حنان الصاوي

الإثنين، 07 أغسطس 2017 - 01:27 م

وسط مساحة خاوية تحتضنها «البرلس» في كفر الشيخ، بدأت ملامح كهرباء«البرلس» تشق طريقها في سماء الدلتا، مقدمة نموذجًا عالميًا في التصميم والابتكار لإنشاء محطة كهرباء عملاقة، تقدم خطوط تيار قادرة على خدمة ملايين المواطنين.

في منتصف 2018، تتولى محطة كهرباء البرلس دورها في إنتاج الكهرباء، ضمن محطات ثلاث تتولى شركة سيمنز الألمانية إنشائها، بإجمالي قدرات 4 آلاف و800 ميجا وات، وبتكلفة 2 مليار يورو لكل محطة، لكن الإنجاز الأكبر أن المحطات الثلاث ستنتج 50% من كهرباء مصر.. ومن هنا كانت لـ»بوابة أخبار اليوم« جولة لرصد الإنجازات التي تتم هناك لحظة بلحظة.

آلاف المهندسين والعمال

8 آلاف عامل ومهندس يواصلون الليل والنهار كخلية نحل لضمان تشغيل المشروع في موعد وبكفاءة عالمية، فمنذ بدء المشروع بذل الجميع مجهودًا على مدار 10 ملايين ساعة، جميعهم من أبناء الدقهلية وكفر الشيخ، غير مدرج بها 6 ساعات للذهاب والعودة من مقار إقامتهم للمحطة، ورغم ذلك الانضباط شعارهم.

المحطات الثلاث تتكون من مرحلتين «الأولى»، تم افتتاحها  في فبراير الماضي، حيث دخلت الخدمة بجانب محطات أخرى بشبكة الكهرباء الرئيسية، وتنتج 14.4الف ميجا وات، والمرحلة النهائية ستكون الانتهاء منها في نهاية عام 2018.

إمكانيات بالجملة

تتكون محطة كهرباء «البرلس» من 12 وحدة (8 وحدات غازية و4 وحدات بخارية) 4 موديولات كل موديول به «2 تربينة غازية»، قدرة كل واحدة منها 400 ميجاوات، وتربينة بخارية قدرة 400 ميجاوات، و«2 غلاية» لاستعادة الطاقة المفقودة، وبلغت نسبة تنفيذ المشروع حوالي 70 % طبقًا للجداول الزمنية المحددة.

وتم تطوير ميناء البرلس ليستوعب حمولات سفن تصل إلى 2000 طن، لاستخدامها في أعمال نقل المعدات الثقيلة ذات الأوزان العالية اللازمة لإنشاء محطة كهرباء البرلس، وكذلك زيادة عمق الميناء والمجرى الملاحي ورفع كفاءة الرصيف الشمالي لاستيعاب الطرود ذات الحمولات الثقيلة الخاصة بالمحطة 12 وحدة إنتاج تحصل على 22 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لإنتاج 4800 ميجاوات.

وتبدأ شركة سيمنز الألمانية اختبار تشغيل 12 وحدة إنتاج كهرباء من محطات بني سويف والبرلس والعاصمة الإدارية الجديدة، الشهر القادم، وهي الانتهاء من المرحلة الأولى للمحطات.

وتم إجراء تجارب التشغيل لأحد الوحدات  بقدرة 400 ميجاوات من محطة بني سويف نهاية الشهر الجاري، على أن يتم إجراء تجارب لـ5 وحدات أخرى من نفس المحطة  في الأسبوع الأول من فبراير المقبل.

وسيتم إجراء تجارب التشغيل لأربع وحدات بقدرة إجمالية 1600 ميجاوات في محطة البرلس قبل نهاية الشهر الجاري، على أن يبدأ التشغيل التجاري للوحدات في فبراير المقبل.

الكهرباء والبترول تسابقان الزمن

وفقًا لاتفاق وزارة الكهرباء مع مسئولي شركة سيمنز الألمانية، بدأت 12وحدة تجارب التشغيل على الشبكة لمدة أسبوعين ثم بعدها بـ15 يوما يتم التشغيل التجاري، وتحميلها لتضيف للشبكة الكهربائية 4800 ميجاوات نهاية فبراير الماضي .

بدورها، انتهت وزارة البترول بالتنسيق مع «الكهرباء» من توصيل خطوط الغاز للمحطات الثلاث في بني سويف والعاصمة الإدارية والبرلس، وتم إجراء التغذية العكسية لتشغيل المحطات، حيث تم توفير 2 مليون متر مكعب يوميا لوحدة الإنتاج الواحدة في كل محطة لتشغيلها تجاريًا وربطها على الشبكة القومية للكهرباء، ديسمبر الماضي.

وتحصل محطة بني سويف على 12 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لـ6 وحدات إنتاج بقدرة إجمالية تبلغ 2400 ميجاوات، كما سيتم توفير 2 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لوحدتي إنتاج بمحطة العاصمة الإدارية الجديدة بقدرة 800 ميجاوات، بينما تحصل محطة البرلس على 10.4 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لـ4 وحدات إنتاج بقدرة إجمالية تبلغ 1600 ميجاوات.

 ويعمل بموقع إنشاء محطة البرلس أكثر من 8 آلاف عامل من الفنيين والهندسيين يوميا  24 ساعة، في طقس متقلب، حيث يستخدم المهندسون المشرفون أغطية بلاستيكية لتغطية صبة الخرسانات لحمايتها من الأمطار.

الأولى بالشرق الأوسط

لا يخفى على أحد أن محطة كهرباء البرلس ستكون أكبر محطات إنتاج الطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط، حيث تقع على بعد 16 كيلو مترًا من ميناء البرلس على مساحة 250 فدانا. 

وستنتج 4.8 ألف ميجاوات كهرباء، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 2 مليار يورو ويتم تنفيذها خلال 33 شهرًا فقط بدلاً من 7 سنوات، بعد أن تعاقدت عليها وزارة الكهرباء مع شركة سيمنز وبها حوالي 12 مولدا سيتم تركيبها على عدة مراحل تنتهي نهاية عام 2018.

الأمان أولا وأخيرًا

في جولة «بوابة أخبار اليوم» داخل المحطة يرفع الجميع شعار «الدقة في الأداء والسرعة في التنفيذ»، لكن مع مراعاة معايير الأمن من الألف للياء، حيث لا يمكن لعامل الدخول إلى المحطة دون ارتداء طاقم الحماية، مع تخصيص طريقًا للمشاة والمهندسين، وممر آخر للسيارات، وكل ذلك تحت حماية مبنى الحراسة في بداية المحطة.

«المهندس محمد النادي - مدير عام التشغيل لمحطة كهرباء البرلس» قام بشرح وافي عن أنواع محطات الطاقة الكهربائية بصفة عامة، وعن مشروع الكهرباء بالبرلس بصفة خاصة.

 وأكد النادي أن العمال والمهندسين حققوا إنجازًا بنجاحهم في إصلاح وتمهيد الأرض لإقامة المشروع عليها، وضمان عدم هبوطها في أي لحظة بالمباني المقامة عليها، فضلا عن تأمين خط الغاز الذي قامت وزارة البترول بتوصيله للثلاث محطات «البرلس والعاصمة الإدارية وبني سويف».

وأوضح النادي أن هذا الخط طويل جدًا طوله حوالي 900 متر ومواسيره ضخمة وبها فلاتر لتنقية الغاز قبل دخوله إلى الوحدات الغازية، مؤكدًا أن إنتاج الكهرباء من المياه يتم بوضع المياه المقطرة في غلايات كبيرة جدا على درجات حرارة وضغط مرتفعين، واستخدام البخار الخارج من الغلايات لتدوير عامود التوربينة البخارية والمولد وبالتالي يتم إنتاج الكهرباء وتم الانتهاء من حوالي 88 % من المشروع والافتتاح النهائي سوف يكون نهاية 2018.

مهندسة واحدة تكفي

من بين عشرات المهندسين، تقف «مايسة أحمدي» مهندسة وحيدة بجانب زملائها الرجال لتشرف على المشروع وتبدي الملاحظة تلو الأخرى، بما يتناسب مع موقعها كمدير عام المشروعات وسط الدلتا.

وقدمت المهندسة مايسة شرحًا لعملية استخدام الغاز في توليد الكهرباء، مؤكدة أنه عندما يدخل الغاز من الخط القادم من وزارة البترول ومروره بكباسات لتنقيته من الهواء، ثم يمر بفلاتر أخرى لتنقيته من أي شوائب أخرى، وأخيرًا تمريره على غرف الاحتراق تحت درجات حرارة مرتفعة ويتم الإشعال لتنتج الغازات الساخنة وتقوم بتدوير عامود التوربينة الغازية والمولد وبذلك يتم توليد الكهرباء.

هنا تدخل «المهندس ماجد الفيومي» ليؤكد أن المولدات الكهروميكانيكية تسوقها في الأساس محركات حرارية يتم تغذيها بواسطة عمليات الاحتراق الكيميائية أو الانشطار النووي، ولكنها أيضاً قد يتم دفعها بواسطة وسائل أخرى لتوليد الطاقة لكهربية مثل الطاقة الحركية للمياه المتدفقة والرياح.

وتشمل مصادر الطاقة الأخرى الخلايا الكهروضوئية الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية (الحرارة الجوفية) والإنتاج المزدوج أو التوليد المشترك للطاقة وهو عملية استخدام البخار المستنفد أو المستخرج من التوربينات بغرض التسخين في العمليات الصناعية، مثل تجفيف الورق، أو تقطير النفط في مصفاة أو لتدفئة المباني. 

وقبل انتشار محطات توليد الكهرباء المركزية على نطاق واسع كان من الشائع أن تقوم الصناعات، والفنادق الكبيرة والمباني التجارية بتوليد الطاقة الخاصة بها، وتقوم باستخدام البخار منخفض الضغط المستنفد لأغراض التدفئة واستمر استخدام ذلك الأسلوب لسنوات عديدة حتى بعد أن أصبحت المحطات المركزية منتشرة ولا يزال يستخدم في العديد من الصناعات.

أما «المهندس ياسر يوسف» فتحدث لـ«الأخبار» عن سر اختيار البرلس تحديدًا لإنشاء محطة الكهرباء بها، مؤكدًا أنها تقع بين محطتين وتقوم بتغطية أي عجز يحدث داخل أي محطة أخرى، وتتكون من توربينات ومولدات للكهرباء إذا حدث أي عطل فالمولد يعمل تلقائيا ومحولات للكهرباء وأيضا بويل لتسخين المياه وتكن هذه هي الوحدات الأساسية للتشغيل للمحطة.

خوذة وجاكيت وحذاء

عملية التأمين داخل محطات الكهرباء لا ترتبط فقط بالأمن ضد السرقة بل سلامة العاملين صحيًا تعد لها الأولوية، ولذلك قال المهندس أيمن مرسي إنه يتم التشديد على العاملين ضرورة ارتداء ملابس خاصة تتمثل في «خوذة وحذاء ونظارة وجاكيت تأمين» ضد الأخطار.

وشدد المهندس أحمد دبور على أنه يتم المرور يوميًا على جميع العاملين بالموقع من أكبر مهندس إلى أصغر عامل للتأكد من ارتدائهم جميعًا ملابس التأمين على مدار اليوم، وسرعة اتخاذ اللازم في حال حدوث أمر طارئ.

في حين أوضح «محمود إبراهيم – مهندس مدني» أنه يتولى الإشراف على الصبة الخرسانية وقياسها بمعدات مختلفة، مضيفًا: «لابد من تواجدها بدرجة حرارة معينة وتغيير الجو أثناء الحرارة والبرودة، وعند وجود أي خطأ لابد من إصلاحه على الفور والتركيز الجيد في العمل لأننا نعمل بأرواح بشرية».

«مايكل جورج – أحد أطقم العمل بالموقع» لفت الانتباه إلى أن عمال التسليح بمثابة «جنود مجهولة»، مؤكدًا أن أصغر عامل لم يتم الـ20 سنة، ورغم ذلك يعمل بسرعة فائقة ودقة متناهية، مشيرًا إلى أنه رغم كل ذلك يسافر يوميًا إلى المنصورة ويعود لاستكمال عمله.

الآن، ينتظر العاملون بمحطة كهرباء البرلس قبل المواطنين أنفسهم، خروج هذا المشروع العملاق إلى النور، خصوصًا أن إنجازه خلال ثلاث سنوات يعد أمرًا مثيرًا للاهتمام، وفخر للعمال والمهندسين المصريين.