د. إبراهيم الشربيني يتحدث إلى محرر «الأخبار»
د. إبراهيم الشربيني يتحدث إلى محرر «الأخبار»


«صائد الجوائز»: قريبا بالأسواق أول ضمادة لتسريع التئام جروح مرضى السكر

حازم بدر

الإثنين، 28 مايو 2018 - 12:52 ص

اقتربنا من تحقيق إنجاز «الأنسولين في كبسولة» وسجلنا براءة اختراع دولية لمنتج بديل لقطرة العين

 

ما إن تطأ قدمك مكتب د.إبراهيم الشربيني، مدير مركز علوم المواد بمدينة زويل، قد ينتابك شعوران متناقضان، بحيث تسأل نفسك.. هل هو ذلك العالم «المتواضع»‬ الذي يذكر طلابه بأهمية الأخلاق، كما تكشف العبارات التي وضعها باللغتين العربية والإنجليزية علي «‬السبورة» التي يشرح عليها لطلابه، أم أنه ذلك الرجل الذي يبدو متباهيا بجوائزه، بحيث لا يخلو حائط أو منضدة بالمكتب من شهادة تكريم أو درع حصل عليه. 

 

مشهد الجوائز الذي يفرض نفسه علي المكان تسلل إلي الحوار ليشعر الرجل برغبتي في السؤال عنه، ويفاجئني بقوله وقد ارتسمت علي وجهه الابتسامة: «‬ ليس تكبرا أن أعتز بهذه الجوائز، فعندما تصافحها عيني كل يوم تمنحني الطاقة لمزيد من العمل، وتشعرني بأن هناك من يقدر ما أفعله».. وخلف كل جائزة من هذه الجوائز إنجاز حفر به د.الشربيني اسمه واسم المدينة العلمية التي ينتمي إليها في سجلات التميز العلمي، ليبشرنا خلال حواره مع الأخبار بأن هذه الإنجازات ستتجاوز قريبا حائط مكتبه لتصبح منتجات يشعر معها المواطن المصري بقيمة البحث العلمي.

 

ويعتبر مدير مركز علوم المواد بمدينة زويل، هذه الجوائز حجة علي من يشتكي أن المناخ العلمي في مصر غير ملائم للإنجاز، مؤكدا أن الوضع ليس مثاليا، ولكنه ليس مبررا نركن إليه، ليكون عائقا أمام التقدم خطوات للأمام.. وحرص علي تقديم بعض من ملامح تجربته البحثية في الخارج، التي جاب خلالها أغلب دول العالم، ليخرج من خلالها بخارطة طريق تساعدنا علي إزالة أي شوائب تجعل المناخ غير مثالي.. وإلي نص الحوار.

 

 

الاحباطات كثيرة ونسعى لتحويل البحث العلمي إلي قوة مصر الناعمة

 

• بداية، عرفت أن سبب تأخرك اليوم عن الموعد المحدد للحوار هو انشغالك بصيانة سيارتك، ليعيدني ذلك إلي حوار تلفزيوني للدكتور زويل رحمة الله عليه، كان يقول فيه أن هناك بالخارج من يقوم بتلك الأعباء التقليدية نيابة عن الباحث ليتفرغ لبحثه، فهل يمكن أن نري ذلك في مصر قريبا؟
    
•• ترتسم علي وجهه ابتسامة عريضة أعقبها بقوله: سيحدث ذلك عندما يكتمل تقدير البحث العلمي في مصر، فهناك اهتمام حالي من القائمين علي البحث العلمي بالقضية، وهناك أفكار خارج الصندوق بدأت تطرح في أكاديمية البحث العلمي وغيرها من المؤسسات البحثية، ولكن متى نستطيع أن نقول أن آثار ذلك بدت واضحة ويشعر بها المواطن العادي، أظن أن ذلك يحتاج بعض الوقت.  

 

• هل نطمح أن تساعد مدينة زويل في اختصار هذا الوقت؟

 

•• تكتسي ملامح وجهه بالجدية قبل أن يقول: مدينة زويل نموذج فريد من نوعه بمصر، فنحن لا نتكلم عن مجرد جامعة تضاف كرقم للجامعات الموجودة، فهي مشروع متكامل يبدأ قصة البحث العلمي من البداية إلي النهاية، أي من الفكرة وصولا إلي المنتج.. ونطمح أن نساعد من خلال المدينة في تحويل البحث العلمي إلي قوة مصر الناعمة، ونحن بدون تحيز قادرون علي ذلك.

 

• شهادات التقدير ودروع التكريم التي تملأ مكتبك تعطيني إحساسا بأننا إن شاء الله قادرون علي ذلك .

 

•• تكسو وجهه ابتسامة خجولة، أعقبها بقوله: هناك جهد كبير يبذل في مركز علوم المواد والمراكز الأخرى في المدينة، ولكننا في مركز علوم المواد نعمل باتجاهين، هما تقنية النانو، وهي المواد الصغيرة جدا في حجم النانو، و المواد الذكية، والمقصود بها مواد حديثة جدا تستشف اي تغيرات تحدث حولها في البيئة المحيطة من حرارة ورطوبة وضغط وخلافه، وتقوم بتغيير صفاتها وفقا لهذا المؤثر، أي أنها من الذكاء بحيث تدرك ما يحدث حولها، وما نقوم به هو أننا نحاول المزج بين الاثنين لحل مشكلات مصر، في الصحة والطاقة والبيئة والصناعة.

 

سماد اليوريا 


• اختر لنا من حائط مكتبك الإنجاز الذي تحب أن تبدأ في الحديث عنه؟

 

•• يصمت لوهلة قبل أن يقول: سأبدأ معك من مشكلة صناعية كبيرة تتعلق بإنتاج سماد اليوريا، و استطعنا تجاوز تلك المشكلة وتقديم حل لها يوفر 5 مليارات جنيه سنويا.

 

• كيف وفرتم هذا المبلغ الضخم؟

 

•• علامات الدهشة التي ارتسمت علي وجهي وأنا أسأله هذا السؤال، كانت محفزة له علي حديث مستفيض بدأه بتحديد المشكلة، قائلا:  اليوريا بها مشكلتان، الأولي أنها سريعة الذوبان في المياه، ويتسبب ذلك في أن السماد يبتعد عن الجذور ويضطر الفلاح للتسميد مرة أخري، ويسبب ذلك هدرا سنويا في السماد تقدر قيمته بـ 5 مليارات جنيه سنويا، وإضافة لذلك فهو سماد سريع التطاير في الأجواء الحارة ويسبب ذلك تلوثا للهواء.

 

وبعد تحديد المشكلة، انتقل إلي الحديث عن الحلول السابقة لها، مضيفا: خلال الأربعين عاما الماضية ظهرت محاولات لتغليف اليوريا بمواد تبطيء من تحرره في الأرض، ولكن المشكلة أن هذه المواد ثبت أنها مواد خطرة من اتجاهين، فهي مواد صعبة التحلل في التربة، إضافة إلي أنها مسرطنة، وترتب علي ذلك قرارات من الاتحاد الأوربي تحظر استخدام هذه اليوريا المغلفة مع المحاصيل الغذائية.

 

وتابع: بعد ذلك ظهرت محاولات تستخدم مواد من أصل طبيعي في تغليف اليوريا، ولكن ثبت أن هذه المواد محبة للماء، وبالتالي لم يحدث حل للمشكلة، بل بالعكس زادت تلك المواد من المشكلة.

 

• شوقتني يا دكتور لمعرفة ماذا فعلتم؟

 

•• كما الساحر الذي ينتشي بتجاوب الجمهور معه، كانت علامات الدهشة التي لا تغادر وجهي محفزة له علي الإجابة علي هذا السؤال بحماس شديد تستطيع أن تشاهده علي وجهه، إذ قال: ما فعلناه هو إجراء معاملات كيميائية بشكل صديق للبيئة علي مواد طبيعية مستخلصة من مخلفات زراعية وطحالب خضراء ، بحيث أعطيناها خاصية التحلل البطيء، بما يمكن التربة من الاستفادة من السماد، وفوق ذلك فإن هذه المواد نفسها قابلة للتحلل و يكون تحللها في التربة مفيدا للنبات، أي أننا قدمنا الحل وأعطينا ميزة إضافية للنبات.

 

التطبيق العملي

 

• هذه النتيجة قد تكون رائعة من الناحية البحثية، ولكن تطبيقها يبدو لي صعبا، إذ كيف ستقوم بتغليف اليوريا بكميات كبيرة لتوزيعها علي الفلاحين؟

 

•• أشار د.الشربيني بما يفهم منه أني قطعت تسلل حديثه الذي يحمل الإجابة علي السؤال، ثم قال: لو صبرت كنت أجبتك دون أن تطرح السؤال.  

 

وأضاف: طبعا هذه نقطة مهمة جدا، فبدون إيجاد آلية التغليف، لن يخرج الجهد إلي نطاق التطبيق، وقد بحثنا عن الماكينات التي يمكن استخدامها في التغليف، فوجدنا أن أفضلها ماكينة ألمانية كان ثمنها عام 2015 قبل التعويم حوالي 3 ملايين و800 ألف، بينما كانت ميزانية هذا المشروع الممول من أكاديمية البحث العلمي 3 ملايين جنيه.

 

• وماذا فعلتم لحل هذه المشكلة؟

 

•• يصمت لوهلة تثير الشهية لمعرفة المزيد، قبل أن يقول: الحل السهل هو أن نطلب من الأكاديمية زيادة الميزانية، وقد عرضت الأكاديمية ذلك بالفعل، ولكن الفريق البحثي قرر عمل الصعب، وهو إنتاج ماكينة مصرية، وهو ما حدث بالفعل، فقد نجحنا في إنتاج ماكينة للتغليف كلفتنا 120 ألف جنيه.

 

وتكسو وجهه ابتسامة عريضة تكشف عن مفاجآت أخري يحملها في جعبته، ويضيف: الماكينة التي أنتجناها تستطيع تغليف من 5 إلي 7 كيلو في المرة الواحدة، بينما الماكينة الألمانية تقوم بتغليف 1 كيلو فقط، ولم ينته بنا الأمر عند ذلك، فقد أنتجنا ماكينة أخري يمكنها تغليف طن في اليوم، وتكلفت 520 ألف جنيه، ونسعى حاليا لإنتاج ماكينة ثالثة تنتج 20 طن في اليوم.

 

تجارب عملية 

 

• قد يسأل سائل من باب عدم الثقة في مخرجات البحث العلمي المصري، ويقول ما الذي يضمن لي صحة ما ذهبتم إليه؟

 

•• تشعر بغيرته علي البحث العلمي المصري من تغير ملامح وجهه، قبل أن يجيب قائلا: البحث العلمي في مصر بخير، وما قلته لك سابقا من إنجازات في مجال تغليف سماد اليوريا، لم أكن أقوله إلا بعد أن أثبتت التجارب نجاحنا علي المستوي التطبيقي.

 

وأضاف: أجرينا تجارب علي محصول الأرز بالتعاون مع وزارة الزراعة التي أبدي وزيرها د.عبد المنعم البنا حماسا للموضوع، وأثبتنا نجاح السماد الجديد في زيادة الإنتاجية عن طريق وضعه مرة واحدة في الموسم، وليس ثلاث مرات كما كان معتادا، ونقوم حاليا بإجراء تجارب أوسع تشمل بقاع كثيرة من الأرض المصرية بدءا من توشكي وحتى وجه بحري، وأتوقع إن شاء الله خلال عام ونصف من الآن يكون هذا المنتج الجديد في الأسواق، حيث بدأنا بالتعاون مع الأكاديمية في مخاطبة الجهات المعنية بهذا الأمر.

 

• وهل حصلتم علي ردود فعل إيجابية من هذه الجهات؟

 

•• بكل ثقة يقول: ليس لدي شك أن هذا المنتج سيري النور قريبا إن شاء الله، وإذا تحقق ذلك، يمكن أن تكون الاستفادة المادية التي نحصل عليها من هذا المنتج وحده كافية للإنفاق علي مدينة زويل، فنحن نتحدث عن منتج سيفتح أسواق الاتحاد الأوربي المغلقة أمام بعض المنتجات الزراعية، ويمكن تسويقه في الدول الإفريقية التي كانت لا تقبل علي اليوريا بسبب مشكلة التبخر الحراري.

 

ضمادة ذكية 

 

• انجاز كبير كما يبدو من كلامك، ولكننا نطمع في الحديث عن إنجازات أخري، فماذا ستختار لنا من حائط الجوائز؟

 

•• لم ينتظر فترة طويلة وكانت الإجابة الجاهزة لديه، هي: سأختار لكم مجموعة من المنتجات تم إعدادها خصيصا لمرضي السكر، فلدينا في مصر 11 مليون مريض، وكان من الطبيعي أن نولي هذا المرض اهتماما من عده اتجاهات.

 

• الحملة الإعلانية لمدينة زويل تتحدث عن ضمادة خاصة بجروح مريض السكر، هل هذه أحد الاتجاهات التي عملتم عليها؟

 

•• تشعر بسعادة علي وجه د.الشربيني ترجمتها كلماته التي أشاد فيها باختياري لهذا الإنجاز ليكون بداية حديثه عن أبحاثهم المتعلقة بمرض السكر، حيث قال: من الجيد أنك اخترت هذه البداية، فهذا بالفعل من أهم الإنجازات، ومنحنا عليه مؤخرا الميدالية الذهبية من معرض جنيف للابتكارات... وهذه الضمادة ستقضي إن شاء الله علي مشكلة جروح مرضي السكر والتي تندمل بصعوبة ويتعرض بعضهم لبتر أعضائه، حيث تقدر الدراسات في مصر أن 25% من مرضي السكر عرضة للبتر.

 

• وكيف ستحل الضمادة هذه المشكلة؟

 

•• يلتقط من المنضدة المجاورة لمكتبة مجسما يجسد فكرة هذا المنتج، ليبدأ الشرح عليه قائلا: كل علاجات جروح مرضي السكر موضوعية، ولا تخرج عن كونها «‬اسبراي» يتم معالجة الجرح به، أو نوع معين من الزيوت يتم وضعه علي الجرح، وهذه الطريقة لا تضمن التوزيع الجيد للدواء في الجرح كله، ولكن الضمادة الذكية التي أنتجناها بها عدة مزايا، فهي تخرج الجرعة الدوائية حسب حالة الجرح، وتم إنتاجها اعتمادا علي تكنولوجيا هندسة الأنسجة، فتوجد بها مواد تحاكي البيئة الطبيعية للجرح، بما يحفز خلايا الجلد علي النمو بشكل طبيعي، وتشير التجارب التي أجريت عليها أن إندمال الجرح يكون خلال فترة لا تتجاوز الـ 20 يوما.

 

كما أن المريض يضعها مرة واحدة ولا يحتاج لاستبدالها كل فترة، وهي مزودة بمستشعر كيميائي يعطي للمريض إشارة لونية بحالة الجرح، بحيث عندما يندمل الجرح يستطيع أن ينزع الضمادة.

 

• ومتى سيخرج هذا المنتج للنور؟


•• بكل ثقة يقول: ليست لدينا مشكلة في تسويقه، فالعشرات من المستثمرين يطلبون التعاون معنا في إنتاجه، ولكننا في مرحلة اختيار الأفضل منهم، ونتمنى أن يكون متاحا خلال عام ونصف علي الأكثر.

 

أنسولين بدون ألم 

 

• كان البدء بالضمادة من اختياري الذي وافق هوي في نفسك، فماذا عن الإنجازات الأخرى الخاصة بمرض السكر التي يحملها حائط مكتبك؟

 

•• ترتسم علي وجهه ابتسامة عريضة وهو يشير إلي أحد حوائط مكتبه، قائلا: الإنجازات الأخرى علي هذا الحائط، الذي يحمل نسخا من الأبحاث التي أجريتها، والتي لا يزال بعضها يحتاج لمزيد من الاستكمالات قبل أن أقول أنه يمكن أن تتحول لمنتج.

 

• وماذا ستختار لنا من هذا الحائط؟

 

•• يصمت لوهلة قبل أن يقول: مرضي السكر يعانون من مشكلة الحقن المستمر لتناول الأنسولين، ولأن الأنسولين بروتين، فالحقن هو الوسيلة الوحيدة لتناوله، لأنه لو تم تناوله عن طريق الفم سيصل للمعدة التي ستقوم بهضمه.

 

• وكيف ستتعاملون مع هذه الإشكالية، هل ستلبسون الأنسولين طاقية الإخفاء؟!

 

•• يطلق ضحكة عالية، قبل أن يقول: حاجة زي كده، حيث تم وضع الأنسولين داخل مواد ذكية لديها حساسية تجاه الوسط الذي سيمر عليه الدواء، فإن كان وسط حامضي مثل المعدة، تنكمش لحماية الأنسولين ومنعه من الخروج، وعندما تصل إلي الأمعاء وهي المنطقة المطلوب أن يخرج فيها الأنسولين، ستجد الوسط قلوي ضعيف، فتتمدد وتسمح بخروج الدواء ببطء، وهذه ميزه إضافية، حيث أن خروج الدواء ببطء يساعد علي استمرارية تأثيره، ولا يحتاج المريض حينها إلا لتناول أقراص الأنسولين مرتين في اليوم، بينما كان يضطر للحقن 4 مرات وربما أكثر.

 

• ومتى يتحول هذا البحث إلي منتج لينتقل من حائط الأبحاث إلي حائط الجوائز؟

 

•• يصمت لوهلة، قبل أن يقول: التجارب علي الحيوانات تعطينا نتائج مبشرة، وقريبا جدا سنقترب إن شاء الله من تحقيق هذا الإنجاز.

 

وداعا لقطرات العين


• أتفهم اختيارك لمرض السكر وسماد اليوريا كانجازات تتحدث عنها، ولكن عيني تلتقط مجسما للعين علي المنضدة المجاورة لمكتبكم، فهل كان للعين نصيب من انجازاتكم؟

 

•• يشير إلي شهادة تقدير حصل عليها من معرض جنيف للابتكارات قائلا: هذه الشهادة تتعلق بهذا العمل، وهو عبارة عن ألياف نانوية تحتوي علي المادة الدوائية المراد توصيلها للعين، ويتم لصقها علي الجفن السفلي للعين، حيث أن أول طبقة بها لها قابلية للالتصاق مع مخاط العين، وتقوم تلك الألياف بإطلاق الدواء في العين، وهي مصنعة من مواد لا تضر العين.

 

• وما الذي دفعكم للتفكير في هذا الاتجاه، فهناك قطرات للعين متداولة وتستخدم من زمن بعيد؟

 

•• يخرج من مكتبه أوراقاً تتضمن نتائج أبحاث أجريت علي مدي استفادة العين من القطرات التي توضع بها، ليقول وهو يشير إلي إحداها: كما تري فإن العين لا تستفيد إلا من نسبة ضئيلة جدا من القطرة، قدرتها هذه الدراسة بـ 5%، والباقي يضيع ولا يتم استغلاله، ومن ثم فإن هذا الاختراع سيضمن استغلال أمثل للمادة الدوائية ومن ثم شفاء أسرع.

 

• ومتى يمكن أن يخرج هذا الاختراع إلي الأسواق؟

 

•• بكل ثقة يقول: قمنا بحمايته كبراءة اختراع في أكثر من دولة، وخلال عامين علي الأكثر يمكن أن يخرج للأسواق.

 

طاقية الإخفاء

 

• أراك تضع مدي زمنياً قريباً إلي حد كبير، مع أن المنتجات ذات الصلة بالصحة تأخذ وقتا أطول؟

 

•• تظهر الابتسامة علي وجهه قبل أن يقول: من الجيد أنك طرحت هذا السؤال لأوضح بعض الأمور، فأنا عندما تحدثت عن كبسولة الأنسولين لم أحدد مدي زمني قريب، لأن الأبحاث التي تتعلق بالمواد الدوائية التي تدخل عن طريق الفم تأخذ وقتا طويلا من البحث والتجارب السريرية، وكذلك عندما يتعلق الأمر بأدوية الاستنشاق، وبالمناسبة نحن لدينا بحث مهم جدا في هذا النوع من الأدوية. 

 

• هل ألبستم الدواء طاقية الإخفاء، كما فعلتم مع الأنسولين؟

 

•• يطلق ضحكة عالية، قبل أن يقول: تستطيع أيضا أن تقول أننا فعلنا ما يشبه ذلك.

 

• كيف؟

 

•• تظهر ملامح الجدية علي وجهه استعدادا لحديث طويل عن هذا الإنجاز، بدأه قائلا: الرئة تملك خصائص تجعلها موصلا جيدا للدواء، إلا أن بها ثلاثة أنظمة دفاعية تتعامل مع الدواء كجسم غريب، تحول دون الاستفادة منها في هذا المجال، أولها طبقة المخاط والأهداب التي تحمي المنطقة العليا منها ضد الأجسام الغريبة، بينما تتعامل »‬خلايا الماكروفاج» الموجودة في عمق الرئة مع الأجسام الغريبة التي تصل إلي تلك المنطقة، وما فعله الفريق البحثي هو تصميم حاملات دواء تتفادى الأنظمة الثلاثة.

 

• ألم يفكر باحثون قبلكم في هذا الاتجاه؟

 

•• تبدو مشاعر الثقة واضحة علي وجهه قبل أن يقول: من سبقونا توصلوا إلي أنه حتى تتعامل مع النظامين الدفاعيين في أعلي الرئة فلا بد من ضبط حجم جسيمات الدواء بحيث تكون متناهية الصغر، لأنها إذا زاد حجمها سيتم لفظها والتعامل معها كجسم غريب، ولكن المشكلة أن هذا الحجم هو المثالي لتشعر به  خلايا الماكروفاج.

 

• وكيف تمكنتم من خداع خلايا الماكروفاج هي الأخرى؟

 

•• يلتقط ورقة ليشرح عليها ما فعلوه، قائلا: صممنا حاملات دواء ذكية يكون حجمها مناسبا  للتعامل مع النظامين الأول والثاني، وتتمتع بخاصية امتصاص الرطوبة، بحيث عندما تصل لعمق الرئة تمتص الرطوبة، فيزيد حجمها من 3 إلي 4 أمثال خلايا الماكروفاج، فلا تدركها تلك الخلايا.. وسيساعد ذلك في علاج بعض الأمراض المزمنة داخل الرئة، مثل الأورام، كما سيساعد ذلك في استخدام الرئة لتوصيل الدواء لأعضاء أخري داخل الجسم مثل الكبد.

 

سرعة الصاروخ

 

• ما أعلمه أن مركز علوم المواد الذي ترأسه لم يكمل عامه الثالث، وهي مدة قصيرة جدا، أشعر أنها لا تتلائم مع حجم الإنجازات التي أشرتم إليها؟

 

•• ترتسم علي وجهه ابتسامة الرضا، ليقول: نحن نعمل بسرعة الصاروخ، فأنا كنت أستاذا في كلية الصيدلة بجامعة تكساس الأمريكية، وأستطيع أن أقول بناء علي تجربة بالخارج، ان ما تحقق هو انجاز وفق المعايير البحثية. 


• طريق الإنجازات من المؤكد أنه لم يكن مفروشا بالورود، فهل دفعتك الإحباطات يوما إلي التفكير في العودة لأمريكا؟

 

•• وكأنه كان يتوقع طرح هذا السؤال، فلم يعط نفسه فرصة للتفكير وقال: لم أفكر في العودة لأن قناعاتي التي دفعتني لترك أمريكا لم تتغير.

 

• وهل يمكن أن تعطيني فكرة عن هذه القناعات؟

 

•• يلحظ حالة من الدهشة ارتسمت علي وجهي، شعر معها أني ربما أري في كلامه بعض المبالغة، فقال: والله سأحدثك بصراحة بعيدا عن أي كلام قد يفهم منه أنه عاطفي ، فأحد أهم قناعاتي أن الإنسان يجب أن يعود إلي جذوره، فالهجرة يجب أن تنتهي عند مرحلة زمنية يحددها الإنسان لنفسه، ليعود بعدها، ليس لشيء إلا لأن ذلك في مصلحته الشخصية، لان التكوين البيولوجي للإنسان يرتبط بالمكان الذي نشأ وتربي فيه، وبالتالي يجب أن يعود له ليكمل المشوار في هذا المكان.

 

• حتى لو كان المكان غير مثالي قياسا بالوضع بالخارج ؟

 

•• يصمت لوهلة قبل أن يقول: يقودني سؤالك إلي قناعة أخري أؤمن بها وهي أن الباحث يستطيع أن يحقق نجاحا مهما كانت الظروف صعبة، فالباحث الجيد هو الذي يستطيع تحويل الاحباطات إلي تحديات وفرص.

 

الأبحاث حبيسة الأدراج 

 

• الإحباط عادة ما يأتي للباحث لأن أبحاثه لا يتم تطبيقها، ومن هنا تأتي الشكوى الدائمة أن الأبحاث حبيسة الأدراج .

 

•• لم ينتظر أن أكمل سؤال، وانطلقت الكلمات من فمه سريعة قائلا: الباحث الذي يردد أن أبحاثه حبيسة الأدراج يضحك علي ذاته، لأنك لو كنت تنفذ البحث وفي نيتك أنك تقوم به لكي يستفيد منه الناس فلن يصبح حبيس الأدراج، فنحن لن نقابل ربنا في نهاية العمر بألف بحث، ولكن سنقابله بما نجحنا في إفادة الناس به من هذه الأبحاث.

 

• وهل يمكن أن تقودك أحد هذه الأبحاث إلي جائزة نوبل؟

 

•• لم يعط نفسه فرصة للتفكير وقال: الجائزة في حد ذاتها ليست هدفا، لأن من يعمل وعينه علي الجائزة لن يحصل عليها، ولنا أسوة حسنة في تجربة البروفسور محمد يونس في بنجلادش الذي حصل علي جائزة نوبل في السلام عن تجربة» ‬بنك الفقراء»، فهذا الرجل حقق نجاحا في الداخل وكرم عليه في بلده، فالتفت له الخارج ومنحه الجائزة، وهذا جمال أي نجاح.

 

• هذه كانت جائزة في مجال السلام، ولكن يقال انه من المستحيل أن يحصل عالم أجري أبحاثه في دولة نامية علي جائزة نوبل في العلوم؟

 

•• بكل ثقة يقول: ليس صعبا والأمل في الأجيال الجديدة في مدينة زويل، فما من مسابقة عالمية يشاركون فيها إلا ويحصلون علي جوائز، وبعضهم شارك قبل عامين في مسابقة عالمية استضافتها تركيا، لا يشارك فيه إلا حاملو الدكتوراه، وحصلوا علي الجوائز الأولي، رغم أنهم لا يزالون يدرسون في السنة الثالثة، وقد تحدثت الكثير من الصحف عن هذا الإنجاز.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة