ياسر رزق يكتب من نيويورك: أسرار اللقاء المفاجئ مع نتنياهو .. وأحاديث «الطبخة» المزعومة

ياسر رزق

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017 - 09:57 م

منذ عصر الاثنين الماضي، بدت رائحة شواء تفوح في سماء مانهاتن، تشتمها أنوف المراقبين والمهتمين بقضية السلام في الشرق الأوسط، تنبئ بوجبة دسمة طال انتظارها، تشتهيها شعوب المنطقة الجوعى للسلام، لكن في حقيقة الأمر، ليست ثمة وجبة جاهزة، ولا طبخة قيد الإعداد بعد!بعد ظهر أمس الأول، التقى الرئيس الأمريكي ترامب مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الموجود في نيويورك لحضور اجتماعات الدورة (72) للجمعية العامة للأمم المتحدة.


كان اللقاء مرتباً منذ أيام، وأعلن موعده بيان صدر عن البيت الأبيض، أشار أيضاً إلى عزم ترامب على الالتقاء يوم الأربعاء بقادة الأردن والسلطة الفلسطينية ومصر.لكن العبارات التي وردت على لسان ترامب هذه المرة أثناء لقائه نتنياهو كانت أكثر صراحة وقوة وعزماً على تحقيق السلام.


ليس سراً أن ترامب يتوق لتحقيق اختراق سريع في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، التي دخلت منذ سنوات فى حالة موت إكلينيكى.
 ففى لقائه مع الرئيس السيسى بواشنطن في إبريل الماضي، أي بعد أقل من 3 شهور على دخوله البيت الأبيض.. قال ترامب: «إننا ندعم مصر سياسياً بكل قوة للقيام بدورها الإقليمي فى الشرق الأوسط، فنحن نعرف دورها الإيجابي فى حل القضايا، ونعلم أنها دولة مقبولة لدى كل الأطراف حين تتدخل لحل أى قضية بالطرق السلمية».


كان في خلفية حديث ترامب، الدور الممتد لمصر في قضية السلام، والرسالة التي أطلقها الرئيس السيسى من أسيوط في شهر مايو من العام الماضي، ودعا فيها إسرائيل والفلسطينيين إلى اغتنام فرصة يراها حقيقية وسانحة لتحقيق السلام، مؤكدا استعداد مصر لبذل كل الجهود لإنجاح المبادرات المطروحة، ومنها مبادرة السلام العربية. نفس الدعوة جددها الرئيس فى كلمته فى سبتمبر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستمع إليها ترامب حين كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة.


رد السيسى على كلمة ترامب في لقاء القمة المصرية الأمريكية قائلا: «ستجدنى وستجد مصر داعمين بكل قوة للجهود التي ستبذل من أجل إيجاد تسوية سلمية أسميها «صفقة القرن» لهذه القضية التي اعتبرها «قضية القرن».وعقب ترامب على الرئيس قائلاً: بالتأكيد.. سوف نقوم بذلك معاً.


وفى أول بادرة ملموسة من ترامب تجاه تحريك عملية السلام، أوفد صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر منذ 3 أسابيع إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للقاء نتنياهو وعباس، ثم لقاء الرئيس السيسى فى القاهرة، غير أنه لم تكن بيدى كوشنر صيغة واضحة لأساس استئناف محادثات السلام.


فى لقاء أمس الأول بين ترامب ونتنياهو.. قال الرئيس الأمريكي للصحفيين: «لدينا بالفعل فرصة جيدة لصنع السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل والتوصل إلى «صفقة المنتهى».


وأضاف قائلاً: أعتقد أن إسرائيل تريد أن تراها، وكذلك الفلسطينيون، ونحن أيضاً نريد أن نراها. هناك أناس يقولون أنها لن تحدث، لكنى أقول أنها يمكن أن تحدث».تعبير «صفقة المنتهى»، أو «صفقة نهاية المطاف» الذي استخدمه ترامب، أثار فضول المتابعين لمعرفة محتواه، خاصة أن نتنياهو عقب على كلام الرئيس الأمريكي مؤكدا أنه سيناقش معه طريقة اغتنام فرصة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبينها وبين العالم العربى، وقال إن الأمرين مرتبطان، وسنناقش كيفية الدفع بهما معاً.


بينما كان ترامب ونتنياهو يختتمان لقاءهما في جزيرة مانهاتن بقلب نيويورك، كان هناك لقاء آخر على مقربة منهما، بين الرئيس السيسى والرئيس الفلسطيني محمود عباس فى مقر إقامة السيسى بفندق «بالاس».


لم يكن لقاء الرئيس السيسى مع أبومازن موضوعاً على جدول الأعمال المبدئي للرئيس، غير أنه لم يكن مفاجئاً لرجال الإعلام، خاصة أن الرئيس يلتقي مع الرئيس الفلسطيني بصورة منتظمة سواء في القاهرة أو أثناء مشاركتهما فى المحافل العربية والدولية، ومنها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.كان اللقاء متوقعاً، في ضوء النجاح اللافت للنظر وغير المتوقع، الذي حققته الأجهزة المصرية، في التوصل إلى اتفاق للمصالحة بين حركتي فتح وحماس في مطلع هذا الأسبوع، بعد مفاوضات جرت بينهما في القاهرة برعاية مصرية، وبدء اتخاذ إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني من تسلم مسئوليتها في غزة بعد حل اللجنة الإدارية التي كانت حماس قد شكلتها في القطاع.


جوهر ما جرى فى لقاء السيسى وأبو مازن، كان هو تعبير الرئيس الفلسطيني عن شكره وتقديره لجهود مصر ومساعيها التى ساهمت فى تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية. وقال ان ما تم لم يكن من المتصور التوصل إليه بهذه السرعة لولا الجهود المصرية المخلصة، وأكد عزم السلطة الفلسطينية على المضى قدماً فى خطوات إنهاء الانقسام سعيا لتوحيد الشعب الفلسطينى وتمكينه من مواجهة التحديات التى تواجه القضية الفلسطينية.


ورد الرئيس السيسى على أبو مازن مؤكدا أن القضية الفلسطينية ستظل تحتل أولوية السياسة الخارجية المصرية، وأن مصر ستواصل جهودها مع كل الأطراف الفلسطينية لرأب الصدع.


بدا الرئيس أبومازن سعيداً خلال لقائه بالرئيس وممتناً للانجاز الذي تحقق بفضل المساعي المصرية، فهو يدرك أن الانقسام الفلسطيني كان ذريعة تستخدمها الحكومة الإسرائيلية للتنصل من استئناف التفاوض، والإدعاء بعدم وجود شريك لها في المفاوضات يستطيع التحدث عن الضفة الغربية ومعها غزة.


بعد قرابة الساعة من انتهاء لقاء السيسى مع محمود عباس، سرت معلومات مؤكدة عن لقاء سيتم فى التاسعة ليلاً بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.كان الخبر مفاجأة كاملة، واستتبع معه سيلاً من التكهنات تربط لقاء ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بلقاء السيسى مع أبو مازن، واللقاء المرتقب بين الرئيس المصري ونتنياهو، ثم بلقاءات الأربعاء بين الرئيس ترامب وكل من العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس الفلسطيني والرئيس السيسى.


توارت الأزمة الكورية الشمالية التى كانت تستحوذ على اهتمام قادة ورؤساء وفود دول العالم المشاركين فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصدرت المشهد القضية الفلسطينية، وبدأت التوقعات بين الوفود الإعلامية تتحدث عن فحوى «صفقة المنتهى» التى أشار إليها ترامب فى كلمته للصحفيين خلال لقائه مع نتنياهو قبل ساعات، وعن وجود طبخة سابقة التجهيز جرى تحضيرها فى شأن عملية السلام.وتركز الاهتمام على اللقاء المرتقب ليلاً بين السيسى ونتنياهو، وسط تأكيدات إعلامية على أن هذا اللقاء جرى ترتيبه مسبقاً قبل وصول الرئيس ورئيس الوزراء الإسرائيلى إلى نيويورك بطلب أمريكى فى سياق لقاءات ترامب المتتالية مع قادة إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية ومصر.< < <حقيقة الأمر أن لقاء الرئيس السيسى مع نتنياهو لم يتم الاتفاق عليه إلا قبل إتمامه بساعات معدودة، وبالتوافق بين الجانبين، ولم يكن مرتباً مسبقاً وتم التكتم عليه كما أشيع.


قبيل اللقاء.. سألت مسئولاً مصرياً رفيع المستوى عن سر هذا اللقاء أجاب: لابد من التشاور حول عملية السلام فى ضوء التطورات الأخيرة الخاصة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، وأثرها الايجابى على الوضع الأمنى فى غزة، وكذلك على مسار عملية السلام، فهناك طرف فلسطينى له عنوان هو السلطة الفلسطينية، يستطيع الجانب الإسرائيلى أن يتفاعل معه وهذا يقتضى إرادة سياسية من القيادة الإسرائيلية. ومن ثم فإن حديث الرئيس المصرى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى يستهدف تشجيع إحياء المفاوضات وإيجاد رؤية تستشرف المستقبل، وتنظر إلى العوائد التى ستتحقق للشعوب بعد إنتهاء الصراع وإحلال السلام.وأضاف المسئول المصرى رفيع المستوى قائلاً: هناك أيضاً شق آخر لهذا اللقاء، وهو الجانب الثنائى، فى ضوء حرب مصر على الإرهاب فى سيناء، التى تخوضها بقوات تتجاوز ما هو منصوص على وجوده فى سيناء بمعاهدة السلام


90 دقيقة كاملة استغرقها لقاء الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، بحضور وزير الخارجية سامح شكرى، والوزير خالد فوزى رئيس المخابرات العامة، واللواء عباس كامل مدير مكتب رئيس الجمهورية والسفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية.انتهى اللقاء فى العاشرة والنصف مساء، وبدا على أعضاء الوفد الإعلامى الإسرائيلى بعض القلق وهم يستفسرون من الجانب المصرى عن مغزى طول اللقاء عما كان مقرراً له، وهل هو أمر إيجابى أم سلبى، ويسألون عن مدة لقاء الرئيس السيسى قبلها بساعات مع أبومازن!مسئول مصرى آخر رفيع المستوى وصف أجواء اللقاء بأنها كانت إيجابية، والمناقشات بأنها اتسمت بالصراحة.قضية السلام استحوذت على معظم الوقت. 


كان التركيز فى البحث على سبل إحياء عملية السلام، واستئناف المفاوضات، بغية إقامة دولة فلسطينية، مع توفير الضمانات المطلوبة بما يسهم فى إنجاح التسوية السلمية.كلام الرئيس السيسى خلال اللقاء كان يرتكز على الآفاق التى يمكن أن يفتحها السلام فى المنطقة، والواقع الجديد الذى يمكن أن تنعم به شعوب المنطقة، خاصة أن التوصل إلى تسوية سلمية بين الفلسطينيين وإسرائيل، سيؤدى إلى سلام وعلاقات تعاون بينها وبين العالم العربى ودول إسلامية أخرى، وركز الرئيس فى حديثه على أن هدف المفاوضات لابد أن يكون هو التوصل لتسوية عادلة وشاملة وفقا لحل الدولتين.استمع نتنياهو إلى حديث الرئيس بإنصات، وعبر له عن تقديره لدور مصر المهم فى الشرق الأوسط وجهودها فى مكافحة الإرهاب وإرساء دعائم الاستقرار والسلام.


فى ساعة متأخرة من ليل أمس، تحدث الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مخاطباً الضمير العالمى بإيجاد حلول للأزمات التى تعانى منها الشعوب، ومنها بطبيعة الحال القضية الفلسطينية.سوف يتحدث أيضا الرئيس الأمريكى ترامب ونتنياهو والعاهل الأردنى الملك عبدالله ولن يخلو الحديث من قضية السلام.ليس من المتصور حدوث اختراق درامى فى عملية السلام، يقود إلى تسوية سلمية فى أمد عاجل، وفق رؤية جرى الاتفاق عليها خلف الكواليس، أو «طبخة» سابقة التجهيز.لكن ظواهر الأمور تشير إلى حركة بدأت تدب فى أوصال عملية السلام من بعد موات، تحتاج إذا توافرت إرادة سياسية فى إسرائيل، إلى توجهها نحو استئناف التفاوض فى أقرب وقت، على أسس متفق عليها ومرجعيات توافق عليها المجتمع الدولى.وربما تسهم لقاءات اليوم للرئيس الأمريكى مع الرئيس السيسى والرئيس الفلسطينى وملك الأردن، بعد لقاءات أمس الأول بنيويورك، فى إزالة العقبات التى تراكمت فى طريق عملية السلام.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة