معاناة المرضى من فوضى المعامل الطبية مستمرة
معاناة المرضى من فوضى المعامل الطبية مستمرة


المعامل الطبية.. فوضى قاتلة في أجساد «المرضى»

أسامة حمدي

الإثنين، 19 فبراير 2018 - 06:20 م

•    القانون الحالي يسمح للبيطريين والزراعيين بفتح معامل تحاليل
•    النقابات المتضررة من القانون الجديد تهدد بالإضراب.. وتؤكد أحقيتها بفتح المعامل
•    200 جنيه عقوبة فتح معمل بدون ترخيص في القانون الحالي

«مصاب أم سليم».. فوضى قاتلة في النتائج المتباينة لنفس المريض ونفس التحليل من معمل لأخر.. نظراً لأن القانون الحالي رقم 367 لسنة 1954 يتيح لخريجي كليات الطب البيطري والزراعة والعلوم والصيدلة والطب البشري فتح معامل تحاليل، كما يخلط بين معامل التشخيص الطبي ومعامل اللقاح والأمصال ومعامل الأبحاث العلمية.. ولأن العقوبة تقتصر على غرامة 200 جنيه فقط في حال فتح معمل دون ترخيص انتشرت «فوضى المعامل الطبية» في ربوع مصر.. وهو ما دفع نقابة الأطباء إلى إعداد مشروع قانون جديد لتنظيم معامل التحاليل يقصر تراخيص المعامل على الأطباء البشريين المتخصصين في التحاليل الطبية، يعمل تحت إشرافهم خريجي كليات العلوم والمعاهد الفنية الصحية وباقي الكليات العملية، ويرفع غرامة فتح معمل دون ترخيص لـ 50 ألف جنيه، وهو الأمر الذي أشعل الصراع مع النقابات المتضررة كالعلميين والبيطريين والصيادلة.


«فوضى قاتلة»

حيث يروي مصطفى عماد، الشاب العشريني لـ«بوابة أخبار اليوم» أنه ذهب إلى إحدى العيادات الطبية فطلب منه الطبيب القيام بإجراء تحاليل في أحد المعامل ليتضح من التحليل أنه مصاب بفيروس «سى» ما أدى لإصابته بحالة من اليأس والإحباط هو وأسرته خاصةً، لكن طبيب العيادة شك في نتيجة التحليل وطلب منه إجراء تحليل آخر في معمل مختلف، ليتبين من التحليل الثاني أنه غير مصاب بفيروس «سى»، وهو ما فسره الطبيب بأن التحليل الأول الذي أثبت الإصابة ربما يكون قد اختلط مع عينة شخص مصاب بالفعل نتيجة عدم تطهير الأجهزة ومعايرتها بشكل دوري ومستمر.

حالة «مصطفى» لم تكن الحالة الوحيدة التي تعرضت لتضارب نتائج معامل التحاليل.. حيث يروي لنا سعيد عبدالله، 28 عاما، أنه كان متقدماً لوظيفة فرد أمن في إحدى الشركات الكبرى وطلبوا منه إجراء تحليل مخدرات في أحد المعامل الشهيرة فقام بإجراء التحليل في معمل شهير بمنطقة فيصل وتبين من التحليل شربه للمخدرات، ما أدى لعدم قبوله بالوظيفة، رغم أنه لم يشرب مخدرات طيلة حياته، وعندما روى ذلك لأحد الأطباء طلب منه إجراء تحليل آخر ووجهه لمعمل تحت إشرافه، ليتبين من التحليل الثاني أنه سليم وجاءت النتيجة سلبية بمعنى عدم شربه للمخدرات.
أما الضحية الثالثة فكان عمرو إبراهيم، 33 عاما، حيث قام بإجراء تحليل للسائل المنوي ليتبين من التحليل أن حركة الحيوانات المنوية ضعيفة للغاية وتكاد تكون ميتة ولا يستطيع الإنجاب، رغم أن لديه طفلان، فلم يصدق نتيجة التحليل، ونصحه الطبيب بالذهاب إلى معمل آخر ليقوم بتحليل ثاني وجاءت النتيجة أنه سليم ولا توجد لديه أي أمراض، ونصحه الطبيب بعمل محضر للمعمل الأول والتقدم بشكاوى لوزارة الصحة.

«مفاجآت القانون الحالي»

وقامت «بوابة أخبار اليوم» بالبحث عن القانون الذي ينظم فتح معامل التحاليل ليتضح أن القانون رقم 367 لسنة 1954، يتيح لخريجي كليات الطب البشرى، الصيدلة، الزراعة، العلوم، الطب البيطري، فتح معامل تحاليل واستخراج رخصة بها من الإدارة المركزية للتراخيص والعلاج الحر بوزارة الصحة.

ولعل ذلك ما دفع نقابة الأطباء إلى المطالبة كثيراً ومنذ سنوات بقصر مهنة التحاليل الطبية على الأطباء البشريين فقط، وأن يقوم خريجي كليات الصيدلة، والعلوم، والزراعة، والطب البيطري، معهد فني صحي، بالعمل تحت إشراف الطبيب البشري كمساعدين له ويختص هو وحده بسحب العينات من المرضى، ولذلك قامت النائبتان ليلى أبو إسماعيل، إيناس عبد الحليم، الأعضاء بلجنة الصحة بالبرلمان بالتقدم بمشروع قانون لتنظيم مزاولة مهنة التحاليل الطبية بديلاً عن قانون 1954، حيث يحصر مشروع القانون الجديد منح رخصة فتح المعامل على الأطباء البشريين فقط.

«القانون الجديد»

وقالت النائبة ليلى أبو إسماعيل، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، صاحبة مشروع قانون معامل التحاليل الجديد، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» إن القانون الجديد لا يزال في لجنة الصحة حتى الآن، حيث تجرى مناقشته، ولم يُطرح للتصويت عليه في جلسة عامة بعد، ولم يطرح حتى الآن للحوار المجتمعي، خاصةً وأنه عليه اعتراضات من نقابات الصيادلة والعلميين والبيطريين.

وأضافت: «سبب التأخير في مناقشة مشروع القانون أن هناك عدة قوانين أخرى تجرى مناقشتها داخل لجنة الصحة وذات أهمية مثل قانون الصيدلة، لكن قانون المعامل يشكل أهم أولوياتي حيث يقضى على الفوضى في مزاولة مهنة معامل التحاليل».

وأوضحت أن مشروع القانون الجديد سيقصر تراخيص مزاولة مهنة التحاليل الطبية على الأطباء البشريين فقط، مشيرةً إلى أن القانون رقم 367 لعام 1954 أدى إلى حدوث فوضى في تراخيص المعامل حيث مَكن البيطريين والزراعيين والصيادلة والعلميين من فتح معامل تحاليل، لافتة إلى أن القانون مضى عليه أكثر من 60 عام ولم يطرأ عليه أي تعديل، وهو ما لا يناسب التطور السريع في مجال الطب والذي يقتضى تعديل القوانين باستمرار، ودول العالم قامت بتعديل قوانينها المنظمة للطب خلال الـ60 عام أكثر من مرة وهو ما لم يحدث في مصر.

وأكدت أن القانون الحالي يخلط بين ثلاثة أنواع من المعامل وهى معامل التشخيص الطبي، ومعامل الأبحاث العلمية، ومعامل المستحضرات الحيوية كالأمصال واللقاحات، وتتطلب المعامل الثلاث أشخاصاً لهم تخصصات مختلفة ومؤهلات دراسية مختلفة وتدريب مهني مختلف، وهو ما فتح الباب لعمل غير المؤهلين في معامل التشخيص الطبي التي تشخص الأمراض للآدميين كالزراعيين والبيطريين وخريجي كليات العلوم قسم الكيمياء وجميعهم غير مؤهلين دراسياً ومهنياً، ما أضر كثيراً بمهنة التحاليل الطبية وأدى إلى تشخيص خاطئ للمرضى.        

وذكرت أن القانون الحالي يتعارض مع الدستور الذي نص على ضرورة تقديم خدمة صحية عالية الجودة، لم يذكر أي معايير للجودة في معامل التحاليل الطبية التشخيصية، ولم يضع أي عقوبات لمخالفة معايير الجودة مما انعكس على دقة نتائج التحاليل في معظم المعامل في مصر في السنوات الأخيرة وهذا يهدد صحة المصريين، مضيفة أن القانون الحالي يتعارض مع قانون مزاولة مهنة الطب (قانون رقم 415 لسنة 1954) الذي نص في المادة رقم 1 على أنه لا يجوز لغير الطبيب البشري سحب عينات من المرضى، بينما سمح قانون المعامل رقم 367 لسنة 1954 لغير الأطباء البشريين مثل الكيميائيين والزراعيين والبيطريين بفتح وإدارة معامل التحاليل الطبية بدون إشراف طبيب بشرى مما يعرض حياة المرضى للخطر، لأن الطبيب البشري هو الوحيد المؤهل دراسيا ومهنيا للتعامل مع جسم الإنسان.

ولفتت إلى أن مشروع القانون الجديد مقسم إلى 7 فصول:  الفصل الأول تعريفات وأحكام عامة، الثاني يتناول القواعد المنظمة للحصول على ترخيص مزاولة مهنة التحاليل الطبية وأعضاء فريق العمل داخل معامل التحاليل الطبية التشخيصية والمؤهلات العلمية التي تؤهلهم للعمل والمسمى الوظيفي والتوصيف الوظيفي لكل منهم، الثالث يتناول القواعد المنظمة لترخيص معامل التحاليل الطبية الخاصة، الرابع يتناول قواعد مكافحة العدوى واحتياطات الأمان، الخامس يتناول القواعد المنظمة لمراقبة الجودة، السادس يتناول العقوبات وضوابط الرقابة على المعامل، السابع يتناول أحكام ختامية وانتقالية.

وأشارت إلى أن العقوبات غير رادعة في القانون الحالي حيث ينص في مادته الـ77 على: يعاقب بغرامة لا تزيد عن 200 جنيه من يمارس مهنة التحاليل الطبية بدون ترخيص أو من يخالف قواعد مكافحة العدوى في المعامل، مما أدى إلى استهانة الكثيرين بالقانون وقاموا بفتح معامل تحاليل طبية غير مرخصة لا تتبع القواعد العلمية، وجعل معامل التحاليل الطبية مصدراً لانتشار الأمراض المعدية، أما مشروع القانون الجديد رفع قيمة الغرامة لـ 50 الف جنيه.

«الصحة»: غلق المعمل حال إثبات خطأ نتائج التحاليل

وقال الدكتور على محروس، رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة، إن إدارة العلاج الحر تختص بالرقابة على المنشآت الطبية الخاصة كالمستشفيات والعيادات والمعامل الخاصة، وتتلقى شكاوى المواطنين حول الأخطاء الطبية، وفى حال ثبوت خطأ أو تضارب فى نتائج معامل التحاليل تتخذ الإدارة قرار بغلق المعمل.

ورفض «محروس» التعليق على سلبيات القانون الحالي رقم 367 لسنة 1954، والذي بناءاً عليه يتم منح تراخيص المعامل، كما رفض ذكر أسباب فوضى نتائج معامل التحاليل، وأيضاً لم يُعقب على مشروع القانون الجديد المقدم للبرلمان.

رابطة على «فيسبوك» لدعم القانون

ودشن أطباء الباثولوجي الإكلينيكية والكيميائية رابطة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تحمل ذات الاسم، وتدعم القانون الجديد لحصر ترخيص معامل التحاليل في الأطباء البشريين فقط، وقيام باقي التخصصات كالعلميين وخريجي المعاهد الفنية الصحية للعمل كمساعدين فقط تحت إشراف الطبيب البشرى.

وقال أحمد زهران، أحد أعضاء الرابطة، إن القانون الجديد سينظم حالة الفوضى في استخراج تراخيص المعامل لغير المؤهلين، وسيقصرها على الطبيب البشرى المتخصص فقط، أما المعامل التي حصل أصحابها على تراخيص بناءاً على القانون الحالي ومملوكة لغير الأطباء البشريين تستمر ملكيتها لأصحابها بشرط التعاقد مع طبيب بشرى حاصل على ترخيص مزاولة مهنة التحاليل الطبية في نفس تخصص المعمل للعمل كمدير فني وذلك خلال عام من تاريخ صدور هذا القانون ويتم إبلاغ وزارة الصحة بهذا التعاقد على النحو الذي يحدده وزير الصحة وإذا لم يتم ذلك تقوم وزارة الصحة بإغلاق المعمل إداريا مؤقتا لحين إتمام هذا التعاقد.

وأضاف أنه بناءاً على القانون ستقوم جميع المعامل المرخصة قبل صدور هذا القانون بالعمل على تعديل أوضاعها طبقا للقواعد المنظمة لمراقبة الجودة خلال فترة زمنية مدتها عام واحد من تاريخ صدور القانون وإذا لم يتم ذلك تقوم وزارة الصحة بإغلاق المعمل إداريا لحين إجراء التعديلات اللازم.

«التهديد بالتصعيد»


وكانت نقابات «الصيادلة» و«العلميين» و«البيطريين» و«الزراعيين» قد أعلنت رفضها لمشروع القانون عقب الإعلان عنه، وهددت بالتصعيد وتنفيذ إضراب شامل حال إقراره كونه يسبب غلق 90% من المعامل الحالية ولا يتيح لهم مزاولة مهنة التحاليل الطبية إلا تحت إشراف طبيب بشري – على حد قولهم.

وأكدت النقابات الأربعة على حقوق أعضائها في ممارسة مهنة التحاليل الطبية بحكم دراستهم العلمية وبموجب أحكام قضائية حصلوا عليها، واصفين القانون بـ«العنصري والفئوي».
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة