اللواء أ.ح. سيد غنيم - استشاري الأمن الدولي وأستاذ زائر بأكاديمية دفاع الناتو
اللواء أ.ح. سيد غنيم - استشاري الأمن الدولي وأستاذ زائر بأكاديمية دفاع الناتو


استشاري بالأمن الدولي: «بوتين» نجح في استعادة «الهيبة» ويتجه نحو توسيع النفوذ

محمد محمود فايد

الأحد، 17 ديسمبر 2017 - 09:43 م

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، زيارة مكوكية إلى منطقة الشرق الأوسط، لكل من سوريا ومصر وتركيا، وتعد تلك الزيارة ثاني تحرك روسي بعد اجتماع القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في "سوتشي" خلال نوفمبر الماضي.

وقد أعلن المتحدث باسم قصر الرئاسة الروسي "الكرملين"، دميترى بيسكوف، في وقت سابق، أن زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمصر وسوريا وتركيا كانت جزءًا من سياسة موسكو المتسقة في المنطقة، وليست محاولة ترمى إلى "ملء فراغ".


زيارة «بوتين» لسوريا
هبط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقاعدة "حميميم" الجوية في سوريا، حيث كان أول شخص في استقباله قائد القوات الروسية بالقاعدة في رسالة استعراض عالمية (تُعد قانونية دولياً)، ورسالة أخرى للداخل الروسي تستهدف دعمه في انتخابات الرئاسة القادمة بموسكو مارس 2018. 

ثم عناقاً قوياً مع الرئيس السوري بشار الأسد احتفالا بالنصر الروسي على الإرهاب ظاهرياً وعلى المعسكر الغربي بشكل غير مُعلن (ذلك المعسكر الغربي الذي توقع هزيمة بوتين وعودته خاسراً لبلاده)، وكذا احتفالا بالانتصار السوري ممثلاً في بقاء بشار الأسد في الحكم - كما وعده بوتين - منتصراً على خصومه ووكلائهم.


«بوتين» في مصر
غادر بوتين «حميميم» ووصل إلى القاهرة حيث اجتمع مع الرئيس السيسي لإجراء محادثات حول استمرار توسيع العلاقات بين البلدين ومناقشة بعض القضايا الإقليمية، وصرح "بوتين" خلال الزيارة أن روسيا مستعدة من حيث المبدأ لاستئناف رحلات الركاب المباشرة إلى مصر، كما وقعت مصر وروسيا خلال الزيارة اتفاقا لبدء العمل في أول محطة للطاقة النووية في مصر .

وعلى صعيد آخر ناقش الرئيسان الوضع السوري والليبي والقضية الفلسطينية وموقف "ترامب" الأخير بشأن نقل السفارة الأمريكية للقدس، كما ناقشا إمداد مصر بأسلحة روسية رئيسية متطورة.


قيصر روسيا في تركيا

في مؤتمر صحفي حضره الرئيسان الروسي والتركي، ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا وتركيا اتفقتا على أن قرار الرئيس الأمريكي «ترامب» الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يزعزع استقرار الشرق الأوسط، كما قال بوتين أن روسيا تأمل في توقيع اتفاقات ائتمان لصناعة الدفاع مع تركيا قريبا.

وقال «أردوغان» إن المسؤولين الأتراك والروس سيجتمعوا لوضع اللمسات الأخيرة بشأن استلام تركيا لنظم صواريخ أرض / جو روسية من طراز S- 400 في 2019، كما بحث الرئيسان أيضاً التطورات في سوريا والشرق الأوسط، فضلا عن العلاقات الثنائية التي كانت متوترة بين البلدين بعد أن أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية لانتهاكها مجالها الجوى في عام 2015.


علق اللواء أ.ح. سيد غنيم استشاري الأمن الدولي وأستاذ زائر بأكاديمية دفاع الناتو، على تلك الزيارة بأنه رغم الوضع الاقتصادي الروسي السيئ، وتداعيات العقوبات التي وقعت عليها بسبب أزمة أوكرانيا، وانهيار أهم دول عربية كانت مرتعاً للنفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط، لا شك أن روسيا قد عادت لتستخدم أدواتها في المنطقة بحرفية عالية وإستراتيجية فاعلة. 


وأضاف في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» أن بوتين قد تمكن بنجاح ملحوظ من تنفيذ المرحلة الأولى من إستراتيجيته الصادرة بنهاية شهر ديسمبر 2015 - والتي كان قد بدأها بالفعل منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة عام 2012 _ وهي مرحلة "استعادة الهيبة"، حيث قلل من فرص إنفراد الولايات المتحدة باتخاذ القرارات بسهولة في منطقة الشرق الأوسط دون مراجعة بوتين، فهو جاهز دائماً باستخدام حق الـ"فيتو" ضد أي قرار أمريكي يخالف مصالح بلاده (خاصة في سوريا)، ويتجه حالياً بخطوات حذرة نحو مرحلة "استعادة وتوسيع النفوذ".

وتابع «غنيم»: يبدو أن «بوتين» قد نظم خط دفاع سياسي جديد يمر بتركيا وسوريا وإيران، مشكلاً مع إيران وتركيا تحالفا إستراتيجيا مؤقتا (غير مُسمى) لصالح الأزمة السورية بشكل يحقق مصالحهم المشتركة بحساسية شديدة، ودون مشاركة أي دولة عربية أو إسرائيل في قرارات سوريا المصيرية.

وقال استشاري الأمن الدولي، إنه يظن أن بشار الأسد وخصومه يعلموا جيدا أن «بوتين» لن يعيد إعمار سوريا، فهو لا يملك الإرادة ولا الإمكانيات لذلك، مقارنة بما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية التي خصصت مئات المليارات من الدولارات من المساعدات المدنية إلى العراق وأفغانستان، متوقعًا أن تحتاج سوريا عقوداً طويلة وأموالاً طائلة لإعادة إعمارها، أو ثمة أمل في حكم رشيد في سوريا ينشئها دولة مؤسسية ويعوضها عما تكبدته من خسائر.

وتوقع «غنيم» استعداد «بوتين» للاستماع إلى مخاوف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من ترسيخ نفوذ إيران في سوريا، وحتى الآن على الرغم من ذلك، فإنه لم يضع بعد أي ضغط ملموس على الإيرانيين، وهنا قد نلاحظ أمراً هاما في المقابل، أن روسيا - التي تسيطر على أجزاء كبيرة من المجال الجوي السوري - لم تحاول على الأقل، منع أو حتى إعلان إدانتها للغارات الجوية الإسرائيلية على حزب الله والأهداف الإيرانية في سوريا، والتي نسبتها وسائل الإعلام الأجنبية إلى إسرائيل، وكأن «بوتين» يتجنب التورط فيما تخططه إسرائيل لإيران وحزب الله .

وعلى صعيد آخر، أوضح «غنيم» أن روسيا لم تغفل إعادة ترسيخ علاقاتها مع أهم محور في الشرق الأوسط وهو مصر، حيث يجدد ويطور علاقاته مع الرئيس السيسي الذي يحتاج لتنوع السلاح وللطاقة النووية السلمية، كما يحتاج للدعم السياسي الروسي في بعض القضايا مثل القضية الفلسطينية.

وأكد أن مصر تمثل أهمية إستراتيجية لبوتين، حيث يعتبرها محور ارتكاز سياسي (مفصلي) متقدم يؤمن مصالح بلاده، فكما أن سوريا وليبيا شرقاً وغرباً يمثلا العمقين الإستراتيجيين الأهم لمصر، فهما يمثلا أهمية شديدة لروسيا لتأمين مصالحها في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

وأشار اللواء أ.ح. سيد غنيم، إلى أنه ليس هناك يوماً أفضل لروسيا منذ تولي «بوتين» منصباً فيها مثل يومنا هذا، فروسيا في علاقات مصالح متميزة حالياً مع كلا من إيران وتركيا، حيث تشهد روسيا علاقات متميزة مع تركيا التي تمتلك مضيقي "الدردنيل والبوسفور" واللذان يعتبران "عنق الزجاجة" الذي يُمكن عبور قوات وتجارة بوتين للشرق الأوسط،  فضلاً عن تسهيل تركيا إنشاء مشروع تمرير الغاز من روسيا إلى تركيا وإلى أوروبا من خلال تركيا، والذي يفرض احتياج أوروبا لغاز روسيا.

على صعيد آخر نجد إيران تحقق لـ«بوتين» فرص التواجد في المنطقة مع تزايد المصالح المشتركة بينهما، كما تيسر له أيضاً طريق مرور آمن مواز أو بديل لتركيا لنشر قواته في سوريا.

وأضاف أنه في المقابل تسعى أوروبا لتوفير الغاز الطبيعي الأقل تكلفة مستقبلاً من رباعي المتوسط (اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل)، والذي سيهدد مشروع الغاز الروسي التركي (ترك أستريم)، وأظنه قد يجعل روسيا ترى مصر - بوضعها الجديد الذي هيئته لها أوروبا كمنتج ومصنع ومصدر للغاز - منافساً مستقبلا في هذا الاتجاه وجب تحييده.

وأوضح «غنيم» أن قيام روسيا بإمداد تركيا بأسلحة نوعية متطورة قد يزيد من تهديد وضع تركيا ضمن حلف الناتو، حيث يعتبر الحلف هذه الخطوة بمثابة "انقلاب"، باعتبارها أسلحة لا يمكن دمجها في منظومة دفاعه.

وتابع: أنه ربما تهدف روسيا لاتساع دوائر نفوذها بالمنطقة في محاولة لحل محل الولايات المتحدة الأمريكية - التي يُتوقع أن تخفف حجم وطبيعة تدخلاتها بالشرق الأوسط تدريجياً - حيث لا تميل روسيا لوضع نفسها منافساً لأمريكا في المنطقة، ومن ثم أتوقع تزايد التدخل الروسي (الحذر) تدريجياً أيضاً ببؤر صراع أخرى بالمنطقة. 

وفي النهاية أكد استشاري الأمن الدولي، أن «بوتين» يدرك مدى ضعف بلاده الحقيقي وأنه لا يمتلك القدرات العسكرية التي تمكنه من ملئ فراغ النفوذ الأمريكي في المنطقة، متوقعًا أن يركز الرئيس الروسي على القدرات الاقتصادية كأهم محرك للقدرات العسكرية وبما يمكنها من تأمين المصالح والنفوذ السياسي بشكل حقيقي.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة