د.محمود محي الدين
د.محمود محي الدين


محي الدين: الجهاز الإداري المصري به كفاءات نادرة تحتاج  فرصة |حوار

منصور كامل

الخميس، 04 يناير 2018 - 12:19 ص

لا يزال د. محمود محيى الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولى  يغرد خارج السرب بأفكار غير تقليدية تضع علاجا لأزمات، نظنها، مستعصية، ويقدم روشتة لمن يريد أن يكون داخل «البرواز» على حد وصفه...ولمن يريد أن يحتل مكانا متقدما فى سباق الأمم المتسارع نحو اللحاق بالمستقبل. خاصة بعد تجديد  البنك الدولى تعيينه للمرة الثالثة لمدة أربع سنوات جديدة من ٢٠١٨ وحتى ٢٠٢٢ فى منصب النائب الأول لرئيس البنك والمشرف على برنامج التنمية المستدامة، وهى سابقة لم تحدث من قبل..وهذه هى الدورة الثالثة للدكتور محمود محيى الدين فى البنك الدولى منذ التحاقه للعمل به فى اكتوبًر ٢٠١٠. 
وأفصح النائب الأول لرئيس البنك الدولى فى حواره مع «الأخبار» عن العديد من الأفكار التى تضع علاجا للكثير من مشاكلنا الاقتصادية فى الوقت الحالى ومنها التعامل مع الدين العام، وكيفية مواجهة الغلاء، والمقصود بالصندوق السيادى،  وصندوق إدارة الأصول، وطرق زيادة المدخرات، وبرنامج  التنمية المستدامة وكيفية تحقيق أهدافه.
وإلى نص الحوار:

> تحدثت فى وقت سابق عن أهمية وجود صندوق سيادى فى بعض الدول ومنها مصر فما هو الفرق بين الصندوق السيادى وصندوق إدارة أصول الدولة؟

- صندوق إدارة أصول الدولة يتضمن أصولا متنوعة سواء اسهم او شركات ويكون بالعملة المحلية، وهى أصول موجودة بالفعل وتكون فى شكل أسهم أو فى شكل أصول مادية والمثال الأقرب لها فيما يعرف بصندوق «خزانة» الماليزى، وهو يدير الأصول المملوكة للدولة إدارة محترفة ويعمل على تخفيض المديونيات ويزيد من ربحية الشركات التى تحقق ربحا.
أما الصندوق السيادى ففكرته مطبقة فى العشرات من الدول ويكون بالنقد الأجنبى سواء بالدولار أو بأى من العملات الاجنبية الأخرى، وهذا الصندوق له عدة أنواع من حيث الأهداف التى أنشئ من أجلها بغرض زيادة الادخار القومى والتى تضيف الى صافى الأصول الأجنبية المملوكة للدولة وتزيد من العملات الأجنبية وتدعم ميزان المدفوعات.
والصندوق السيادى له عدة نماذج ومن أفضلها عالميا الصندوق السيادى بالنرويج فهو يدار إدارة محترفة ويتبع قواعد الشفافية والافصاح، وهناك ايضا الصناديق السيادية بدولة سنغافورة، وهذه الصناديق موجودة بعشرات من الدول.

تعظيم الاستفادة
> كيف يمكن تحقيق الاستفادة من وجود صناديق سيادية ؟

- هناك أربعة عناصر لتعظيم الاستفادة من الصناديق السيادية وهي:  أولا أهمية تحديد  الهدف من انشاء الصندوق السيادي  منذ البداية، ثانيا: الاتفاق على إستراتيجية الاستثمار الخاصة بهذه الصناديق، وثالثا: أن يتم اتباع نظام  الحوكمة لمحاسبة ومتابعة جهة الادارة، وأن يكون هناك نظام لتقديم التقارير الدورية عن هذه الصناديق.

> هل هناك أهداف مشتركة بين كل من الصناديق السيادية وصناديق إدارة الأصول ؟
- للنوعين  أهداف مشتركة تتمثل فى دعم موقف الادخار والاستثمار فى البلد، وتحقيق أهداف طويلة الأجل تتجاوز الانفاق الجارى، ويعبران عن اهتمام البلد بالأجيال القادمة، ولكن الصندوق السيادى لإدارة الأصول الاجنبية يدعم موقف الاحتياطى من النقد الأجنبى، وفى الحالة المصرية هناك ترقب فى زيادة حصيلة مصر من النقد الأجنبى وذلك مرتبط بالاكتشافات الجديدة فى مجال الغاز وعلى سبيل المثال لن توجه كل حصيلة العائد من الاكتشافات الغازية للصندوق السيادى ولكنها يمكن تقسيمها الى ثلاثة أقسام متساوية ثلث من الحصيلة يوجه لتخفيض حجم الدين العام، والثلث الثانى يوجه الى الاستثمار فى مشروعات البنية الاساسية أو لزيادة الإنفاق فى مشروعات التعليم والرعاية الصحية وفى هده النقطة فأنا أنظر للإنفاق على التعليم والرعاية الصحية  على انه ليس انفاقا جارياً خاصة أنه لو كان مرتبطا ببنية جديدة فى مجال التعليم ورفع كفاءة القائمين عليه.

> هناك من يرى انه فى حالة مصر فانه حتى لو أنشأنا صندوقا سياديا فإن موارده ستكون زهيدة عكس الصناديق السيادية مثلا فى دول الخليج ؟

- الأهم ان تبدأ فى انشاء صندوق سيادى للاجيال القادمة وموارده يتم تكوينها لسنين طويلة وليست مرة واحدة... ومن الممكن أن تبدأ مثلا بصندوق سيادى بمليار دولار ويتم زيادة موارده تدريجيا، فالصناديق السيادية تتجاوز الأهداف المؤقتة للاحتياطى النقدى الأجنبى كما ان العائد عليها اعلى بكثير من الاحتياطي.

كفاءة الإدارة
> ما اقرب النماذج لمصر من حيث الموارد أو من حيث الظروف الحالية فى فكرة إنشاء الصندوق السيادى ؟

- النموذج الأقرب لا يكون بتماثل الظروف ولكن الاسترشاد يكون بكفاءة الادارة وكما قلنا فإن الصندوق السيادى بالنرويج هو الأفضل عالميا بالاضافة الى صندوقى سنغافورة.

> الأرقام الرسمية فى مصر تتحدث  عن انخفاض التضخم ولكن الاسعار ما زالت مرتفعة..ما السبب فى ذلك ؟

- هناك خلط كبير بين التضخم وتكلفة المعيشة، فالتضخم أحد الأدوات وليس كلها لزيادة تكلفة المعيشة، كما ان انخفاض التضخم لا يعنى انخفاض الاسعار فمثلا لو انخفض التضخم من ٢٠٪ الى ١٠٪ فهذا ليس معناه ان الاسعار ستنخفض بنسبة ١٠٪  ولكن معناه  ان الاسعار ستزيد بنسبة ١٠٪ بدلا من ٢٠٪

> إذن كيف يمكن ان يحدث  انخفاض فى أسعار السلع ؟

- يحدث  انخفاض فى الاسعًار نتيجة كثرة المعروض مثلا وجود موسم لسلعة معينة كما هو فى مواسم الخضار والفاكهة ففى مواسمها تنخفض اسعارها، وعندنا فى مصر الناس تتحدث عن وجود الغلاء، ورغم الانخفاض المتوقع فى التضخم الا ان الشعور بالغلاء يظل مستمرا وكما قلنا انخفاض التضخم معناه انخفاض معدل زيادة اسعار السلع.

مستوى المعيشة
> إذن ما الوسائل التى تشعر المواطن بانخفاض أسعار السلع وتحسن مستوى المعيشة ؟

- زيادة الدخول هى الوسيلة لتحسن مستوى المعيشة نتيجة وجود دخل من عمل إضافى أو نتيجة التحاق أحد أفراد الاسرة بعمل جديد لم يكن متاحا له من قبل.

> هناك مطالبات للدولة بزيادة المرتبات مع ارتفاع التضخم ؟ ما رأيك فى ذلك ؟ 

- زيادة الدخل إذا لم ترتبط بزيادة الانتاج سيحدث زيادة فى التضخم، ولذك أنا أحبذ الزيادة فى الدخول المرتبطة بالانتاج وزيادة عدد ساعات العمل، فالجهاز الادارى للدولة ازداد تضخما، وتراجعت القواعد الخاصة بالأجور والمرتبات  والتى لا ترتبط بالكفاءة الإنتاجية ولذلك لابد ان ترتبط بالحوافز الإنتاجية والتميز فى العمل.

وهنا فأنا ضد الاتهام العام للعاملين بالدولة بأنهم قليلو الانتاج وهذا غير صحيح فأنا عملت مع عدد من العاملين فى الدولة يتميزون بالاداء والكفاءة العالية سواء فى هيئة الاستثمار او فى البورصة أو فى هيئة الرقابة المالية ولكن من المهم الفرز الجيد للعناصر المتميزة.

> هناك توقعات بزيادة أسعار المواد الغذائية والنفط  عالميا ما هو تأثير ذلك على مصر ؟

- وفقا للتقرير الصادر عن البنك الدولى فهناك  توقعات بزيادة طفيفة فى أسعار السلع الغذائية بنسبة تصل الى ١٪ أما بالنسبة للخامات المرتبطة بأسعار  المواد البترولية فالتقديرات تشير إلى  احتمالية زيادة بنسبة محدودة حوالى ٣ ٪ أى أن التوقعات تشير إلى  احتمال أن يصل سعر برميل النفط فى حدود ٥٥ دولارا، ولكن إذا نظرنا للأسعار خلال الاسبوعين الماضيين نجد أن الزيادة أعلى  من ذلك، وهناك لابد أن يكون لديك السياسات التى تستطيع أن تتعامل مع أى آثار لزيادة الاسعار والتى يكون لها أثر على زيادة عجز الموازنة، واسعار المواد البترولية ترتبط بظروف سياسية أيضا.

مسألة الديون
> هناك تخوفات فى مصر من زيادة نسبة الدين العام وتخطيه حاجز الـ١٠٠٪ من الناتج المحلى الاجمالى، ما تعليقك على ذلك ؟

-  لابد من العمل على علاج أصول مسألة الدين العام وهناك فى الاقتصاد نموذج الفجوات الثلاثة والمتمثلة فى عجز الادخار والاستثمار، وعجز الواردات عن الصادرات، وعجز الإيرادات عن تلبية النفقات وهذه الثلاث الفجوات التى تعانى منها الدول النامية والاجراءات المطلوبة لعلاج هذه الفجوات لابد ان تكون جذرية وتشمل زيادة الادخار والإيرادات.
 وأريد التأكيد هنا على مفهوم استدامة الدين العام،  والتى تجعله فى نطاق يسمح بتلبية أعباء خدمة الدين العام بشقيه الداخلى والخارجى وهذا معناه ألا انظر الى الدين العام على وضعه اليوم ولكن الى السيناريوهات المختلفة مثلا زيادة خدمة الدين العام بسبب زيادة الفائدة العالمية.

> ما اهمية المجلس التنسيقى للسياسات النقدية والمالية ؟

- أود هنا أن أذكر أن المجلس التنسيقي  جاء فى قانون البنوك رقم ٨٨ لسنة ٢٠٠٣ وكنت قد تبنيت فكرة إنشاء المجلس التنسيقى وتمت الموافقة عليه وهى جاءت من أجل احداث قدر من التنسيق وإلزام البنك المركزى ووزارة المالية بالاتفاق مع الحكومة على أهداف السياسة النقدية على أن يتمتع البنك المركزى باستقلالية تامة دون تدخل فى تطبيق السياسات النقدية، وتم اعادة تفعيل المجلس وهو يضم ممثلين عن الحكومة والبنك المركزى وعدد من الخبراء.

> التنمية المستدامة وما هى أهدافها؟

- هى واحدة من المفاهيم فى اطار سباق الامم للتقدم فإما ان تكون فى مقدمة المتسابقين او فى مؤخرة المتسابقين، واهداف التنمية المستدامة تم الموافقة عليهافى قمة القادة فى سبتمبر ٢٠١٥ والدول الأعضاء والامم المتحدة ملتزمة أمام شعوبها بتحقيق أهدافها، وهناك ٦٦ دولة من بينها مصروبعض الدول العربية قدموا اطارا لتحقيق التنمية المستدامة وهذه الأهداف مقسمة الى ٣ مجموعات منها مؤشرات مرتبطة بتحقيق التطور الاقتصادى والاجتماعى وتركز على  جوانب الصحة والتعليم ومكافحة الفقر، ومجموعه  ثانية مرتبطة بالتصنيع، ومؤشرات مرتبطة بالبيئة، فهى ١٧هدفا رئيسا و١٦٩ هدفا فرعية، وتحتاج الى ثلاثة انواع من الاستثمارات هى الاستثمار فى البنية الاساسية، والاستثمار فى العنصر البشرى صحة وتعليم ورعاية صحية شاملة وتطوير شبكة الضمان الاجتماعى، والاستثمار فى التكنولوجيا والنمو الاقتصادى، والاستثمار الثالث هو استثمار جديد ارتبط بانتشار بعض الأوبئة مثل الأيبولا وزيكا وقضايا الصراعات والحروب الأهلية فى دول مجاورة وهو استثمار مرتبط بقدرة الدولة على استيعاب الصدمات

> وكيف يمكن تمويل هذه الاستثمارات ؟

- لابد من زيادة الادخار وتنمية موارد الدولة من الضرائب وهنا لابد ان أشير الى أن مصر والدول العربية من أقل الدول فى معدلات الادخار وهنا لابد من معرفة من هم المدخرون فى المجتمع...فهناك ادخار عام من خلال نظم التأمينات والمعاشات، وادخار الأفراد او الادخار العائلى ولابد من تحسين ثقافة الادخار فى المجتمع من خلال تشجيع الأطفال على الادخار والطلبة فى المدارس من خلال بعض المبادرات منها مبادرة حساب ادخارى لكل تلميذ وهى المبادرة التى تبنتها بعض الدول.

ايضا لابد من العمل زيادة الوعى بأهمية التأمين باعتباره نوعا من الادخار وأيضا لابد من احداث نقلة نوعية فى نظام التأمينات والمعاشات فى ادارتها والرقابة عليها.

إدخار للجميع
> هناك بعض المبادرات التى تحدثت عنها فى وقت سابق لتشجيع الادخار مثل تشجيع طلبة المدارس على الادخار.. كيف يمكن تنفيذ هذه المبادرات ؟

- مبادرة «الادخار للتلامذة» والتى تقوم من خلالها البنوك العاملة  بفتح حسابات ادخار لجميع طلبة المدارس فى مراحل التعليم قبل الجامعى، يصل عددهم  فى مصر وفقا لآخر تقديرات فى ٢٠١٦ حوالى ٢٠ مليون طالب، وذلك بفتح حساب يمول  من الاحتياطى القانونى للودائع لدى البنوك بمبلغ ٢٠٠ جنيه لكل طالب، بما يعادل  أقل من  ١٠دولارات، على ألا يسمح  بالسحب من هذا الحساب حتى السن القانونية ويسمح له فقط بالاضافة اليه .. وهناك عدد من الدول فى العالم اعلنت تبنيها هذه المبادرة وتطبيقها، ويمكن فى  مصر تطبيقها  فى الوقت الحالى لإمكانية الاعتماد على الرقم القومى فى كافة الحسابات الالكترونية  وهو ما لم يكن متوافراقبل عدة سنوات، فضلا عن التطور التكنولوجى الكبير خلال السنوات الماضية والتى يمكن من خلالها التعامل المصرفى من خلال الانترنت دون الذهاب الى البنوك او تلقى كشوف حساب ورقية مما يخفض التكلفة.

 كما أن   الطالب صاحب الحساب سيستفيد من وجود هذه المدخرات وزيادة العائد  عليها سنويا ويستطيع ان يودع بها ما هو قدر استطاعته، كما أن البنوك ستزيد قاعدة المتعاملين معها بالملايين، كما ستبني  علاقة مستمرة بين صاحب الحساب والبنك،  ويصبح هذا البنك فى المستقبل هو البنك المفضل للشاب بعد تخرجه وعمله ويعتمد عليه فى كافة  معاملاته المالية، ويمكن تمويلها من نسبة الاحتياطى القانونى الذى يتم تحصيله من الودائع وبمساهمة من البنوك العاملة، والبنوك ستستفيد لان هذه الأموال ستبقى فى حوزتها وتزيد من القاعدة الادخارية وقاعدة العملاء لديها

دول تتراجع
> أشرت فى وقت سابق إلى أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية فى طريقه للزوال فما هى المعطيات الاقتصادية لذلك ؟

- هناك ترتيبات جديدة حول عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وهناك العديد من الكتب والدراسات التى تناولت ذلك الموضوع منها كتاب وزير الخارجية الامريكى السابق هنرى كيسنحر، وهذه الترتيبات تشير الى أن العالم تغير بسبب الحروب والازمة المالية العالمية ساهمت فى تحديد هذا العالم بعد ان تراجعت معدلات النمو فى بعض الدول وزيادتها فى بعض الدول الآخرى، فهناك دول ذات اقتصادات بازغة ودوّل اخرى تتراجع.. ولقد شهدنا فى الــ100  عام الاخيرة عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى وعالم ما بين الحربين، وعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، هناك نظام عالمى جديد يتشكل ومتغيرات  جديدة فى النمو الاقتصادى والاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة فى تكنولوجيا الاتصالات والابتكار والابداع وهى متغيرات تصاحبها متغيرات سياسية.. المحصلة فى النهاية نحن بصدد عالم جديد بقواعد جديدة ولابد لمصر وللدول العربية ان تستعد لهذا العالم من خلال الاستثمار فى البشر.  

> كيف تابعت الجدل الذى اثارته العملات الرقمية مثل البيتكوين ؟

- البيتكوين الأفضل وضعها فى سياق اشمل بما يعرف الابتكار المالى والنقدى، وعلاقتها بالتكنولوجيا الجديدة المرتبطة بالإنترنت والشبكات والمنصات الإلكترونية التى تستخدم فى التعامل معها، والاهم فى تقديرى هو النظر فى البيتكوين  هو دراسة التكنولوجيا التى وراءها ولكى نزيح موضوع المبتكرين من الطريق....الناس شهدت تقلبا كبيرا فى أسعارها مقارنة بالدولار بعد ارتفاعات شديد وانخفاضات شديدة وهنا المتعامل معها عليه ان يعلم انه لا يستثمر فيما يعرف عن الاستثمار فيها من مخاطر ولكنه يتجاوز  المخاطرة الى المغامرة بل المغامرة...ولكن أود أن أوضح  ايضا لا يجب الاكتفاء بالقول بان « البيتكوين»  نوع من انواع القمار أو أنها  تستخدم فى مجالات  غير مشروعة فهذا جانب مفقود من الحقيقة،  الأهم هو ما وراء هدا العالم الجديد الذى يلتحم فيه عالم النقود والمال والتكنولوجيا والمعلومات معا لتكوين منتجات جديدة ووسائل مبتكرة لم يكن متعارفا عليها من قبل.

 كما ان الاستثمار فى البيتكوين واخواتها من العملات الافتراضية فى هذه المرحلة من تطورها يتجاوز حدود المخاطرة إلى المغامرة وهناك دور قادم لا محالة للحكومات والبنوك المركزية لاصدار عملاتها الوطنية والدولية رقميا وكذلك الرقابة والإشراف على العملات الافتراضية فيما يتعلق بتسوية الحقوق وإجراءات التبادل بعملاتها الوطنية ومنع تمويل الأنشطة غير المشروعة. فالعملة الرقمية الرسمية التى تصدرها الحكومات لا الأفراد ستكون مجرد وسيط لا قيمة لها فى حد ذاتها لكن بما تمثله من قيمة تماما كحال ورق البنكنوت اليوم فلا اختلاف يذكر بين قيمة الورق المطبوع عليه الجنيه والدينار والدولار واليورو ولكن الفرق فيما يقف وراء هذه العملة من قوة اقتصادية

النقود الرقمية
> ما هو مستقبل «البيتكوين» وغيرها من العملات الرقمية؟ 

- أتصور مع دخول الحكومات والبنوك المركزية هذا المجال  الجديد سوف يكون هناك مبتكرات نقدية ومالية مهمه واشكال جديدة للنقود مثل النقود الرقمية والتي  لا تصدر من أفراد عاديين مثل بيتكوين واخواتها التى ترجع الى ٢٠٠٨...وأرجو ان أشير الى بعض المبادرات الهامة التى اتخذتها بعض الحكومات منها حكومة بريطانيا من خلال «إدارة العلوم للحكومة البريطانية»  التى أصدرت تقريرا هاما العام الماضى فيه توصيات محددة منها ان على الحكومة الدخول فى مجال المنصات الشبكات والسجلات الإلكترونيك والتكنولوجيا التى وراءها وتكون لها رؤية متكاملة وسياسة محددة بشأنها، وان على الحكومة ان تستثمر فى البحوث والابتكارات والتطوير فنيا وراء هذه التكنولوجيا، وأن تضع  النظام القانونى والرقابى فى تكنولوجيا المعلومات التى وراء اصدار هذه العملات والمعاملات، وان تضع الحكومة المعايير الرقابية للتأميم والخصوصية وسلامة النظام، وأن  تعلى من القواعد الخاصة بالتعارف على المستخدمين بان يكون لكل منهم نظام رقمى للتعارف عليه، والامر الاخر تحديد المجالات التى يمكن للحكومة والجهات المسجلة لديها الدخول فى هذا المجال.

من ناحية اخرى فإن  عددا من البنوك المركزية حول العالم تبحث المزايا والعيوب والفرص والتكاليف للدخول فى مجال العملات الرقمية وإصدارها ومن أمثلتها كندا وبريطانيا وروسيا وأستراليا والسويد والصين وبعضها اختبر عمليا اصدار عملات رقمية «بلوك تشين تكنولوجى»  او ما يعرف بسلاسل البلوكات المتراكمة ومن المهم ان نعرف ان الحكومات والبنوك تحصل على ريع الإصدار باعتبارها الجهة الوحيدة المحتكرة لاصدار العملة فإذا ما دخلت جهة اخرى الإصدار الرقمى يحرم البنوك من جزء من هذا الريع فهنا الحكومات تدرس هذاالامر من ناحية التكلفة والرقابة وحرمانها من ريع الإصدار..  ولكن البيتكوين واخواتها أصبحت بالفعل موجودة، مرة اخرى التعامل فيها يلتمسه مخاطرة تتجاوز اى نوع من المخاطر المعتادة مِما يقترب من اعتبارات المغامرة وليس الاستثمار وفى تقديرى ستكون هناك فقاعات فى هذا المجال حتى يحدث نوع من التنظيم من السوق ومن جانب جهات الرقابة والإشراف والتعاون بينها، لان هذه العملات عابرة للحدود.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة