الدكتور  أحمد الطيب، شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر


ننشر نص كلمة «شيخ الأزهر» بمسجد الروضة

إسراء كارم

الجمعة، 01 ديسمبر 2017 - 01:55 م

قدم الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الجمعة 1 ديسمبر، كلمة استثنائية لأهالي بئر العبد في محافظة شمال سيناء، بعد الهجوم الإرهابي الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن استشهاد 310 من المصلين وإصابة آخرين.

وضم الوفد المرافق لشيخ الأزهر: الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، ود. شوقي علام مفتي الجمهورية، ود. محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، ود. محيي الدين عفيفي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، والشيخ صالح عباس رئيس قطاع المعاهد الأزهرية.

كما ضم: د. يوسف عامر نائب رئيس جامعة الأزهر المشرف العام على مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، ود. طارق سلمان نائب رئيس جامعة الأزهر، والمستشار محمد عبد السلام مستشار شيخ الأزهر، ود. عبدالفتاح العواري عميد كلية أصول الدين، ود. عبدالمنعم فؤاد عميد كلية العلوم الإسلامية، وعددًا من الأساتذة بالأزهر والواعظات، ومجموعة من شباب مركز الفتوى بالأزهر، وعددًا من أعضاء وعضوات مرصد الأزهر لمكافحة التطرف.

وجاء نص كلمة شيخ الأزهر كالتالي: "بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمدُ لله، وصَلَّى الله على سيدِنا محمَّد رسول الله، وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّم. وبعد.. فقد شاءَتْ إرادة الله الذي لا رادَّ لقضائه أن يَسبقَ حلول ذكرى مـولد النبي حادث شديد الألم على قلوبنا، عميق الحزن في نفوسنا ومشاعرنا.. ولا نملك إلَّا أنْ نقول: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.. ورغم ذلك ومع كل ذلك نُذكِّر أنفسـنا وأهليـنا، أهل هذه البلدة الطَّيِّبة، والقرية الصـابرة على قضـاء الله وقدره بقـول النبي؟: "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ خَيرٌ لهُ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ: إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ كان خَيْرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ، فكان خَيرًا لهُ".. ولستم –أيها الصابرون والصابرات- من أهل قرية الروضة بحاجة إلى التذكير بالمنازل العظيمة من الفردوس الأعلى التي يتنعم فيها شهداؤكم من الآباء والأبناء.

طولا تظنون أن هؤلاء الشهداء الأبرار عانوا من آلام القتل ما يعـانيه كل القتلى من الألم، فقـد صَـحَّ عنه أنَّه قال: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ أَلَمِ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ من ألم الْقَرْصَةِ».. ويكفي ما تحدثنا به شريعة الإسلام من أن الشهيد أرفع الناس درجة بعد الأنبياء والصِّديقين". 

أمَّا القَتَلَة الذين اجترؤوا على الله ورسوله، وسفكوا هذه الدِّماءَ الطَّاهِرة في بيتٍ من بيوتِه؛ فهؤلاء خوارج وبُغاة ومُفسِدُون في الأرض، وتاريخهم في قتل المسلمين وترويع الآمنين معروف ومحفوظ. 

وقد وصفهم النبي بأوصاف لازلنا نتعرَّف عليهم من خــلالها، فقـد وصفهم بحداثة السن إشــارة إلى طيشـهم واندفاعهم وجهلهم. وَوَصَفهم بسفاهة العقل وسوء الفهم، وحـذَّر من الاغترار بمظهرهم وبكثرة عبادتهم، وبحفظهم القُرآن الكريم، فقـراءتهم للقُرآن –فيما يقول النبي- لا تجـاوز أفواههم وشفاههم إلى قلوبهم وعقولهمن ووصفهم بالغُلوِّ في الدِّين والإسراع في تكفير المسلمين؛ تمهيدًا لقتلهم وسَــلْب أموالهم وهتك أعراضهم. 

وقـد أمر النبي بقتلهم وتعقُّبهم، ووَعَد من يقتلهم بالثواب يوم القيامة، فقد ورد في الحديث الصَّحيح قوله: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُـفَهَاءُ الأَحْــلاَمِ، يَقُـولُونَ مِنْ قــول خَــيْرِ البَرِيَّةِ، يَقْـرَؤون القُـرآن لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْـرُقُ السَّـهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ».

وقد بَيَّن الله جزاءهم في القُرآن الكريم في الآية التي نحفظها جميعًا عن ظهر قلب: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ?  [المائدة: 33]. 

ومن هُنا فإنَّه يجب ويتحتَّم على وُلاة الأمور أن يُسارعوا بتطبيق حُكْم الله تعالى بقتال هـؤلاء المحاربين لله ورسـوله والسَّاعين في الأرضِ فسَـادًا، حمـايةً لأرواح النَّاس وأموالهم وأعراضهم.. وعلى أهالي سيناء، هذا الجُزء المُقدَّس من أرض مصر، والذين يُعانون من هذا الإرهاب أكثر من غـيرهم، بل على شـعب مصر وعلى مؤسسات الدولة كلها أن تكون جميعًا على قَدْرِ المسؤوليَّة والتحدِّي في مواجهة هذه الحرب الشَّرِسَة، وهـذا الوباء السَّرطاني الخطـير، ومصر –بإذن الله تعـالى- بتاريخهـا وبسواعدِ أبنائها وجيشها البطل ورجال أمنها البواسِل- قادرةٌ على تجاوزِ هذه المرحلة الصَّعبة والقضاء على هذا الإرهاب الغريب على أرضنا وشبابنا شَكْلًا ومَوضُوعًا وفِكْرًا واعتِقادًا.
 
وفي خِتَامِ كلمتي أقول لأهل هذه القرية الطيبة: "إننا هنا لنوكِّد لكم أنَّ مِصْرَ كلها تشعُـر بما تشـعرون به، وتتألَّم مِمَّا تتألَّمون منـه، وكذلك الأزهر الذي جاءكم بشيوخه وأبنائه وبناته ليُعَزِّيكم ويُخَفِّف عنكم مصابكم، ويضع يده في أيديكم من أجل نهضة هذه القـرية علميًّا وصحيًّا واجتماعيًّا.. مع يقيني بأن الدُّنيا كلها لا تُعَوِّض قطرة دم واحدة سُفِكَتْ من هذه الأنفس الزَّكيَّة، لكنه الوفاء ببعضِ حقكم ونيل شرف السَّعْي في خدمتكم"، رَحِمَ اللهُ شُهداءنا الأبْرار وحَفِظَكُم وحَفِظَ مِصْرَ من الفِتَنِ والمِحَنِ والشُّرُور.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة