تركوا آثارنا الإسلامية "فريسة" للبلطجية والباعة الجائلين، مشاهد توجع القلب على تاريخ مصر الذي أصبح "مرتعا" لأصحاب المقاهي وتجار الآثار، وعربات الأكل، فعندما تنزل إلى شارع المعز ترى الملابس تغطى الأماكن الأثرية و"الشباشب والقباقيب" تتعلق على أبواب الجوامع للبيع، الأمر لا ينتهي عند هذه المشاهد وكادت معالمها تزول نتيجة إهمال المسئولين من ناحية، وتحويل الأهالي لها إلى ورش ومخازن أو محلات تجارية من ناحية أخرى في تشويه متعمد.

تعجبنا من الروائح التي لا يتحملها بشر تنتج من ورش الميكانيكا ومصانع الأكل ومخلفات الزبائن..حدث ولا حرج المعالم الأثرية العريقة في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، تتعرض يومياً للكثير من التعديات والانتهاكات الصارخة المقصودة وغير المقصودة، الصادرة من بعض الأشخاص الذين لا يقدرون قيمة الأثر أو معناه التاريخي، مما يهدد الثروة الأثرية بالضياع والزوال، فتحولت هذه المناطق إلى ما يشبه العشوائيات المحتلة من باعة جائلين ومحلات قائمة.

«بوابة أخبار اليوم» قامت بجولة في شوارع القاهرة الفاطمية ورصدت الوضع السيئ الذي وصلت إليه.

عندما يقع نظرك على شوارع القاهرة الفاطمية وتحديدا شارع المعز من ناحية مسجد الغورى تصاب بالحسرة.. الفوضى والعشوائية المدمرة تفشت داخل شارع المعز وباب زويلة وتحولت المنطقة بكل آثارها وتاريخها العتيق إلى شوارع عشوائية بعد أن استحوذ البلطجية على بعض الحشوات والشبابيك النحاسية من معظم الأماكن الأثرية فضلا عن انتشار الباعة الجائلين على جانبي الطريق، وإهمال محافظة القاهرة ووزارة الآثار الواضح ترك لكل من هب ودب أن يحول الأماكن الأثرية إلى مخازن وورش ومحلات لبيع البضائع والبعض الآخر "مهجور" تسكنه الحشرات والقوارض وأطفال الشوارع.

إيجار متعمد
كانت المفاجأة الثانية أن وزارة الأوقاف تؤجر بعض المواقع المجاورة للآثار.. ووزارة الآثار تعجز عن إخلائها رغم أنها الجهة المنوط بها حماية الإرث الأثري، حتى صارت الفوضى سمة مناطق الآثار الإسلامية.

ملابس حريمي

أمام جامع "الغوري" الذي يقع بمنطقة الغورية " تقاطع شارعي الأزهر والمعز"
أحد أشهر معالم القاهرة التاريخية، ويعتبر من أهم المساجد الأثرية فقد انتشرت به أكشاك الأقمشة والملابس والإكسسوارات الحريمى، حتى كادت معالمه تختفي من فوضى البائعين، الذين استغلوا ساحة الجامع فى عرض السلع وبيعها للمواطنين.

ولم يتوقف الأمر عند احتشاد الباعة ووصل الاستهتار بالآثار إلى حد جعلهم يعرضونها ويعلقونها على المبنى الأثري، وهذا الوضع رأيناه أيضاً على جدران "قبة الغوري"، في غياب تام عن أعين جهات المسئولين عن هذه الآثار وعندما سألنا أصحاب هذه المحلات، عن الجهة التي تؤجر لهم، قالوا جميعاً: إنها وزارة الأوقاف وكذلك الحال بالنسبة لـ "سبيل محمد على"، ومسجد "المؤيد شيخ"، ومسجد "إسلام بن نوح"، وهى كلها أماكن أثرية، استغل الباعة صمت المسئولين، وافترشوا أمامها بضائعهم، وعلقوا على جدرانها المفروشات والملابس، واستبدلت لافتات إرشادية للتعريف بتاريخ وأهمية هذه الأماكن الأثرية بأن "البضاعة لا ترد ولا تستبدل".

وهناك "جامع الفكهانى" المعروف بـ "جامع الأفخر سابقاً - وهو أحد الآثار الفاطمية وجدناه قد اختفى وسط تكدس الباعة الجائلين المتراصين على جانبي الشارع، واتخذوا من أسواره مكاناً لعرض بضائعهم من ملابس حريمي وأقمشة ومفروشات، بجانب المتسولين الذين ينامون داخله ويفترشون سلالمه.. بمرورنا بسوق المغربلين، وجدنا جامع " الصالح طلائع " ومحلات الأقمشة والمفروشات والخيام والسجاجيد تحاصره.

فوضى وعشوائية

أما باب زويلة الأثري وهو أحد أبواب القاهرة القديمة ويشتهر برائحة الموت، حيث علقت عليه رءوس رسل هولاكو قائد التتار حينما أتوا ليهددوا المصريين، كما أعدم أيضاً على بوابته السلطان طومان باي، آخر سلاطين مماليك الشراكسة، فتشغله المحلات والأكشاك التي تبيع أغراض السبوع والخيام ورغم إنذارات الإخلاء التي صدرت لهذه المحلات من قبل هيئة الآثار، إلا أن أصحابها ضربوا بها عرض الحائط ويواصلون أعمالهم بجوار الآثار.

وأمام "بوابة المتولي" يوجد مسجد "فرج بن برقوق" الذي أصبح بلا زوار ومهملاً مهجوراً، تحيطه من الجانبين محلات وباعة المنتجات الخشبية والألومونيوم، أصبحوا يشغلون مساحة كبيرة في كافة جوانبه وكأنها منطقة صناعية أو مدينة خزفية لا أثرية جاذبة للسياح.

وخلف مستشفى الحسين الجامعي، يوجد أكثر من مسجد وسبيل مهمل ومهجور وتتكدس جدران الأماكن الأثرية بالمحلات التجارية التي تشغل مساحة كبيرة داخل الأثر، كما يقف بائعو المأكولات وسيارات النقل والملاكي ويتخذون من هذه الأماكن سوقاً خاصة لهم.

أين وزارة الآثار

يقول عادل سنوسي من سكان منطقة الأزهر أن وزارة الدولة للآثار، هي الجهة المسئولة عن جميع مسائل الحماية والترويج وإدارة التراث الثقافي في مصر، مطالبا بضرورة وضع حد للحفاظ على التراث الإسلامي.

وأضاف محمد على بائع، إن الآثار تعتبر بأنواعها المختلفة من أهم الثروات الوطنية والقومية التي تميز عراقة الشعوب لكونها من أصدق الشواهد على الحضارات السابقة، وهى الأساس في تحديد هوية كل شعب على حده، ومن هنا تتضح أهمية تكاتف كافة الجهات المعنية من أجل الحفاظ على القاهرة التاريخية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية بالمنطقة.

وأكد محمد عبد العزيز معاون وزير الآثار للشئون الإسلامية والقبطية أنه تم تحديد المناطق والمحاور التجارية بالقاهرة الفاطمية للعمل على إيجاد توازن بين طبيعة المناطق السكنية واحتياجات المناطق التجارية وتحديد مخطط الاستعمالات لتحديد أولويات احتياجات الخدمات.

وأوضح أن تحليل الوضع الراهن في المنطقة يبدأ بحصر الأنشطة التي لا يتناسب وجودها في المدينة التاريخية مثل مخازن المنتجات الزراعية أو ورش الألومونيوم وغيرها من الأنشطة الضارة بالبيئة وما ينتج عنها من تلوث سمعي وبصري مضيفا بأنه تم حصر المباني الأثرية وتحديد محيطها المباشر، ثم المباني التي يمكن إخضاعها لعمليات الارتقاء العمراني ثم المباني الخربة التي ليس لها استغلال اقتصادي مع وضع الحلول المناسبة لحماية النسيج العمراني المتمثل في تقسيمات الأراضي وشبكة الشوارع مع احترام عروض الشوارع التاريخية للحفاظ على النسيج العمراني.

فلا يجوز فتح شوارع جديدة أو توسعة الشوارع القائمة مما يؤدى إلى هدم المباني التراثية القائمة بما يخالف مبدأ الحفاظ على التراث المعماري والعمراني ووضع المحددات المعمارية للمباني الجديدة أو المباني التي يعاد بناؤها بالمنطقة مع وضع ضوابط لاشتراطات البناء، مضيفا أنه تم حصر الإشغالات التجارية على المباني الأثرية وتصنيفها والبدء في إنشاء أسواق متخصصة لها حسب الحاجة.

وأشار عبد العزيز تشكل عملية جمع القمامة واحدة من المشاكل الرئيسية بالمنطقة التراثية ويتم التصرف فيها بجهود فردية مما يؤدى إلى تكدسها في الأماكن الخربة والمتهدمة وأيضا بجوار الآثار.

وأكد، تم وضع خطة عاجلة لنظافة مناطق القاهرة التاريخية وإنشاء إدارة متخصصة بمحافظة القاهرة بالتنسيق مع وزارة البيئة تكون مهامها الحفاظ على المظهر العام الحضاري للموقع التراثي للقاهرة التاريخية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وأهالي المناطق التراثية مع وضع برامج للتوعية بأهمية نظافة المنطقة كأحد أكبر مواقع التراث العالمي وما لذلك من عائد على المجتمع وتم وضع معايير وضوابط لإعادة تأهيل وتوظيف المباني الأثرية والتراثية مما يسهم بشكل مباشر في الحفاظ على المباني والمناطق المحيطة بها.

وقال إن هناك عدة حلول بالنسبة لمنطقة جنوب الجامع الأزهر بالغورية وشارع الإمام محمد عبده وهى تتمثل في إعداد دراسة متخصصة عن الملامح العمرانية العامة بالمنطقة وإمكانيات التنمية العمرانية بها ووضع مخطط تفصيلي للمنطقة بالكامل تم فيه تحديد مواقع المباني الأثرية واستخداماتها.

وأضاف تم وضع مجموعة من سياسات التعامل سواء للمباني الأثرية أو المباني المتميزة أو الأراضي الفضاء المراد إعادة استغلالها.