صلاح جاهين
صلاح جاهين


صلاح جاهين ..."مبدع على اسم مصر"

أ ش أ

الإثنين، 25 ديسمبر 2017 - 10:47 ص

تحل الذكرى السابعة والثمانين لمولد صلاح جاهين،  اليوم الاثنين، فإن هذا المبدع المصري المتعدد المواهب والمسارات يبقى حاضرا دوما في وجدان مصر وضمير الأمة العربية ويبقى منجزه الإبداعي الشاهق فلا يزيده الغياب إلا حضورا.


وصلاح جاهين الذي ولد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1930 وقضى في الحادي والعشرين من ابريل عام 1986 مبدع متعدد المواهب فهو شاعر وكاتب غنائي ورسام كاريكاتير وصحفي وكاتب سيناريو وممثل، وهذا المبدع المصري الكبير الذي ولد في حي شبرا مصر بشمال القاهرة وكان والده من العاملين بالسلك القضائي أما جده "احمد حلمي" والذي اطلق اسمه على شارع شهير في هذا الحي فهو من رموز الصحافة الوطنية المصرية . 

 

وصلاح جاهين علم في "السلالة المباركة من الضاحكين المضحكين المصريين" والضحك عنده "قلب إنسان عظيم وقلب فنان كبير وهو ضحك ملقح بالأفكار والمعاني والمواقف فالضحكة فكرة والضحكة معنى والضحكة موقف نقدي ورأي في الأدب والسياسة والأخلاق وصدقة توهب لمن يفتقدها وسكين ينالها كل دعي ارعن"، فهذا الساخر النبيل والضاحك المضحك بمواهبه المتعددة يجمع كل من عرفه بأنه كان "شخصا طيبا لأقصى درجة وكان يشبه الأطفال" فيما لن تموت الضحكة المصرية الصافية وهي ضحكة جماعية تجدد الحياة لشعب ابدع في الانتصار لثقافة الحياة والاحتفال بها.


وانخرط صلاح جاهين في أنشطة إنتاجية لأفلام مصرية مثل "عودة الابن الضال" و"اميرة حبي انا" وكتب سيناريو الفيلم الشهير لسعاد حسني "خللي بالك من زوزو" فضلا عن سيناريوهات أفلام "شفيقة ومتولي" الذي شارك في تمثيله و"اميرة حبي انا" و"المتوحشة"، وإلى جانب فيلم "شفيقة ومتولي" شارك صلاح جاهين في التمثيل بأفلام "اللص والكلاب" و"لاوقت للحب" و"شهيدة الحب الإلهي" و"المماليك" كما انه مؤلف اوبريت العرائس الشهير "الليلة الكبيرة" فضلا عن اوبريت "القاهرة في الف عام" الذي شهد في أواخر ستينيات القرن العشرين بدء ظهور الممثل احمد زكي في دور صغير لكنه لفت الأنظار.


وصلاح جاهين الذي شدت سيدة الغناء العربي أم كلثوم بكلماته "راجعين بقوة السلاح" وصف "بالأب الروحي للفنانة الكبيرة سعاد حسني" وهو صاحب أياد بيضاء على فنانين ارتبط معهم بعلاقات إنسانية وإبداعية وثيقة وتبناهم فنيا مثل الممثل الراحل أحمد زكي والمطرب علي الحجار والممثل شريف منير وهي سمة من سمات المبدعين الكبار الذين ينهضون دوما بأدوار كبيرة في إثراء الحياة الثقافية والفنية بأوطانهم وتشجيع المواهب الشابة.
 

وفي ستينيات القرن العشرين ومرحلة المد القومي تألق صلاح جاهين بكلمات أغانيه ضمن "ثلاثي يضم المطرب الكبير عبد الحليم حافظ والملحن القدير كمال الطويل" لتتوالى أغان مازالت تسكن الوجدان المصري والعربي مثل :"صورة" و"يا أهلا بالمعارك" و"احنا الشعب" و"بستان الاشتراكية" و"بالأحضان" و"ناصر يا حرية".

ولئن كتب كلمات الأغاني في فيلمي "غرام في الكرنك" و"اليوم السادس" في مجال المسلسل التليفزيوني كان صلاح جاهين صاحب أغاني المسلسل الشهير لسعاد حسني واحمد زكي "هو وهي" وكذلك "فوازير نيللي الرمضانية في ثمانينيات القرن الماضي" الى جانب أشعار المسلسل الإذاعي "رصاصة في القلب" عام 1985.


ورسومات وإبداعات الكاريكاتير والكلمة لصلاح جاهين بمجلتي روز اليوسف وصباح الخير وجريدة الأهرام تشكل جزءا عزيزا من الذاكرة الثقافية للصحافة المصرية والعربية وقد كتب أيضا القصة القصيرة بالفصحى والعامية ومن بينها قصته "دهب".


فصلاح جاهين أمثولة للفنان الحق والمبدع المتعدد القدرات والمسارات ليحق وصفه بأنه "صاحب مملكة إبداعية تحمل رؤية مصرية لهذا العالم الكبير والمعقد والمفعم بالأعاجيب والمدهشات التي تلتقطها عين المبدع الأصيل" مع قدرة فذة على الإمساك باللحظة حتى لا تضيع للأبد وهذا ما فعله جاهين عندما أمسك باللحظة المصرية والعربية والكونية بأعاجيبها ومدهشاتها.


وفي هذا السياق الإبداعي الشامل يشكل منجزه الشاهق فى فن الكاريكاتير دقائق الذاكرة المصرية وتفاصيل الحلم الكبير والنبيل فى الخلاص من كل قبح على قاعدة الحرية والعدالة والكرامة فيما يبقى أحد الكبار الذين شكلوا ثقافيا القوة الناعمة لمصر فى محيطها العربى والإنساني.

فالقاهرة كانت ومازالت المركز العربى الأكثر أهمية للكاريكاتير بقائمة تطول ومرصعة بأسماء نجوم مثل صلاح جاهين ومصطفى حسين وحجازى وصاروخان والليثى وزهدى وطوغان ورخا وعبد السميع والبهجورى ورجائى واللباد ورمسيس وايهاب وناجى شاكر على تعدد الألوان والثقافات والنزعات.


ولكل لونه ولكل عبقريته ما بين العظيم المتعدد المواهب صلاح جاهين الذى كان يراوح فى كيمياء العبقرية بين المرح والانقباض وبين انفعالات البهجة وانفعالات الغضب والحاضر الغائب الفنان مصطفى حسين الذي بدا مع قرين الروح الكاتب الراحل احمد رجب قريبا للغاية من رجل الشارع واكثر تماسا مع الأزقة والحوارى والنجوع والكفور.


وفي زمن أحلام الستينيات التي تعرضت لضربة غادرة في حرب الخامس من يونيو 1967 تمنى الفنان العبقري صلاح جاهين :تماثيل رخام على الترعة وأوبرا في كل قرية ومضى في تشريح الواقع بشخصيات ومواقف كاريكاتورية مثل "الفهامة" و"درش" و "قيس وليلى" و"قهوة النشاط" وكان يتأرجح كالبندول بين حالة المرح اللازمة لإبداع النكتة والكاريكاتير وبين حالة الحزن التى تتجلى فى شعره ورباعياته الفاتنة.


وإذا كان الكاريكاتير لغة كونية فلا جدال أن صلاح جاهين كان أحد سفراء مصر الضاحكة الساخرة فى العالم وأحد أعظم أمراء السخرية المعاصرين فى الثقافة العربية وهى سخرية ذات طابع إنسانى عميق، والولاء لشعب مصر اقترن برحلة جاهين الصحفية المديدة فى بلاط صاحبة الجلالة المصرية منذ خمسينيات القرن العشرين وتألقه في جريدة الأهرام حتى أمسى قصة مصرية مسكونة "بحلم المصري النبيل" بقدر ما تعبر عن رسالة فن الكاريكاتير التى تقول ان هذا العالم يمكن أن يكون جميلا رغم حماقات بعض البشر وغرورهم وغطرستهم، وهي رسالة تضحك الجميع على هذا النوع من البشر بأقنعتهم و"بالنفخة الكاذبة" كما تسخر من كل مايعادى الروح الانسانية الأصيلة فى جوهرها الطيب وفطرتها النقية بقدر ماتربت حانية على كل من جرحته الأيام وافعال الشر والحمق والغرور.


هكذا كان صلاح جاهين فنانا بقلب طفل اختار الانتماء لمصر فانتمى لذاكرة حضارية عمرها آلاف السنين وجامعة فى الكاريكاتير قالت وتقول كل شىء لتكون جزءا من طعم الحياة المصرية وألوانها ولتجعل الدنيا اقل تجهما واكثر رحابة وبهجة.


وتعد "الرباعيات" ذروة في إبداعات صلاح جاهين كشاعر وقد لحن بعضها الموسيقار سيد مكاوي وغناها علي الحجار فيما يتجاوز عدد قصائده الـ 160 قصيدة من أشهرها "على اسم مصر" وصدر أول ديوان شعر له عام 1955 بعنوان "كلمة سلام" كما أصدر عام 1957 بعد العدوان الثلاثي على مصر ديوانا بعنوان :"موال عشان القناة".


وإذا كان قد أصدر أيضا ديوانا بعنوان "قصاقيص ورق" في عام 1965 فلعل معنى رفض الحب الموت في الشتاء كان في قلب وعقل المبدع المصري الراحل صلاح جاهين عندما قال في رباعياته :"دخل الشتا وقفل البيبان على البيوت..وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت..وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا لكن حاجات أكتر بترفض تموت".


وفيما وصفه الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي "بصوت مصر وصوت الواقع والحلم معا" واعتبره "شهادة صدق على شاعرية مصر" فان مثقفا مغربيا كبيرا هو الدكتور محمد برادة يتحدث في رواية "مثل صيف لن يتكرر" وهي اقرب لسيرة ذاتية عن فترة دراسته بمصر، ويروي كيف تعرف على الشاعر والفنان صلاح جاهين وسمع لأول مرة صوت الملحن سيد مكاوي وهو يدندن ويعزف على العود.

 

فهذا الناقد والروائي والأستاذ الجامعي ورئيس اتحاد كتاب المغرب اكثر من دورة يضع صلاح جاهين عبر لقطات سريعة لرموز وآباء ثقافيين مثل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والدكتورة سهير القلماوي والدكاترة عبد الحميد يونس و شكري عيادو احمد عبد المعطي حجازي والناقد رجاء النقاش ناهيك عن هرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ.
 

وتناولت أشعار صلاح جاهين وقائع لن تنسى مثل مذبحة أطفال مدرسة بحر البقر المصرية بمحافظة الشرقية فى الثامن من أبريل عام 1970 ففى هذه المذبحة التى كانت علامة لعلو الشر واستفحال الغدر- تناثرت كتب الأطفال المصريين بين نهر من الدم البرىء ل30 طفلا شهيدا فضلا عن إصابة 50 آخرين بإصابات بالغة جراء غارة إسرائيلية بطائرات الفانتوم الأمريكية الصنع.

ووثق صلاح جاهين هذه المذبحة شعريا فى رائعته:"الدرس انتهى..لموا الكراريس"وفى هذه القصيدة الرائعة التى غنتها المطربة الراحلة شادية ولحنها الموسيقار الراحل سيد مكاوى- يطالب صلاح جاهين بالانتقام من الشر والأشرار بقوله:"ايه رأيك يا شعب يا عربى ..ايه رأيك يا شعب الأحرار..دم الأطفال جايلك يحبى..يقول انتقموا من الأشرار". 


لكن الشر لا يأتي من الخارج فحسب وانما كثيرا ما يكمن فى الداخل ولعله أخطر بكثير من الشر الصريح القادم من وراء الحدود وهذا ما كان يدركه المبدع المصري الكبير صلاح جاهين الذي حذر من مخاطر التطرف والإرهاب.

 

في ذكرى مولده السابعة والثمانين تحية لهذا المبدع المصري الذي لا يزيده الغياب إلا حضورا فيما شكل الذائقة الوجدانية لأجيال من المصريين وكان وسيبقى صوتا معبرا بأصالة عن واقعهم وأحلامهم ..تحية لمن قال :"على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء..أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء".

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة