رئيس تحرير أخبار اليوم
رئيس تحرير أخبار اليوم


عمرو الخياط يكتب .. رخصة مدنية

عمرو الخياط

الجمعة، 29 سبتمبر 2017 - 05:10 م

لم تكن ثورة 30 يونيو حدثاً عادياً كما لم تكن غضبة شعبية عابرة ناتجة عن الضيق المؤقت من الأوضاع التى كانت قائمة حينها، بل جاءت نتيجة وعى تراكمى لأمة خافت على وطنها ودينها، ثورة الإنسانية أشرقت أنوارها الكاشفة على محيطها العربى بعدما رفعت عن جماعات الرجعية والاتجار بالدِّين الغطاء التاريخى للنصب والتدليس باسم الدين.

المد الإنسانى والحضارى للثورة المصرية وصلت آثاره للعقل العربى الذى تابع مرارة التجربة المصرية عن كثب، وعلى الرغم من أن قسوة الأزمة تحملتها مصر وحدها إلا أن ثمرة نجاحها تحولت لرصيد مهول من الطاقة التى تمددت فى أرجاء الإقليم فشكلت حائط صد فكريا أمام تيار الرجعية الذى ظن فى غفلة من الزمن أنه قادر على إطفاء شعلة الحضارة المصرية المستندة لرصيد مهول من التنوير.

أنوار الثورة المصرية وصلت إلى أرجاء المملكة السعودية بعدما تجرأت الجماعات السلفية والتكفيرية بالمزايدة حتى على أرض الحرمين الشريفين التى لم ولن تألو جهدا لخدمة حجاج بيت الله الحرام، بل لم تدخر جهدا لخدمة ودعم الأمة الاسلامية بكافة أرجاء الأرض، وفِى الوقت الذى كانت المملكة تحتفل فيه بعيدها الوطنى جاء الأمر الملكى بالسماح للمرأة السعودية بإصدار رخصة قيادة السيارات، وقد جاء الأمر الملكى ليعبر عن ترخيص بالحرية والمساواة والحضارة، وترخيص لقيادة المملكة إلى مستقبل المدنية والانفتاح فى مواجهة الجماعات الظلامية التى طالما حاولت ربط الإسلام بالرجعية والتخلف والانغلاق، لكن الأمر الملكى صدر انتصارا للمملكة ولمصر التى كانت وما زالت وستظل أيقونة النور فى المنطقة العربية، صدر الأمر الملكى انتصارا لدعوات الحضارة التى تنفى عن الإسلام أى شبهة للجمود أو التعنت، صدر الأمر ليؤكد أن الإسلام هو دين من أجل حياة أفضل وليس نصاً شفوياً منفصلاً عن سياقه الزمنى.

لا طالما حاولت جماعات الظلام التدليل على إمكانية قيام دولة على قواعد الرجعية، لا طالما حاولت أن تروج إلى أن الفكرة الإسلامية ماهى  إلا ثوابت تراثية جامدة تتعارض مع أى تجديد، استخدمت النصوص لفرض نماذج متخلفة منسوبة للإسلام، تعمدت إلصاق القتامة وثقل الظل والغلظة بالإسلام، كرست صورة إسلامية منفرة أدت إلى الإيحاء بأن الفكرة الاسلامية نفسها ضد الحضارة والتقدم والتطور لتقدم إلى كل مغرض خدمة جليلة بأن الإسلام فكرة نظرية قد انتهت ولم تعد صالحة للتطبيق بعدما تجاوزها الزمن، لتستخدم الإسلام أداة للسيطرة متعمدة استعادة الماضى وبعثه من جديد منفصلا عن سياقه الاجتماعى، وتكرس كل جهودها تعطيل الطاقات الإبداعية.

لا طالما حاولت تلك الجماعات أن تقدم فكرة الدولة المدنية باعتبارها نموذجا مخالفا للإسلام يهدر القيم الدينية دون أن تقدم دليلا على ذلك ودون ان تقدم تعريفا محددا للدولة المدنية سوى إنها دولة تدعو لإهدار الثوابت الدينية، متعمدة بذلك أن تظهر الإسلام بأنه ضد أركان المدنية المتمثلة فى المساواة والحرية والتعددية وسيادة القانون والمواطنة والقدرة على محاسبة السلطة، لتحرم الإسلام نفسه من مبادئه الأساسية التى جاءت لإصلاح أحوال البلاد والعباد مرتكزة على قاعدتها بأن النص يدور مع المصلحة وجودا وعدما تأكيدا على أن مرونة النص هى قاعدة شرعية بالأساس.

جاءت الرخصة السعودية دليلاً عملياً على أن مظاهر المدنية القائمة على المساواة لا يمكن أن تتعارض مع الهوية الدينية للدول الإسلامية، جاءت الرخصة السعودية لتتجاوز مفهومها المادى والشكلى لتعبر عن مغزى أكثر عمقاً لم يكن الوصول إليه متاحاً إلا بعدما أضاءت أنوار الصحوة المصرية دروب الظلام التى حاولت جماعات التشدد والتسلف دفع أمة بأكملها للسير فيها بعد مصادرة حقها فى تقرير مصيرها من خلال المزايدة بالإسلام على المسلمين أنفسهم، بل لابتزاز أنظمة بالكامل هى أساسا قائمة على حفظ الدين باعتباره أحد أهم مستهدفات السلطة الممنوحة لها.


ثورة الدولة المصرية التى أضاءت ما حولها لن تتوقف حدودها أمام الرخصة المدنية بل ستمتد وتتمدد لتفرض نموذجاً حضارياً للدولة المدنية القائمة على حماية وحفظ حياة وحقوق وكرامة الشعوب، كعادتها مصر تعود لتقود معارك التنوير التى تجاوزت حدود منح المرأة السعودية رخصة قيادة السيارة إلى رحاب أوسع بمنحها حقها فى قيادة الطريق إلى مستقبلها، على أرض مصر انكشفت أسطورة الجماعات التى تنصب باسم الدين، انكشفت مزاعمهم الزائفة عن الدولة المدنية باعتبارها دولة ضد الدين لتثبت مصر أنها دولة ضد النصب باسم الدين، ولتكشف أن تلك الجماعات لا تعارض الدولة المدنية حفظا للدين إنما احتكار  للحقيقة ورفض لتلك الدولة التى تقوم على سيادة القانون القادر على تحجيم جرائمهم فى حق الشعوب باسم الدين.


 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة