صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«الشبشب» القاتل

علاء عبدالعظيم

الأربعاء، 31 يناير 2018 - 07:14 م

 

المشهد الذي عاشته الأم أكبر من أن تتحمله، حيث لم تكن تتخيل أن يصبح منزلها الصغير الذي دأبت على تأثيثه بعد وفاة الزوج سيصبح مقبرة تغطي الدماء أرضيته.

لم ترى عيناها النوم، وكادت أن تبيض من كثرة البكاء والنحيب، بعدما أسودت الدنيا في وجهها وأسدلت ستائر الحزن والألم والغصة، حيث المتهم ابنها الصغير، «17 عاما» الذي حاول الدفاع عنها، وإنقاذها من بين براثن شقيقه الأكبر والمعروف عنه جحود القلب ودائم الاعتداء عليهما بالسب والضرب والاستيلاء على نقودها لإشباع رغبته في تعاطي المخدرات، وغير مبال بأنه كان طفلًا صغيرًا داخل أحشاءها، ونسي ضعف طفولته، ومسكنة صغره، ولا يزيدها نموه غير ثقلًا وضعف.

البداية عندما عاد الابن الأصغر من مدرسته، وهرول مسرعًا لمساعدتها في تنظيف الشقة وترتيبها، وتعاطفًا منه بعدما بدأت علامات الكبر والوهن تعلو وجهها.

انطلق لسانها بالدعوات له ولشقيقه الكبير بأن يهديه الله رغم كل ما عانته من إهانته لهما، واعتادا ضربها والاستيلاء على نقودها بسبب إدمانه للمخدرات.

أعد الابن الصغير كوبًا من الشاي، وجلس مع الأم يتجاذبان أطراف الحديث بعد أن انتهيا من إعداد وتنظيف الشقة، وبحنان غير مسبوق تحاول الأم تقبيل جبهة ابنها الذي سارع هو أيضًا بتقبيل يدها، ووعدها بأن لن يتخلى عنها.

وما إن تعانقت عقارب الساعة وأشارت إلى الثانية عشر، وكأنه موعد مع الشيطان حيث حضر الشقيق الكبير، وبدون أية مقدمات توجه إلى غرفته ليجد «الشبشب» الخاص به مبللًا بالماء، انطلقت من بين ثنايا فمه الشتائم والتوبيخ لهما، حاولت الأم التهدئة من روعه، ووجود تلك قطرات الماء التي انتثرت أثناء قيامها وشقيقه الصغير بتنظيف الشقة.
لبس عباءة إبليس، وعلا صوته يتهمهما بالإهمال وعدم التقدير له، وقبل أن ينطق الصغير بكلمة قام بوخزه في صدره ووقع على الأرض، همت الأم من فوق مقعدها وبخطوات مثقلة تحاول إرضاء الصغير الذي انتفخ الدم في عروقه، وانطلقت شرارات الغضب من عينيه محتضنًا أمه التي تتوسل إليه بعدم التشاجر فهما شقيقين.
أثار المشهد حفيظة الشقيق الكبير واعتقد أن الأم تكن لشقيقه الحب الأكبر، فقام بدفعها على الأرض، ولم يشعر الصغير بنفسه، وبخطوات يسبق بها الرياح توجه إلى المطبخ وامسك سكينًا وبخوف شديد ويد مرتعشة يهدده بالابتعاد عنهما والخروج من المنزل، وأمام عدم استجابته، سدد له طعنة انفجرت على إثرها الدماء من صدره وسقط في بركة من الدماء.

علت صرخات الأم، بينما انتابت الصغير حالة من الهلع والذعر، تساقطت الدموع من عينيه يصاحبها صرخات حزن واعتذار لشقيقه، وحمله وسط مشهد يدمي القلوب، وتقشعر له الأبدان، وتوجه إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه؛ لكن باءت كل محاولات الأطباء بالفشل لإسعافه، ولفظ الشقيق الأكبر آخر أنفاسه.

وأمام المستشار محمد شرف رئيس نيابة حوادث شمال الجيزة، اعترف الشقيق المتهم، وذكر في أقواله أنه لم يكن يقصد قتل شقيقه، وإنما حاول تهديده فقط.

صرح وكيل النائب العام، بدفن الجثة بعد العرض على الطب الشرعي، وإحالة الشقيق الصغير إلى محكمة جنايات الطفل.

انهارت الأم في البكاء، وبدموع لم تتوقف وبلسان حال تقول «لقد مات ابني الكبير، ودخل السجن الصغير».
 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة