تنشر للمرة الأولى..تسجيلات نادرة من داخل غرفة العمليات الإسرائيلية

هالة العيسوي

الخميس، 05 أكتوبر 2017 - 11:47 م

داخل غرفة صغيرة بقسم التاريخ التابع لوزارة الدفاع عثر الصحفى أمير أورين بالصدفة على صندوق كرتون صغير مهمل يحتوى على شرائط تسجيل صوتي. بفحصها اكتشف انها تسجيلات نادرة لمناقشات ومداولات القيادات الإسرائيلية بغرفة العمليات فى الأيام الأولى لحرب أكتوبر، تسجيلات لمحادثات وزير الدفاع فى ذلك الوقت موشيه ديان ورئيس أركانه ديفيد أليعازار (دادو) فى مقر قيادة الأركان بمنطقة كيريا.
ظلت هذه التسجيلات حبيسة غرفة الأرشيف لمدة أربعة عقود حتى لا يتسبب الكشف عنها فى إغضاب القيادات العسكرية التى كانت ضالعة فى تلك الفترة.. كان الصحفى مكلفاً بالاشتراك فى إعداد سيناريو مسلسل من اربعة أجزاء عن حرب أكتوبر، اسبابها ونتائجها.. أذيعت السلسلة بعنوان »لن تصمت الأرض« فى 2013.. لكن فى الأسبوع الماضى فقط حصل موقع «والا» الإخبارى على التفريغ الكامل لهذه التسجيلات النادرة وقام ببثها على الموقع بأصوات أصحابها.. بالاستماع الى التسجيلات انكشف الغطاء عن حجم الارتباك الذى أصاب قيادات الدولة العبرية، وعن عمق الصدع بين تلك القيادات الذى كان متوارياً ورأيهم السلبى فى بعضهم البعض. وانهيار الأعصاب والتراوح بين اليأس والرجاء.




7 أكتوبر 2?30 ظهراً
فى اليوم الثانى للهجوم المصري - السورى يعود موشيه ديان من جولة فى الجبهتين مغبرا كالح الوجه. فبعد ست سنوات ونصف من الرفض الإسرائيلى للانسحاب من ضفة قناة السويس يضطر وزير الدفاع بالتوصية بترك المواقع المستولى عليها والأسلحة الثقيلة من أجل تخفيض الثمن الذى تدفعه اسرائيل من القتلى والجرحى والأسرى.
ديان لدادو (ديفيد بن اليعازار رئيس الأركان): واعتقد انه بحلول الظلام يجب ان نقول لهم ان يخرجوا ويهربوا بأسلحتهم الشخصية. فمن سيقتل سيقتل ومن يصاب سيقع فى الأسر. وأن يتركوا الدبابات ويتركوا كل شىء. ان يقوموا بإخلاء كل المواقع على خط النار، وإلا سوف نُسحق ولن يتبقى لنا شىء. علىّ من منطق براجماتى متشائم ان اتقبل ذلك فمن بالأسر هو بالأسر ومن سيخرج يخرج وعلينا تثبيت هذا الخط (يشير الى خريطة).
على الرغم من انه كان من المفترض ان توجه وثائق الاستخبارات صناع القرار فى الحكومة وفى القيادة العامة الإسرائيلية نخوفهم صحيح للخطة المصرية بعملية محدودة فى سيناء افتقد ديان فهم منطق الرئيس السادات بتحطيم عنصر الردع فى نظرية الأمن الإسرائيلى وتحقيق انجاز عسكرى معين -ربما ليس شديد الطموح - وتحويله الى منصة دبلوماسية تؤدى لانسحاب اسرائيل من الأراضى المصرية المحتلة بواسطة ضغط القوى الكبرى. وبدلا من ادراك ان هذه الحرب كانت تدور على الأراضى التى احتلتها اسرائيل فى سيناء والجولان فى حرب يونيو 67. أخطأ ديان باعتقاده بأن هذه الحرب دارت على «أرض اسرائيل». كذلك كان عالقاً فى شرم الشيخ منذ حربى 1956 و1967 دون ان يدرى ان السادات أيقظه هذه المرة وفرض حصارا مائيا على البحر الأحمرعند مضيق باب المندب.
 8 أكتوبر 8?30 صباحاً
 المناخ العام يتراوح بين اليأس والرجاء. لم يتوقف الزحف المصرى ولايزال سباق الزمن مستمرا لقيام فرقتين بالهجوم. الفرقة 162 تحت قيادة ميجور جنرال افراهام (باران) ايدن و143 تحت قيادة الميجور جنرال احتياط اريئيل شارون حتى كانت الهزيمة المُرّة. دادو يقول لديان والآخرين: فى تقديرى وفق الخطة التى عرضتها بالأمس ليس من الصعب ان يهاجم باران المنطقة الشمالية قبل الظهر وان يهاجم اريك (شارون) المنطقة الجنوبية. لدى كل واحد منهما فرصة اذا سارت الأمور معه على ما يرام ودمر القوات، ورأى ان هناك جسرا ويستطيع العبور فليمض قدماً بعد مصادقة منى بالطبع. باران فى الدفرسوار . اريك اعتقد انه بعد الظهر اذا سارت الأمور بشكل جيد هذا يستولى على بور توفيق والثانى يحتل السويس. ارى فى ذلك استفادة من نجاح ممكن . لست واثقا من ذلك هناك مرونة فالمسألة ليست حديدية.
 هل تريد تقديري؟ نسبة النجاح اقل من 50% إن لم يحدث هذا اليوم فيمكن ان نبذل جهوداً لمد جسورنا واذا نجح الهجومان وعدنا للسيطرة على هذه المساحات فسأخطط حينئذ لهجوم ثالث بعد الظهر. لنرى كيف ستخرج هاتان الكتيبتان من الحرب وساعتها سأقترح انه اذا نجحنا اليوم سنرى كيف ننجح غدا. 
يوم 10أكتوبر 7?30 مساء
مظهر المفاجآة من دخول قوة عراقية مدرعة على الجبهة الشمالية (الجولان فى سوريا) وصد تقدم الفرقة 210 على الأراضى السورية تفقد رئيس الأركان صوابه ويتحدث عن قصف القاهرة ولكن على عكس أيام حرب الاستنزاف احجمت إسرائيل عن قصف عمق مصر!!! خوفا من هجوم مضاد بصواريخ سكود التى دفع بها السوفييت فى الشهور الأخيرة مع طواقمها سواء للتوجيه أو للعمل. صعوبة اضافية اصطدم بها القادة وهى التخطيط لرسالتين إحداهما للعرب مفادها ان وضع الجيش الإسرائيلى جيد ويقترب من الهجوم على الجنوب وساعتها سيفهم الأمريكيون ان الجيش الإسرائيلى يحتاج حاملات طائرات وهى الرسالة الأوقع والأقرب للحقيقة. 
دادو: نترك سوريا وننزل الى مصر وننزل ايضا كتيبة واحدة نشتبك ثلاثة أو أربعة أيام، ستأتى طائرات الفانتوم ثم المزيد والمزيد وماقلته عن سوريا ننفذه مع مصر سنحاول تحطيمهم.
جِندي(رحبعام زئيفى ترك الجيش قبل اسبوع من نشوب حرب أكتوبر لكنه استُدعى للخدمة الفعلية كمساعد خاص لرئيس الأركان): لا نملك القدرة على هذا.
دادو: هذا حينما يكونون هنا بالداخل أمامنا مثلما هو حاصل اليوم ونحن نهدد. ان تحقيق وقف اطلاق للنار ابعد احتمالا من ان نكون فى طريقنا الى دمشق بجيش محطم ونحن نخشى من الوصول لدمشق
تال (يسرائيل تال نائب رئيس الأركان): لم أفهم .. نفترض انك هزمت سوريا فكيف ستحل المشكلة مع مصر؟ 
دادو: وقف إطلاق النار العودة للخطوط السابقة.
تال: ولماذا يقبل المصريون وقف اطلاق النار؟
دادو: لأننا ندمر سوريا!
تال: لكنك دمرت سوريا بالفعل فلماذا يوافقون على وقف اطلاق النار؟ لماذا يتنازل المصريون عما انجزوه من اجل سوريا؟
دادو: إذا لم اهاجم سوريا غداً واضغط المصريين وازيحهم فسيشعرون انني.....اذا هاجمت سوريا غداً فسيظلون لن يشعروا بأننى لا استطيع هزيمتهم. سيعتقدون اننى استطيع. ثمة رهان هنا. الآن كل ماتفعله دولة إسرائيل هو انها تدافع عن نفسها ضد المصريين.
تال: يجب ان نكون مستعدين خلال الـ 48 ساعة القادمة سيدرك العرب اننا ندافع فقط.
دادو: اذا كنتً مصيباً وأخشى انك كذلك فعلينا ان نهاجم غداً.






ديان فى لقاء سرى يوم 9 أكتوبر الساعة 7?30 مساء




وزير الدفاع موشيه ديان: يجب أن يكون لدينا شخص يتمتع بعقلية مبدعة فى الجبهة الجنوبية (جبهة سيناء). يقدم اقتراحات ما سنقبله سنقبله أولا نقبله شخص يقول لنا كيف نتخلص من هذه المعضلة الكبرى.
دادو: العقلية الخلاقة لها وظيفتان: ان يكون عقلية جيدة وان يكون عارفاً عم يتحدث، يعرف الأرض جيداً ولديه الاستعداد. إذن شموليك لديه هذا الاستعداد 
ديان: لا أظنه مناسباً فى رتبته نحتاج شخصاً أعلى
دادو: ممكن ان نضع فوقه حاييم بار ليف
ديان: هل سيقبل الذهاب؟ (للجبهة الجنوبية) 
دادو: سألته من ربع ساعة وهومستعد
حاييم بارليف جيد جيداً. بس هو مستعد بجد؟ انا كنت مستعد أعمل كده من زمان فى 67 مش يبقى فوق شايكا لكن معاه يقصد جبيش قائد المنطقة الجنوبية فى حرب 67  لوكنت مؤيدا فأنا مؤيد جداً. فتلك الجبهة هى تقريبا الوحيدة أمامنا
دادو: الرئيسية
ديان: الرئيسية والمعضلة مالهاش حل. الأمر ليس مثلما كان الحال فى الجبهة الشمالية حين لم يكن السؤال ماذا نفعل؟ بقدر ماكان هل يمكن أن نفعله بشكل أفضل؟. السؤال هنا هل نمضى لهذا الأمر أم لا نمضي، نهاجم ام لا نهاجم ؟ ان نعرف حقيقة الوضع هناك وحاييم بار ليف هو الأفضل 
دادو: انه هادئ وبارد ولديه سلطة لكنه ليس عبقرياً لا أظنه كذلك. 
ديان: ليس عبقرياً لكنه أيضاً ليس جامداً، بارليف افضل بآلاف المرات من رابين. رابين لا يستطيع إدارة حرب. 




شارون يكذب




مكالمة مع شارون الكذاب يتبين منها ان القيادة كانت تنتظر من شارون ان يحتل المزرعة الصينية قبل اسبوع من المعارك الضارية هناك التى بدأت يوم15 أكتوبر
دادولديان: ألم أقل لأريك (شارون) ان ينظم صفوفه من الخلف ربما ينجح فى الليل بين النقطة ج والنقطة د. ألم اقل ذلك؟ 
ديان: نعم اذكر ذلك ان المساء ليس مناسبا ولكن ربما فى الظلام نستطيع الاستعداد
دادو: اريك خالف الأمر العسكرى وتقدم ووصل الى هنا(يشير الى خريطة) عند المياه
ديان: هل هذه هى المزرعة الصينية؟
دادو: نعم اريك هنا فى التليفزيون لم يحتل المزرعة الصينية وأسأل شموليك لماذا ذهبت الى هناك؟ فيقول انه ذهب بالمخالفة للأمر العسكرى قلت ألآ يذهب لكنه ذهب.
ديان: ماذا يريد من هناك؟ 
دادو: ماذا يريد؟ يريد ان يعبر
ديان: اريد ان افهم منطق اريك كيف سيعبر؟
دادو: انه مازال يرغب فى الهجوم واحتلال المزرعة الصينية فى المساء. وشموليك يقول يوجد هنا الكثير من قوات المشاة لكن ماشى اذا قررنا ان هذا هو أهم شىء فى هذه الحرب فسنحتل ونضع هناك 20 دبابة 
ديان: هو كان فى الشمال أليس كذلك؟
دادو: نعم لكنه جره معه واضح بمبادرة منه وسيسحب معه جسر الاسطوانات هكذا ويريد ان يعبر هنا وينقل الفرقة هنا (يشير الى خريطة)
ديان:متى يريد ان يفعل كل هذا؟
دادو: الليلة
ديان: ان يهاجم ويضع الجسر معا وايضا
دادو: نعم ان يذهب للجانب الآخر الآن .دعنا نقل ان هذا سينجح
ديان: وماذا بعد؟ انا لا اتحدث عن الأمر العسكرى ولكن مازالت اتساءل عن المنطق الذى يعمل به وماذا بعد؟
دادو: وبعد ذلك حين يتقدم يدمر الجيش المصرى وسوف يمنحه سلاح الطيران الكثير من المعاونة ونتيجة لهذا سينسحب الجيش المصرى ويذهب الى القاهرة. كيف يمكن ان أبقى دائما محورين مفتوحين؟ وحتى لوجلس بارن وقام بحمايته على الطريق سيتركون القنطرة ويتجهون الى ارض اسرائيل.. هكذا ادخل مغامرة .. اقامر وانا لست مستعدا لذلك. انها فكرة مجنونة
ديان: ما رأى جوروديش فى هذا؟
دادو: جوروديش قال اسمع هذا هوالوضع. لقد سألته بضع أسئلة واجابنى لكنى لا أصدقه لقد سمعت ما يدور بداخله ووجدت انه يكذب على وانه يفعل العكس تماما.
ديان: لست متفاجئا فإريك (شارون) يكذب
دادو: لكن هذا غير عادي
ديان: تعرف حين نظرت بالأمس الى اريك قلت لنفسى لابد انه يسأل نفسه تماما ككل واحد منا ماذا سأستفيد من هذه الشغلانة؟ سأكون واقفا هنا مقيدا مع البرت ( البرت ماندلر قائد تشكيل سيناء قتل فى الحرب) وكالمان( مات بعد وقف اطلاق بقليل) وجوروديش لا أعرف اين. اريك ذهب للقناة لضبط الأمر فلونجح حسناً ولو لم ينجح ستذهب 200 دبابة لشعب اسرائيل ويكون اريك قد نفذ اختراقا اوثغرة مثل روميل فهو فى قرارة نفسه واثق ان هذا هوالطريق وعنده مشكلة شخصية اسمها ارييل شارون فلن يجلس مثل باقى القادة
دادو: لكن هذا لا يقترب من العقل
ديان يضحك: لا يقترب من العقل أو من نظام الحرب.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة