ساعات الانتظار يتخللها الألم - تصوير محمد الوشاحي
ساعات الانتظار يتخللها الألم - تصوير محمد الوشاحي


علاج الأورام| المعاهد الحكومية.. «طاقة أمل» تواجه «الألم»

أميرة شعبان

الخميس، 26 أبريل 2018 - 12:20 ص

- خبرات طبية متميزة تعمل بأقل الإمكانيات.. والزحام وتعطل الأجهزة أبرز العقبات
- 17 مركزاً منتشرة بالمحافظات ومعهدا الأورام وناصر الأشهر


يوجد بمصر نحو 17 معهداً لعلاج مرضى السرطان موزعة على مختلف المحافظات ما بين أسوان وسوهاج وأسيوط والمنيا، وبالرغم من ضمها لخبرات طبية متميزة إلا أن نقص التجهيزات وتعطل الأجهزة وغيرها من الأسباب دفعت الآلاف من المرضى إلى التوجه للعاصمة، وبالتحديد لكل من معهد الأورام القومى ومعهد ناصر ليكونا الوجهة الأولى للمرضى الباحثين عن رحلة علاج ملائمة، وطوال سنوات ماضية خدمت هذه المعاهد الآلاف من المصريين وداوت آلامهم حتى أصبحت «مجانية العلاج» الوجه الحسن لها، إلا أن هذا الوجه دائماً ما يعكر صفوه «آنين المرضى» على أعتاب هذه المعاهد، وكأنها ضريبة عليهم دفعها مقابل حصوله على خدمة مجانية خاصة مع زيادة أعداد المرضى وضعف الدعم المادى والبشرى المتاح.


كانت بدايتنا بمعهد ناصر للبحوث والعلاج بكورنيش النيل، وبالتحديد مركز الأورام للعلاج الجراحى والكيماوى والإشعاعى، والذى استطعنا الوصول له مباشرة بعد أن قطعنا كافة البوابات الأمنية وأكشاك قطع التذاكر دون أن يستوقفنا أحد للسؤال عن وجهتنا أو تفتيش ما نحمله من حقائب، فوصلنا للساحة الأمامية للمركز فى دقائق معدودة لنجد أمامنا مشهداً أشبه بـ «محطة مصر»، فالعشرات من الأهالى تفترش المقاعد المرصوصة بساحة المركز، وبجوارهم مجموعة من «حقائب السفر» التى وضعوا عليها «ملابسهم المبللة» لتجففها أشعة الشمس، فى مشهد ينم عن طول فترة مكوثهم فى نفس المكان، بدأنا فى الاقتراب منهم وما أن بدأنا التحدث مع أحدهم حتى تسارع الآخرون فى بث شكاواهم.


9 ساعات


«كل يوم زيارة بنقعد القعدة دى بالـ9 ساعات متواصلة وفى الآخر ممكن كمان منشوفش بنتنا» بهذه الجملة لخصت «سعدية بدر» ما تعجبنا من رؤيته عندما اقتربنا منها، وأوضحت قائلة «كل الشنط دى بتوعى أنا وخالاتها جايين من قنا مخصوص عشان نشوفها لكن فى أحيان كتير الدكاترة بيرفضوا دخولنا حتى بعد ما ندفع تمن تذاكر الزيارة».


وخلال دقائق علمنا أن سعدية ومن معها فى انتظار زيارة فتاة لم تتعد الـ20 من عمرها مصابة بسرطان الرئة، حجزها الأطباء بالعناية المركزة قبل 3 أيام، وأكدت سعدية أن وصولهم لمعهد ناصر سبقته رحلة معاناة مع أطباء الأورام، وأوضحت قائلة « لما عرفنا أن علاج الأورام بيكلف أوى كدا قررنا نعمل طلب علاج على نفقة الدولة لكنه طلع بعد ما حالتها كانت اتأخرت أوى لأننا عرفنا متأخر، فدخلت العناية المركزة بعد ما وصلنا المعهد بأسبوع بس ويا عالم هتخرج منه ولا لأ».


الجهاز عطلان


بعد دقائق بسيطة تركنا الساحة الأمامية للمعهد بعد أن بدأ الطاقم الأمنى للمركز ملاحظة تحركنا كثيراً، فاتجهنا مباشرة إلى عيادات الأورام داخل المركز لنجلس وسط العشرات من الأهالى من مختلف المحافظات، جمعتهم ساحة واحدة افترشها بعضهم للنوم فى انتظار نتيجة أحد الأشعة، واتخذها البعض الآخر فرصة للتحدث و»الفضفضة»، وهناك قابلنا «رشيد عبد السلام» القادم من بنى سويف مع والده مريض سرطان جالس على كرسى متحرك فى إحدى زوايا قاعة الانتظار، لاحظنا على رشيد مظاهر الإنزعاج وعندما سألناه أوضح أن الموظفين بالدور العلوى أكدوا له أن جهاز الأشعة المقطعية «عطلان» وقاموا بإعطائه عنوان أحد مراكز الأشعة بمنطقة فيصل للتوجه لها، وهنا قال غاضباً «إزاى أتحرك بوالدى العاجز فى بلد غريبة عليا، وإزاى عايزين أدفع تمن الأشعة هو مش معهد ناصر حكومى والمفروض كل حاجة ببلاش».

تركناه وصعدنا للدور العلوى وبالتحديد بجانب قسم «أورام الأطفال» وأمام المكتب الخاص بمدير المركز، جلسنا قليلاً بعد أن طلبنا مقابلة المدير وحينها وجدنا إحدى الموظفات تتصل بعدد من المرضى لتبلغهم أن جهاز الأشعة عطلان وعليهم التوجه لمركز - حددت لهم اسمه - بمنطقة فيصل، دقائق بسيطة ودخلنا للمدير والذى تحفظ على الحديث معنا وأرسلنا للمدير المباشر لمعهد ناصر، فعدنا مرة أخرى لساحة عيادات الأورام لنستمع للمرضى.


نقص العلاج


من ضمن الجالسين بساحة العيادات وجدنا سيدة اتخذت من جانب الساحة متكئاً لها لتحاول الارتياح من مشقة اليوم، اقتربنا منها وحادثناها فقالت لنا « اكتشفت من كام سنة إن عندى ورم فى السرطان، والدكتور قاللى فوراً تعملى عملية استئصال، ومن هنا بدأت فى إجراءات العلاج على نفقة الدولة لكن الورق اتأخر والدكتور حذرنى من التأخير وخطورته عليا، ونصحنى اعملها على حسابى وفعلا عملتها على حسابى فى وقتها».


وأضافت ميرفت السيد من سكان القناطر الخيرية أنها عقب ذلك بدأت بعد ذلك رحلة العلاج الكيماوى والإشعاع بالمعهد وتأتى للمتابعة ولإجراء التحاليل حتى أصبح الجميع من العاملين والأطباء على معرفة بها.
إلا أن ذلك لم يمنع أن يشغل بالها عدم توفر الحقنة التى اعتادت على صرفها فأوضحت قائلة «بقالى سنين بتعالج لكن نقص الدوا من المعهد دا محصلش إلا فى الفترة الأخيرة، ومن ساعتها وأنا بدور عليه بره وطبعاً بدفع أنا تمنه من جيبي، دا غير أن فعلا الوقت اللى بقيت بقضيه هنا طال جدا ووصل لـ6 ساعات متواصلة عشان بس نتيجة التحاليل أعرفها».


تركناها بعد أن بدأ أيضاً فرد الأمن بملاحظتنا فتحركنا سريعاً كعادتنا، متجهين لمكتب مدير معهد ناصر، والذى انتظرنا خارج مكتبه قرابة النصف ساعة، لتبلغنا مديرة مكتبه أن علينا التوجه للمتحدث الرسمى لوزارة الصحة إذا أردنا التحدث بأى موضوع.


معهد الأورام


ومن داخل ساحة مبنى معهد الأورام تكرر نفس المشهد مرة أخرى، إلا أن الأجواء كانت أكثر زحاماً، فالمعهد يستقبل نحو 200 ألف مريض سنوياً يعتمدون على ما توفره التبرعات لتلقى علاجهم، وطوال الأعوام الماضية حاولت إدارة المعهد توفير أفضل خدمة للمرضى حتى تمكنت من بناء مبنى جديد تكلف نحو 25 مليون جنيه تم توفيرها من أموال التبرعات بشكل أساسى، إلا أن التبرعات لم تعد تستطيع تحمل تقديم المزيد للمرضى، فمن بين المارة رأينا «ح.د» ابن لسيدة تبلغ من العمر 55 عاماً مصابة بسرطان المخ، وجدناه جالساً ليتحاور مع أحد أفراد الأمن، وبيده مجموعة من الأوراق التى تثبت حاجة والدته لإجراء الأشعة بشكل فورى، اقتربنا منه لنتعرف على قصته فأكد أنه ينتظر دوره على القائمة فى المعهد لإجراء الأشعة لوالدته لكن الطبيب أكد له أن الأشعة عاجلة وضرورية، لذا يرغب فى تقديم طلب لمدير المعهد لتوفير ثمن الأشعة له من التبرعات لإجرائها بأحد مراكز الأشعة الخارجية.


وتكرر مشهد نقص الأدوية معنا فشكت «نفيسة محمد» من عدم توفر بعض الأصناف فى الصيدلية الخاصة بالمعهد، وأكدت أنها ليست المرة الأولى الذى تفشل خلالها فى الحصول على العلاج فتضطر لشرائه من الخارج على حسابها الخاص.


عجز بالميزانية


وأكد الدكتور طارق خيرى أستاذ جراحة الأورام ومدير مستشفيات المعهد القومى للأورام، أن الميزانية المخصصة للمعهد عادة لا تكفى سوى 25% من متطلبات المرضى، لذا يتم الاعتماد بشكل كبير على التبرعات.


وأضاف خيرى أنه بالرغم من ذلك فإن التبرعات أيضاً لم تعد خلال الفترة الأخيرة تغطى احتياجات المعهد وبالتحديد بعد تعويم الجنيه وارتفاع تكلفة كافة السلع والخدمات والأجهزة والمستلزمات.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة