من «هاسكي».. كيف بدأت نهاية «موسوليني»؟
من «هاسكي».. كيف بدأت نهاية «موسوليني»؟


حكايات| من «هاسكي».. كيف بدأت نهاية «موسوليني»؟

ناريمان فوزي

الجمعة، 13 يوليه 2018 - 03:07 م

«أن تعيش يومًا واحدًا مثل الأسد خيرًا لك من أن تعيش مئة عام مثل الخروف».. بينيتو موسوليني.

 

لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد حرب تصارعت فيها جيوش العالم على الأرض، بل كان صراعًا تغيرت من بعده خريطة العالم تاركة الشعوب تجني ما فعله السياسيون من مآس وخراب وتشوهات نفسية.

 

«هتلر» و«موسوليني»، من أشهر الديكتاتوريين الذين عرفتهم البشرية، وشكلا تحالفا كان مصيره الهزيمة في النهاية، فورطا شعوبهما في حرب مدمرة دفعوا ثمنها، فجاءت النهاية انتحار الأول وقتل الثاني على يد شعبه والتمثيل بجثته في مشهد مرعب غادر.

 

«هاسكي».. أم المعارك

 

وثقت الصور الفوتوغرافية ما دار وفقا للإمكانيات التكنولوجية آنذاك، كما سجلت الكاميرا الخطابات الحماسية الرنانة التي كان يطلقها قادة الحرب مشعلين العالم حماسا وجنونا.

 

وإحياء للذكرى الـ75 لإحدى المعارك الشهيرة بجزيرة صقلية، نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، بعض الصور الملونة النادرة التي وثقت «معركة هاسكي» بين قوات الحلفاء وقوات المحور في الفترة ما بين 10 يوليو إلى 17 أغسطس عام 1943، وانتهت بانتصار الحلفاء واستيلائهم على الجزيرة.

 

اقرأ حكاية أخرى| «أهل الكهف» برواية الإسلام والمسيحية

 

آنذاك، استهدفت تلك العملية السيطرة على الجزيرة، وإسقاط الحكم الفاشي فيها، فكانت بداية النهاية لفاشية وديكتاتورية موسوليني، وأطلقت صافرة النهاية لتلك الحرب وهزيمة المحور.

 

بدأت «هاسكي» بالعملية البرمائية الكبيرة والمحمولة جواً، والتي تبعتها حملة برية استمرت ستة أسابيع، ورصدت الصور هبوط الحلفاء على الجزيرة عام 1943، وشجاعة القوات البريطانية وتقدم جنودها وسيرهم نحو الخطوط الأمامية واضعين النهاية للتواجد الإيطالي.

 

بالأبيض والأسود

 

كما أظهرت لقطات أخرى، الدبابات الأمريكية «شيرمان إم 4» أثناء هبوطها، وكذلك الجندي روي همفري الذي أُعطي بلازما الدم بعد إصابته بشظية، وسفينة ليبرتي روبرت روان عندما أصابتها قاذفة ألمانية من طراز جو 88 وانفجار شحنة من الذخيرة بها.  

 

كانت تلك العملية هي أول هجوم رئيسي للحلفاء على أوروبا المحتلة، على حد وصف رئيس الحكومة البريطانية آنذاك تشرشل، والذي وصف صقلية بأنها النقطة الأضعف في أوروبا، لكن التواجد الإيطالي بها كان غير هين ولم تنته منه إلا في مايو 1945.

 

اقرأ حكاية أخرى| إيمان مرعي.. قصة مروضة «الكائنات الدقيقة»

 

ورغم أن تلك الصور التقطت بالأبيض والأسود، إلا أن مهندس كهربائي بريطاني يدعى رويستون ليونارد وعمره 55 عامًا، عكف على تلوينها لتظهر دقيقة ومذهلة موثقة الصراع القديم وكأنه تم في وقت قريب.

 

وعلق ليونارد على صوره، قائلا: «عندما تنظر إلى هذه الصور، يمكنك أن ترى الآباء والأبناء والأخوة وليس الجنود. نعم، إنهم جنود، ولكن فقط لفترة قصيرة قبل أن يكونوا جيرانًا وأصدقاءً أو عائلات»، «هذه الصور تظهر ما تم في الماضي ومن خلال رؤيتها، يجب أن نعمل على عدم تكرار ذلك مرة أخرى».

 

موسوليني.. بداية النهاية

 

لم تكن تلك الصور مجرد ألوان على ورق، بل فتحت الطريق أمام سقوط نظام فاشي بشكل عام، وانتقام الشعب الإيطالي من زعيمه بشكل خاص، فالحرب مكسب وخسارة، فهل يستحق موسوليني تلك النهاية المشينة؟ هل يستحق أن يعدم وأن يتم التمثيل بجثته هو وعشيقته على مرأى ومسمع من الجميع؟ 

 

كانت شخصية موسوليني غير متزنة مصابة بجنون العظمة شبيهة لحليفه النازي هتلر الذي رفع شعار «ألمانيا فوق الجميع» لكنه أرداها أرضا بعد هزيمة مذلة دفعت به إلى اختيار الموت على قبول الواقع.

 

عرف موسوليني منذ طفولته بكونه طفلا مشاغبا، دائم المشاكسة والاعتداء على زملاءه بالآلات الحادة مما دفع المدرسة إلى فصله عدة مرات، لكنه كان يعود مرة أخرى حتى حصل على شهادة التخرج.

 

شخص مثير للمشاغب

 

وما بين أم متدينة وأب ملحد مؤمن بالاشتراكية نشأ، وقد ورث عن والده عدم إيمانه حيث كان يجاهر بذلك وذكره في مذكراته قائلا «يضيق صدري من سماع التراتيل الإنجيلية كما كنت أتقيأ إذا ما شممت رائحة بخور الكنيسة عندما تصطحبني والدتي إلى الكنيسة لأداء صلاة الأحد وكانت لا أطيق رؤية رجال الكنيسة بملابسهم السوداء»، كما أضاف قائلا «ورثت عن أبي الإلحاد في حين لم تتمكن شفافية أمي المتدينة من النفاذ إلى سريرتي».

 

بدأ حياته العملية كمدرس لكن طموحه كان أعلى من ذلك المنصب التقليدي، فعقد العزم على مغادرة إيطاليا والتوجه لسويسرا بحثا عن مجال آخر.

 

اقرأ حكاية أخرى| سعوديات خلف «الدركسيون».. كيف مر اليوم الأول لقيادة النساء للسيارات؟

 

بدأ في سويسرا العمل كوكيل دعاية لنقابة البنائين، وكون المنصب له علاقة بطبقة كادحة، أعطى ذلك الفرصة لموسوليني «المشاغب» في إثارة المشكلات من جديد، حيث قام بالدعوة والتحريض على العنف وإقامة الإضرابات العمالية، مما تسبب في اعتقاله عدة مرات.

 

ومن سويسرا عاد لتأدية الخدمة العسكرية في بلاده، ثم سلك مجالا آخر وهي الكتابة فبدأ محررا ثائرا حتى وصل إلى رئيس تحرير إحدى الصحف الاشتراكية، لكنه طرد من منصبه إبان الحرب العالمية الأولى بعد ثبوت تلقيه أموالا من فرنسا، مقابل كتابة مقالة يدعوا فيها بلاده التعاون مع دول الحلفاء.

 

أسس فيما بعد الحزب الفاشستي، لكنه لم يكن حزبا سياسيا متحضرا بل تصرف أعضاءه كرجال عنف وعصابات مرتدين القمصان السوداء، وسائرين بتوجيهات موسوليني الذي أوصاهم بضرورة معالجة مشاكل إيطاليا وأن عليهم أن يكونوا رجالاً أقوياء، فعندما يكون هناك إضراب عمالي يأتي الفاشيست ويوسعون أولئك العمال ضربا.

 

صور في غرف النوم

 

لم يكتف موسوليني بذلك بل ألغى كل الأحزاب، مجبرا الجميع على انتخاب حزبه، وامتلأت الساحات والشوارع بتماثيله وبجداريات كبيرة تخلد أفعاله وأقواله، كما بدأت حركة تنظيم شاملة للأطفال والفتيان وطلبة المدارس والجامعات على استخدام السلاح وحفظ الأناشيد القومية الفاشية.

 

 كما أغلقت جميع الصحف والمجلات الأدبية، وأجبر الناس على وضع صوره في غرف النوم وأن توقد العائلات الشموع بعيد ميلاده كنوع من الاحتفال الإجباري.

 

اقرأ حكاية أخرى| «الكوالينجي» موسيقار المفاتيح.. الحارس المجهول للخزن وأبواب البيوت

 

لم يتوقف جنونه عند حدود إيطاليا، بل بلغ مداها إلى الخارج حيث كان يعيش على فكرة أن تصبح إيطاليا «دولة عظمى»، وكان مستعداً لخوض الحروب من أجل تحقيق ذلك مهما كلفه الأمر، كان يحلم بأن يسيطر على كل حوض البحر الأبيض المتوسط، ويحوله إلى بحيرة إيطالية وأن ينشئ إمبراطورية تمتد من الحبشة إلى ساحل غينيا الغربي، داعيا إلى زيادة النسل ليزيد عدد الإيطاليين فيمكنهم بالتالي استعمار واستيطان هذه الإمبراطورية الكبيرة.

 

طوال 3 سنوات، عكف على تنفيذ سياسته الاستعمارية البغيضة في ليبيا حتى قدرت أعداد ضحاياه بالآلاف، مع رغبته في جعلها جزءا من الوطن الأم ومنح السكان الجنسية الإيطالية وإلزامهم على تعلم اللغة والثقافة الإيطالية كنوع من طمس الهوية العربية.

 

تحالف الشيطان.. نهاية مفجعة

 

قبل عامين من الحرب العالمية الثانية، تحالف هتلر مع موسوليني واتسع التحالف ليشمل اليابان والمجر ورومانيا وبلغاريا بما يعرف بدول المحور، كان هناك العديد من أوجه الشبه بين النازي والفاشي.

 

في أعقاب هزيمة المحور المذلة في الحرب، أصبح موسوليني عدو الإيطاليين الأول، فلم يكفيه ما فعله من سياسة ديكتاتورية داخلية بل دفع بلاده نحو الهزيمة لتخرج منهكة اقتصاديا وعسكريا، فجرى اعتقاله تمهيدا لمحاكمته.

 

اقرأ حكاية أخرى| «شعبي الحبيب.. أنا رئيسكم الأديب».. روايات السادات وصدام والقذافي

 

استطاع الهرب من مقر احتجازه، حيث اختبأ بسيارة عشيقته في محاولة للفرار إلى سويسرا، إلا أنه تم إيقافهم على الحدود مع قراءة منشور يفيد بإقرار الشعب الإيطالي تنفيذ حكم الإعدام في الزعيم الفاشي وعشيقته.

 

تم تنفيذ حكم الإعدام في 29 أبريل 1945 بمدينة ميلانو، حيث قتلا وتم التمثيل بجثثهم ووضعهم مقلوبي الرأس، كنوع من الإذلال كونها كانت طريقة إعدام الخونة في روما القديمة.

 

ظلت الجثث معلقة وجاءت الجماهير من كل مكان، تسبهم وتركلهم وتبصق عليهم وتطلق عليهم الرصاص في مشهد مذل للغاية، وفي النهاية تم دفنهم في مكان سري حتى عام 1957، حيث تم تسليم رفات موسوليني لأسرته وأبناءه الثلاث الذي أنجبهم من زيجتين

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة