الكاتب الصحفى ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم
الكاتب الصحفى ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم


ورقة وقــلم

ياسر رزق يكتب .. منتدي شرم الشيخ يتسع لما ضاق عنه العالم

ياسر رزق

الجمعة، 10 نوفمبر 2017 - 09:17 م

تنظيم مبهر في مدينة ساحرة .. والنتائج فوق التوقعات
نغمــة ســلام وأمـل موحــدة لشبـــاب مـن كــل الأعـــراق والألــوان والألسنــة
كــــيف تحــــدثت مصــــر عـــــن نفسهــــا فـــي حضــــور ممثــــلي ١١٣ دولـــــة؟

بينما يضيق العالم بتنوعاته العرقية واختلافاته الدينية، وتباعد بين دوله المصالح وبين سكانه الأهواء، اتسعت قاعة صغيرة في مدينة شابة للجميع.


في شرم الشيخ، اجتمع أصحاب البشرة البيضاء والسمراء والسوداء والصفراء معاً، وأتباع الديانات السماوية والعقائد الأخري معا، جاءوا من ١١٣ دولة، شباناً وفتيات يجمعهم هدف واحد هو السلام والتنمية وتواصل الحضارات، استغنوا بالحوار عن النزاع، وبالمحبة عن البغضاء، واستعاضوا عن مرارات الماضي وموروثات التاريخ، بالأمل في المستقبل والرغبة في تشكيل غد جديد يتسع لكل البشر.

خمسة أيام رائعة أمضيناها في منتدي شباب العالم بمدينة شرم الشيخ، استمعنا إلي نغمة موسيقية واحدة، ابتدعها شباب من مختلف القارات، يبحثون عن لغة توحد آذانهم، وسط لغات ولهجات تتعدد بها ألسنتهم.


تابعنا تجارب تطوعية متنوعة، قام بها شبان وشابات بسطاء، سعوا بأفكار خلاقة غير مكلفة إلي التخفيف عن ضحايا الحروب، والنزاعات، والظلم الاجتماعي، وتقديم العون للمصابين، واللاجئين، والفقراء، والذين حرموا من الرعاية الصحية والتعليم.

منهم من مد يد العطاء إلي قريته أو مجتمعه الصغير، ومنهم من ارتجل إلي بلدان أخري يباعد بينه وبينها المسافة واللسان والعرق، لكن يجمعه معها هوية واحدة هي الإنسانية.

شاهدنا حوارات في الجلسات وحلقات النقاش، واستمعنا إلي أسئلة، وانصتنا إلي مداخلات حول قضايا المنتدي، كشفت عن جوهر نقي لأجيال جديدة، تنشد السلام الوجداني، وتبحث عن تغيير واقع مؤلم مرير، تفخر بانتماءاتها الوطنية وتعتز بحضاراتها وثقافاتها، لكنها تحترم انتماءات الآخرين، وتقيم جسوراً بين الحضارات، وتهدم أسواراً تعزل بين الثقافات.


جاء إلي شرم الشيخ ٣ آلاف شاب وفتاة من ثلثي العالم، ليشاركوا في مناسبة، وغادروها علي أمل العودة بعد أن صارت المناسبة الواحدة، محفلاً سنوياً، يلتئم في كل عام، يراكم علي ما تحقق، ويعلي صوت جيل جديد، ضاق بالحروب والنزاعات والإرهاب والدماء والآلام والمعاناة.

 • • •

علي مدي ثلاثين عاماً عشتها في مهنتي، حضرت عشرات المؤتمرات الإقليمية والدولية في شتي أرجاء العالم، انعقدت لاحتواء أزمات، أو البحث في مشكلات طارئة، أو مناقشة قضايا عامة، بعضها مزمن لا يجد مسلكاً ولا طريقاً للحل.


لكني لم أشهد مثل منتدي شباب العالم في شرم الشيخ، من حيث حُسن الإعداد، ولا دقة التنظيم، ولا يسر الإجراءات، ولا اكتمال الخدمات اللوجيستية.

ولم أجد مثيلاً لأجواء البهجة التي ظللت أرجاء المنتدي، تحت شمس صريحة في سماء نهار شرم الشيخ، كصراحة المناقشات والمداولات، ولا لروح الشباب التي بثت عبيرها، في أمسيات الفنون والموسيقي، وسط نسائم ليالي شرم الشيخ.

نظلم التنظيم في منتدي شرم الشيخ لو قارناه، باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنعقد سنوياً في المبني الزجاجي بنيويورك، برغم أنها مستمرة ومستقرة علي مدي ٧٢ عاماً.


الحقيقة لا وجه للمقارنة.. بل أقول يقيناً من حيث المضمون إن نموذج مجلس الأمن الذي قدمه الشباب، كان أكثر عمقاً في مناقشاته، وأكثر إنسانية في محتواه، من ذلك الذي نراه حول الطاولة المستديرة في المبني الزجاجي.


أذكر أنني عدت منبهراً من قمة مجموعة العشرين في مدينة »هانغجو«‬ الصينية في العام الماضي، ومن قمة دول »‬البريكس»، في مدينة »‬شيامن» الصينية منذ شهرين، لروعة المدينتين، ودقة التنظيم، والتكنولوجيا الفائقة في المعدات والأجهزة والقاعات.

لكني بكل تواضع المصريين، سعدت أيما سعادة بانبهار ضيوف مصر، بروعة »‬شرم الشيخ»، التي لا يضاهيها في بهائها وسحرها أي منتجع في أي مكان، وبرقي المنظمين من خريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، ولتحضر المتطوعين من الشبان والفتيات الذين واصلوا الليل بالنهار في العمل قبل المنتدي وأثناء فعالياته، ووجدت علي أبواب مركز المؤتمرات وقاعاته وشاشاته، أحدث التكنولوجيا التي شاهدتها قبل شهرين في »‬شيامن» مع لمسة مصرية أضافت إليها.

ولعلها المرة الأولي، التي نلمس فيها تشديدات الأمن المحكمة، دون أن نجد أي معاناة في اجراءاته.
الجهد فائق، والنجاح مبهر، والفضل أولاً يعود إلي فريق العمل المتميز في مكتب رئيس الجمهورية الذي أشرف علي كل شيء، لتحويل فكرة ولدت يوم ٢٥ أبريل الماضي في المؤتمر الوطني للشباب بالإسماعيلية، ونمت في ٢٤ يوليو الماضي في مؤتمر الإسكندرية، لتتحول إلي حدث، وإلي إنجاز، وإلي محفل عالمي سنوي علي أرض مصر ينعقد في شهر نوفمبر من كل عام.


 • • •

توقيت انعقاد منتدي شباب العالم هذه الأيام بالذات، صادف أحداثاً إقليمية ودولية غير مواتية، لا تبشر بتفاؤل معتاد عند اقتراب حلول عام جديد.

فمنطقة الشرق الأوسط المضطربة، تقف عند حافة اضطرابات أكثر حدة، وبعد حالة الغليان، أخذنا نشتم أدخنة »‬شياط» تنبعث من أمكنة أخري في المنطقة، تنذر بحرائق جديدة تستعصي علي الإخماد!
والإرهاب الذي لاح أنه سيتقلص بعد هزائمه علي أرض سوريا والعراق، هناك من يريد له أن يعيد تمركزه في مناطق أخري رخوة جنوب المتوسط وفي القرن الإفريقي، لينطلق منها ويتغلغل في دول أو دولة هي مصر، التي صمدت في مواجهة مؤامرات الإرهاب، وجابهته بكل صلابة، ونابت عن العالم في محاربته لتدرأ شره عن أرضها وإقليمها وجوارها الجغرافي، وكادت تقطع دابره في سيناء.

وكان مكان المنتدي في شرم الشيخ عند رأس مثلث سيناء المقلوب، علي مقربة من بؤر التوتر الإقليمية العديدة وانفجارات البراكين المحتملة، هو انسب موقع لإطلاق الأمل والسلام والتنمية من جانب شباب العالم إلي المجتمع الدولي والإنسانية بأسرها.

ولعل أهم ما صدر عن المؤتمر هو تبني شباب العالم لدعوة الرئيس السيسي باعتبار مكافحة الإرهاب حقاً من حقوق الإنسان، ومطالبتهم المجتمع الدولي بأن يضاف إلي مواثيق حقوق الإنسان، حقه الأصيل في الأمن من الإرهاب، ومبادرة الدبلوماسية المصرية بتكليف من الرئيس باتخاذ الاجراءات اللازمة في مجلس الأمن والجمعية العامة لكفالة استحداث هذا الحق وضمه إلي المواثيق الدولية ذات الصلة.

 • • •

وسط شباب العالم من كل الأجناس، كان الرئيس السيسي في قمة تألقه وهو يحادثهم من قلبه بكل صراحة وتدفق واستبشار بالأجيال القادمة.

في المؤتمرات الدولية والمحافل العالمية، التي حضرها منذ توليه منصب الرئيس، كان السيسي يطل بمصر الجديدة علي المجتمع الدولي.

لكن في هذه المرة، جاء العالم بقلبه النابض وهو الشباب مغير وجه الحاضر وصانع المستقبل، ليطل علي مصر، التي إما درس تاريخها القديم العريق في المدارس، أو تلقي معلوماته عن ثقافتها من مطالعة كتب أو مؤلفات، أو بني انطباعاته عن حاضرها وأوضاعها من تقارير إعلامية يعوزها الإنصاف، أو وسائل تواصل اجتماعي تقتات علي شائعات، وتردد أكاذيب بأكثر مما تبث حقائق.

كلمات ومداخلات الرئيس السيسي، كانت فرصة لشباب العالم، لتكتمل في أذهانهم صورة مصر الحقيقية، بجانب ما لمسوه وسمعوه وشاهدوه علي أرض مصر.


كان الرئيس خير سفير للإسلام الصحيح، الذي يقدر التنوع بين البشر في اللون واللسان والعرق، ويحترم حرية الاعتقاد ويعلي قيمة العقل، ويقدس حرمة الدماء، ويجافي التطرف والغلواء، ويحرم القتل والإرهاب.

مصر التي استمع إليها شباب العالم علي لسان رئيسها وشاهدوها في شرم الشيخ، بلد يريد أن يحيا شعبه كغيره من البشر في سلام علي أرضه وأن يعيش في وئام مع شعوب العالم، ويدرك قبل غيره خطورة التطرف علي الإنسانية وخطر الإرهاب كأكبر تهديد يجابه العالم.


هذا البلد الذي خاض تجارب الحروب وعاش مآسيها، يدعو إلي تجنب الحرب، واللجوء إلي الحوار والسياسة لحل الأزمات واحتواء الفتن، ويسعي بكل ما أوتي من دور ومكانة ومقدرة وتأثير، لانهاء أزمات المنطقة وحل قضاياها وعلي رأسها القضية الفلسطينية.


لمس شباب العالم، إيمان الرئيس بشباب مصر والآمال التي يلقيها عليهم في بناء وطنهم وتحمل مسئولية قيادته في المستقبل القريب، واستمعوا إلي بعض ملامح عن مشروع مصر الوطني  لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وجوهره هو تحسين حياة أبناء الشعب وفتح أوسع مجالات لتوفير ملايين فرص العمل للشباب كطريق للحد من البطالة.


أيضا لمسوا التفاف الشباب المفعم بحماس الأمل والعمل والتفاؤل، حول الرئيس السيسي، في القاعات وخارجها وفي الماراثون والمعارض والاحتفاليات الفنية.


 • • •
روح مصر سرت في نفوس شباب العالم علي مدي خمسة أيام قضوها في شرم الشيخ، بفنها وموسيقاها وعزم شبابها، وخفة ظل شعبها، وكرم ضيافتها، وسماحتها، وتفاؤلها التاريخي - الذي لا تنال منه صعاب - بالمستقبل.


لذا.. شاهدنا في ختام المنتدي، شابة روسية تدعو إلي استئناف رحلات الطيران بين بلدها ومصر، لينعم مواطنوها بسحر شرم الشيخ، وشاهدنا فتاة مكسيكية تقول إنها وقعت في غرام مصر وشابا فرنسيا يقول إنه عومل مع زملائه في مصر كالملوك والملكات، وسمعنا شابا من النيجر يعلق علي نتائج المؤتمر قائلا: إن المصريين دائما يصنعون التاريخ، وسوف نعود من المنتدي سفراء لمصر في بلادنا.
الذين صنعوا هذا المنتدي فائق النجاح، يستحقون مع الثناء، التكريم، علي قدر ما قدموه لبلدهم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة