهم والجلوس معهم لتقنين أوضاعهم والعمل على وضع تسعيرة لهم بالتنسيق مع محافظة القاهرة، ويكون الوضع قانونياً بالنسبة لهم، مستطردا: «هنأكلهم عيش وهنقنن وضعهم ووجودهم خاصة أن الأمر أصبح واقعاً ولفت السكرتير العام، إلى أن المحافظة ستنتهى من هذا الأمر خلال أشهر قليلة ، لمواجهة أعمال البلطجة وتكون تحت إطار القانون، خاصة أن الأمر لا تستطيع الدولة القضاء عليه خلال الفترة الأخيرة، قائلا: «ساحات الانتظار الرسمية مقننة مثل عبد المنعم رياض وجراج التحرير ودى فلوسها بتدخل الخزانة العامة للدولة»..

مشروع قانون
كما تقدم اللواء ممدوح مقلد عضو مجلس النواب، بمشروع قانون منظم أو منادى السيارات «السايس»، والهدف منه تنظيم أماكن وساحات انتظار السيارات فى الشارع لأنها أصبحت «شغلانة إللى ملوش شغلانة»، وفيها نوع من البلطجة وفرض الإتاوات على المواطن وأضاف، أن اتباع أسلوب البلطجة هو الأساسي فى إنشاء قانون لتوفير سايس تحت مظلة الدولة، للتصدي لفكرة البلطجة فبعد الاطلاع على الدستور وعلى قانون نظام الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وتعديلاته وعلى قانون المرور رقم 66 لسنة 1973وتعديلاته، وبناء على ما ارتآه مجلس الدولة، وفى انتظار قرار مجلس النواب بالموافقة ويعتمد هذا القانون على أن يعمل بأحكام القانون بشأن تنظيم أماكن السيارات، وإنشاء لجنة فى كل محافظة لإدارة وتنظيم عمل الأماكن وساحات انتظار السيارات فى المحافظات، وتشكيل اللجنة من محافظ. وقرر القانون بعض الشروط التى يجب توافرها فى منادى السيارات «السايس»، ومنها:- أن يكون مصري الجنسية.- ألا تقل سنه عن 21 عاماً. إجادة القراءة والكتابة أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها. أن يكون حاصلاً على رخصة قيادة. حسن السير والسلوك وفقا لصحيفة الحالة الجنائية، اجتياز الكشف الطبى وعلى «السايس» تنفيذ جميع المهام الموكلة له، كما أنه له دور كبير في الحفاظ على أمن البلد، عن طريق إبلاغ الشرطة ورجال الأمن في حالة الشك فى إحدى العربيات.

ظاهرة خطيرة بعد الثورة
وأكد د.ايهاب يوسف خبير إدارة المخاطر الامنية ان ظاهرة سايس الجراح التي زادت خطورتها في أعقاب ثورة يناير حيث أصبحت عبارة عن مجموعات تجبر المواطنين وقائدي السيارات على دفع إتاوات ويفرضون سيطرتهم على المناطق العامة وهو ما يعتبر عودة لنظام «الفتوات» والبقاء للأقوى ويقومون بفرض رسوم على أصحاب السيارات ومن يرفض الدفع قد يدفع حياته نظير رفضه او على الأقل إتلاف سيارته او سرقتها..  وأشار إلى إن «السايس» يعتبر جهازا معلوماتيا خطيرا للعصابات فهو يرصد كافة تحركات المواطنين بالمنطقة سواء المترددون عليها او ساكنوها ويعرف مواعيد خروجهم ودخولهم وعدد أفراد الأسرة وتحركاتهم وقد تستغل هذه المعلومات فى عمليات السطو على المنازل او سرقة السيارات او تجارة المخدرات.

واضاف د. إيهاب انه فيما مضى كانت هناك رخص مزاولة لمهنة السايس تصدر من المحليات وتكون كافة المعلومات متوافرة لدى ضباط المباحث لسهولة مراقبتهم والسيطرة على الشارع كما أن الدولة تأخذ نسبة من حصيلة الإيرادات كرسوم..  ولكن الآن أصبحت ظاهرة السايس عشوائية لا تخضع لرقابة ومعظمهم اصبحوا من أصحاب السوابق الإجرامية وهذا يعتبر شبكة معلوماتية للعصابات قد تستخدم لتنفيذ الجرائم..  وتكون السيطرة على المنطقة للاقوى وهو شخص يدير هذه الشبكة، مؤكدا على أن هذه المهنة تدر دخلا سريعا دون مجهود..  وأشار إلى أن الحل يكمن فى عمل دوريات شرطية تجوب الشوارع تمنع وقوف اى شخص يحاول أن يفرض إتاوات على أصحاب السيارات نظير ركن السيارة بالإضافة إلى محاولة تقنين وضع من يصلح لذلك وان تحصل الدولة على حقها المادى منه نظير السماح له بتنظيم ركن السيارات وان تفرض عليه تسعيرة معينة حتى لا يقع أصحاب السيارات تحت جشع السايس.

بلطجة السايس
قال اللواء مجدي الشاهد الخبير المروري إن التشريعات الحالية لا تساعد رجال الأمن في مواجهة «بلطجة سايس الشارع» وفرض إتاوة على المواطنين والسائقين، مشيرا إلى أن أقصى غرامة يمكن توقيعها عليه هي 10 جنيهات لأنها تعتمد على قانون قديم يرجع إلى عام 1937.

وأضاف أن دولة السياس انتشرت بقوة في أكثر الشوارع وأمام المحلات لأنه يحقق مكاسب فى اليوم متوسطها ألفا جنيه وبالتالي فإن توقيع غرامة عليه لا تقوم بردعه عما يقوم به، وسوف يعود لأعمال البلطجة، وهو ما يجب معه سن تشريع جديد وليس إجراء عملية تعديل بنود قانون المرور الحالي وأوضح أن معظم السياس الموجودين فى الشارع لا يحملون تراخيص وبالتالي هم فرضوا أنفسهم على أرض الواقع، موضحا أنه يجب وضع عقوبات رادعة لهم حتى يتوقفوا عما يقومون به من ابتزاز للمواطنين.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة