أزمة ألمانيا الكبرى ..

"ميركل" في مساعي استنجاد طوق النجاة لحكمٍ بات على المحك‎

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 04 ديسمبر 2017 - 11:03 ص

في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، تمكنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الظفر بولايةٍ رابعةٍ على رأس الحكومة الألمانية ، بعدما حصد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل  نحو 33% من مقاعد البرلمان الألماني "البندوستاج".


انتصار حزب ميركل كان حقيقةً حينها لا تقبل الشك أو التأويل ، لكن وجه الحقيقة الآخر ، كان مختلفًا فميركل فقدت شريكها في الحكم "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" بزعامة مارين شولتز ، الذي آثر حينها عدم المكوث في الحكومة المتوقع تشكيلها بزعامة ميركل ، فأعلن زعيم الحزب حينها أن أصوات الناخبين أظهرت رغبة المؤيدين للحزب في أن يكون الحزب في طليعة صفوف المعارضة، وذلك بعدما حصد الاشتراكيون نحو 26% من مقاعد البرلمان.


أمرٌ بعثر أوراق أنجيلا ميركل مبكرًا قبل أن تشرع في تشكيل تحالفٍ برلمانيٍ يضمن لها قيادة دفة الأمور لأربع سنواتٍ قادمةٍ على رأس الحكومة في برلين ، فمجموع ما حصل عليه الحزبان (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي و الحزب الديمقراطي الاشتراكي) يناهز نحو ستين بالمائة من مقاعد البرلمان ، و هي نسبةٌ كافيةٌ لأن ينفرد الحزبان بتشكيل الحكومة الألمانية دون تحديق طرف العين تجاه سائر الأحزاب الممثلة بالبندوستاج.


المهاجرون .. "دبة" ميركل


بداية أزمات ميركل التي أفضت إلى الوضع الراهن الذي يعتبره الأوساط السياسية في ألمانيا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية ، بدأت قبل الانتخابات، فأزمة المهاجرين التي نبذها كثيرٌ من الألمان ألقت بظلالها على العملية الانتخابية ، و دفعت الناخبون للتصويت لصالح حزب البديل اليميني المتطرف ، الذي يُنعت بالانتماء إلى الحقبة النازية رغم تنصله منها.


حزب البديل الذي حصل على نحو 13% من مقاعد البرلمان ، أعاد من خلالها اليمين المتطرف إلى الواجهة بعد نحو خمسين عامًا من العزلة السياسية ، يتبنى سياساتٍ معاديةٍ للهجرة بشكلٍ صارمٍ ، ليجد هذا الحزب ظهيرًا يستند عليه في الأصوات التي حصل عليها من الغاضبين لسياسات ميركل تجاه فتح الحدود أمام المهاجرين ، و التي أدت إلى ورود نحو مليون مهاجر سنويًا.


هؤلاء المناهضون لسياسات ميركل و للسوق الحر كادوا يفسدون قمة العشرين و التي جرت بمدينة هامبورج الألمانية في العاشر و الحادي عشر من شهر يوليو المنصرم عبر الاحتجاجات و أعمال الشغب التي شهدتها هامبورج آنذاك ، عاقبوا المستشارة الألمانية بالتصويت لصالح أشد الأحزاب معارضةً لسياستها ، و هي الأصوات التي جعلت من حزب البديل يتبوأ المركز الثالث في الانتخابات التشريعية ، و يعقد من مهمة ميركل أكثر في إيجاد تحالف انتخابي يسمح لها بتشكيل الحكومة في البلاد.


محادثات مستعصية يعقبها فشلٌ


و بالحديث الآن عن الأوضاع الراهنة ، بعد أكثر من شهرين على إجراء الانتخابات ، فقد تعرضت ميركل لضربةٍ موجعةٍ في أعقاب فشل المباحثات الثلاثية التي استمرت لأربعة أسابيع مع الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي و حزب الخضر ، من أجل تكوين ائتلافٍ حكوميٍ بزعامة ميركل يتولى مقاليد الحكم في البلاد.


انسحاب الحزب الديمقراطي الحر ، الحائز على نحو 11% من مقاعد البرلمان ، كتب نهاية غير مرجوة لأنجيلا ميركل لمفاوضاتٍ استمرت أربعة أسابيع ، حيث أعلن زعيم الحزب ، كريستيان ليندنر ، هذا الانسحاب بشكلٍ مفاجئٍ، مفصحًا عن وجود خلافات يصعب حلها مع تحالف المستشارة الألمانية ، دون أن يكشف عن هوية هذه الخلافات.


مستقبل غامض لميركل


الأزمة التي تفاقمت في وجه ميركل ، لم يعد إلى الآن لها سوى خيارين ، أولهما هو تشكيل حكومة أقلية من حزب ميركل فقط ، حال الفشل في تشكيل ائتلافٍ موسعٍ ، أما الثاني فهو إجراء انتخاباتٍ مبكرةٍ مطلع العام المقبل ، و هو الخيار الذي تفضله ميركل عن تشكيل حكومة أقلية.


رغبة المستشارة الألمانية في أن تجنح لانتخاباتٍ مبكرةٍ حال الفشل في التوصل إلى ائتلافٍ حكوميٍ ، هو بمثابة مقامرةٍ من ميركل أشبه بتلك التي أقدمت عليها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في الثامن من يونيو الماضي بالدعوة لانتخاباتٍ مبكرةٍ لتعزيز أغلبية حزبها الديمقراطي المحافظ في البرلمان ، إلا أن هذا كبدها خسارة الأغلبية المطلقة بمجلس العموم البريطاني التي كان يتمتع بها حزبها ، لتضطر لعقد اتفاقٍ مع الحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية لتأليف الحكومة الجديدة.


و بدورها ، تقول إذاعة "دي فيلت" الألمانية إنها أجرت استطلاعًا للرأي أظهر اعتقاد نحو 61.4 بأن فشل ميركل في مباحثات تشكيل الحكومة سيعني نهاية حقبة ميركل من العمل كمستشارةٍ ، في حين أظهر استطلاعٌ آخر للرأي ، نقلته صحيفة "دايلي أكسبريس" أن 54% من الألمان لا يتوقعون أن تتولى ميركل منصبها حال إجراء انتخاباتٍ مبكرةٍ.


و لكن مسألة التضحية بميركل نفسها ، ليست في أجندة الحزب الديمقراطي المسيحي ، فيؤكد ديفيد ماكاليستر ، عضو اللجنة التنفيذية بالحزب ، أن موقف الحزب الداعم لميركل مستمرٌ و أنها لا تزال صاحبة الموقف الأقوى داخله.


انفراجة لميركل


وعلى الرغم من كل هذه الرياح العاتية التي تعترض طريق ميركل ، المعروفة بالمرأة الحديدية ، فإن بوادر انفراجة لتلك الأزمة المستعصية تلوح في الأفق تتمثل في إمكانية تراجع الحزب الديمقراطي الاشتراكي عن موقفه السابق برفض الانخراط داخل الحكومة التي ستقودها ميركل.


الحديث دار حول ضغوطٍ مارسها الرئيس الألماني ،فرانك فالتر شتاينماير، و الذي يشغل منصبًا شرفيًا في البلاد ، على الحزب الاشتراكي لإثنائه عن موقفه السابق ، بغية عبور الأزمة السياسية التي تشهدها ألمانيا في الفترة الراهنة ، وهي التي آتت أكلها وأفرزت مفاوضاتٍ بين الحزب و حزب ميركل بدأت يوم الاثنين الماضي.


المدير التنفيذي للحزب الديمقراطي المسيحي ، كلاوس شولر ، أكد أمس الأول الجمعة أن حزبه الذي تتزعمه ميركل على استعداد للدخول في مفاوضاتٍ جادةٍ مع الاشتراكيين الديمقراطيين بدون شروط مسبقة لبحث تشكيل الحكومة الجديدة ، و ذلك في وقتٍ أبدى فيه مارتن شولتز ، زعيم الحزب الاشتراكي ، استياءه من التقارير التي تحدثت عن اتفاق حزبه مع حزب ميركل حول تشكيل الحكومة الجديدة.


نجاح تلك المباحثات بين القطبين الكبيرين على الساحة السياسية في ألمانيا ، قد يمثل الخروج من عنق الزجاجة للمستشارة الألمانية ، و يعبد لها الطريق نحو تأكيد بقائها على رأس الحكومة الألمانية لفترةٍ رابعةٍ ، بيد أن فشل تلك المباحثات سيرمي بمستقبل ميركل السياسي نحو المجهول.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة