«القضاء العرفي» في سيناء.. ضابط إيقاع الحياة بين المواطنين
«القضاء العرفي» في سيناء.. ضابط إيقاع الحياة بين المواطنين


«القضاء العرفي» في سيناء.. ضابط إيقاع الحياة بين المواطنين

صالح العلاقمي

السبت، 12 مايو 2018 - 10:56 ص

القضاء العرفي في سيناء وسيلة لفض المنازعات وإنهاء الخصومة بين العائلات دون اللجوء إلى المحاكم الرسمية، ويُعدّ حكم هذا القضاء نهائيًا ويلتزم به طرفا النزاع، وينتشر القضاء العرفي في مختلف المحافظات الحدودية لمصر خاصة في سيناء.

 

يقول الإعلامي سليمان عياط، الباحث في التراث السيناوي، إن للقضاء العرفي قوانين خاصة تختلف عن قوانين الدولة، فهو يعتمد في أحكامه على العادات والتقاليد والبعد الاجتماعي، وقواعده غير المكتوبة توارثتها الأجيال، ويلجأ أبناء سيناء إليه لسرعته في إصدار الأحكام بعكس القضاء الرسمي الذي قد ينظر في قضية لسنوات طويلة. 

 

كما يكون القاضي العرفي صاحب خبرة وملمًا بأعراف القبيلة ومتابعًا بشكل جيّد لأحوال الأهالي ومستجدات النزاعات والأحكام الصادرة لحلّها في منطقته والمناطق المحيطة، وهو عادةً، يكون حسن الخلق ويتميز بعلاقة جيدة مع الجميع ويجيد التحدث بلباقة وغير عصبي ومتّزنًا صاحب كلمة نافذة، وسريع البديهة وقادرًا على التصرّف بسرعة في المواقف والنزاعات المفاجئة.

 

اختيار القاضي العرفي

يتم اختيار القاضي العرفي بناءً على معايير معينة كالوراثة، فهنالك العديد من الشخصيات داخل القبائل (كبير القبيلة) اشتهرت بالحكمة ومجابهة الظلم ومناصرة الحق، ما دفع الناس إلى اللجوء إليهم في مظالمهم، وقد توارث أبناؤهم القضاء العرفي والحكم بين الناس

 

وهناك بعض الصفات التي تميز القضاء العرفي عن القضاء العادي، أهمها إعطاء مكانة خاصة للإنسان ووضع الاعتداء عليه كأحد الجرائم الكبرى، وذلك لطبيعة البيئة التي يعيش فيها البدوي حيث يترك بيته في الصحراء ويسعي إلى عمله وبالتالي يجب أن يأمن على أهله.

 

قضايا المرأة

تعد قضايا المرأة من أكثر القضايا التي ينظر فيها القضاء العرفي، وأبرزها الطلاق والنفقة والتحرش والزنا وغيرها، وذلك نظرًا لخصوصية النساء في المجتمع السيناوي.  

 

يقول يحيى الغول، قاضي عرفي في مدينة العريش، شمال سيناء، إن هنالك العديد من القواعد التي يحكم من خلالها القاضي في القضايا، التي تخص المرأة، وتختلف الأحكام بين قضية وأخرى بحسب ملابساتها.

وأضاف، أنه قد تكون الأنثي شريكًا برضاها أو تصرفت بما لا يليق بها، لذلك لا توجد قضية  تشبه الأخرى في حكمها، فلكل قضية ظروف ووقائع خاصة بها، والأحكام العرفية في قضايا المرأة تستند إلى شقين: أحكام ترجع إلى الفتاوى، وأحكام رادعة كي لا يتكرّر

 

قصص واقعية 

وروى القاضي العرفي يحيى الغول قصة إحدى القضايا التي  تم الفصل فيها بأحكام القضاء العرفي، مشيرًا إلى أن رجل تم اتهامه بوجود علاقه مع إمراة  إذ وُجدت بصحبته في مكان ما، هذه القضية كان لا بد من التعامل معها ببعد نظر لأن الحكم فيها سيهدم أسرتين وعائلة كبيرة، وبعد الاستماع إلى تلك المرأة والرجل المتهم وكذلك الشهود وبعد البحث الدقيق، وجد القاضي أن الأدلة غير كافية للإدانة كي يصدر فيها أحكام قاطعة.

 

 وتابع «الغول» وعليه، جاء الحكم على الرجل بترك المكان الذي يقيم فيه وأسرته ومنعه من دخول منزل المتهمة لمدة ثلاث سنوات والسماح لزوجته فقط بالذهاب إلى منزل شقيقها إن رغبت في ذلك.

 

وأوضح أن السبب في تحديد المدة بثلاث سنوات  باعتبار أن  الابن الكبير للمرأة  في الخامسة عشرة من العمر وبعد الثلاث سنوات سيكون في الثامنة عشرة وسيتمكن من حماية المنزل في ظل عدم وجود والده، بحسب العادات، وجاء في الحكم أيضا: «إذا  وقع الرجل مرّة أخرى بالريبة حول نفس الفعل سيدفع غرامة قدرها مليون جنيه مصري». وقام الرجل أيضًا خلال ثلاثين يومًا بعد صدور الحكم بنقل منزله إلى منطقة أخرى بعيدة عن منزل المدعى عليها، وتم إنهاء القضية.

 

غرامات مالية 

وهناك غرامات مالية باهظة يحكم بها القضاء العرفي  في بعض القضايا مثل الحكم الذي صدر في نزاع بين قبيلتين في منطقة سيناء بعد محاكمة أول صحفي أمام مجلس عرفي بسبب نشره تقرير وجه فيه عدة تهم لقبيلة في سيناء، وصدر الحكم الصادر ضده بتغريمه 2.7 مليون جنيه، حيث تنازلت القبيلة  صاحبة الحق عن مبلغ مليون جنيه من قيمة الغرامة المفروضة على القبيلة التي ينتمي إليها الصحفي.  

 

كما قررت القبيلة التي صدر لصالحها الحكم بإعفاء القبيلة الأخرى  من بقية المبلغ فور قيامها برفع 12 راية بيضاء  لدى كل قبلية للاعتذار مكتوب عليها «أنا غلطان وكتر خيرهم أنهم قدروا وعفوا»، وكان الصحفي قد نشر تقريرا تضمن اتهامات للقبيلة اعتبره كبار القبيلة ومشايخها اتهاما مباشرا وإهانة لهم ولأبناءها.

 

وبالقضاء العرفي أسدل الستار على خلافات قبلية ضربت مدينة العريش  في نهاية شهر رمضان، على إثر خلافات بين قبيلتين استخدمت فيها طلقات الرصاص وإشعال النيران في الكاوتشوك وتحطيم واجهات مقار وأبنية حكومية وتعليمية وحزبية ومتاجر، خلف إصابات بشرية.

 

وبعد تدخل كبار المشايخ والعائلات تم حل المشكلة تحت رعاية اللواء المحافظ وقتها بعد أن صدر حكم لصالح إحدى القبيلتين بنحو 3 ملايين جنيه تضمت دفع حقوق نتيجة إطلاق النار وتحطم المحلاتت ووجود إصابات وفي الأخير تم التنازل عن جزء كبير من الحق وأن يتنازل الطرفان عن محاضر الشرطة في الاقسام وإلا تم تغريم الرافض نصف مليون جنيه. 

 

وهكذا يقبل المجتمع السيناوي في مصر بالقضاء العرفي ويعتبره ظابطا لايقاع الحياة في سيناء، وهو ما ارتضته الدولة أيضًا ولم تعتبره انتقاصًا من سيادتها بل تم نصب خيمة كبيرة في نطاق مديرية الأمن لحل النزاعات القائمة بين القبال قبل عام 2010.

 

كما أن الأحكام في قضايا ميراث المرأة في القضاء العرفي  يلجأ القاضي إلى حضور أحد المشايخ لوجود دراية بأحكام الشرع ولكن وجوده شكلي حتى يطمئن الخصمان إلى الحكم الذي سيصدر.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة