محمد ياسين
محمد ياسين


رحلة في «عوالم» المخرج محمد ياسين

منال بركات

الجمعة، 16 مارس 2018 - 10:21 م


المخرج محمد ياسين اعتاد أن يغوص في أعماله عوالم البشر، بدأ مخرجا لأفلام كوميدية، ولكنه يميل للأعمال الاجتماعية، تتلمذ على يد عمالقة الفن السابع وتأثر بهم، ولكنه يدين بالفضل لأستاذه الأول وخاله المخرج محمد عبد العزيز.

 

 كان علينا أن نغوص معه لنتعرف على مكنون هذا المبدع الذي يعد من أهم مخرجي جيله، الاقتراب منه ليس سهلا، فهو إنسان صمته أكثر من كلامه، لحظات تأمله أطول من حديثه، حين يتكلم عليك الانتباه للتفاصيل الكثيرة التي يعنيها، الحوار معه متعه تضاهي مشاهدته إنتاجه الفني. وكان هذا اللقاء.

 

س: في كلمات من هو محمد ياسين؟


ج: مخرج سينمائي، أخذتني الدراما التليفزيونية رغما عنى، أسعى لخلق صيغة من التفاهم مع البشر من خلال شغلي كمخرج، حياتي ما هي إلا رحلة اكتشاف للبني آدم والعالم المحيط حوله.

 

 س: كيف ومتى اكتشفت حبك لدنيا الفن؟


البداية كانت غريبة، جاءت عبر خالي المخرج محمد عبد العزيز الذي كان مساعدا في ذلك الوقت للفنان حسين كمال أثناء فيلم أنف وثلاث عيون، وفى الأستوديو اكتشفت أن هناك شخص شديد الأهمية،  يدير المنظومة ويتحكم في كل شيء، يصنع عوالم جديدة داخل الحياة ويدير تفاصيلها، كل ذلك وأنا طفل ابن خمسة أعوام. في هذا السن المبكر ولد لدي جنون بفكرة الشخص صانع هذا العالم وهو المخرج، أحببت أن انتمي لهذا العالم، وتشاء الظروف أن أدخل معهد السينما، وأعمل مساعدا مع حسين كمال.

 

س: ماذا تعني لك المرأة؟


ج: المرأة والأنثى الأولى في حياتي هي أمي، والمرأة بصفة عامة هي المخلوق الحلو في هذه الدنيا.

 

س: ولكن المرأة في أعمالك دائما في معاناة، كيف تفسر هذا التناقض؟


ج: لأنني أشعر إنها تعاني معاناة شديدة، عندما بدأت السينما كان المجتمع مختلفا ويحترم الفكر الأنثوي، فلعبت المرأة دور البطولة ،ثم تحول المجتمع، وتم تهميش وتحقير دورها وطغيان الفكر الذكوري، والمشكلة الحقيقة أن الجمهور نفسه يصبح ذكوري أيضا، نوع المتفرج أصبح لا يقبل المرأة إلا بموصفات ذكورية، فمثلا نادية الجندي أفلامها تحمل مواصفات ذكورية رغم كونها أنثي بمقومات ذكورية طاغية، تنتقم من الرجال فتنجح، مع تغير المجتمع وتحديدا مع جيلنا حصل طغيان شديد للفكر الذكوري، ويتأثر المجتمع بأفكار تتعلق بالمد الإسلامي الوهابي، وتتغير نوع السينما لمغازلة قطاع كبير من الجماهير، وظهرت مصطلحات مثل السينما النظيفة، وسينما الأسرة، وسينما لا تخدش الحياء، وأصبح في قطاع يتكلم على سينما الفضيلة ، وفى نفس الوقت السينما تزداد قبحا وشراسة، والمجتمع يزداد عنفا وغلظة في طريقة التعبير.
وهذا الفكر المتأسلم يحقر من شان المرأة وبالتالي يتم توظيفها بوصفها عاهرة وخائنة ومسميات تتعلق بسينما الفضيلة، ما كان فيلم مصري يخلو من القبلة في السينما ، بوصفها جزء إنساني من علاقة البطل والبطلة،، فكان بديل القبلة الاغتصاب، وبالتالي الأشياء التي توضح المشاعر النبيلة تم محوها.

س: تلك الأفكار هي ما شجعتك على تقديم مسلسل الجماعة؟


مواجهة هذه الأفكار بدأت لدى الأستاذ وحيد مع فيلم دم الغزال "2005"وكان مع  تنامي الفكر المتأسلم، ورصد هذا التيار وأفكار الجماعات الإسلامية التي تطغي على حي مثل إمبابة من خلال شيخ يريد أن يطبق شرع الله. وكان الامتداد مع مسلسل الجماعة تكمله للفكرة.

س: يرى البعض أن هناك كيمياء من نوع خاص بينك وبين الكاتب وحيد حامد؟


ج: علاقتي بالأستاذ ممتدة منذ كنت بالصف الإعدادي، ولما كنت مساعد مخرج مع سمير سيف وشريف عرفه، فهو صاحب سيناريو اللعب مع الكبار والإرهاب و الكباب، وهو أول من أنتج لي وقدمني كمخرج في فيلم "محامي خلع"، ثم"دم الغزال"، "الجماعة"و فيلم "الوعد". وحيد حامد لديه الملكة أن يذهب إلي موضوعات لها بريق خاص، وملفات هو دارسها بعمق مثل ملف الإخوان والتيار الإسلامي.

 

س: أنت من عائلة فنية تعزف على وتر الكوميديا، بدأت مع الكوميديا ثم ابتعدت رغم أنه السائد حولنا لماذا؟   


ج: لدي هاجس إنه في مصر لا يتم إنصاف المخرج الكوميدي، ورأيت أن هناك ظلم شديد وقع علي المخرج محمد عبد العزيز لاتجاهه للكوميديا،بالإضافة إلى أن  الحركة النقدية في  مصر لم تنصف هذا الفن على مدار التاريخ.
وأثناء عملي كمساعد تأثرت بالراحل عاطف الطيب، الذي ساهم بجزء كبير في تكويني الفني وشعرت أن الجدية في أعمالي أقرب لتكويني عن الكوميدي، والغريب أن تشاء الظروف ويكون أول أفلامي كوميدى وهو"محامي خلع"(2002)، ثم "عسكر في المعسكر" (2003)وهربت من الكوميديا.


رغم تحفظي على فكرة التصنيف،... عندما قدمت "دم الغزال" (2005) أصبح الناس لا تصنفني مخرج كوميدي، ولأنني من عشاق بليغ حمدي، وأتأمل تجربته الفنية أجد إنه متنوع الأداء ، لحن لام كلثوم، والنقشبندي وعبد الباسط حمودة، هو أقترب كل الأذواق وفهمها، لذلك تجد في أعمالي نفس النهج، "أفراح القبة" يختلف عن "موجة حارة" وهكذا،  فكرة أن تتعلم التنوع وطعم الحياة.


س: يؤخذ علي جيلكم عدم الاتجاه للإنتاج رغم الأجور الضخمة التي يتقاضوها ما تعليقك؟


ج: من ثلاث أعوام أنتجت مع " دينا عبد المنعم" مسلسل "موجة حارة"  بتكلفة و "24 مليون جنيها، وخسرنا خمسة مليون بعد إحجام قناة "دريم" عن تسديد مستحقاتنا لديها، في المرحلة الحالية صعب أن ننتج وسط المؤسسات الكبيرة التي تحتكر السوق وعدد من المنتجين لهم علاقات بالقنوات وبالتالي لن تستطيع أن تنفذ بينهم.

 

س: وماذا عن الإنتاج للسينما؟


ج: الصناعة تنهار والشركات الكبرى تقفل، بعدما رفعت الأجور بشكل كبير جدا، ولما انسحبوا دمروا الدنيا، ودخلت كيانات احتكرت الصناعة من عملية إنتاج و تملك دور العرض والتوزيع ، إذا أنتجت فيلم من  يوزعه هذه الكيانات وبالتالي أنا في قبضة هذه الكيانات، نسمع عن منتجين لهم 80 مليون مديونيات ، ثم يدخل ينتج مرة ثانية ، من أين ؟ لا أعلم كيف هو سؤال يحيرني.


على مدار 15سنة الماضية كتبت شهادة المسرح المصري، وقبله الغنوة المصرية،  ورغم رفضي لنظرية المؤامرة، هناك شيء يدبر نحونا، نحن لا نملك أفلامنا النيجاتيف، كل المنتج الثقافي في مصر لا نملكه ، الدور القادم على الدراما التليفزيونية، و بنهايتها نكون اختفينا من الساحة.

 

س: رغم نبرة الحزن في كلامك إلا أنكم جيل أحدث تطورا في شكل الصورة التليفزيونية؟


ج: لما وقع هذا الانهيار في الصناعة كان الملجأ الوحيد لنا التليفزيون، بذلنا مجهودا في تطوير شكل المنتج التليفزيوني، بدأ مع مسلسل "الجماعة"، وفى مسلسل "موجة حارة" أردت أن أخلق تأثير صادم للمتفرج، لأن هناك مقولة كان يرددها المخرج حسين كمال لاصقة في ذهني، وهي أن الدراما التليفزيونية فن نتلقاه "بالبيجامة" ، تلك العبارة جعلتني أصنع مسلسلا وأجذب المشاهد وكأنه في قاعة عرض. وحاولت خلق علاقة جديدة بين المشاهد والدراما في "أفراح القبة". مهنتي أن أحكي حكاية في النهاية كيف تؤثر وتكون صادم و تحرك ذهن المتلقي.


هناك جيل من السينمائيين أخذنا على عاتقنا تطوير صناعة الدراما التليفزيونية على مدار 7 سنين ولكن الوضع الراهن، يقلق حتى هذه اللحظة تم الاتفاق على 15 مسلسل، ولم يتبق سوي 3 أشهر على رمضان.

 

س: أعتقد أن أجور الفنانين وكتاب السيناريو وراء الأزمة الحقيقية للفن في مصر؟


ج: المشكلة الحقيقة أن المنتج يريد أن يربح 5 مليون من الفيلم، لأنه يدفع للفنان 10 مليون ويريد يكسب مثله، متجاهل عمر الفنان المحدود ع الشاشة، ومن هنا أصبحت الميزانيات غير عادلة4، أفراد يحصلوا على 80% من الميزانية، وعلى الجانب الآخر هناك نجوم لديها الوعي بقيمة العمل الفني، مني زكي حصلت على اقل من تلت أجرها وكذلك  إياد نصار  وباقي فريق "أفراح القبة"، قدمنا العمل بصيغة محتاجين نكون معا في إطار ميزانية مختلفة وربنا كرمنا.
 

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة