د.محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر
د.محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر


في حوار خاص

وكيل الدعوة بالأزهر يكشف سر اتهام الإسلام بالإرهاب

إسراء كارم

الثلاثاء، 24 يوليه 2018 - 01:23 م

 

لا تزال قضية تجديد الخطاب الديني تشغل بال العديد من المسلمين، خاصة مع بروز الحاجة إليها يوماً بعد يوم، وسط حملة من العالم الغربي و وسائل الإعلام العالمية تربط بين الإسلام والإرهاب.
كما أن رفض الأزهر لمصطلح «الأقليات» واستبداله بالمواطنة يلقي بالضوء على أهمية توضيح المفاهيم الإسلامية للعالم.


ويرد د.محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر على كل هذه النقاط والأسئلة، كما يوضح كيف يمكن أن يستفيد الإسلام والدعوة إليه من وسائل التكنولوجيا الحديثة.. كان لبوابة أخبار اليوم هذا الحوار معه.


في البداية؛ رفض الأزهر ود. أحمد الطيب مصطلح «الأقلية» يثير الكثير من علامات الاستفهام، لماذا يرفضه الأزهر رغم الاعتراف العالمي به؟

الأزهر يرفض هذا المصطلح لأنه يحمل في طياته بذور الإحساس بالعزلة والدونية ويمهد للفتن، كما أن «الأقلية» هي مفهوم جديد في الفقه والحضارة الإسلامية التي لم تعرف مصطلح الأقلية بمعناه الشائع في العلوم الاجتماعية، والذي يشير إلى مكانة أدنى في التراتب الاجتماعي مستندة إلى أسباب متصلة بمخالفة الأقلية للأغلبية في أحد المقومات الطبيعية أو الثقافية.

كما صرح الإمام الأكبر: «نرفض استخدام مصطلح الأقليات للإشارة الي المكونات الاجتماعية لانه مصطلح يحمل بذور الإحساس بالعزلة والدونية ويمهد للفتن والانشقاق ولان كلمة الأقليات تودي الي التمييز والتشاحن».

والإسلام لا يعرف التمييز بين الناس على أساس الاختلاف في المقومات الطبيعية كاللون والجنس والعرق وشعار الإسلام هو «التعارف» بأوسع معانيه ومستلزماته.

لماذا عدل الأزهر عن مصطلح «الأقلية» واختار المواطنة بدلاً منها؟

حسب تصريحات الإمام الأكبر وإعلان مؤتمر الأزهر وحكماء المسلمين «الحرية والمواطنة والتنوع والتكامل» المنعقد في فبراير ٢٠١٧، فالتعديل من الأزهر لنشر مفهوم المواطنة بديلا عن مصطلح الأقلية والأقليات مجددًا الدعوة إلى ذلك المبدأ الدستوري الذي طبقه نبي الإسلام على أول مجتمع مسلم في التاريخ وهو دولة المدينة المنورة حين قرر المساواة بين المسلمين من مهاجرين وأنصار ومن اليهود بكل قبائلهم وطوائفهم بحسبان جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

ما السر في إصرار الدوائر الغربية على وصف الإسلام بالإرهاب ؟

«رمتني بدائها وانسلت» مثل عربي قديم يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه، فيلقي عيبه على الناس ويتهمهم به ويخرج نفسه من الموضوع، فعن اَي ارهاب يتحدثون، وما هو الاٍرهاب ومن هم الارهابيون؟

فالتاريخ يثبت أن الاٍرهاب صناعة غربية بامتياز بل كان جزءا من الخطط الاستراتيجية لبعض الدول الغربية مثل دولة هتلر النازية في ألمانيا وحكم ستالين في الاتحاد السوفيتي آنذاك، وهناك مئات المنظمات الإرهابية في العالم من أشهرها جماعة بادر ماهينىوف الألمانية، والألوية الحمراء الإيطالية، والجيش الأحمر الياباني، والجيش الجمهوري الأيرلندي، والكوكوكس كلان الأمريكية التي تخصصت في قتل السود وغيرها.

والاٍرهاب بمعنى الاستخدام غير المشروع للقوة أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية، مصطلح غربي غريب عن بيئتنا العربية والإسلامية، وأبرز الجرائم الإرهابية في التاريخ ليست من صنع المسلمين، واتهامنا بالإرهاب والتعصب ليس جديدًا، رغم أن الإسلام في انسانيته وسماحته وانفتاحه أرقى من كل فكرعرفه العالم، وكان شريكًا أساسيا في صناعة الحضارة الانسانية مهما تنكر له الجاحدون.

ووللغرب أهدافهم من توجيه هذه الاتهامات، ومنها: «إرهابنا فكريًا، في محاولة لإخماد العاطفة الدينية الاسلامية وصرفنا عن الاستمساك بديننا لأن الغرب يعلم أن التدين خطر على مخططات التغريب والهيمنة، وأن نرضى دائما بدور التابع المطيع فلا نرى إلا مايراه لنا الآخرون ولا نتحرك إلا وفق ما يريدون، ويعملون على فرض الإقامة الجبرية علينا في منطقة الدفاع ضد التهم التي يكيلونها ونتبرأ من كل رغبة في استقلال إرادتنا ورفعة أوطاننا وتقدم حضارتنا، وتبرير اعتداءاتهم المتكررة على الشعوب الإسلامية بدعوى أنهم يحاربون الاٍرهاب لنا».

وهناك العديد من شهادات الغربيين أنفسهم التي تكذب اتهام المسلمين بالإرهاب، ومنها ما يقول المستشرق وليم فان لون في كتابه موكب الحضارة: «قام الدين الإسلامي على التسامح فكان كريما مع أهل الكتاب ولَم يتعرض إلى شعائرهم الدينية وترك المسيحيين واليهود يقيمون صلواتهم بكنائسهم ومعابدهم ولَم يقف في سبيل الحجاج المسيحيين أواليهود الدين يريدون الذهاب للأرض المقدسة ولاشك أن الحماقة التي زعمت أن المسلمين متعصبون خرافة كاذبة منبتها ضيق الأفق وجمود العقل والحقيقة أن الإسلام كان ولا يزال مصدر السماحة النبيلة التي تنقل حرية العبادة للمسيحيين واليهود».

من المسؤول عن تجديد الخطاب الديني ؟

أولاً لكي تنجح عمليات تجديد الخطاب الحياتي وليس الديني فقط، يجب أن تعمل وتتضافر كل مؤسسات صناعة الوعي داخل المجتمع المصري، متفقة على حدود دنيا لا يمكن المساس بها.

والخطاب الديني مسؤول عن تجديده في المقام الأول الأزهر الشريف، على أن تسانده في ذلك وتتحمل مسؤوليتها معه وبجواره كل مؤسسات صناعة الوعي بالمجتمع، ومن الظلم أن يتم تحميل المؤسسة الدينية وحدها والخطاب الديني وحده كافة الإخفاقات القيمية والأخلاقية في المجتمع.

ولكن بعد مطالبات عديدة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، هل ترى أن تجديد «الخطاب الديني» يسير في الطريق الصحيح بخطوات جادة؟

يعد تجديد الخطاب الديني هو ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون للمؤسسات الإسلامية في بيان الإسلام والشريعة متوسلين لذلك بالخطب والمحاضرات والمؤلفات والبرامج الإعلامية المتنوعة وربما المناهج الدينية في مؤسسات التعليم الديني معاهد وكليات وجامعات .

ويشمل أيضًا النشاط الدعوي وعمل الجماعات الدعوية والمؤسسات الإسلامية، والتأثير والتأثر بين الخطابات الدينية المقدمة للجمهور داخل البلد الواحد وبين البلدان العربية والإسلامية بعضها البعض.

والرؤية التي تنطلق منها عمليات التجديد لها تأثيرها، لأن بعضها يؤثر عليه بطريقة سلبية، ومنها فئات تتحدث عن تجديد الخطاب الديني من منطلقات غير دينية وأعتقد أنه لا يمكن تجديد الخطاب الديني من منظور معرفي وثقافي خارج هذا للخطاب الديني نفسه سواء بظروف محلية أو عالمية.

وفيما يخص مناسبة الخطاب الديني لأحوال المخاطبين ومراعاة ظروفهم وأحوالهم وبيئاتهم ومجتمعاتهم وثقافاتهم واقتصادياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فهذا موجود في بنية الشريعة، وظلت عمليات التجديد المسؤولة والمنضبطةٌ مستمرة ولَم تتوقف منذ عصر الرسالة وعلى امتداد تاريخ هذه الأمة اضطلع بها العلماء والفقهاء والمؤسسات العلمية والجامعات الإسلامية والمجامع الفقهية.

وحاول الاستعمار الغربي أن يهيمن على مقدرات الأمة الإسلامية وينهب ثرواتها المادية والمعنوية ويفصلها عن نموذجها المعرفي الذي تنظر به وتحكم من خلاله على الأفكار والأحداث ويزرع فيها نماذجه المعرفية التي تنفصل فيها القيم المادية عن القيم المعنوية وتتعامل مع الظواهر الكونية مجردة بعيدة عن كونها سننًا إلهية لها قواعدها الربانية المضطردة المستمرة التي لا تتخلف، لكي تغذي في نفوس المسلمين القابلية للاستعمار والاستسلام لمقرراته وفلسفاته ونظرياته ومبادئه وتقضي قضاء مبرما على جذوره المقاومة.

وتأتي هذه المحاولات المستميتة بعد أن أيقن الغرب أن السر في قوة الأمة الإسلامية هو تراثها ومصادرها المعرفية، ووجدوا أن الحل في هدمها هو قطع صلة الأمة بتراثها ومصادرها المعرفية والثقافية وتهوين كل صلة لها بهذا التراث، الأمر الذي عملت عليه آلات المستعمرين الجبارة وماكيناتها الإعلامية والفكرية والثقافية.

ونحن مع التجديد لأنه ضرورة فطرية وبشرية، ويعني قراءة واعية للنفس والآخر والواقع من داخل النصوص الشرعية، بشكل يجعلها قادرة على إيجاد الحلول الشرعية الملائمة لمشكلات الواقع، على أن يكون بأيدي علماء الشريعة المتخصصين في علومها، للحفاظ على الثوابت الدينية وتحقيق العدل وتبشيع الظلم

كيف نوظف وسائل التكنولوجيا الحديثة في خدمة الثقافة الإسلامية؟

التكنولوجيا الحديثة والدعوة من صور التجديد الواجبة في هذا العصر، فيجب أن يهتم الدعاة إلى الله بتوظيفها في الدعوة، لمواكبة للعصر الذي نعيش فيه، وخصوصًا مع الدعاة الشباب لأنهم الاقدر على استيعاب هذه المستحدثات والتفاعل معها.

ورغم أهمية الوسائل التقليدية واستحالة استغناء عنها لكنها تظل محدودة الأثر مالم تواكبها وتوازي معها التقنيات الحديثة ومخاطبة هذه الشرائح الواسعة من الجمهور عبر العالم والذي يبلغ الملايين بسماحة الإسلام ووسطيته واعتداله.

ويجب على الداع أن لا ينفصل عن هذا التقدم التكنولوجي، كون الملايين يستخدمون هذه التطبيقات، خصوصًا وأن لها فوائدها في الدعوة منها أنها تختصر المسافات وتوفر الأوقات وتعبر البحار والمحيطات والفضاءات في طرفة عين، وتصل للملايين عبر العالم بكل يسر وسهولة.

والداعيةً الناجح والموفق لا يدع وسيلة لعرض رسالته ودعوته إلا استعملها وهو يستفيد من كل ما أتيح له من وسائل حديثة عبر القنوات الفضاييةٌ وعبر شبكة المعلومات الدولية وثمة العديد والعديد من الوسائل من أبرزها فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، والمدونات، والرسائل، وجميعها يمكن استخدامها في العديد من الخدمات.

وربما أهم حملات التغيير والدعوة عبر التكنولوجيا العصرية حملتي «لا للتحرش» و«شيل إيدك» اللتان تهدفان لنشر الفضيلة في المجتمع، ومحاربة التحرش الجنسي واللفظي في الشوارع وعلى الانترنت، واستخدم فيسبوك لتوظيف فكرة هذه الحملات والذي ساهم في انتشارها ونجاحها بشكل كبير.

كيف يمكن توظيف مستحدثات التكنولوجيا في الكلية ؟

لا يخفى على أحد النهم والشغف الشديد من الشباب بالمستحدثات التكنولوجية والتعلق الشديد بها، واستثمارا لهذه المستحدثات في الدعوةٌ يوجد الآن قاعات محاضرات مجهزة بـ«داتا شو» بكل قاعة لعرض الملفات المختلفة مثل الباور بوينت والوسائط المتنوعة على شاشة العرض في المحاضرات، ويوجد موقع رسمي للكلية تبث عليه ومن خلاله كل أخبار الكلية

وأرى العديد من طلاب الكلية وخريجيها يقومون بتوظيف السوشيال ميديا في النشاط الدعوي ما يجعلني سعيدًا جدًا.

البعض يشير إلى أن المناهج في الأزهر عقيمة خالية من التجديد فما رأيك.. وكيف يتم تحديث المناهج؟

عقم المناهج أسطوانة مشروخة يطلقها غالبًا من لا دراية لهم بالأزهر ولا بمناهجه ولا بمقرراته، وغير متابعين لما يحصل داخل هذه المؤسسة العلمية العريقة، فعمليات تطوير المناهج تمضي على قدم وساق، ويتم عقد لجان على أعلى مستوى بقيادة وتوجيه الإمام الأكبر ووكيل الازهر وكبار أساتذة جامعة الأزهر والخبراء والمعنيين وعلى امتداد عامين كاملين تم تطوير هذه المناهج وتحديثها ومراجعتها والدفع بها للمطابع وأصبحت بين أيدي الطلاب، وكذلك الأمر بالنسبة للجامعة والكليات العملية أو النظرية.

وما هي المناهج المستحدثة في العام المقبل؟

عملية تحديث المناهج لها معنيان، أولهما: إيجاد مناهج دراسية بمقررات جديدة وأنشطة لم تكن موجودة من قبل، وهذا تم بالنسبة لنا من خلال إدخال مقررات عن الإعلام تتضمن كيفية تهيئة الخريج للتعامل مع وسائل الإعلام المتنوعة، وكتابة مقال إجراء حديث إذاعي، إاجراء حديث تلفزيوني.

وثانيهما: أنه توجد بعض المناهج الدراسية الموجودة بالفعل وقد روعي في توصيفها تجددها المستمر بحيث تواكب وتلاحق كل القضايا الثقافية والدعوية والاجتماعية الجديدة، مثلا «قضايا دعوية معاصرة » فهذا المقرر بطبيعته وفِي أصل تكوينه وفلسفته يدور حول تتبع كل القضايا الناشئة والجديدة وإحاطة الدارس بها.

ولدينا طوال الفصل الدراسي الموسم الثقافي للكلية ونركز فيه على الموضوعات المعاصرة التي يلزم الداعية الخريج معرفتها والإحاطة بها ونعدها في الكلية جزء لايتجزأ من المناهج الدراسية مع ورش عمل ودورات قصيرة لتفكيك الفكر المتطرف.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة