«المسرح» تكرار للنصوص القديمة .. وغياب الواقع الحالي

نادية البنا

الإثنين، 20 نوفمبر 2017 - 12:32 ص

أصبح المسرح يعاني من تكرر الأعمال القديمة، وصار أغلب المخرجين الشباب يسعون وراء النصوص القديمة مقارنة بالكتابات الجديدة، حتى أضحى المسرح يعاني الآن من التقليد الأعمى للعروض دون أن تكون هناك فكرة.


وكانت ساحة مسرح الميدان بدار الأوبرا، قد استقبلت فعاليات العرض المسرحي "مسافر ليل" إنتاج فرقة الهناجر المسرحية؛ تأليف الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور وإخراج محمود فؤاد صدقي.


وقد تمت معالجة النص المسرحي مسافر ليل في أكثر من عرض منذ أن كتبه عبد الصبور في فترة الستينيات من القرن الماضي وحتى الآن؛ ليس "مسافر ليل" فقط بل إن معظم كتابات جيل الستينات المسرحية يتم العمل عليها حتى وقتنا هذا ومنها أعمال ميخائيل رومان وسعد الدين وهبة؛ وهو ما يفتح باب التساؤل حول السبب وراء سعي المخرجين الشباب وراء هذه النصوص مقارنة بالكتابات الجديدة.


قال الناقد يسري حسان إنه بصفة عامة في السنوات الأخيرة المسرح المصري وخاصة ما يقدم في قصور الثقافة يعتمد على مجموعة من النصوص المكررة والتي تم تقديمها عشرات المرات، فأغلب المخرجون يؤثرون السلامة والراحة ولا يكلفون أنفسهم بالبحث عن نصوص جديدة لتحريكها حتى أننا في موسم واحد من الممكن أن نشاهد عرضا واحدا خمس أو ست مرات تقدمه فرق مختلفة.


وأشار إلى أن هذا يعود في الأساس إلى أن المخرج من هؤلاء قد شاهد هذا العرض أكثر من مرة وبالتالي يسهل عليه استنساخه وتقديمه مرة أخرى، ما يقلل الفرصة عند الكتاب الجدد ويحرم الجمهور من مشاهدة عروض مختلفة تناسب ظروفه والخطة التاريخية، وللأسف يحدث هذا دائما بالمسرح المصري وخاصة مسارح الأقاليم تدور في دوائر ليس أكثر فهناك نحو 30 نصا نجدها مكررة كل عام دون أي تجديد أو تعيين لما يعمل على إفقار المسرح وانصراف الجمهور عنه.


ومن جانبه قال الكاتب المسرحي الكبير محمد أبو العلا السلاموني، إن مسئولية ما يحدث من تجاهل الكتابات الجديدة تقع على عاتق البيت الفني للمسرح حيث أن رؤية المواسم المسرحية تعد غائبة بسبب أن الاجتماعات الدورية لمناقشة خطط الإنتاج تقتصر على مديري المسارح فقط؛ عكس ما كان يحدث في فترة الستينات والسبعينات فكانت اجتماعات خطط الإنتاج تحدث مع كتاب المسرح للتعرف على آخر ما توصلوا إليه من أشكال إبداعية في الكتابة ومن ثم يتم الموافقة عليها من عدمه حسب ما يتم الاتفاق عليه في الاجتماع.


وأضاف "السلاموني" أن هذا التجاهل ينعكس بالضرورة على ما يقدم حاليا فمعظم النصوص تعتمد على نصوص من زمن ماضي كأعمال كتاب الستينات أو نصوص عالمية وكليهما يبعدان عن الواقع الحالي والمعاش والذي تتزاحم فيه القضايا والأحداث على رأسها مشاهد الإرهاب الدرامية وتجديد الخطاب الديني ومقاومة الفساد.


وأشار إلى مشكلة أخرى تحدث في خطة العروض وهي غياب لجنة لتقييم النصوص المقدمة حيث يتم الموافقة على العرض دون مرجعية، وهذا يرجع إلى عدم وجود لجنة قراءة ولا مكتب فني ينظر إلي هذه الأعمال.


وفي سياق متصل، أكد الناقد المسرحي أحمد خميس، أنه من الخطأ الظن أن هناك تكرارا للأفكار المسرحية فأصل المسرح في العالم مبني على تداول الأفكار والتيمات والرؤى.


فالمسرح اليوناني على سبيل المثال تم استلهام معظم موضوعاته في فترة الكلاسيكية الجديدة وما بعدها حتى أن الكتاب العرب منهم من عاد لأوديب واليكترا وانتيجون واورست وغيرهم، هل يمكن حين نتعامل مع هذا المنتج الجمالي المسرحي أن نتحدث عن تكرار الأفكار؟ 


وأضاف أنه لا يوجد منتج يشبه منتج آخر إلا لو اكتشفنا سرقة فكرة بالكامل وهو أمر صعب للغاية ويحتاج أدلة دامغة غير مختلف عليها. 


وأكد أيضا أنه لن نجد بالتبعية مواسم تشبه بعضها البعض إلا في حال محاولة بعض المبتدئين تقليد أصحاب التجارب الراسخة وهو أمر يكتشف بسهولة من خلال المتابعين والمهتمين بالشأن المسرحي. 


وأضاف أنه على أي حال يجب الحذر الشديد قبل اتهام أحد بشيء لم يفعله ومسألة الاستلهام أو الاستفادة من فكرة أو سمات عرض ليس عيبا المهم في النهاية أن تظهر كفاءة الفنان وقدرته على التطوير كي يبدو صاحب مشروع وليس مقلدا.


وفي ذات السياق قال المخرج المسرحي عمرو دوارة؛ إن عملية تكرار معالجة النصوص الخالدة لكبار المؤلفين برؤية إخراجية جديدة ترجع كونها تحتوي على ميزة فنية تمكنها من التواصل مع الجمهور في أي وقت، ومنها نص "مسافر ليل" لصلاح عبد الصبور الذي ترجم لأكثر من لغة.


وأوضح "دوراة" أن الكتاب الشباب يقدمون أحيانا أفكارا تتناول قضايا حالية، ولكن بمجرد تسجيلها تزول قيمتها مع تغير الأحداث السياسية والتاريخية والاجتماعية، لذلك يبقى النص القوي والرصين برغم اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية قادرا على التواصل، مشيرا إلى أن اختيار النصوص مهم جدا بالإضافة إلى رؤية المخرج الجديدة التي تتناسب مع إيقاع العرض. 


وتمنى "دوارة" وجود خطة مدروسة لإعادة أعمال كبار الكتاب، بشرط ألا يخلو أي موسم مسرحي من أعمالهم ومنهم توفيق الحكيم، ألفريد فرج، نعمان عاشور، صلاح عبد الصبور، عبد الرحمن الشرقاوي؛ فعلى الأقل يتم تقديم عرض لهم كل عام.


وأشار إلى أن الواقع المسرحي في احتياج إلى خلاصة النصوص لكبار الكتاب التي تتوائم مع واقعنا الحالي، بالإضافة إلى تشجيع واكتشاف المواهب الجديدة في شتى المجالات وخصوصا في التأليف والنص المسرحي.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة