الجندي المصري.. شخصية ٢٠١٧
الجندي المصري.. شخصية ٢٠١٧


الجندي المصري.. شخصية ٢٠١٧

محمد راضي- بهاء المهدي- عمرو جلال- دسوقي عمارة- هيثم سلامة

الإثنين، 01 يناير 2018 - 03:49 م

البطولة ليست مجرد كلمة أو تعبير تتناقله الألسنة، لكنها معنى كبيرا  للتضحية والفداء،  يناله كل من يجود بنفسه من أجل وطنه ومستقبله، يروي بدمه وعرقه بذور الغد المشرق.. والجندي المصري علي مدي التاريخ كان تجسيدا حقيقيا لكل معاني البطولة في الحرب والسلم.

الجندي المصري هو البطل الحقيقي الذي يستحق التكريم أن يكون شخصية ٢٠١٧، ولعل التضحيات التي يقدمها جنود مصر من ابناء القوات المسلحة والشرطة سواء في مواجهة الارهاب وحماية الوطن من طيور الظلام، أو في ميادين التنمية والتعمير تعد نموذجا فريدا للعطاء الذي يدعو للفخر.

«يد تبني ويد تحمل السلاح»‬ هذا الشعار الذي تجسده بطولات جنودنا البواسل يتحقق كل يوم من سيناء إلى الإسماعيلية.. ومن العريش إلى العاصمة الإدارية الجديدة.. تضحيات لا تعرف التهاون.. ولاتعترف بصعوبات وعقبات.. الجندي المصري غير مجهول في معركة الوطن، فهو بطل عام ٢٠١٧ بلامنافس.. وفي هذه السطور نقدم لمحات من تلك البطولات لرجال صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه.

منسي وكمال.. أمير الشهداء والصديق المستحيل

الغول والعنقاء والخل الوفي.. تلك هي المستحيلات الثلاثة التي تحدث عنها الأقدمون.. لكن أحد المستحيلات هذا العام رأيناه يتحقق بأم أعيننا.. لذلك استحقت قصة استشهاد البطلين العقيد أحمد منسي والرائد وائل كمال رفيقي السلاح في كتيبة الصاعقة أن تكون قصة عام ٢٠١٧ بلا منازع وما تليه من أعوام.. إنها قصة إخلاص لله وللوطن.. إخلاص لجميع معاني الوفاء والصداقة التي لم نسمع عنها إلا في أشعار الشعراء وخيال المؤلفين.. الشهيد الأول هو العقيد أحمد منسي.. قد نكون بالفعل نسينا ذكره وتمجيده في حياته ولكنه اليوم لا ينسي.. كل يوم هناك زميل سلاح أو صديق يكتب عنه.. يكتب عن شجاعته الاستثنائية.. بطولته.. إنسانيته.. أخلاقه.. حبه لأسرته ووطنه.. وحتي إذا نسوه.. اليوم هناك كوبري عائم يحمل اسمه وصورته.. كوبري يربط بين ضفتي القناة الشرقية والغربية.. الآلاف كل صباح سيعبرون من عليه وهم يشاورون علي صورته بالبنان.. زوجته السيدة منار سألتها لماذا منسي مغمور بكل هذا الحب.. كل يوم هناك من يذكره بشكل لم يحدث مع أي شهيد سبقه.. قالت لأنه كان مخلصا محبا لغيره محبوبا من كل من التقاه.. حتي أصبح يلقب بأمير القلوب وأمير الشهداء.. أما الشهيد الثاني فهو تلميذ منسي وصديقه المخلص الرائد وائل كمال الذي كان يردد باستمرار أنا عايز أروح لمنسي كتب في وصيته أنه إذا استشهد فعليهم أن يدفنوه في نفس مقبرة منسي.

وبالفعل لحق كمال بقائده وصديقه الشهيد المقدم أحمد منسي، الذي استُشهد يوم 7 يوليو الماضي، إثر هجوم إرهابي علي مقر »‬الكتيبة 103 صاعقة» جنوب الشيخ زويد، والتي كان وائل يخدم فيها تحت قيادة منسي حتي صلاة الجنازة أقيمت في مسجد التوحيد، وهو نفس المسجد الذي تمت الصلاة فيه علي الشهيد منسي وتم وضع الأفرول العسكري الذي استشهد به معه داخل المقبرة.. ليلتقي الصديق بصديقه.. لتتجلي كل معاني الصداقة والإخلاص المستحيلة في زمن عز فيه الإخلاص والوفاء.

المجند «‬ميزو».. بطل من ذهب

لم يكن الشهيد جندي محمد المعتز رشاد ٢٢ عاما أو كما كان يطلق عليه أصدقاؤه »‬ميزو»، يعلم أنه بعد تخرجه من كلية إدارة الأعمال بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب أنه سيخدم في يوم من الأيام بسيناء كجندي من أبناء القوات المسلحة.. حتي أصدقاؤه ذهلوا عندما علموا أنه ذهب إلي هناك فوالده يعمل عميد طبيب بالقوات المسلحة ويمكن أن يتوسط له بالخدمة في أي مكان آخر لكن ميزو هذا الشاب الذي كان يراه البعض »‬فرفور» بلغة الشباب. أخفي عن والده خبر وجوده في سيناء والأب لم يسأل متوكلا علي الله.

وبعد عدة شهور كانت المفاجأة والد ميزو الطبيب يتم طلبه علي وجه السرعة لعلاج إحدي الحالات الطارئة بالمستشفي ولم تكن تلك الحالة سوي ابنه المجند الذي أحضروه غارقا في دمائه بعد أن أصيب في حادث تفجير مدرعة بالعريش ولم تفلح محاولات إنقاذه لينال الشهادة وسط ذهول الأب الطبيب.

ثم جاءته أهم رسالة.. رسالة كتبها ميزو إلي والده لتصل إليه كما طلب في حالة استشهاده وجاء فيها: »‬إلي أبي الغالي وحبيبي وأحلي أب في الدنيا أنا آسف يا أبي العزيز علشان لم أقل لك أني في رفح أقاتل في سبيل الله، خوفا أن تقلق وخوفا علي صحة حضرتك، والله أنا سعيد جدا وكل حاجة في هذا المكان مباركة وجميلة هي سيناء كده وحضرتك عارف.. أحلي إحساس أنا حاسه هو الجهاد في سبيل الله، وأيضًا إني في مكان الأبطال والشهداء.. يا رب ربنا يتقبل جهادي ويجعله في ميزان حسناتي وميزان حسناتك يا والدي العزيز وفي ميزان حسنات أمي الغالية، الله يرحمك يا أمي لأنكم خلفتوا راجل ربنا يتقبل منكم».. هكذا خط محمد رسائله لوالده لتستحق أن تكون أهم رسائل في العام لكل المصريين الشباب فهذا الشاب »‬الفرفور» كما كنتم ترونه فاق كل التوقعات ولم يكن كما كنتم تظنون بل كان بطلا من ذهب وجنديا مثالا يحتذي به وقبل استشهاده بشهور كرمه الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع علي شجاعته خلال خدمته بسيناء.

المقدم شريف عمر.. «نبل الفرسان» يواجه «‬خسة الإرهاب»

في طريق المداهمة برفح رأي المقدم الشهيد شريف محمد عمر سيدتين من بعد وكاد أحد الجنود أن يصوب سلاحه تجاههما فلا شك أنهما تنقلان أخبارهم من هذه المنطقة لكن البطل الشهيد رفض وقال من إمتي جيش مصر بيقتل نساء.. ولم يكن يعلم أن هؤلاء النسوة كن سبب استشهاده وفقاً لاعترافات المقبوض عليهم بعد ذلك وهن من أبلغن بدخوله المنزل الذي انفجر فور عبوره بوابته.

البداية كانت مع قيام البطل الشهيد باستئذان قائده في أن يكون أول من يقوم بتفتيش مكان شديد الخطورة، وصلوا إليه.. وأمام إصراره وافق قائده وخرج مسرعا مع جنوده وكأنه كان يعلم أن الجنة هناك.. كانت قدم الشهيد أول قدم تطأ هذا المكان منذ بدء العمليات في سيناء.. بكل شجاعة دخل المكان وكشف أسراره وما كان مخبأ به ولكنه لم يخرج كما دخل، دخل وقدمه تطأ الأرض فخرجت تطأ السماء.. دخل وهو بيننا فخرج وهو بين الأنبياء والصديقين والشهداء.. فما أن دخل المنزل حتي وانفجرت عبوة ناسفة، ثم حاول الإرهابيون إيذاء البطل بعد أن فاضت روحه، حيث لم يكن أحد يجرؤ أن يقترب منه أو من رجاله وهو حي، ثبت الرجال المقاتلون الذين كانوا حوله حتي لا يمس جسده الطاهر بأذي، ولم تمنع كثافة النيران أن يستمر البطل المقاتل محمد الجارحي في الدفاع عنه ولا حتي اختراق الطلقات لجسده، لم تمنع الطلقات التي كانت تلاحق البطل المقاتل عمر عابد في حصد أرواح التكفيريين الذين ظهروا من خلف المنزل واحداً تلو الآخر.. إنهم جيش مصر خير أجناد الأرض.

زوجة العميد علي فهمي: حق الشهيد لن يضيع والقصاص عاجل 

ودعني زوجي  كعادته للذهاب الي مقر عمله وفوجئت بأصوات تناديني من خارج المنزل بالنزول لرؤيته بعد ان اعترض طريقه مجموعة من الارهابيين وأطلقوا عليه الاعيرة النارية ليسقط شهيدا.  واشارت إلي أن زوجها تلقي تهديدا من أحد الأشخاص المجهولين منذ عدة أشهر أثناء توجهه لأداء صلاة العصر  برفقة طفله الصغير ياسين بمنطقة فيصل  وعقب الانتهاء من الصلاة تقابل مع احد الأشخاص وهدده قائلا »‬إحنا عارفينكم واحد واحد ومش هانسيبكم كلكم وعارفين انتوا عايشين فين وهتموتوا جميعا» ولكنه رد عليه قائلا  إن الشهادة شرف لمن ينالها والموت والحياة بيد الخالق .. وأضافت أن الإرهابيين كانوا علي علم بخط سير زوجها ومقر سكنه ووقت خروجه للعمل وأنهم نفذوا الجريمة في شارع ضيق فور خروجه من المنزل حتي لا يتمكن المجند قائد السيارة من الإفلات أو إمكانية مواجهتهم واكدت أن وزير الداخلية أكد لها أن حق زوجها لن يضيع وأنه في رقبته ووعدها بالقصاص العاجل. 

من جانبه اعرب  ياسين نجل الشهيد عن أمله في أن يلتحق بكلية الشرطة ليكمل مسيرة والده العطرة التي اثني عليها جميع زملائه وأقاربه وانه وعد والدته بالقصاص من جميع الارهابيين الذين يعبثون بأمن الوطن ومقدساته  وطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي بتخصيص يوم لأسر الشهداء ولذويهم للتخفيف عن آلامهم ولازالة همومهم موضحا وتابع: إننا نعتبر الرئيس أبًا لنا جميعا».. واشار حاتم النجل الثاني للشهيد انه لايستطيع ان ينسي مدي حنية والده عليهم وانه مهما عبر بالكلمات فلن يوفي والده حقه وأكد ان جميع نصائح والده مازالت عالقة في ذهنه كما ان الوسام الذي منحه الرئيس لهم في حفل الشرطة في العام الماضي خفف من آلامهم. 

النقيب سعد شنودة..  الجدع العنيد

لقبوه بالمقاتل الجدع العنيد.. طلب أن ينقل إلي العريش رغم اعتراض أسرته.. وبالفعل تمت الاستجابة لطلبه ليشارك بعدها في عمليات حق الشهيد وكان عنيدا شجاعا ويتعامل مع جنوده بكل الحب.. قال لأسرته أنا هرجع في يوم ملفوف بالعلم متزعلوش.. وكتب علي صفحته بالفيس أنا الشهيد الجاي سلام علي أحلي ضحكة سبتني وراحت تنور السماء سلام عليك يا شهيد حتي نلتقي وبالفعل استشهد النقيب ميلاد سعد جورج شنودة، من محافظة الشرقية، متأثرا بإصابته بعد إطلاق النار عليه من مجهولين أثناء تواجده في أحد الكمائن الأمنية بمدينة الشيخ زويد. وأصيب بطلق ناري في الرأس، والذي دخل علي أثرها في غيبوبة حتي استشهد متأثرا بإصابته.

الشهيد «‬الكتات»..اللقاء الأول والأخير

سعادته كانت لا توصف.. يحمل طفله الأول بعد دقائق قليلة من ولادته.. لحظة انتظرها طويلا.. لم يكن يعرف أن هذا هو الحضن الأول والأخير لصغيره... في الإجازة التالية له.. لم يتمكن أن يشاهده.. لن يحتضنه ويذهب به إلي أول يوم بالمدرسة.. دائما كان يسأل والدته أن تدعو له أن ينال الشهادة وبالفعل نالها.. هو الشهيد المقدم المهندس أيمن الكتات أحد أبطال القوات المسلحة الذي استشهد في ٢٧ يناير ٢٠١٧ بمنطقة القسيمة بسيناء وأثناء مداهمة مع البؤر الإرهابية.. استشهد نتيجة الإرهاب الغادر.. تاركا طفله في عمر ٤٥ يوما.. وزوجة لا يمر يوم إلا وهي تبتهل له بالدعاء وكتبت تقول: »‬ردهولي يا رب ردهولي تاني في الجنة وردلي روحه يا رب في ابنه بحق عظيم سلطانك».. وتقديرا لدوره خرجت جنازة عسكرية شعبية من مسجد سيدي جابر لتشيعه إلي مثواه الأخير بمدافن العائلة بمقابر العامود بالإسكندرية.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة