محمد البهنساوي
محمد البهنساوي


يوميات الأخبار

محمد البهنساوي يكتب: قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه !!

محمد سعد

الأربعاء، 28 فبراير 2018 - 09:11 م

 

وبكل تأكيد هذه الأصوات لم تخدم بقواتنا المسلحة .. ولم تحتك برجالها .. أصدروا تعليقاتهم تلك من على «المقاهى» وهم يستمتعون بدفء شمس الشتاء .. يحتسون القهوة وسط دخان «انفاس الشيشة» الكثيف

قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه.. منسى بأه اسمه الأسطورة 
من أسوان للمعمورة وقالوا إيه.. شبرواى وحسنين عرسان
قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان وقالوا إيه
خالد مغربى دبابة .. بطل وجنبه إحنا غلابة وقالوا إيه
العسكرى «علي» من الشجعان .. مات راجل وسط الفرسان
أبطالنا فى سينا .. طيرانا فوقينا .. حاميين أراضينا .. والدور جه علينا .. أبطال شقاينة .. العدو يخشانا .. الموت يهوانا.. رايحين لشهادة .. لشهادة را يحين .. ماتقولوا أمين

 من 20 سنة

هذه الكلمات السابقة نص النشيد الحماسى لابطال الصاعقة الذين يواجهون الموت دفاعا عنا فى سيناء. 

هذه الكلمات التلقائية الحماسية.. أعادتنى للوراء 20 عاما.. عندما وقع على الاختيار للعمل بالقسم العسكرى بجريدتنا المحبوبة «الأخبار».. وكنت وقتها محررا بقسم الحوادث.. أسقط فى يدى .. فلم يسعدنى الحظ بأداء الخدمة العسكرية.. حيث لم يصبنى الدور مثل الكثير من الدفعات الجامعية وقتها .. كنت اتهيب العمل محررا عسكريا.. وقابلت وقتها أستاذنا ووالدنا عميد المحررين العسكريين المصريين الكاتب الصحفى فاروق الشاذلى رحمه الله.. أو «عمى فاروق» كما كنا جميعا نناديه بالأخبار .. شرح لى أساسيات العمل محررا عسكريا .. وفى مقدمتها الانضباط فى كل شىء.. وأن أدرك أننى جزء من المنظومة العسكرية .. أحافظ على الأسرار العسكرية التى قد تتاح أمامى .. وعدم الاندفاع وراء الشهوة الصحفية لنشر او حتى الحديث عما قد يتاح امامى من معلومات فربما اضرت أمننا القومى. 

وكأى شاب مفعم بالحيوية والحماس الذى يقود للاندفاع والتهور أحيانا .. وكأى صحفى فى بداية حياته يسعى للانفراد والعمل المتميز واستعراض معلوماته.. نشرا أو مجرد استعراض أمام الأهل الأصدقاء .. شعرت بقلق وتوتر .. كان نتيجتهما أن رجوت عمى فاروق أن أحتفظ بعملى بقسم الحوادث بجانب القسم العسكرى .. وافق الرجل الطيب على طلبى .. لكنه ابتسم إبتسامة لم أعرف سببها او مغزاها فى حينه .. وقلت لنفسى إنها فترة مؤقتة للعمل مع رئيس القسم وقتها الكاتب الصحفى ياسر رزق» رئيس مجلس إدارة مؤسستنا العريقة حاليا».. لحين إنتهاء زميلى ونائب رئيس القسم وقتها الكاتب الصحفى طاهر قابيل « مدير تحرير الأخبار حاليا» من زمالة اكاديمية ناصر العسكرية والتى كانت مدتها عاما .. وبعدها اعود لقسم الحوادث. 

بدأت العمل .. ولن انسى ما حييت أول مأمورية لى .. الاحتفال بيوم تفوق قوات الصاعقة .. وما ان بدأ الاستعراض الذى حضره المشير حسين طنطاوى وزير الدفاع وقتها حتى وجدتنى امام لحظة فارقة فى حياتى المهنية والعملية والإنسانية .. مختلفة باختلاف هؤلاء الوحوش الذين جلست اتابع عروضهم .. وأنبهر بتلك القوة والحماسة فى ادائهم .. فرغم أنه عرض  احتفالى .. لكن الحماس فى تدريباتهم .. والجدية على وجوههم .. تشعرك أنك امام إستعداد حقيقى للحرب .. ولن انسى القشعريرة التى هزت جسدى كله.. وهم يرددون الأناشيد الوطنية .. ليس بشكل غنائى واحتفالى .. لكنها كانت كالوقود الذى يلهب حماسهم القتالى .. وكأن طابورهم سينتهى بعد قليل على الجبهة امام عدو غدار .

مر العام سريعا .. وانا اتنقل بين وحدات الجيش .. أحضر البيانات القتالية .. والتدريبات العسكرية .. ويزداد شعورى مع كل مأمورية اننى امام نوع مختلف من الرجال .. ومفهوم جديد للوطنية .. وعاد طاهر للقسم .. ودخلت الى مكتب عمى فاروق منتظرا تحديد مصيري.. سألنى «هتعمل إيه .. خلاص عايز ترجع الحوادث» وكررت رجائى للرجل الطيب.. لكن هذه المرة ان اظل محررا عسكريا .. أشرف بملازمة مصنع الرجال والمدرسة العيا للوطنية.. الذين يحبون الحياة لانها تحقق شغفهم بخدمة وطنهم.. لكنهم يعشقون الموت ويستعجلونه حتى يصبحوا « فرحين بما أتاهم الله من فضله» لذا تجدهم «ما وهنوا وما استكانوا» فى اداء واجبهم سلما وحربا .. وافق عمى فاروق على الفور بنفس الإبتسامة الأولى التى عرفت فى هذه اللحظة سببها.

الوحوش الحملان.. و«الشيشة الفواكه»

إسترجعت هذا الشريط وانا اتابع نشيد « قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه».. وهالنى بعض التعليقات الغريبة التى إستهجنت وانتقدت ان يردد وحوش الصاعقة بسيناء هذا النشيد وهم فى حالة حرب على الإرهاب الأسود .. وبكل تأكيد هذه الأصوات لم تخدم بقواتنا المسلحة .. ولم تحتك برجالها .. أصدروا تعليقاتهم تلك من على «المقاهى» وهم يستمتعون بدفء شمس الشتاء .. يحتسون القهوة وسط دخان «انفاس الشيشة» الكثيف بنكهاتها المختلفة وعلى فرقعات صوت «زهر الطاولة».. ليتحدثوا عن رجال فى قلب خط النار يتخطون حقول الألغام لتواجههم عبوات شديدة الانفجار .. رجال لا أقول يواجهون الموت .. بل يسعون له ويطلبونه حثيثا.. مستمدين فى ذلك بكل طاقة إيجابية.

تلك الأناشيد يا سادة تلهب الحماس وتصل بمشاعر الوطنية لذروتها.. وكم اتذكر الان مواقف عديدة خاصة لوحوش الصاعقة خلال تدريباتهم .. شاهدنا بعضهم يصاب فى تلك التدريبات من زميله لقوة الإعداد والتجهيز .. إنطلاقا من العقيدة الراسخة بجيشنا العظيم « العرق فى التدريب يوفر الدم فى المعركة « أى معركة سواء مع عدو معروف يقينا لدى رجال جيشنا .. أو عدو محتمل تدفع به الأيام فى طريقهم مثل ما يواجهونه الان فى دروب وجبال سيناء.

ولا أفشى سرا أننا كنا نتابع مسابقات فى العاب القوى وفنون الدفاع عن النفس بين الوحوش .. وكيف كانوا يؤدونها بقوة مرددين لهتافاتهم متنافسين بحماس للفوز حتى ينال تكريم القائد العام .. وكم سقط من شدة التنافس مصابون فى التو واللحظة .. وكيف كان يكرم القائد العام الإثنين .. الفائز .. والخاسر بشرف.

هذا هو حالهم فى التدريب والتكريم من القائد العام .. فمابالنا بحالهم وهم فى الحرب الحقيقية .. ينتظرون الجائزة الكبرى وهى الشهادة .. والتكريم من رب العالمين .. وهنا نسمع حكايات وحكايات عن بطولات لا تتكرر إلا فى جيش مصر العظيم الباسل .. هؤلاء الوحوش فى الميدان عندما تتعامل معهم يفاجئك رقة طبعهم .. وادب حديثهم .. وعفة لسانهم ونبل أخلاقهم وجم تواضعهم .. فهم فى قوة الأسود فى مواجهة عدوهم .. ووداعة الحملان مع ابناء شعبهم 

منسى الأسطورة

من هؤلاء .. أسطورة البطولة الشهيد احمد منسى .. حكايات وروايات عن طلبه للشهادة .. ويروى زملاؤه كيف كان وجهه مبتسما مسترخيا .. وكيف سال دمه على يديهم وهم يضعونه فى قبره .. كيف كان مبتسما .. أحمد منسى الذى تبارى الجميع فى الحديث عن نبل أخلاقه ومواقفه التى لاتنسى بساحة الحرب .. الا ان زوجته وفى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة كشفت عن الوجه الاخر للشهيد الإنسان.. وكيف كان يقدم المساعدة لأى إنسان محتاج .. وكيف كان يقتطع جزءا من راتبه « حق ربنا « عليه لينفقه على المحتاجين .. وكيف كان يرفض فكرة إهانة بلده ولو بإلقاء منديل فى الشارع فما بالنا بموقفه ممن جاء ليعيث بها فسادا وإفسادا .. وروت بعض أشعاره فى حب مصر وطلب الشهادة فى سبيلها.. وكيف انه بعد استشهاده أقيمت عليه الصلاة فى المساجد والكنائس

شبراوى وحسنين عرسان

الشهيد ملازم اول احمد حسنين فهو بحق عريس الارض والسماء .. كان قد حصل على اجازة لينزل الى بلدته بالمنوفية «علشان يخش دنيا « ويتزوج .. لكنه وقبل ساعات من النزول للإجازة حدث هجوم على احد الاكمنة وطلب منه قائده ان يظل بالكتيبة لموعد نزول إجازته .. لكن هؤلاء الأبطال لا يعرفون الراحة ولا يحترفون الا تلبية نداء الواجب .. اصر على مشاركة الوحوش .. واستشهد ليدخل دنيا لكنها دنيا الخلود والنعيم بالجنة .

اما الشهيد الرائد أحمد عمر الشبراوى فكان الذراع اليمنى للشهيد منسى وكان الشهيد الشبراوى هوالضابط الذى يلى منسى فى تولى المسئولية بالكتيبة، ولكن الشبراوى رفض أن يجلس فى الكتيبة وذهب مع الشهيد منسى ليستشهدا سويا . وكشفت زوجة احمد منسى ان أحد المواطنين تواصل معها، وأكد لها أنه شاهد الشهيدين منسى وشبراوى معًا فى الجنة.. اَى جائزة أفضل من هذا.

خالد مغربى دبابة

«خالد دبابة» .. هكذا كان يطلق رجال الصاعقة على البطل خالد مغربى .. لقوة بنيانه .. ويتحاكى زملاؤه قصصا عديدة عن بطولاته .. وقد انهى مغربى خدمته بسيناء .. وكان من المفترض عودته للقاهرة خلال أيام لموقع اخر .. حدث هجوم على احد الاكمنة .. وهو لم يعد على قوة كتيبته .. لكنه اصر على مشاركة القوات تحركهم لصد الهجوم .. وفِى الطريق خرج عن الصف ليتقدم القوات .. وابلغ القائد انه يعرف طريقا مختصرا للكمين الذى يتعرض للهجوم .. لكنه كان يسارع للشهادة .. فقد كان هناك كمين اخر لكلاب النار بالطريق وفجروا عربته ليستشهد فى الحال.

محسنات ليست بديعية 

النشيد الذى اشعل مواقع التواصل الإجتماعى لرجال الصاعقة « قالوا إيه علينا دولا  وقالوا إيه».. ليس نشيدا عاديا نبحث فيه عن عذوبة الكلمة وطرب الصوت واللحن.. إنما حالة تجسد عقيدة الأبطال .. وما اروع ان تأتى الكلمات بصوت وحش من الوحوش .. لا يهم ان كان صوته طربيا عذوبا .. نحن لسنا امام أغنية عاطفية أو رومانسية أو حتى وطنية .. إنما كما قلت حالة بطولة وموقف وطنى حقيقى خالص.. لذلك أزعجنى كثيرا ما فعله البعض بتغيير الحالة الطبيعية التلقائية للنشيد وإضافة موسيقى وإيقاع إليه قد يفقده بعض مصداقيته وتأثيره.. ومخطئ من يعتقد ان تلك المحسنات التى أراها غير بديعية على الإطلاق ستزيد الإقبال عليه وانتشاره .. فأولادى الصغار عشقوه خالصا خاليا من تلك المحسنات .. بل وسألونى عن كل بطل جاء ذكره به وكيف يقضى رجال جيشنا يومهم فى سيناء .. وهذا هو المطلوب .. فرجاء من الجميع ارفعوا ايديكم عن نشيد الأبطال .. اتركوه بطبيعته وواقعيته يدلف الى قلوبنا قبل آذاننا .
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة