الكاتب الصحفي ياسر رزق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي ياسر رزق - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم


خواطر من داخل أنفاق وداع العزلة

ياسر رزق يكتب: سيناء .. معركة التنمية والتطهير لردع الأطماع

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 24 ديسمبر 2017 - 11:06 م

طرح مرسى.. وطبخة «بليرهاوس».. ورد مبارك على «بى.بى.سى».. وبيان ترامب

أرقب ابتسامة عريضة على وجه الرئيس السيسى، وسعادة غامرة تقفز من وجوه الحضور، وهم يصفقون بحرارة لمشهد خروج ماكينة الحفر من النفق الثالث شمال الإسماعيلية فى اتجاه الضفة الشرقية لقناة السويس فى سيناء. تخفق قلوب الجميع، والمشهد ينطق: الآن.. انتهت عزلة سيناء إلى الأبد.
استقل سيارة مع بعض زملائى، فى ركب سيارات، يتفقد بها الرئيس ومرافقوه النفق الأول الذى اكتمل حفره يوم 4 ديسمبر الحالى، ونجتاز النفق لمسافة نحو 5 كيلومترات، بعمق 70 متراً تحت سطح الأرض، و44 متراً أسفل قاع القناة، إلى الضفة الشرقية للقناة.
ثلاثة أنفاق اكتمل شقها، منها نفقان شمال الإسماعيلية كل منها فى اتجاه، ونفق جنوب بورسعيد انتهى حفره يوم 14 ديسمبر الحالى، وتصل ماكينة الحفر إلى الطرف الآخر من النفق الرابع ببورسعيد فى الأسبوع الأول من يناير المقبل.
زمن قياسى غير مسبوق، استغرقته أعمال الحفر التى بدأت فى يونيو 2016 شمال الإسماعيلية بعد اكتمال وصول ماكينات الحفر، وفى أغسطس من نفس العام جنوب بورسعيد.
ملحمة عمل مصرية رائعة للشركات المصرية و10 آلاف من المهندسين والفنيين والعمال المصريين بإشراف رجال الهيئة الهندسية شهدتها الضفتان الشرقية والغربية للقناة لينتهى حفر الانفاق فى أقل من 18 شهراً.
بحلول 30 يونيو المقبل، ستعبر السيارات الأنفاق الأربعة جيئة وذهابا من الوادى إلى سيناء.
ومعها نفق الشهيد أحمد حمدى شمال السويس وكوبرى السلام العملاق بالقنطرة وكوبرى الفردان للسكك الحديدية شمال الإسماعيلية.
10 دقائق فقط سوف تستغرقها رحلة سيارات الركوب والنقل بين سيناء والوادى، بدلاً من 5 أيام كانت تبيتها السيارات أمام المعديات، فى طوابير الانتظار الطويلة للعبور.
<  <  <
ألحظ وسط حضور الافتتاح المهندس محمد عزت عادل رئيس هيئة قناة السويس الأسبق وأحد أبطال ملحمة تأميم القناة منذ أكثر من ستين عاماً.
أذكر أن أول حوار صحفى أجريته مع مسئول، كان مع المهندس عزت عادل قبل 30 عاماً مضت. يومها قال لى أن مشروع المستقبل هو ازدواج قناة السويس. وأضاف قائلاً: لا أظن أننا سنرى المشروع، ربما يراه أولادك.
الحمد لله.. تحقق المشروع، ورأيته بعينى ورآه المهندس عزت عادل، والفضل للرئيس السيسى.
الآن يمتد نفقا الإسماعيلية أسفل القناتين، وعند مخرج الأول ومدخل الثانى فى الضفة الشرقية للقناة على أرض سيناء، تعلو مبانى وعمارات مدينة الإسماعيلية الجديدة، التى كانت حلماً بعيد المنال، وأصبح واقعاً تشهد عليه 52 ألف وحدة سكنية تم إنشاؤها بالفعل، جاهزة لسكنى ربع مليون مصرى، ومعها المدارس والمستشفيات والفنادق والأندية ودور العبادة، بحلول 30 يونيو المقبل.
<  <  <
قناة السويس منذ أنشئت قبل 150 عاماً، فصلت سيناء عن الوادى جغرافياً، وعزلتها عنه إلى درجة أن دخول المصريين إلى أرضهم فى سيناء كان يتم بتصريح مسبق.
حول القناة وفى سيناء، جرت كل حروب مصر، مع الاحتلال البريطانى، ومع جيش العدوان الإسرائيلى.
كانت قناة السويس مطمعاً، مثلما ظلت سيناء.
الذى انجزه وينجزه الرئيس السيسى، بدءاً من إنشاء مشروع ازدواج القناة، ومشروع تنمية إقليم القناة الذى يتضمن سلسلة من المناطق الصناعية واللوجيستية، ومشروع أنفاق القناة الأربعة، ثم المشروع الجديد لتخطيط سيناء وتنميتها، هو أكبر حصن للدفاع عن سيناء، قبل الحاجة إلى سيف القوة.
الأمن القومى فى أبسط وأشمل تعريفاته هو التنمية.
وحماية أمن سيناء وإقليم القناة يبدأ بالتنمية، كضرورة دفاع، مثلما هى ضرورة تقدم.
سمعنا الرئيس السيسى أول أمس يتحدث عن مشروع تخطيط عمرانى متكامل يتكلف 100 مليار جنيه فى غضون 3 أعوام، كلف به الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية واللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
منذ أسابيع معدودة، التقى الرئيس بالرجلين، وكلفهما بوضع تصور لهذا المشروع الذى يشمل سيناء كلها. باكورة هذا المشروع هو إنشاء مدينة حضارية متطورة جديدة فى بئر العبد بها ميناء للصيد ومزارع سمكية وصناعات قائمة على هذا النشاط.
مع مطلع العام الجديد، يتلقى الرئيس التصور المبدئى لهذا المشروع العملاق، الذى يستهدف تنمية زراعية وصناعية وسياحية، وإنشاء مجتمعات عمرانية تستوعب مليونى مصرى على هذه البقعة الغالية من أرض مصر.
<  <  <
خبر سار آخر سنسمعه ربما قبل إعلان عن هذا التصور، هو عملية عسكرية كاسحة لاقتلاع بؤر الإرهاب من سيناء.
هذه العملية ليست سراً على المصريين.
منذ أيام.. شاهدنا الرئيس السيسى يكلف الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة بتطهير سيناء من الإرهاب بكل ما أوتى الجيش المصرى من قوة، خلال 3 أشهر لا غير.. وشاهدنا رئيس الأركان يعظم له بتنفيذ الأمر.
وأمس الأول.. شاهدنا الرئيس السيسى وسمعناه يقول إن القوات المسلحة ستقوم بكل عنف بوضع حد للإرهاب، ورأينا الفريق أول صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة، يؤكد على تنفيذ أمر القائد الأعلى.
قال الرئيس إن سيناء أرضنا، التى نموت فداها، ولا يمس ترابها أحد.
ثم نظر إلى الفريق أول صدقى، وقال وهو يلمح إلى حادث الطائرة الهليكوبتر فى مطار العريش: كلنا فى القوات المسلحة وأنا أولهم مستعدون للتضحية فى سبيل ألا تمس مصر أو أرضها أو شعبها.
<  <  <
يطمئن الرئيس السيسى المصريين على بلدهم وعلى أرضهم فى سيناء وهو يقول: لا تخشوا من أى تهديد خارجى، وطالما أنتم على قلب رجل  واحد نستطيع أن نجابه ونتحدى.
لعل فى مخيلة الرئيس وهو يتحدث، مخاوف المصريين من تسريبات ادعت أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك أبدى استعداده لتوطين فلسطينيين فى سيناء عام 1983، ومن تصريحات للرئيس التركى واكبتها تقول إن مقاتلى الرقة من الدواعش تم نقلهم إلى سيناء، ومن تقارير إعلامية أذيعت فى الفترة الأخيرة تربط قرار الرئيس الأمريكى ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بمسعى إسرائيلى لإنهاء القضية الفلسطينية على حساب جزء من سيناء.
هذه المخاوف لها ظلال من حقائق.
إسرائيل حتى الآن لم ترسم حدودها مع الدول العربية باستثناء مصر. مازالت تحتل الأرض العربية فى الجولان وشبعا والضفة الغربية والقدس. العلم الإسرائيلى لا يخفى أطماع الصهاينة، حيث يضع نجمة داود بين شريطين لونهما أزرق أى من النيل إلى الفرات، طبقا للأسطورة التوراتية.
لم يصدق المصريون تسريبات «بى.بى.سى» عن وثائق حكومية بريطانية زعمت أن مبارك لم يمانع فى لقاء مع رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر فى توطين فلسطينيين مقيمين بلبنان فى مصر أثناء حرب لبنان عام 1982، فى إطار تسوية للقضية الفلسطينية.
وخرج مبارك عن صمته لينفى تماماً هذه المزاعم، مؤكدا أنه تجاهل كل المحاولات والمساعى المتلاحقة لتوطين فلسطينيين فى مصر، أو مجرد التفكير فيه.
بل حينما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عام 2010، أى قبل الإطاحة بمبارك بأقل من عام، فتح موضوع توطين فلسطينيين على أرض سيناء، مقابل حصول مصر على مساحة بديلة فى النقب فى إطار تبادل للأراضى، أشار مبارك بيده إلى نتنياهو مؤكدا عدم استعداده لمجرد الاستماع إلى أى أطروحات من هذا النوع.
<  <  <
كلمة «تبادل الأراضى»، سمعتها فى اجتماع حضرته بقصر «بليرهاوس» بواشنطن، ضم أعضاء لجنة مبادرة السلام العربية برئاسة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى الأسبق حمد بن جاسم مع وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى وشارك جوبايدن نائب الرئيس الأمريكى فى جانب من هذا الاجتماع.
كان ذلك فى نهاية إبريل 2013، أى قبل شهرين من ثورة يناير، وكنت أرافق وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو فى هذا الاجتماع.
سمعت بأذنىّ، حمد بن جاسم يعلن قبول العرب تبادل أراض مع إسرائيل فى إطار مبادرة السلام العربية.
وسألت مسئولاً عربياً كبيراً يومها عما إذا كان تم تغيير مبادرة السلام العربية لتنص على تبادل أراض، بدلاً من التأكيد على انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة، فنفى بشدة، وقال إن هذه هى أفكار حمد بن جاسم، ولم تطرح للنقاش عربياً.
وأيقنت أن هناك أمراً ما أوكل أمريكياً وإسرائيلياً إلى قطر، لترويجه وبيعه عربياً.
<  <  <
ما رفضه مبارك، وما كان يلمح إليه حمد بن جاسم، قبله محمد مرسى وكان يسعى بكل جهده إلى تحقيقه.
فى نهاية نوفمبر ٢٠١٤.. التقيت الرئيس الفلسطينى محمود عباس مع أسرة تحرير جريدة «الأخبار» فى قصر الأندلس بالقاهرة.
فى هذا الحوار كشف الرئيس أبو مازن - وهو حى يرزق - أن مرسى عرض عليه عام ٢٠١٢، أن يمنح غزة ١٦٠٠ كيلو متر مربع من سيناء، فى مقابل سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية.
وقال أبومازن أن ما طرحه مرسى هو جزء من مشروع أعدته إسرائيل ويعرف باسم «وثيقة جيورا آيلاند» وهو جنرال احتياط إسرائيلى يعمل فى مركز بيجين - السادات للدراسات الإستراتيجية ويقوم المشروع على تبادل للأراضى، بحيث تحصل فلسطين على هذه المساحة من سيناء تضاف إلى غزة، فى مقابل حصول إسرائيل على أراضى المستوطنات فى الضفة، وحصول مصر على أراض صحراوية فى النقب، فى مقابل مساحة ١٦٠٠ كيلو متر مربع من سيناء يمتد ضلعها الشمالى من رفح إلى شرق العريش.
وقال لى أبومازن بالحرف: إنه روع مما طرحه مرسى، ورد عليه قائلا: ان مجرد طرح الفكرة سينسف العلاقة بين الفلسطينيين والمصريين، فنحن لا نريد سوى أرضنا، والمصريون لن يقبلوا بالتفريط فى ذرة تراب من أرضهم.
وكان تعقيب مرسى على كلام أبومازن بكلمة واحدة هى: وانت مالك؟!
<  <  <
كان مرسى وإخوانه يروجون لسلام إسرائيلى، يقوم على التفريط فى أراضى سيناء، ولعل هذا -فى ظنى على الأقل - هو سبب بركان الغضب الأمريكى على ثورة 30 يونيو، التى أفسدت طبخة أمريكية إسرائيلية يقدمها الإخوان على مائدة التسوية السلمية. ولا أستبعد أن يكون موقف الرئيس الأمريكى السابق الداعى إلى خروج مبارك من منصبه بقوله: «الآن.. تعنى الآن»، يرجع فى أحد أسبابه إلى رفض مبارك ما حاول نتنياهو طرحه من تبادل  للأراضى.
ولست أشك فى أن استقدام الإخوان، لشذاذ الآفاق من جماعات الإرهاب والتطرف إلى سيناء، كان إحدى حلقات تنفيذ خطة الوطن الفلسطينى البديل.
ولست أشك أيضا فى أن إشعال الإرهاب بسيناء بعد ثورة 30 يونيو، وتزويد جماعاته بالمال والسلاح، لاستنزاف الجيش المصرى وإنهاكه، ثم أخيراً بعد تصفية الجانب الأكبر من بؤر الإرهابيين، نقل العائدين من داعش سوريا والعراق إلى ليبيا، توطئة لتسللهم إلى مصر، هو جزء من هجوم مضاد لاستكمال تنفيذ الخطة سابقة التنفيذ، التى عطلتها ثورة يونيو.
<  <  <
فى هذا السياق بمجمله، لابد أن نضع رؤية القيادة المصرية، التى تحمى سيناء بدرع التنمية ممثلا فى الأنفاق ومشروع إقليم القناة، والمشروع القومى الجديد لتعمير سيناء، وتطهر أرضها بسيف القوات المسلحة فى عملية التطهير الشاملة، وتردع أى أطماع فى ترابها، بامتلاك جيش قوى قادر على الدفاع والردع والرد.
ولنتذكر دوما كلمة الرئيس السيسى، لا نخشى أى تهديد مادمنا على قلب رجل واحد.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة