السجينة عبير تتحدث لمحرر «بوابة أخبار اليوم»
السجينة عبير تتحدث لمحرر «بوابة أخبار اليوم»


حكايات من السجون.. صرخة زوجة: لسُت قاتلة

د.محمد كمال

الأحد، 05 أغسطس 2018 - 06:33 م

◄ حكاية أشهر سجينه حزينة داخل عنبر «النفس»

◄ «الداخلية» تحول سجن القناطر لـ«قصر فخم»

ربما لم تكن هذه الزيارة هي الأولى لي داخل «سجن النساء» بالقناطر، لكنها كانت زيارة مختلفة بعض الشيء، فالسجن يظل سجنًا مهما طالة من تطوير وخدمات يبقى في النهاية أنه «سجن».


ارتفاع أسوار السجن، تشُعر كل من بداخلة بعدم الحرية خصوصًا الذي يقضى فيه فترة عقوبة ليست بالقصيرة، وزارة الداخلية المصرية ممثلة في اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، واللواء زكريا الغمري مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون، أولت اهتمامًا كبيرًا بمنطقة السجون، بشكل عام وبمنطقة «سجن النساء» بالقناطر بشكل خاص، في محاولة لإعادة تأهيل السجينات بعد انقضاء فترة العقوبة ليصبحن نافعات للمجتمع فور خروجهن من السجن بدلًا من العودة مرة أخرى للجريمة.
 

  يوجد نموذجين من السيدات في سجن النساء، نموذج دخلن السجن لأول مرة، وقررن ألا يرجعن إليه مرة أخرى، والدليل على ذلك استكمالهن لدراستهن داخل السجن بل وحصولهن على الماجستير، وهناك نموذج أخر داخل السجن، تعودن على هذه الحياة فهن يخرجن من السجن وسرعان ما يرجعن إليه في قضية أخرى. 


وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقة وراء دخول النساء السجن فهذا أمر لا يعنينا الآن، فسنحاول رصد الحياة داخل منطقة سجن النساء بالقناطر بالكلمة والصورة. 

 

يقع سجن النساء في مدينة القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، ويبعد عن مدينة القاهرة بمسافة 25 كم، والسجن عبارة عن باب خشبي من الطراز القديم، يتوسطه باب صغير، وعبارة سجن النساء مدونة عليه، وخلف هذا الباب عالم آخر يعج بالنساء السجينات، بعكس الحال مع الرجال الذين ينتقلون من الأبيض إلى الأزرق إلى الأحمر. 

 

وفور الدخول يقع على اليمين مكتب رئيس المباحث وآخر للمأمور وباب حديدي آخر، بعدها مكان عبارة عن فناء، تخرج فيه السجينات، ومكان لإقامة الحفلات والندوات، محاط من جميع الجهات بسور حديدي، ومن جميع الجهات عنابر متخصصة حسب الجريمة، وقبل أعوام قلائل تم افتتاح حضانة خاصة لأطفال السجينات. 

 

 يحتوي هذا السجن على 10 عنابر كبيرة وهي موزعة كالأتي: «عنبر الإيراد» وهو عنبر الوافدات من السجينات الجدد، وهو عنبر مكون من دور واحد، و«عنبر الراحة» بالنسبة للسجينات الجدد، و«عنبر التحقيقات»، وعنابر التحقيقات تحتوي على كافة أنواع مرتكبي الجرائم، و يوجد بهذا العنبر جرائم المخدرات والسرقة والآداب، وغيرها من العنابر.

 

ويتكون مبنى المستشفى من طابقين في الأول عيادات والثاني خاص بالمرضى، ثم «عنبر الآداب»، ويقع بجوار مبنى المستشفى، وينقسم إلى 3 عنابر للآداب، وهو مبنى مكون من دور واحد.

 

ويوجد «عنبر الأحكام» وهو عبارة عن طابقين، ويحتوى الطابق الأول على عنبر رقم 6 ، وعنبر رقم 7 وهى عنابر خاصة بأحكام السرقة والقتل بالإضافة إلى المشاجرات ويوجد بالطابق الثاني عنبر رقم 4 وعنبر رقم5، وهذه العنابر خاصة بأحكام المخدرات.

 

كل ما سبق كان وصف لشكل سجن القناطر من الخارج، لكن ما هي تفاصيل وكواليس العالم الخفي وراء هذه القضبان؟.


أشهر سجينة حزينة 


التقينا في البداية بواحدة من أشهر السجينات داخل «سجن النساء» بالقناطر الخيرية، أنها عبير " 49 سنة" صدر ضدها حكم قضائي بحبسها بالمؤبد 25 سنة، قضت منهم حتى الآن 13 سنة، عبير تمثل قصتها حكاية فريدة من نوعها تصلح لأن أن تكون عنوان لمسلسل درامي ملئ بالتفاصيل المشوقة، علمنا قصتها من داخل السجن وقررنا أن تكون أول حالة نتكلم معها، كانت تنزوي إلى ركن بعيد، تحاول أن تخفى وجهها عن الكاميرات، تعمل في صمت داخل مشغل الملابس «التريكو». 


تنهدت ثم ألقت نظرة على وجوهنا، الصورة تبدو مشوشة بالنسبة لها، يبدو من قسمات وجهها أن لها مع الزمن حكايات، قالت أنها موجودة في مكان لم تكن تسمع عنه قبل ذلك سوى في الأفلام فقط "سجن النساء" حياتها كانت عادية جدًا بل مرفهة جدًا وبين عشية وضحاها أصبحت نزيلة بسجن النساء.


صرخة زوجة: لُست قاتلة


اقتربنا منها في محاولة لاستخراج الكلمات من بين ضلوعها، تنهدت كأنها تخرج ثقل هذه اللحظة من داخلها، وكأنها تصرخ من أعماق أعماق قلبها رفعت رأسها بهدوء، وكانت المفاجأة أن عينيها كانتا تترقرق بالدموع، ابتسمت ابتسامة حزينة، وبصعوبة بدأت الكلام معنا قائلة، لا تتعجبون من دموعي فهما صديقاتي المخلصات.

 

في كل يوم وليلة لا يفارقاني أبدًا، شريط من الذكريات يمر أمامي وأنا أتذكر سنوات عمري، كنت أعمل مدرسة، وتزوجت زواج تقليدي، ثم هاجرت مع زوجي لإحدى الدول الأوربية للعمل هناك، وأثمر الزواج عن طفلين جميلين هما قرة عيني، بالمناسبة أولادي الآن أعمارهما 25 سنة، و19 سنة، المهم استمرت حياتي تسير على نفس الوتيرة الناجحة، إلى أن وقع بيني وبين زوجي خلاف كبير، وفشلت كل محاولات الصلح بيننا.

 

عشنا سويًا كزوجين على الورق فقط، ولكننا كنا في حقيقة الأمر غريبين تحت سقف بيت واحد، وظلت حياتنا معلقة هكذا حتى انتهزت فترة أجازتنا السنوية وعودتنا إلى مصر، وتركت المنزل وطلبت الطلاق، ولكن زوجي رفض تنفيذ طلبي وبدأ فى مماطلتي واستولى على كل أوراقي الرسمية والشخصية ورفض أن يمنحني أي شئ، وتوقفت حياتي تمامًا.


مجرمة بالصدفة


وتستطرد عبير قائلة، حاولت بشتى الطرق أن أحصل على حقوقي من زوجي لكن دون جدوى، عندما وصلت عبير لهذا الجزء من قصتها تحجرت الكلمات في حلقها وتلعثم لسانها عن الكلام، زادت ضربات قلبها خفقاناً وكأنها مقبلة على أمر جلل.

 

حاولت التماسك وواصلت كلامها بصعوبة بالغة قائلة، لم يكن أمامي سوى طريق أخر حيث استعنت ببعض الأشقياء، ومنحتهم مفتاح الشقة وطلبت منهم أن يقوموا بسرقة كل الأشياء والأوراق الرسمية التي تخصني، ولسوء حظي حسباتي لم تكن بالدقة المطلوبة،  حيث تواجد زوجي في نفس توقيت دخول اللصوص لشقة الزوجية، شعر بهم زوجي ونشبت بينهما معركة لقي على أثرها زوجي مصرعه، ولم يكن هذا كل شئ ولكن شعرت جارتي أيضًا بوجود شئ غريب داخل الشقة وعندما حاولت استطلاع الأمر قام المتهمين الرئيسين بقتلها.


وتواصل عبير كلامها قائلة، انتظرت الليل بأكمله حتى أحصل على أوراقي الرسمية وكل شئ يخصني، لكن دون جدوى، بدأ القلق يساورني، وشعرت للحظات أن ما فعلته كان خطأ كبير، حاولت الاتصال بمن أرسلتهم لإحضار الأوراق، لكن لم يُجب أي شخص منهم، لا أعلم كيف سيطر الشيطان على تفكيري للحصول على حقي بهذه الطريقة ولكن فعلًا لم أطلب أي شئ سوى ما يخصني فقط.

 

لم أتوقع ولو للحظات السيناريو الأسوأ الذي حدث بعد ذلك، حيث تم إلقاء القبض على المتهمين واعترفوا بكل شئ، وفى غضون أيام معدودة تم القبض علي بتهمة التحريض على القتل والشروع في القتل، والسرقة، يعنى كوكتيل من الجرائم تم توجيهه لي، ولم يكن كل هذا في الحسبان، فقط كنت أريد أوراقي الرسمية بعدها ينتهي كل شئ، هكذا كنت أظن، لكن بين عشية وضحاها وجدت نفسي متهمة في قضية كبرى، وبعد التحقيقات صدر حكم المحكمة بحبسي 25 سنة، وأنا اصرخ لسُت قاتلة.


تقول عبير، بعد إلقاء القبض على تخلى عنى الجميع،  أصبحت وحيدة، شريدة، أولادي اعتبروني ميتة، أسرتي تبرأت منى، دنيتي التي كنت أعرفها لم تعد كما كانت، أصبت بحالة نفسية سيئة جدًا في أول يوم لي داخل السجن، لكن بمرور الوقت بدأت أقاوم الحياة والأمواج العاتية التي صادفتني، قررت أن أمنح نفسي بعض الأمل خصوصًا وأن فترة عقوبتي ليست بالقصيرة، لذلك قررت استكمال دراستي، حتى وصلت إلى درجة الماجستير في المحاسبة.

 

كما تعلمت حرفة صناعة المشغولات اليدوية، وأصبح السجن هو كل أهلي وأسرتي لدرجة أن أي زميلة يتم الإفراج عنها قبلي أشعر بالغربة الشديدة وكأني فقدت إحدى شقيقاتي، لا أعلم ماذا أفعل عندما أخرج فهذا أمر أمامه سنوات وسنوات ولكن كل ما أتمناه فقط في هذه الدنيا هو أن احتضن أبنائي واقبلهم وارتمى داخل أحضانهم. 


عندما وصلت عبير لهذا الجزء من قصتها تناثرت دموعها على وجنتيها ولم تستطع الكلام أكثر من ذلك، لكن لم تنتهي حكاية أشهر سجينه مع الحياة فهي ينتظرها طريق طويل من الليالي المظلمة، السوداء داخل السجن، لا نعلم ماذا ستفعل عندما تخرج من السجن؟ فهذا أمر أمامه سنوات وسنوات، كيف سيستقبلها أبنائها بعد علمهم أنها سبب رئيسي في حرمانهم من والدهم؟، أسئلة كثيرة ومثيرة نتركها للأيام لتجيب عنها، تركناها لذكرياتها ومصيرها لعل السنوات تخفف عن كاهلها ما هي فيه. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة