كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

كرم جبر يكتب: النخبة الجلادة.. والمستنيرة !

كرم جبر

الأربعاء، 25 أبريل 2018 - 10:15 م

«اعلموا أن حكم مصر ليس سهلاً»‬.. آخر كلمات الملك فاروق، قبل أن يغادر مصر فوق اليخت المحروسة، في أعقاب ثورة يوليو 1952، وكان على حق، وأوجز في كلمات قليلة دروسا كثيرة أهمها: كان الله في عون من يتحمل المسئولية في هذا البلد أياً كان موقعه.


ابتداء من الرؤساء، حتى آخر الصف في طابور الوظائف القيادية.. أنتم جميعاً في دوائر الاتهام.


عبد الناصر - مثلاً - أراد أن يحرر شعبه من الرق والعبودية ويرفع رأسه عالية في السماء، أصاب وأخطأ لأنه بشر، ولكن «‬النخبة الجلادة» - من الجلد - أخرجت من جرابها حكايات مراكز القوى، وروايات السجون والمعتقلات والتعذيب قد يكون بعضها صحيحاً، ولكن الاتهامات لم تأخذ شكل التقييم الموضوعي، الذي تستفيد منه البلاد مستقبلاً في سد الثغرات، وانحصرت في الانتقام وتصفية الحسابات.


والسادات - مثلاً - لو لم يكن جريئاً وشجاعاً ولم يلتفت للنخبة الجلادة، التي حاولت إرهابه ليتراجع عن معاهدة السلام، لكان الله وحده هو الذي يعلم مصير سيناء الآن، صحيح أن السادات أخطأ في إخراج الإرهابيين من السجون والمعتقلات، فقتلوه في المنصة، ولكنه صار عدواً أكثر من إسرائيل للنخبة الناصرية اليسارية، واستمرت حرب الانتقام من السادات حتي الآن.


ومبارك - مثلاً - لم يكن يستحق أبداً ما جرى له، من التشكيك في ذمته المالية حتى انتمائه الوطني.. وتعرض لحرب غير مسبوقة من ثنائي «‬الإخوان والاشتراكيين الثوريين»، وما أدراك إذا اجتمع الاثنان، واستخدمت النخبة الجلادة أساليب غير مسبوقة في التشويه والتجريح، لدرجة أن وسائل الإعلام تخاف من نشر اسمه وصورته في ذكري تحرير سيناء، رغم أنه هو الذي رفع العلم فوق رفح وشرم الشيخ.


وما يحدث الآن - مثلاً - نموذج صارخ علي حروب النخبة الجلادة، ضد أي إنجاز يحدث في البلاد!


ضاقت مصر بسكانها، وإذا اتجهت الدولة لبناء المدن الجديدة وشق الطرق والكباري والمجتمعات، خرج من صفوف النخبة الجلادة، حكماء كل زمان ومكان، وبثوا أفكاراً سامة بين الناس، مثل: لماذا نبني المدن بينما ترتفع الأسعار، ولماذا لا يتم الإنفاق في شراء السلع وبيعها للمواطنين بأسعار رخيصة؟.. ثم ينقلبون صوب المناطق العشوائية، ويكتبون قصائد الكراهية والتحريض، ضد الدولة التي تترك الفقراء، ولا تحاول تحسين ظروفهم المعيشية.. يعني إذا عملت كده «مش عاجبهم»، وإذا عملت كده «‬برضو مش عاجبهم».


وإذا أنفقت الدولة علي الجيش، ليصبح الأول أفريقياً وعربياً وأقوي من إسرائيل، خرج من صفوف النخبة الجلادة، خبراء التحاليل الفضائية الليلية: «‬ليه نضيع فلوسنا على شراء السلاح؟».. ولم يسألوا: كيف نحمي حدودنا وثرواتنا وحقول الغاز والبترول، وخطر الإرهاب؟ ولم يقولوا: إن الدولة التي لا يحميها جيش قوي تصبح مطمعاً للجميع، ولم يعترفوا بأن عزة مصر وكرامتها وكبرياءها، في وجود جيش قوي يدافع عن أرضها وسمائها ومياهها.


لا يعجبهم إنشاء المدن الجديدة، بعد أن ضاق الوادي بسكانه، وأصبحت القرى والمدن مثل علب السردين، ولا يعجبهم إنشاء الصوبات والمزارع السمكية، لتوفير الطعام وتقليل فجوة الاستيراد.. ولا تعجبهم المشروعات الكبري التي تفتح آفاق المستقبل، وتوفر فرص عمل للملايين.


النخبة الجلادة ترفع دائماً شعار »‬خالف تعرف» ولو استجاب لهم السادات - مثلاً - لكان مصير سيناء مجهولاً، ولو رضخ عبد الناصر لضغوطهم، ما كانت البلاد شهدت في عصره ثورة التعليم والعدالة الاجتماعية.. ولو استجاب لحروبهم أي رئيس أو حاكم أو مسئول، لأصبحت الأيدي مرتعشة والعقول مرتبكة والدنيا »‬محلك سر».


المجتمعات المتقدمة تستنير بأصحاب العقول والأفكار والخبرات، والدول المتخلفة تمضي للوراء، على أيدي «‬النخبة الجلادة».. التي أول ضحاياها هي «‬النخبة المستنيرة».
 
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة