ياسر رزق
ياسر رزق


ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: نظرة إلى المشهد الانتخابي

ياسر رزق

السبت، 27 يناير 2018 - 08:18 م

دخولا إلى صلب الموضوع، أقول إن مشهد الانتخابات الرئاسية الراهن، ليس مما يرضى طموحات شعب مصر وتطلعاته إلى حياة ديمقراطية، أهم ركائزها هو التعددية والمنافسة السياسية.
صحيح أن هناك قطاعات جماهيرية واسعة، تعلق آمالا عريضة على الرئيس عبدالفتاح السيسى وعلى مشروعه الوطنى، وتنظر إليه كزعيم جاء فى مرحلة مفصلية، أكثر مما تعتبره رئيسا انتخبته لدورة، ودعته إلى الترشح لدورة ثانية، لكن هذه الجماهير تؤمن أيضا بأن خلو الانتخابات الرئاسية من مرشحين بجانب الرئيس السيسى، إلا من مرشح ضرورة سياسية (أو أكثر) لا يأمل فى الفوز، ولا يسعى إلى المنصب، وإنما ارتأى الترشح، حفاظا على صورة العملية الانتخابية، والحيلولة دون تحول الانتخابات إلى استفتاء.. هو أمر لا يعزز بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، التى هى مبتغى المشروع الوطنى المصرى.
ومثلما يُحمَّل الرئيس السيسى بالمسئولية عن الميراث الثقيل الذى تسلمه، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا، وكأنه من صنع يديه، نجد من يُحمِّل المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى المسئولية عن جدب الحياة السياسية، وكان عليه أن ينقب عن منافسين، وأن ينادى على مرشحين، وأن يتقدم عنهم بأوراق الترشح ومسوغاته.
لقد استمعنا فى مؤتمر «حكاية وطن» إلى الرئيس السيسى وهو يطالب الشعب بالاختيار من بين المرشحين الأفاضل داعياً الله أن يوفقهم لخدمة بلدهم. وسمعناه يقول: لو أقدر أمنع الفاسد أن يتولى أمركم، كنت منعته. وربنا يحاسبنى لو أترك من أعرف أنه لص وفاسد يقترب من كرسى الحكم.
لم يكن الرئيس يقصد أنه سيمنع أحدا من الترشح، لأن هذه ليست سلطته. لكنه كان يقول إنه سيكشف الفاسد الذى يعنيه إذا ترشح، لأن هذه مسئوليته.. أمام الله وأمام الشعب.
< < <
ثمة انطباعات تُروَّج فى الشارع السياسى بأن النظام استخدم كل أدواته الناعمة والخشنة، لمنع أى شخصية ذات حيثية، راغبة فى الترشح من الإقدام على خوض انتخابات الرئاسة.
وسمعنا من يقدم أسانيده على ذلك. ويضرب الأمثلة، بتراجع المرشح الرئاسى الأسبق أحمد شفيق، والقبض على رئيس الأركان الأسبق الفريق سامى عنان عقب إعلانه عزمه على الترشح، وانسحاب المرشح المحتمل خالد على، واعتزال المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى عن سباق الانتخابات الحالية، وإحجام المرشح الرئاسى الأسبق عبدالمنعم أبو الفتوح عن الفكرة التى كانت تراوده بخوض الانتخابات.
سادت تلك الانطباعات لدى قطاع من الرأى العام، لأن الحقائق سرعان ما تذوب فيها، بفعل تقليب الوقائع على غير أوجهها، فتتغلب التصورات بفعل الإلحاح والتكرار على الحقائق، وتتحول فى الأذهان إلى مسلمات.
ودعونا ننشط الذاكرة..
< الفريق أحمد شفيق، أعلن من الإمارات عزمه الترشح، ثم جاء إلى مصر، وأعلن عن تريثه فى اتخاذ القرار حتى يجرى مزيدا من المشاورات مع كوادر حزبه وبعض الشخصيات العامة، وانتهى به الأمر إلى الإعلان عن قراره النهائى بعدم الترشح قائلا: إنه لن يكون الشخص الأمثل لقيادة البلاد فى المرحلة المقبلة.
قيل بعدها إن شفيق تعرض لضغوط من أجهزة الدولة وربما تهديدات كيلا يترشح وأنه رضخ. وبفرض أن هناك ضغوطا، فلماذا استكان لها شفيق، ومعرفتى به تقول إنه رجل صلب لا يستكين!.. وبفرض أن هناك تهديدات، فلماذا لم يخرج إلى الرأى العام ويكشفها ويعلن استمراره فى السباق؟
ظنى أن هناك شخصيات مقربة من شفيق، ومتابعة بدقة لما جرى ويجرى على أرض مصر، أقنعته متطوعة من نفسها بعدم الترشح، لأن فرصه فى الفوز على الرئيس السيسى تكاد تكون معدومة، لاسيما أن شخصا كشفيق قد سبق له الحصول على ١٢ مليون صوت فى انتخابات ٢٠١٢ - لا يريد خوض الانتخابات لمجرد المنافسة، وإنما تصورا لامكان الفوز بها. ويبدو أنه حينما عاد إلى مصر واستمع إلى خلصائه، أيقن أن مياها كثيرة قد جرت تحت جسور النيل، منذ ترك الوطن إلى الامارات فى أعقاب وصول منافسه المرشح الإخوانى إلى السلطة.
< الفريق سامى عنان، أبدى نيته فى خوض انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٢، لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوى اتخذ قراره بعدم السماح لأى عضو من أعضائه بالترشح لهذه الانتخابات.
وفى مطلع عام ٢٠١٤.. عبر عن رغبته فى خوض انتخابات الرئاسة، وفاتحنى شخصيا، كما فاتح غيرى، بتلك الرغبة، وصارحته يومها بأن الحالة الشعبية لا تؤدى به إلى الوصول إلى ما يشتهى، وأن الفوز بالقطع لن يكون من نصيبه، وإنما هو محتوم للفريق أول عبدالفتاح السيسى إذا استجاب لنداء الترشح.
وبعدها بأيام.. اتصل بى نجله الدكتور سمير عنان طالبا منى الحضور إلى منزل والده، مع شخصيات أخرى، لإقناعه بالتراجع عن رغبته، وأدركت أن تلك الدعوة هى مظلة أو غطاء لإعلان قرار عنان بعدم الترشح. ولبيت الدعوة، وجرى اللقاء، واعتذرت عن عدم حضور المؤتمر الصحفى الذى كان مقررا أن يعلن فيه القرار.
منذ ذلك التاريخ، أى خلال السنوات الأربع الماضية، كان يمكن للفريق سامى عنان، وهو رئيس أسبق لأركان حرب القوات المسلحة، ونائب لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أعقاب ثورة يناير، أن يتقدم باستقالته من القوات المسلحة كضابط برتبة فريق مستدعى للخدمة، وأن يتحول إلى شخصية مدنية يحق لها الترشح وخوض الانتخابات، خاصة أن رغبته فى الوصول إلى مقعد الرئيس، لم تفتر - كما هو واضح - منذ عام ٢٠١٢ وحتى الآن.
كان الفريق عنان يستطيع لو اتبع الاجراءات القانونية المتبعة داخل القوات المسلحة، والتى يعلمها بالقطع، أن يجنب نفسه الوقوف متهما أمام القضاء العسكرى، لاسيما أنه من العارفين بطبيعة وتقاليد المؤسسة العريقة التى ينتمى إليها، والتى ليس فى قاموسها مفردات مواءمة وخواطر، وأنه يعلم يقينا بأن سيف قوانينها بتار، لا يفرق بين المخالفين سواء كان بدرجة جندى أو يحمل أعلى رتبة، بل إنه لابد يذكر أن الفريق سعد الشاذلى وهو من أبرز أبطال حرب أكتوبر، لم تشفع له بطولته، مخالفته القانون بإفشاء أسرار عسكرية فى كتاب، وقضى عقوبة السجن ٣ سنوات بعد عودته من الخارج.
< الأستاذ خالد على المحامى والمرشح الرئاسى الأسبق والذى حصل على ١٣٤ ألف صوت فى انتخابات ٢٠١٢، لم يجبره أحد على الإحجام عن مواصلة إجراءات الترشح، ولو شق عليه الحصول على نصاب التأييد الشعبى اللازم للترشح، فظنى أنه كان يقدر ببعض الجهد أن يحصل على نصاب التأييد البرلمانى وهو ٢٠ نائبا على الأقل، ربما من بين نواب جبهة (٢٥/٣٠) النيابية، واعتقادى أنه خسر شخصيا بتراجعه، أكثر مما خسرت العملية الانتخابية بغيابه، خاصة أنه مازال شابا فى الأربعينيات، وكانت مشاركته فى الانتخابات ستضيف إلى رصيده السياسى فى أى انتخابات مقبلة.
< الأستاذ حمدين صباحى.. أعلن مبكرا ومنذ أشهر عدم رغبته فى خوض انتخابات الرئاسة المقبلة، بل إنه حرر توكيلا لترشيح خالد على. لم تكن هناك عقبة أمام حمدين للترشح لو أراد، ولم يكن الأمر يشكل مفاجأة لو رغب فى الترشح فهو من أشد الناقدين للنظام وللرئيس عبدالفتاح السيسى، وموقفه معلن، وسبق له أن خاض انتخابات عام ٢٠١٢ وحصل على قرابة ٥ ملايين صوت، وقد كنت من مؤيديه، وكان قاب قوسين أو أدنى من خوض الجولة الثانية، كما خاض انتخابات عام ٢٠١٤، وامتلك الجسارة السياسية على أن يكون المنافس الوحيد أمام السيسى برغم هالة البطولة الشعبية وزخم التأييد الجماهيرى الكاسح، لكنها رغبة الأستاذ حمدين ألا يخوض الانتخابات لاعتبارات يراها شخصيا.
< الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسى الأسبق، كانت مسألة الترشح تراوده، شعرت بذلك فى لقاء خاص بيننا فى مكتبى منذ شهور طلب هو إتمامه لمناقشتى فى مقال كتبته بعنوان «حديث ليس مبكرا عن انتخابات الرئاسة».
فى ذلك اللقاء، قال أبو الفتوح إنه سيفكر فى الترشح لو تمت عدة أمور منها تعديل بعض المواد فى قانون الانتخابات الرئاسية، وعندما فاجأنى بالقول إنه لم يعد عضوا فى جماعة الإخوان بعدما استولى عليها القطبيون أمثال محمد بديع، رددت عليه بأنه سيجد صعوبة شديدة فى إقناع الناس بأنه لا ينتمى للإخوان، لاسيما أن هناك من يعتقدون أنه يمثل جسر الإخوان للعودة إلى الحياة السياسية.
لم يتحدث أبو الفتوح بعد ذلك عن الترشح، ثم وجدناه يغرد منذ ٣ أيام داعيا إلى مقاطعة الانتخابات ترشحا وتصويتا!
< < <
والحق إننى كنت أتمنى لو أعلن هؤلاء أو معظمهم، وغيرهم الترشح، وتمكنوا من تحقيق النصاب المطلوب، وخاضوا الانتخابات، لنضمن منافسة ديمقراطية حقيقية، تحفز على إقبال الناخبين على الصناديق، وتعزز المشاركة السياسية، وتوفر مناخا يضيف أفكارا ورؤى تسهم فى دفع المشروع الوطنى المصرى.
كنت آمل أن يكون المشهد الانتخابى الحالى مغايرا، برغم أنى - وهذا ليس سرا - من أشد أنصار الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبرغم يقينى أنه فائز مهما تعدد المرشحون ومن الجولة الأولى ليس فقط من أجل الأسباب السالفة، ولا من أجل تقديم صورة لائقة بمصر الديمقراطية أمام العالم، وإنما للتأهب لانتخابات ٢٠٢٢، التى يبدو الطريق إليها ضبابيا، ملبدا بغيوم ليست حبلى بأمطار، تكتنفه أوهام جماعة الإخوان بالعودة إلى السلطة بالأصالة عن نفسها أو عبر وكيل، وتحوطه نزعاتها بالتسلل إلى الحياة السياسية، عن طريق صفقات متكافئة مع مرشحين، قوامها التأييد مقابل المصالحة!
المحصلة إذن، بإرادة البعض، ومخالفات البعض وحسابات البعض، وبهوجائية كتائب الدببة الإعلامية العمياء، أن خلت الساحة من منافسين، وبدا أن الدولة التى طالتها اتهامات من كل اتجاه تريد إقصاء كل المرشحين المحتملين، تبدو وعلى النقيض فى وضع من يسابق الزمن للبحث عن مرشحين.
وكان أن تقدم حزب الوفد - أعرق الأحزاب المصرية - للبحث عن حل لإنقاذ شكل العملية الانتخابية أمام الخارج المتربص، وأعلن رئيسه الدكتور السيد البدوى عزمه على الترشح، برغم أن الوفد أعلن تأييده للرئيس، وأنه شخصيا من المؤيدين، وهو أمر محمود منه، بالنظر إلى بواعثه الوطنية، برغم ما جلبه عليه من قصف إلكترونى من كتائب الإخوان ومن مجموعات السخرية من كل شىء، التى تبارت فى الإساءة للرجل.
وحتى كتابة هذه السطور، توارى احتمال أن تتحول الانتخابات إلى استفتاء، مع توقع وجود مرشح أو أكثر فى ساحة السباق الانتخابى مع الرئيس السيسى.
< < <
المشهد الراهن يظهر عدم وجود منافسة، برغم أن الانتخابات تنافسية، لكن هناك أمرا أساسيا ينبغى عدم إغفاله، وهو أن إقدام شخصية أو أكثر على الترشح أمام الرئيس - ولو من أجل استيفاء الشكل - حقق هدفا جوهريا، هو حرمان جماعة الإخوان من بلوغ مراميها من العملية الانتخابية.
فبعدما لم يعد بإمكانها الاختباء فى جوانح مرشح يرتضى أن يكون حصانها الطروادى، صار مبتغاها هو إخلاء الساحة تماما من أى مرشحين، لتبدو الانتخابات وكأنها استعراض الرجل الواحد الذى لا يريد أحدا فى مواجهته حتى ولو كان لا يشكل عليه أى خطر، حتى تتمكن من الترويج عالميا لمظهرية الانتخابات وغيبة الديمقراطية، والدعوة محليا لمقاطعة التصويت بدعوى أن النتيجة معروفة والنزول لا جدوى منه.
وحينما عجزت عن ذلك أصيبت الفضائيات الإخوانية وأبواق الجماعة على الفضاء الإلكترونى بحالة سعار تحريضى للجماهير على الإحجام عن الإقبال على اللجان، وأظن مسعاهم سوف يخيب بفضل الوعى الجماهيرى.
يبقى أن أقول إن استنقاذ الحياة السياسية من حالة الجدب والبوار، لا يقل أهمية بأى حال عن عملية إنقاذ الدولة المصرية من التفكك والانهيار، وفى هذا يطول الحديث.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة