الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم


ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: إيجابيات وخيارات في مواجهة إعلان ترامب

ياسر رزق

السبت، 09 ديسمبر 2017 - 07:03 م

أظن إعلان الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لم يأت اعتباطاً في توقيته، ولم يصدر فورة انفعال بغير دراسة، مثلما أظن وصول ترامب نفسه إلى السلطة لم يكن مصادفة، وأن إعلانه هذا هو سبب دخوله البيت الأبيض، وربما يكون ثمن بقائه بداخله رغم كل ما يثار من عواصف تهدد استمرار رئاسته.
يقدم ترامب نفسه في صورة الرئيس الذي يستطيع أن يفي بما يعجز سابقوه عن الوفاء به.
في حملته الانتخابية وعد بالاعتراف، ووعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبعد دخوله البيت الأبيض أعلن عزمه على انجاز الوعد، ثم تأجل قراره من الذكرى الخمسين لاحتلال القدس الشرقية فى حرب يونيو ١٩٦٧، تحت ضغط من قادة عرب التقوه، وحذروا من أن هذا القرار سينسف فرص السلام وسيقود المنطقة إلى دوامة أشد من العنف والإرهاب.
اختار ترامب الإعلان عن قراره قبل أن ينصرم العام الذى شهد مرور مائة سنة على وعد وزير الخارجية البريطانى بلفور بانشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وقبل حلول عيد »الحانوكا« أو عيد الأنوار اليهودى الذى احتفل به مع ابنته التى تهودت وزوجها اليهودى جاريد كوشنر كبير مستشاريه ومبعوثه إلى الشرق الأوسط للبحث فى فرص التوصل إلى «صفقة نهاية المطاف» - على حد تعبير ترامب - بين الفلسطينيين وإسرائيل.
،،،،،،
لعل تقدير الموقف الأمريكى كان يراهن على أن هذا الوقت هو الأنسب للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واستباق أى مفاوضات حول جوهر النزاع «الفلسطينى الإسرائيلى».
فالدول العربية إما ممزقة أو منكفئة على مشاكلها الداخلية، أو منشغلة بترتيبات انتقال حكم، والدول الإسلامية تتنازع فيما بينها على غير مغنم أو قضية، وتنقاد انقياداً إلى أتون حرب بسوس طائفية بين سُنة وشيعة، والفصائل الفلسطينية التى تكاد تنهى قطيعتها بجهود مصرية مضنية، لابد أن يعيدها القرار إلى مواجهات تقضى على أى أمل فى مصالحة.
كان التقدير الأمريكى - فى ظنى - يستبعد ردة فعل عربية أو إسلامية رسمية صاخبة، ويتوقع اندلاع مظاهرات شعبية وقتية فى البلدان العربية موجهة إلى نظمها الحاكمة، تؤجج العنف داخل هذه البلدان وتزيد من عدم استقرارها، وهذا جزء من المطلوب!
كان التقدير - هكذا أتصور - أن تصريحات من قبيل ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون أمس الأول، وزيارة كتلك التى سيقوم بها نائب الرئيس مايك بنس خلال عشرة أيام، يمكن أن تهدئ ثورة الشعوب العربية والإسلامية، وتخفف غضب قادة البلدان العربية، خاصة أن بنس قد يقدم مشروعاً صورياً لاستئناف المفاوضات يبقى على هدف التفاوض من أجل التفاوض أو الحركة بغير تحرك!
،،،،،،
بعد ثمان وأربعين ساعة من إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتزامه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى «أورشليم»، خرج تيلرسون بتصريح أشد وقاحة من إعلان رئيسه، يقول: «إن الرئيس لم يشر إلى وضع نهائى بالنسبة للقدس، وأن القرار النهائى بشأنها متروك للمفاوضات، أما نقل السفارة فلن يتم هذا العام ولا العام المقبل، بل ربما فى عام ٢٠١٩».
مؤدى كلام تيلرسون أن ترامب لم يسرق العرب، إنما هو فقط وضع يديه فى جيوبهم وأخذ محتوياتها، وهذه ليست سرقة!
الوقح فى تصريحات تيلرسون أنها تستخف بعقول العرب بأكثر مما استهان رئيسه بنخوتهم وكرامتهم.
وليس أشد تدنياً من أولئك الذين تلقفوا هذه التصريحات على أنها تراجع، ووجدوا فيها طوق نجاة لإنكار ما لا يريدون تصديقه، ولعدم التصدى لما لا يستطيعون له دفعاً!
،،،،،،
ثمة أقاويل تروج للإقلال من تأثير قرار الرئيس ترامب، منها أن قرار الاعتراف الأمريكى بالقدس لم يغير شيئاً على الأرض، فالقدس الغربية بيد إسرائيل منذ تأسيسها عام ١٩٤٨، والقدس الشرقية استولى عليها الجيش الإسرائيلى فى حرب ١٩٦٧، والكونجرس الأمريكى أصدر منذ ٢٢ عاماً قانوناً يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل وظل تنفيذ القانون مؤجلاً بقرارات من الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين.
يقال أيضاً أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، هو مجرد انتقال لقطعة قماش هى العلم من مكان إلى آخر، لا يعنى شيئاً، فضلا عن أن مبنى السفارة الجديد غالباً سيكون فى القدس الغربية التى يقر العرب والفلسطينيون أنفسهم أنها ستكون عاصمة إسرائيل عند تنفيذ حل الدولتين!
تلك الأقاويل لا معنى لها سوى الضحك على لحى العرب وشواربهم، فالولايات المتحدة وهى الراعى الوحيد لعملية السلام والقوة الأعظم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً فى العالم، حسمت بهذا القرار وضع القدس قبل التفاوض، انتهاكاً لكل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة بالصراع العربى الإسرائيلى وقضية القدس، وألغت مرجعيات عملية السلام فى مدريد وأوجدت واقعاً، ينسف عملية السلام، ويقتل أى أمل فى إعادة إحيائها من بعد موتها، ويجعل أى حديث عن مفاوضات من قبيل الهزل الذى لا ينطلى حتى على السذج!
فضلاً عن أن القدس ليست مجرد أرض محتلة، أو عاصمة لدولة فلسطين التى تعترف بها غالبية دول العالم. إنما هى البلدة القديمة بحرمها القدسى الذى يموت المسلمون ولا يفرطون فيه، وبمقدساتها المسيحية فى طريق الآلام حيث كنيسة القيامة، التى تهوى إليها أفئدة المسيحيين بالأخص العرب الذين كانوا أول من آمن بالمسيح ورسالته.
قرار ترامب افتئاتا على الحق العربى الفلسطينى وعلى قرارات الشرعية الدولية، ينقل أمريكيا القدس من وضع أرض فلسطينية محتلة، إلى وضع أرض إسرائيلية، يحق للسلطات الصهيونية أن تغير فيها ما تشاء وتنقل منها من تشاء وتفعل بها ما تريد.
،،،،،،
فى تقديرى المتواضع أن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، هو معلم رئيسى فى خريطة شرق أوسط جديد، تسعى الولايات المتحدة إلى رسمها بالسكين والأزميل، لتلائم المقاس الإسرائيلى بعد تدمير العراق، وخراب سوريا، وزوال الدولة الليبية، وزعزعة استقرار مصر واستهداف السعودية، واشعال نيران الفتنة بين السنة والشيعة بالأخص فى إيران.
وأخشى أن مخطط النيل من مصر الذى تعطل بقيام ثورة يونيو، سيأخذ منحنى أكثر نشاطاً فى العام المقبل، فمصر تظل العقبة الكؤود أمام مؤامرات تفكيك وتقسيم الدول العربية ودفن القضية الفلسطينية، وتبقى رغم معاهدة السلام، رأس الرمح العربى، بل لعلها الرمح، فى الدفاع عن الحق الفلسطينى، منذ نشأت القضية، إلى الآن وفى المستقبل، وهى أكثرمن ضحى بالأرواح والدماء من أجل قضية فلسطين، بل أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.
،،،،،،
لست ممن يفتشون فى الثوب الأسود عن بقع بيضاء. غير أننى لا استطيع أن أتجاهل إيجابيات أراها، جاء بها قرار ترامب على غير ما يبغى ومن حيث لم نكن نتوقع.
أولاً: إذا كان قرار ترامب اختار الوقت الأنسب عربياً لتمريره، فإن المفاوضات فى هذه الآونة حتى لو لم يصدر القرار، كانت ستتم فى الوقت الأسوأ عربياً لاستئنافها. ذلك أن توازن القوى مختل خللاً لا يصون حقاً ولا يسترجع أرضاً.
ودرس التاريخ الذى لا يتغير يقول إنك لن تستطيع أن تستعيد أرضاً بالسلام، لا تقدر على أن تحررها بالسلاح.
ثانياً: أن المصالحة الفلسطينية إذا كانت ضرورة تفاوض، فإنها الآن حتمية بقاء. وظنى أن كل الفصائل تدرك الآن أن نزاعات البعض على غير قضية، وصراعات البعض على غير مطمع، وسلاح الأخ الذى انحرف عن هدفه ليطعن شقيقه، كلها أدت بالقضية الفلسطينية إلى ما آلت إليه. وليس هناك دافع للتوحد أقوى من قضية القدس.
ثالثاً: أن الشعب الفلسطينى المرابط الذى هب مجدداً ذوداً عن أرضه ومقدسات العرب والمسلمين، هو السلاح الأقوى فى درء العدوان، وعلينا أن نتذكر أنه لولا الانتفاضة الأولى، ما انعقد مؤتمر مدريد، وما كانت اتفاقات أوسلو، ولا تأسست سلطة فلسطينية تحكم شعبها على أرضه، وتقود نضاله نحو تأسيس دولته. وتبقى المقاومة هى الخيار الذى لا يجب تنحيته لإجبار إسرائيل على ما تحميها منه الولايات المتحدة.
رابعاً: أن موقف الشعوب العربية والإسلامية الغاضب الهادر من المحيط الهندى إلى المحيط الأطلنطى، يؤكد أن الأمة العربية تحديداً مازالت رغم أزماتها، ونكباتها، حية ولم تمت، وأنها قادرة دوماً على أن تنفض كفنها كلما هيئت للدفن. ولعل هذا الموقف يدفع بالحكومات العربية إلى التآزر خلف الموقف المصرى الساعى لاستعادة العواصم والبلدان العربية وانتشالها من أزماتها، ويفتح أعين هذه الحكومات لترى ما تتغافل عن رؤيته من أدوار لعبتها دويلة عميلة فى مخطط تمزيق الدول العربية وتأجيج الفتنة الفلسطينية.
خامساً: إن جماعات الإرهاب التى ترتع تقتيلاً وتخريباً فى البلدان العربية متدثرة زوراً وبهتاناً برداء الدين، فقدت أى ذرائع واهية لها حتى بين صفوف المتطرفين والمتشددين الذين لا يحملون السلاح. فالقدس ليس مكانها سيناء، والذين يحتلون الأقصى ليسوا فى سوريا ولا ليبيا ولا فى اليمن، والذين اعترفوا بالقدس عاصمة لإسرائيل هم الذين نقلوا الإرهابيين إلى سوريا والعراق وهم الذين ينقلونهم الآن إلى ليبيا للتسلل إلى مصر.
سادساً: أن من لم يكن يعى فى الرأى العام المصرى لعله صار يفهم الآن لماذا توسع القيادة المصرية دائرة علاقات مصر الاستراتيجية وتعمل على بناء علاقات متوازنة مع كل القوى فى روسيا والصين وأوروبا بجانب أمريكا ولا تأخذ بأدبيات سياسة خارجية لنظم سابقة، كانت تضع كل رهاناتها فى سلة الولايات المتحدة.. ولماذا تعمل القيادة المصرية على تنويع مصادر تسليح جيشها، ولماذا تنطلق فى زيادة قدرته على الدفاع والردع.
،،،،،،
لست أدعو إلى حرب مقدسة ضد الولايات المتحدة، لن تقوم إلا على وسائل التواصل الاجتماعى.
ولست أطالب بقطع جماعى لعلاقات الدول العربية والإسلامية بأمريكا، لأنى لست من الواهمين.
ولست أحمل مصر وحدها مسئولية التصدى لقرار ترامب، لأن فى ذلك تعسفا وغيبة إنصاف فى تحديد الأدوار ومعالجة الأمور.
لكن..
أضعف الإيمان أن تجتمع منظمة التعاون الإسلامى التى تترأسها تركيا على مستوى القمة.
وأن تنعقد القمة العربية التى تترأسها الأردن فى دورة طارئة.
وأن تدعو المغرب لجنة القدس التى تترأسها إلى اجتماع عاجل.
أقل ما ننتظره هو موقف رفض جماعى لقرار ترامب، ودعوة للدول الصديقة والقوى الكبرى المنصفة إلى الاعتراف بدولة فلسطين وبالقدس الشرقية عاصمة لها، وعدم ترحيب بزيارة نائب الرئيس الأمريكى الذى أعلن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أنه لن يلتقيه مؤكدا فى بيان شجاع  يعيد للأزهر مكانته أنه لن يجلس مع من يزيفون التاريخ.
وربما تعيد دول عربية وإسلامية النظر فى الهرولة باستثماراتها وأرصدتها إلى من يستهينون بكرامة العرب ويستبيحون حقوقهم ومقدساتهم.
وأتمنى لو كان بين الخيارات المطروحة، إذا انعقدت احدى القمم أو بعضها، هو عدم التعامل مع إدارة ترامب، حتى يلغى قراره.
أتمنى أن يفيق سلطان تركيا من أوهامه، ويدرك أن أحد دوافع قرار ترامب هو ما ارتكبته تركيا بيديه فى سوريا والعراق، وما قدمته من دعم للإرهاب فى مصر.
ولن أكايد إيران وأسألها أين هو جيش القدس العرمرم الذى يضم الملايين.. فقط أتمنى لو تفىء إلى أمر الله، وتكف يدها عن أذى جيرانها العرب، وتطفئ نيران فتنة شيعية سنية، يراد لها أن تكون غطاء لتدميرها على يد أمريكا وإسرائيل.
لكن هل كل ما يتمناه المرء يدركه؟!
،،،،،،
المقاومة، والتوحد، واستعادة الدول المركزية العربية من مصيرها المخطط هى أدواتنا للدفاع عن القدس وأقصاه، فليس علينا القعود انتظاراً لوعد الآخرة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة