روايات صادمة للعائدين من جحيم ليبيا
روايات صادمة للعائدين من جحيم ليبيا


بين حقول الألغام ودروب الصحراء.. روايات صادمة للعائدين من جحيم ليبيا

أسامة حمدي

الخميس، 03 مايو 2018 - 02:39 م

 

•    أبناء سوهاج والفيوم والمنيا وأسيوط الأكثر إقبالا على الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا
•    7 آلاف جنيه مقدم الرحلة لا يمكن استردادهم
•    «رحلة الموت» تبدأ من السلوم والهروب عبر الدروب الجبلية بصحبة «الدليل»
•    مخازن جبلية للبيات.. والرحلة تستغرق شهرا بين الانتقال بالسيارات والسير على الأقدام


لم يكن عمرو خلف، الشاب الثلاثيني، القاطن بقرية «الحرافشة» التابعة لمركز جهينة بمحافظة سوهاج، يدرك أنه سيرى الموت بعينيه ويقارب عليه.. ويتعرض للنصب من عصابات الهجرة غير الشرعية، ويذوق ويلات السفر بل ويعرض حياته للهلاك بين دروب ومسالك الجبال الحدودية، أملا في الوصول إلى دولة ليبيا، برفقة ابن شقيقه حسام موسى خلف، الشاب العشريني، الحاصل على ليسانس أصول الدين جامعة الأزهر، والذين قررا معًا الهروب من شبح البطالة والفقر بحثا عن الرزق الذي بدأ يضيق كل يوم في قريتهم بأقصى صعيد مصر، وأملا في الظفر بـ«دنانير ليبيا».

 

«الاتفاق مع السمسار»

 

يروي الشابان لـ«بوابة أخبار اليوم» تفاصيل «رحلة الموت»، موضحان أنهما قررا معا التوجه إلى سمسار يعمل في مجال التهريب إلى ليبيا، وصاحب سيارة «ميكروباص»، ويقطن بقرية «الطليحات» بذات المركز بمحافظة سوهاج، ويقوم بتوصل العمالة المهاجرة إلى مدينة السلوم المصرية على الحدود الليبية، واتفق السمسار معهما أنه سيبلغ وسيط آخر من قرية «أولاد إسماعيل» بمحافظة سوهاج برغبتهم في السفر إلى ليبيا، وذلك الوسيط له اتصال مع عصابات التهريب والهجرة غير الشرعية الموجودة في مدينة السلوم، والمسماة بعائلة «ولاد على»، والحاصلة أبنائها على الجنسية الليبية.

 

«تذكرة الهجرة»

 

اتفق معهما السمسار على مبلغ 7 آلاف جنيه لكل فرد منهم مقابل سفرهم إلى ليبيا وأعطاهم مهلة شهر لتدبير المبلغ وأبلغهم أن هناك رحلة ستقوم خلال تلك المدة إلى ليبيا، على الفور دبر الشبان مبلغ الـ14 ألف جنيه المطلوبة، ودبرا مصروفاتهم الشخصية، وتحركت بهم السيارة «الميكروباص» برفقة أمثالهم من راغبى السفر للخارج من قريتهم صوب محافظة مطروح، وهناك نزلوا على استراحة ثم عاودوا السير صوب مدينة السلوم المصرية القريبة من الحدود الليبية.

 

«أولاد علي»

 

بعدما نزل الشباب المهاجرون في «كافيتريا» بالسلوم تقابلوا مع أفراد عصابات التهريب من عائلة «أولاد علي» وقضوا ليلتهم في تلك الاستراحة، وفى الصباح الباكر بدأت «رحلة الموت»، حين ركبوا السيارة بصحبة أحد أفراد تلك العائلة الشهيرة بتهريب الأفراد والمهاجرين إلى ليبيا، وأبلغهم بأنهم سيمروا على «كمين شرطة» وإذا سألهم أحد يردوا بأنهم «عمال مقاولات ورايحين يشتغلوا في منطقة قريبة داخل الحدود المصرية»، وبعدما مروا على نقطة التفتيش المصرية التابعة للشرطة ونفذوا التعليمات التي أبلغهم بها الدليل، وظلوا يسيرون بالسيارة داخل الحدود المصرية مسافة طويلة.

 

«منطقة الجمارك»

 

وعندما اقتربوا من المنطقة الخاصة بالجمارك المصرية والتي تستلزم جوازات سفر وتمنع المسافرين المصريين في تلك الفترة من السفر إلى ليبيا لاضطراب الأوضاع الأمنية بها وانتشار التنظيمات المتطرفة بها، ثم تلي الجمارك المصرية منطقة مخصصة للجمارك الليبية، وكلاهما تحظرا الدخول إلى ليبيا في المرحلة الراهنة، انحدرت بهم السيارة في منطقة جبلية وعرة وبدءوا النزول من السيارة، ليتقابلوا مع جماعات أخرى مجهزة أيضا للهجرة غير الشرعية عبر الدروب والمسالك الجبلية، وبلغ العدد قرابة الـ45 مهاجر مصري معظمهم من محافظات سوهاج والمنيا والفيوم وأسيوط.

 

رحلة الموت بقيادة «الدليل»

 

اصطحبهم شخص يُسمى بـ«الدليل»، في منتصف العشرينات، يعلم جيدا الدروب الجبلية والمسالك والوديان بالصحراء الغربية الفاصلة بين مصر وليبيا، وساروا مسافة 4 ساعات سيرا على الأقدام في تلك الدروب الجبلية، حتى أصيب أكثرهم بالتعب الشديد والإرهاق، وبدءوا في إلقاء حقائبهم وأمتعتهم، حتى لا تثقل عليهم أثناء السير، وبل وألقى بعضهم المعطف الخاص به والحذاء من شدة الحر والتعب جراء السير في الصحراء، حتى أن بعض المهاجرين أصيب بفقد القدرة على السير وقارب الإغماء فكان يتركه الدليل ويمضى طالبا منه العودة كيفما جاء واصفا له الطريق للعودة إلى مدينة السلوم.

 

«الوادي الضيق»

 

صعد المهاجرون وادي ضيق ظل يرتفع بهم إلى قمة جبل وأخذ يضيق عليهم حتى أنه يكفى لسير اثنين متجاورين فقط وعلى يمين الوادي ويساره جرف هائل يؤدى بك إلى قاع الجبل، حتى أن أحد المهاجرين انحدرت رجله وسقط من أعلى الوادي الضيق إلى أسفل الجبل وفارق الحياة – حسبما ذكرا الشابان، وظل المهاجرون هكذا في السير طويلا في الوديان الجبلية حتى حل عليهم الليل الحالك السواد، وطلب منهم الدليل أن يصطفوا خلفه في طابور طويل خلف بعضهم البعض ويجروا وراءه في الوادي الضيق، ومن يصاب بإرهاق وتعب ويقارب الإغماء سيتركه ويرحل، ونفذوا أوامره، حتى حدث ما لم يتوقعوا حدوثه حيث بدأت الكلاب الموجودة في الصحراء تنبح عليهم بشدة وتجمعت الكلاب حول بعضها مدركة أن شيئا غريبا يحدث.

 

«حرس الحدود»

 

على الفور سمعت نقاط حرس الحدود المصرية القريبة من المنطقة التي سلكوا دروبا جبلية بها، وقامت القوات بإطلاق نار كثيف في الهواء والدفع بدوريات متحركة ومترجلة لتمشيط المنطقة، وهنا تم القبض على المجموعة المحاولة الهجرة غير الشرعية، وهرب الدليل في الوديان بحكم خبرته بها، وظل المهاجرون في كتيبة تابعة لقوات حرس الحدود وظلوا بها بضعة أيام ليتم ترحيلهم إلى أقرب كمين شرطة ليتولى عودتهم إلى مدينة السلوم ومنها لمحافظة مطروح.

 

«حقل الألغام»

 

فشلت محاولة الهجرة للشابان عمرو خلف وابن شقيقه حسام موسى خلف، وعادا مرة أخرى إلى قريتهم في محافظة سوهاج بعدما عرضا نفسهما للموت والهلاك، لكن حالتهما لم تكن الوحيدة فقد نجح شاب ثالث يدعى أحمد محمود النوبي، في أواخر العقد الثاني من عمره، في الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا، إذ يروى لـ«بوابة أخبار اليوم» أنه مر بنفس المراحل التي مر بها سابقيه من الاتفاق مع سمسار في قريته بمحافظة سوهاج ثم السفر بالسيارة حتى الوصول إلى السلوم ثم سلك دروبا جبلية بصحبة رفاقه من راغبي السفر للخارج بصحبة الدليل، والذي سلك بهم طرقا ودروب وعرة بين الجبال مسافة سير ثلاثة أيام ومروا من الوادي الضيق، ثم اجتازوا منطقة حقل ألغام بمسافة 30 متر حيث اصطفوا خلف الدليل دون الحركة يمينا أو يسارا مهددين حياتهم للهلاك.

 

«مخازن جبلية»

 

ويضيف أنهم قضوا أيام طويلة داخل مخازن وبيوت جبلية كان البدو يبيعون لهم الطعام والشراب بثمن غالى جدا وكانوا يهددونهم بالقتل حال الاعتراض على أية خطوات بالرحلة، حتى دخلوا الأراضي الليبية، ثم انتقلوا مع سمسارة ليبين يعملون ضمن شبكة عصابات الهجرة غير الشرعية داخل ليبيا من منطقة إلى منطقة آخري ومروا بهم من طرق جبلية بسيارات نقل لتفادى المرور على كمائن الشرطة الليبية حتى وصلوا بهم إلى منطقة «الخمس» أو«غريان» ومنها إلى مدينة «طبرق» ومنها تكون قد وصلت «بر الأمان» حيث يمكنك الانتقال بين المدن الليبية كأي مهاجر شرعي. 

 

«الوساطة الليبية»

 

وأوضح أن هذه الرحلة استغرقت قرابة شهر من المعاناة والمخاطرة وتعرض حياتهم للهلاك والموت في أي لحظة، مضيفا أن المهاجرين غير الشرعيين في حالة القبض عليهم من الشرطة الليبية أثناء العمل واكتشاف دخولهم البلاد بشكل غير شرعي، يبحثون عن مواطن ليبيي «له علاقات بالمسئولين الليبيين» كي ينقذهم وإذا لم تجد يتم ترحيلهم، مضيفا أنه قضى عام ونصف حتى عاد إلى أرض الوطن مرة أخرى مستقلا طائرة الخطوط الجوية الليبية من مطار طبرق إلى القاهرة بعدما ادخر مبلغ كافي لمصروفات زواجه.  

 

«قانون الهجرة»

 

ورغم موافقة مجلس النواب على قانون الهجرة غير الشرعية إلا أن الظاهرة لم تنته، برغم تشديد العقوبات في القانون الجديد الذي نص على أن يعاقب الجاني بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه، في حالة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بواسطة جماعة إجرامية منظمة، أو تنفيذًا لغرض إرهابي، أو نتج عنها وفاة المهاجر أو إصابته بعاهة مستديمة، أو إذا قام الجاني باستخدام القوة أو العنف أو الأسلحة أو العقاقير، أو إذا كان من بين المهاجرين نساء أو أطفال، أو إذا استولى على وثائق سفر أو هوية المهاجر أو تدميرها.

 

 «تشديد العقوبات»

 

كما نص القانون على أن تكون العقوبة بالسجن المشدد وغرامة لا تقل عن ٢٠٠ ألف جنيه ولا تتجاوز ٥٠٠ ألف جنيه، إذا كان الجاني قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضمًا لها، أو إذا كان الجاني يحمل سلاحًا، أو موظفًا عامًا، أو تعدد الجناة، أو تم تهديد حياة أو صحة من يجرى تهريبهم أو يمثل معاملة غير إنسانية أو مهينة، أو تم استخدام امرأة أو طفل أو وثائق مزيفة.

 

«تعريف الهجرة غير الشرعية»

 

وقدمت المادة الأولى للقانون تعريفًا للجريمة، بأنها جريمة تهريب المهاجرين غير الشرعيين التي ارتكبت في أكثر من دولة، أو ارتكبت في دولة واحدة وتم الإعداد أو التخطيط لها أو التوجيه أو الإشراف عليها أو تمويلها في دولة أخرى أو بواسطتها، أو ارتكبت في دولة واحدة عن طريق جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة، أو ارتكبت في دولة واحدة، وكانت لها آثار في دولة أخرى، كما عرفت المادة تهريب المهاجرين بأنه تدبير انتقال شخص أو أشخاص بطريقة غير مشروعة من أو إلى دولة من أجل الحصول بصورة مباشرة أو غير مباشرة على منفعة مادية أو معنوية.

 
«التعاون القضائي الدولي»

 

 ونظم الفصل الثالث من القانون، التعاون القضائي الدولي لمكافحة التهريب، حيث تلزم المادة ٢٠ الجهات القضائية والأمنية بمكافحة أنشطة وجرائم التهريب، كل في حدود اختصاصه، مع نظيرتها الأجنبية من خلال تبادل المعلومات والمساعدات، وتجيز المادة ٢٢ للجهات القضائية المصرية المختصة أن تأمر بتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة من الجهات القضائية الأجنبية المختصة بضبط أو تجميد أو مصادرة أو استرداد الأموال المتحصلة من جرائم تهريب المهاجرين وعائداتها، وذلك وفق النصوص التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف النافذة في مصر.

 

 «تدابير الحماية»

 

ونظم الفصل الخامس تدابير الحماية والمساعدة للمهاجرين غير الشرعيين، حيث تلزم المادة ٢٥ الدولة بـتوفير التدابير المناسبة لحماية حقوق المهاجرين المهربين كحقهم في الحياة والمعاملة الإنسانية والرعاية الصحية والسلامة الجسدية والمعنوية والنفسية والحفاظ على حرمتهم الشخصية وتبصيرهم بحقوقهم في المساعدة القانونية، مع إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال وتلزم المادة ٢٧ وزارة الخارجية بالتنسيق مع السلطات الأجنبية لتسهيل الإعادة الآمنة للمهاجرين المهربين إلى بلادهم، فيما تمنح المادة ٢٦ المهاجر غير الشرعي طلب الاتصال بالممثل الدبلوماسي أو القنصلي لدولته وإعلامه بوضعه لتلقى المساعدات الممكنة.

 
«التوعية»

 

 وأكدت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج، إن قضية الهجرة غير الشرعية تأتى على رأس أولويات الوزارة، وهناك خطة إستراتيجية طويلة المدى تم وضعها للتصدي لهذه القضية ومحاصرة تداعياتها، من خلال حملة كبرى لنشر التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية خاصة بين الشباب.

 

 وأوضحت مكرم، أن الوزارة أطلقت حملة قومية كبرى لمكافحة هذه الظاهرة ومواجهة آثارها السلبية التي تهدد المجتمع ومخاطرها على الاقتصاد الوطني تحت شعار «قبل ما تهاجر.. فكر وشاور»، وتعتمد على جميع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، بالإضافة إلى لقاءات التوعية المباشرة في القرى الأكثر تصديرا للهجرة إلى خارج الوطن، وكتيبات التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وسبل الهجرة الآمنة، فضلا عن سلسلة من الإعلانات التليفزيونية والبرامج الإذاعية التي تكشف الوجه الخفي لتجار الموت تجار الهجرة غير الشرعية وعلاقتهم بشبكات الإرهاب وتجارة المخدرات والسلاح.

 
وأضافت مكرم، أن الوزارة تعمل على أرض الواقع، وبدأت بالفعل تجنى بعض ثمار جهودها في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية.

 

 وأوضحت أن الوزارة دربت ٤٠٠ شاب (٢٠٠ بمحافظة الفيوم و٢٠٠ بمحافظة الغربية)، وتم تكريمهم في حفل كبير ومنحهم شهادات تقدير والأدوات التي يحتاجونها في الأعمال التي تدربوا عليها، مشيرة إلى أن منهم من يعمل الآن، بما يعني أننا نوفر لهم فرص العمل أيضًا وليس التدريب فقط.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة