صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


نفتح الملف المسكوت عنه..

«سبوبة» رسائل الماجستير والدكتوراة.. بوابات خلفية لفوضى «سماسرة العِلم»

أحمد عبدالفتاح- زينب السنوسي

الخميس، 30 نوفمبر 2017 - 05:09 م

 

« أكاديميون: سبب أساسي في تردي الأوضاع التعليمية والمهنية في مصر
« بعض المعاهد والكليات المتخصصة بوابات للاتجار بالشهادات الجامعية
« ثغرات اللوائح الجامعية سبب رئيسي للظاهرة
« 50 ألف دولار تسعيرة الشهادة من الخارج
« خبير قانوني: العقوبة تتراوح من 3 إلى 7 سنوات حبس
« عضو بالنواب: مشروع قانون لتغليظ العقوبة على المتاجرين بالمؤهلات الجامعية
الأعلى للجامعات: تفعيل برامج كشف الاقتباس وبرنامج قريبا لكشف المحتوى العربي

في وقت يمثل فيه البحث العلمي جزءً كبيرًا من استراتيجية 2030، من أجل إيجاد حلول بديلة لكافة المشاكل الاقتصادية، كما أنه يعد أحد جناحين تصعد بهما الدولة نحو مصاف الدول العظمى؛ صارت الحاجة ملحة لتحصين الشباب من سماسرة الأبواب الخلفية للعلم، والمتاجرين به من أجل حفنة زائلة من أموال.
 
خطورة الأمر تكمن في تجاوزه حدود الحالات الفردية، وصولا إلى حد الظاهرة الكارثية، التي تهدد بنية ووظيفة البحث العلمي، ونواته الحقيقية وهي الدراسات العليا، الأمر الذي قد يكون نذير شؤم، ويؤدي إلى تراجع مستوى الخريجين ونسبهم، أمام طوفان السبوبة والبوابات الخلفية للاتجار بالعلم من خلال بيزنس رسائل الماجستير والدكتوراه، الذي ينخر كالسوس في مراكب العلم السائرة، والذي حولها لسلع تحت الطلب دونما جهد حقيقي يفيد البشرية.
 
الأكاديميون وأساتذة الجامعة اعترفوا بالمشكلة، وأبدوا خوفهم على جودة عملية البحث العلمي، من مافيا وسماسرة بيزنس المتاجرة برسائل الماجستير والدكتوراه، في مقابل من قلل من خطورة الأمر، وأنها لا تتجاوز حدود النماذج الفردية، لكنه لم ينفها تمامًا، بينما رفض أساتذة جامعيون الرد على تساؤلاتنا، مما قد يفتح مجالا للشك بشأنهم.
 
البوابات الخلفية لبيزنس رسائل الماجستير والدكتوراة
 
من جانبه قال الدكتور عثمان فكري، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن بيزنس الحصول على الشهادات الجامعية كرسائل والماجستير والدكتوراة، موجود منذ فترة كبيرة حيث يوجد بوابات خلفية لذلك وهي معاهد وكليات متخصصة في الاتجار بالشهادات الجامعية مقابل الحصول على أموال بحسب الخدمة المقدمة.
 
اختيار مشرفين يمتازون بالأمانة
 
وأشار فكري، في تصريحاته لـ«بوابة أخبار اليوم«، إلى أن المعيار الأساسي في القضاء على تلك الظاهرة هو المشرف على الرسالة فلابد من اختيار مشرفين يمتازون بالقدر العالي من الأمانة والشرف حتى يكون مشرفا على رسالة يمكن أن يستفيد منها المواطنون بدلا من أن تكون مجرد أكوام ملقاة على الأرفف دون استفادة حقيقية.

عار أخلاقي

من جانبها قالت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الاتجار والبيع في رسائل الدكتورة والماجستير عار أخلاقي أصبح يلاحق أساتذة الجامعات لافتة إلى أن تلك التجارة الرخيصة لابد أن يتم التصدي إليها من خلال تعاون مثمر بين مجلس النواب وزارة التعليم العالي لوضع قانون رادع لمواجهة تلك الظاهرة الخسيسة.

وأشارت نصير، في تصريحاتها لـ«بوابة أخبار اليوم»، إلى أن تشديد العقوبة على الباحث والمشرف على الرسالة سوف تكون أكبر رادع لإنهاء تلك الظاهرة من خلال إحالة أساتذة الجامعة والمشرفين على تلك الرسائل إلى مجلس التأديب ثم توجيه إليهم تهمة التزوير والتلاعب  مشيرة إلى أن على الباحث أن لا يعتمد في دراسته أن يكون هدفه هو تقديم منتج جيد لمواطنين وليس الحصول على ورقة تفيد بحصوله على الدكتورة أو الماجستير.
 
تردي الأوضاع التعليمية
 
وأوضح الدكتور محمد خليل، أستاذ الإعلام، إن سبوبة الحصول على الشهادات الجامعية خاصة الرسائل والدكتوراة، سبب أساسي في تردي الأوضاع التعليمية والمهنية في مصر، لافتا إلى ضرورة إنشاء جهة مسئولة غير المشرف على الدراسة أو رسالة الماجستير أو الدكتوراة، لمتابعة مدى نفع الدراسة للبشرية وكيفية الاستفادة منها على أرض الواقع الفعلي.
 
مدعاة للتفاخر أو لكسب درجة وظيفية
 
وقال خليل، إن المشكلة الأساسية أصبحت في أن الطلاب يضعون هدف الحصول على الشهادة الجامعية للتأهل للوظيفة بدلًا من التثقيف، موضحًا أن معظم الدارسين قدراتهم محدودة وليس لديهم وقت للدراسة، فدائما ما نجد الدارس يهدف في بحثه إلى الحصول على الماجستير أو الدكتوراة بهدف التفاخر بها أو لكسب درجة وظيفية، فلم يعد هناك من يبحث عن إفادة المواطنين أو الدارسين.
 
ثغرات اللوائح الجامعية سبب رئيسي للظاهرة
 
وأوضح الدكتور عادل فهمي، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، أن المعيار الأول في هذه المسألة؛ هو الضمير الديني، ثم الضميرين العلمي، والمهني ثم اللوائح الجامعية، لكن بها ثغرات تسمح بحدوث تلك المشكلة، والقانون الذي يصعب معه وجود دليل يجرم هذه الظاهرة.
 
وقال: إن النهم المادي وضعف الدخول يمكن أن يبرر لكل شخص فعل المحرمات للحصول على أموال سهلة وتحدث في الخفاء.
 
غياب الرقابة
 
أما الدكتور محمود حسن إسماعيل، رئيس قسم الإعلام بجامعة عين شمس، أكد أن هناك ما وصفه بـ"دكاكين" بيع رسائل الماجستير والدكتوراة، ولكن ليست هذه ظاهرة وليست قاعدة، فهناك محافل علمية محترمة حريصة على البحث العلمي إعدادا وإنتاجا.
 
وقال إنه لا يجب أن نفقد الثقة في مؤسساتنا البحثية، ولا جامعاتنا العريقة، ولكن يجب أن نبحث في أسباب لجوء بعض ضعاف النفوس إلى هذا المسلك الشاذ؛ والتي من أهمها؛ عدم اهتمام الدولة بالبحث العلمي، وبالعلماء، وتدني رواتبهم، وشغلهم بأمور لا تمت بصلة إلى العلم، وأيضا تولي إدارة العملية البحثية أهل الثقة وليس أهل العلم والخبرة، وعدم وضع آلية يتفق عليها المجتمع الجامعي لاختيار القيادات، وعدم وجود رقابة ومتابعة على برامج الدراسات العليا بالجامعات، فهناك أقسام بالجامعات بها دراسات عليا وليس بها أستاذ واحد.
 
تفعيل نظام الإشراف على الطلاب الوافدين

وأكد إسماعيل، أنه إذا أردنا إصلاح الخلل بمنظومة البحث العلمي في مصر علينا بمراجعة لوائح الدراسات العليا بالجامعات، ووقف برامجها بالأقسام غير المؤهلة لذلك، وعدم التساهل مع الطلاب الوافدين، ومعاملتهم مثل المصريين في الأعداد، وضرورة الحضور والتدقيق في نظام الإشراف عليهم.
 
وتابع: ومع ذلك وقبل ذلك النظر بجدية في أوضاع أعضاء هيئة التدريس التأهيلية، والمادية ثم محاسبتهم على أدائهم، مشيرًا إلى أن لجنة الأمانة العلمية بالجامعات هى الجهة المنوطة بالتصرف فى حال رصد مثل تلك الحالات التي تؤثر على سير عملية البحث العلمي.

منطق السبوبة

من جانبها قالت د. أسماء كارم، أستاذ بكلية التربية الموسيقية، إن هناك أساتذة جامعيين يتورطون في الأمر ويتعاملون مع ذلك بمنطق «السبوبة».

وكشفت كارم، عن أن بعض الأشخاص طلبوا منها أن تقوم بإعداد رسائل ماجستير مقابل أجر مادي، على اعتبار أنها متفوقة وموثوق في أبحاثها، وهو الأمر الذي رفضته معتبرة إياه ظلمًا للبحث العلمي الذي يتجاوز في حقه كثير من ضعاف النفوس، مشيرة إلى أن بيزنس الرسائل العلمية، وقوده زيادة الطلب من قبل الطلبة أو الموظفين القادمين من دول عربية وبخاصة الكويت والبحرين.

وأضافت كارم، أن مكتبة كلية التربية الموسيقية بها رسائل علمية بـ«الجملة» لو أمعنا النظر فيها سنجد محتوى أغلبها واحد ولكن الفكرة تتلخص في تغيير العنوان فقط.

وقالت أسماء كارم، إن هناك بعض المعاهد التي تحولت لبوابات خلفية لمنح الدرجات العلمية دونما جهد حقيقي، مثل الكليات النوعية ومعاهد الطفولة.

وأوضحت د. إيمان حسني، الباحث بقسم علوم الحاسب الآلي، بكلية الحاسبات والمعلومات، أن أي رسالة لابد أن يشرف عليها أستاذ جامعي معروف عنه الموثوقية، أو يكون من خارج مصر، وعليه أن يسأل الباحث سؤالا فنيا يمكن من خلاله كشف أي تلاعب في الرسالة، كما أن هناك برنامج الكتروني يقوم مسئولون من خلاله بعمل تقرير يكشف نسبة الاقتباس التي يجب ألا تتعدى 20%.

بين السرايات وسماسرة بيع الرسائل العلمية

«بوابة أخبار اليوم»، تجولت داخل منطقة بين السرايات، وسط محلات كثيرة ومراكز ومكتبات متعددة ظللنا ننتقل من مكان إلى آخر حتى وصلنا إلى أمجد.ع، صاحب أحد المكتبات المتخصصة في تزوير الماجستير والدكتوراه ولكن المفاجأة الكبرى كانت قيامه بتزوير شهادة البكالوريوس.

فبجرد دخول المكتبة، وجدنا العديد من الأجهزة التي يتم الكتابة عليها، وبدأ أمجد في طرح المساعدة بعد أن أطمئن إلينا في إقناعه بأننا طلاب نريد الحصول على رسالة الماجستير، بدأ في طرح العديد من الأسئلة وكان أولها اسمك وكليتك وبياناتك قبل أن أتحدث معك في أي تفاصيل، ثم بدأ في اصطحابنا إلى الطابق العلوي لنتحدث في المبلغ المطلوب.

وقال أمجد: أسهل حاجة بتخلص بكالوريوس الهندسة وأي شهادة لأي كلية داخل جامعة الأزهر، وبالأخص كلية التجارة، وتكلفتها 6 آلاف جنيه وتأخذ وقتا ما بين شهرين إلى 3 شهور حتى يتم الانتهاء منها، وتكون معتمدة بشكل رسمي لكن غير مسجلة داخل دفاتر الجامعة.

وتابع أمجد: أنه في حالة الرغبة في الحصول على الدكتوراه السعر يكون 7 آلاف جنيه والماجستير 5 آلاف جنيه، والمطلوب يكون فقط نصف المبلغ مقدما وبعض البيانات المتمثلة في شهادة التخرج وصورة شخصية والتقدير الذي يريد الشخص الحصول عليه.
 
تسعيرة الشهادة من الخارج

من جهته قال المستشار خالد القوشي، الخبير القانوني، إن ظاهرة تزوير الشهادات الجامعية والرسائل والماجستير انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خاصة في الحصول على الشهادات من الجامعات في الخارج مقابل 50 ألف دولار، لافتا إلى أن تلك الشهادات لا يعترف بها في مصر، حيث يتم الحصول عليها فقط من أجل التفاخر وكتابتها في البطاقة القومية.
 
العقوبة
 
وأكد القوشي، أن هناك معاهدا ومكاتبا أصبحت معروفة للجميع، من خلال عمل إعلانات في التليفزيون والصحف تهدف إلى منح الطالب شهادة جامعية مقابل أموال باهظة، وهي تهدف إلى هدم ركائز المجتمع وتفتيت عقول الشباب بجانب التأثير على العلاقات المصرية مع الدول الأخرى، حيث إن هناك العديد من الدول العربية التي اكتشفت تلاعب بعض المصريين في الشهادات مقابل السفر مما أدى إلى قلة طلب العمالة المصرية في الخارج.
 
وأوضح الخبير القانوني، لـ«بوابة أخبار اليوم» أنه في حالة التقدم بشهادة أو رسالة ماجستير أو دكتوراه لجهة حكومية للتعيين بها يتم اتهام صاحبها بالتلاعب في الأوراق الرسمية، وتوجيه تهمة التزوير التي تصل عقوبتها إلى 7 سنوات حبس، بينما في حالة انتحال الصفة تصل العقوبة إلى 3 سنوات.
 
مشروع قانون لتغليظ العقوبة
 
من جانبه شدد النائب نبيل الجمل، وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، على ضرورة سن مشروع قانون جديد من شأنه أن يغلظ العقوبة على المعاهد والجامعات التي تتخصص في الاتجار بالمؤهلات الجامعية، ومنح شهادات الماجستير والدكتوراة لمن لا يستحقها.
 
المستودع الرقمي لرسائل الماجستير والدكتوراة
 
ولفت الجمل في تصريحاته لنا، إلى أنه سوف يقوم بطرح المشروع على لجنة التعليم بمجلس النواب، لاتخاذ اللازم، وسرعة مناقشته بالمجلس، وتفعيل استخدام المستودع الرقمى لرسائل الماجستير والدكتوراة، لما تمثله الظاهرة من خطورة على عملية البحث العلمي في مصر.

برامج «الأعلى للجامعات» لكشف الاقتباس

وصرح الدكتور يوسف راشد، القائم بأعمال أمين المجلس الأعلى للجامعات، لـ«بوابة أخبار اليوم»، بأن المشكلة تشمل مستويين هما الاقتباس والمحتوى؛ فعلى مستوى الاقتباس هناك برامج لمراجعة مستوى الاقتباس، وكشفه مثل برنامجي  Turn it in وeye senticate وكل الجامعات تطبقه، مضيفًا أن المجلس الأعلى للجامعات، يعمل على تطوير برنامج لكشف محتوى الاقتباس العربي، كما أن هناك المكتبة الرقمية في المجلس تعطي كل محتويات العربي حتى لا يأخذ أحد أي نسخ من رسائل أخرى، وكليتي الهندسة بجامعة القاهرة وجامعة عين شمس وبقية الجامعة خاضعة للفحص.

وأوضح أنه على مستوى المحتوى، وهو الأمر الذي اعتبره خطيرًا؛ أنه بعيدا عن الاقتباس قد يسلم الطالب رسالة علمية قد يكون مستواها ضعيف جدا، وهنا يكمن السؤال كيف أقرر هذا وكيف يتم ضبطه، وكيف يتم تقييم إذا ما كانت الرسالة مهنية أو أكاديمية، وحتى وإن حكمتنا اللوائح، فناك تقييم من حيث الجودة وهذا عمل الطالب نفسه، والأستاذ الجامعي، والقسم، وهيئة ضمان الجودة، فضلا عن أنه لابد من إمعان النظر في كيفية تحويل الرسالة العلمية إلى شيء به ابتكار، وهذا الأمر يحتاج لضبط واهتمام، وإعادة نظر على كل المستويات وهذا بالفعل يقوم به المجلس الأعلى للجامعات وتحديدا من خلال المجلس الأعلى للدراسات والبحوث، قائلا: نحن نأخذ خطوة كل فترة في سبيل ضبط الأمر تدريجيا.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة