نجيب محفوظ
نجيب محفوظ


احتفالاً بعيد ميلاده السادس بعد المائة 

في حوار لم يحدث| نجيب محفوظ: كان لي حلم صغير..بيت بحديقة فيها الزهور 

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 22 ديسمبر 2017 - 09:48 م

من الصعوبة بمكان أن نجد جديدا يكتب عن صاحب نوبل نجيب محفوظ فى ذكرى ميلاده، السادسة بعد المائة عام، الكتب كثيرة التى تناولت رحلته الإبداعية، والدراسات النقدية حول أعماله الروائية والقصصية لا تعد ولا تحصى، والأفلام السينمائية تناولت رواياته التاريخية  والاجتماعية والسياسية، لم يبق شيء جديد يمكن أن يكتب عنه بعد  كل هذه السنوات، لكن الذى يبقى مع مرور الزمن تلك الأماكن مسرح رواياته التي لا تتحرك، ولا تختفي، قد تتغير الأسماء لكن الرائحة والروح يبقيان .


 نجيب محفوظ الذي ستحل ذكرى ميلاده بعد غد، قضى حياته موظفا فى الحكومة و فى نفس الوقت فى كتابة الروايات، كان شخصيه روتينية لأقصى الحدود، كل شيء في حياته كان منتظما بالساعة. فى الصباح كان يخدم فى الحكومه و فى البيت كان يدخل مكتبه و يكتب في ساعات محددة  ثم يبدأ فى وقت معين لقاءه مع أصدقائه، كان منضبطا حتى انه كان يحدد موعد تناوله سيجارته كل ستين دقيقة بالضبط!، حتى رواياته كان يكتبها بطريقة منظمة جداً مثل عملية هندسية وليس بطريقة ارتجالية حسب ظروف الوحي والإلهام، لم يجعل أحدا يقرأ أعماله إلا بعد أن يتم نشرها فى كتاب .
فى ذكرى ميلاده  السادس بعد المائة وجدت فى كتاباته حوارا خياليا لم أجره معه من واقع كتاباته التى مازالت تحمل نبض العصر الذى نعيشه، رغم أننى قد أجريت حوارين  معه على أرض الواقع عقب الفوز بجائزة نوبل وحوار آخر قبل الفوز.
 فى البداية اتمنى لو تحدثنى عن نفسك. 
- عبثا أحاول تذكر حياتى فى مجراها المفعم بالوجود قبل ساعة الميلاد. تلك النبضة المنبثقة من تلاقى جرثومة متوترة ببويضة متلهفة فى أول مأوى آمن يتاح لي. فى أى غيب كنت أهيم قبل ذلك منطلقا مع تيار متصل غير محدود من الذكور والإناث، تشارك فى مهرجانه فرق عديدة من النبات والحيوان وعناصر الطبيعة من ماء وتراب وحرارة وبرودة، فى تناغم مع دورة الأرض والقمر والشمس، فى حضن درب التبانة العظيم الماضى فى حوار دائم مع دروب لا نهاية لها.
ما الذى تمثله الحارة فى كتاباتك؟ 
- أجابنى من كتاب أصداء السيرة الذاتية قائلا: إن ما يحركني، حقيقة، عالم الحارة، هناك البعض يقع اختيارهم على مكان واقعى أو خيالي، أو فترة من التاريخ، لكن عالمى الأثير هو الحارة، أصبحت الحارة خلفية لمعظم أعمالى حتى أعيش فى المنطقة التى أحبها، لماذا تدور« الحرافيش» فى الحارة ؟ كان من الممكن أن تجرى الأحداث فى منطقة أخرى فى مكان آخر له طبيعة مغايرة، إنما اختيار الحارة هنا لأنه عندما تكتب عملا روائيا طويلا، فإنك تحرص على اختيار البيئة التى تحبها، التى ترتاح إليها، حتى تصبح « القعدة حلوة ».
كيف نافست الطبيعة الحارة فى رواياتك؟
- عبرت عن هذه الطبيعة فى رواية الحرافيش حينما كتبت  « تسقط الأمطار فوق الأرض ولا تتلاشى فى الفضاء، وتومض الشهب ثانية ثم تتهاوى. والأشجار تستقر فى منابتها ولا تطير فى الجو، والطيور تدوّم كيف شاءت ثم تأوى إلى أعشاشها بين الغصون. ثمة قوة تغرى الجميع بالرقص فى منظومة واحدة. لا يدرى أحد ما تعانيه الأشياء فى سبيل ذلك من أشواق وعناء، مثلما تتلاطم السحب فتنفجر السماء بالرعود.
 وفى رواية «حضرة المحترم »قلت :« تربعت فوق الحشائش، ووهبت حواسها وروحها للماء والخضرة والسماء المنقوشة بالسحائب المبعثرة، وهو ينظر إليها بإعجاب وافتتان، وتحدثه عن سحر الطبيعة فيجاملها بالموافقة، ويجول بنظره فى الآفاق فيرى مناظر لم تجذبه من قبل ولا يشعر نحوها بسحر ما؛ أجل إنه منغمس دوما بالداخل، فى أفكار محدودة وخيالات تنفثها الغرائز، فى الله ومجده الدنيوى المقدس، وصراع الخير والشر والفساد، عدا ذلك فهو لا يرى من الدنيا شيئا».
ما الذى تعنية الحرية بالنسبة لك؟
- الحرية فى رأيى تجلت فى رواية « الشيطان يعظ» لو كنت قرأتِ هذه الرواية حينما كتبت .. أقصر حديثى الآن على القوى المتربصة بحريتنا... ثم يجيء دور قوى جديدة خارج المجتمع، منها البيئة، وأثرها معروف فى النشاط والكسل، فى القوة والضعف، الإيجابية والسلبية...
هناك الأرض نفسها، الكرة الأرضية، فهى بجاذبيتها وحركتها محدد له وزن وأسلوب فى الحركة وحدود لا يمكن تجاوزها؛ هناك أيضا الشمس وأشعتها وانفجاراتها الموسمية، بل هناك النظام الشمسى كله فيما نعرف من آثاره وما نجهل، ولك أن توسع تصورك حتى يشمل الكون كله ما ظهر منه وما غاب؛ الكون كله يؤثر فى حريتنا، ويكون لذلك نتائجه فى سلوكنا وتصوراتنا؛ أما الإنسان الغافل فقد يعتقد أنه حر حرية مطلقة، أو أنه لا يؤثر فيه إلا عقدة أوديب، أو عوامل اقتصادية، ثم تجيء بعد ذلك قوى غريبة خارجة عن التصنيف المنطقي، تبدو عارضة لا معقولة نسميها مصادفات أو ما شئت من أسماء، ولكنها مع ذلك تقلب الحساب رأسا على عقب فى لحظة خاطفة، وهى لا حصر لها: مقابلة غير متوقعة، ضياع رسالة فى البريد، حادث قطار أو سيارة، وسقوط جسم فجأة إلخ إلخ، فهل تستطيع أن تتجاهل القوى المؤثرة فى حرية الإنسان، وبالتالى فى مصيره .
فى رأيك ما الذى تعنيه الثورة للأديب ؟
 - فى رواية التنظيم السرى قلت :«الثورة عند الأديب تبدأ فى قلبه أولا، وفى تفاعله مع الناس ثانيا. تبدأ فى إحساسه بالتنبؤ الطبيعى الذى لا أعتقد أن فنانا يستحق هذا الاسم خال منه، لأن الفنان الأصيل كالحيوان، كالعصافير والفيلة والنسور التى عندما تحس بخطر محدق تصدر بالغريزة أصواتا خاصة للملأ أن خطرا ما آت. والفنان إذا لم يكن عنده هذا القدر من الإحساس العام الذى يجعله ويجعل أدبه فى مستوى النبوءة متضمنة دعوة إلى هذا الاتجاه أو ذاك، تكون أجهزته كلها معطلة أو مختلة. إن الفنان فى الواقع لا يتنبأ وإنما يحس الرؤيا، رؤيا الواقع».
ما الحلم الوردى الذى تحلم به ؟
- كان وما زال، حلمى الوردى أن أستقر بعد المعاش فى بيت ذى حديقة صغيرة، وأن أكرس بقية العمر لفلاحة الأزهار والبساتين؛ ومن أجل تحقيق هذا الحلم رسمت لنفسى خطة طويلة الأمد: أن أبذل فى عملى أقصى ما أملك من جهد كى أرقى فى سلمه إلى درجة تضمن لى معاشا محترما، وأن أسيطر على سلوكى ونظام معيشتى كى أدخر من مرتبى ما ييسر لى بناء البيت المنشود بعد انضمامى إلى إحدى الجمعيات التعاونية، وأن أدرس دراسة متأنية فلاحة الأزهار والبساتين.
 جرت الأقدار فى مجاريها غير عابئة بحلمى الأثير ( فلم أوفر شيئا لبناء بيت أو حديقة أو غيرهما، ولكن فى المقابل ) بلغت دراستى لفلاحة الأزهار والبساتين غاية يعتد بها، فسنحت لى فكرة مثيرة وهى أن أستثمر معلوماتى متطوعا بلا أجر. ألا يجعل ذلك من الحلم حقيقة ؟ ومن المستحيل ممكنا ؟ إن الحدائق الخاصة فى حينا متوافرة بكثرة تفوق الحصر، وإذا عرضت على أصحابها خدماتى فلن يرفضوها، ولو على سبيل مجاملة الجار. بذلك لا يهدر عنائى الطويل المتواصل ولا يتلاشى سرورى فى الحياة، وها أنا أمضى البقية الباقية من حياتى فى الخضرة، وبين الأزهار، دون حاجة إلى تدبير أو شراء أو بناء، وكأننى أملك بدل الحديقة الواحدة عشرا. هكذا حققت حلمى متجاوزا كافة عقبات الطريق.


 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة