حكايات| أحله لثلاثة أيام.. قصة «نبيذ» أحبه النبي
 حكايات| أحله لثلاثة أيام.. قصة «نبيذ» أحبه النبي


 حكايات| أحله لثلاثة أيام.. قصة «نبيذ» أحبه النبي

أحمد الجمال

الأحد، 26 أغسطس 2018 - 04:59 م

 

«النبي محمد شرب الخمر، فكيف يحرمه القرآن على المسلمين؟».. سؤال مباغت يطرحه بعض المستشرقين من حين لآخر، ظاهره الحق غير أن باطنه يحمل باطلا وافتراء على نبي الإسلام.


رغم سذاجة السؤال بالنسبة لعوام المسلمين إلا أن قليلًا من البحث في كتب الأحاديث الصحيحة تثبت عكس قد ما يظن البعض.. بالفعل ورد ذكر شرب النبي لشيء عرف ضمنًا بأنه خمرًا أو أحد أشكال وصور الخمر وهو «النبيذ»؛ لكن ما هو النبيذ المقصود؟


 
«المعجم» لا يميز بين الخمر والنبيذ

 


بمطالعة سريعة للمعجم الوسيط فإن تعريف «النَّبِيذُ» هو شراب مُسكر يتخذ من عصير العنب أو التمر أو غيرهما، ويترك حتى يختمر، أما «الخمر» فهو ما أسكر من الشراب وعصير العنب ونحوه؛ لأنها تغطي العقل.



لأول وهلة لا يوجد فرقًا واضحًا بين المعنييّن فكلاهما مسكر وكلاهما يغيب العقل، ولكن ماذا عن فهم أهل العلم للفرق بين المصطلحيّن؟

 

اقرأ حكاية أخرى| أسطورة عصا موسى.. بخلاف «فرعون» أسرار عن «الحية التي تسعى»

 

ببساطة «الخمر» اسم جامع لكل ما أدى إلى السُكر، سواء كان مصدرها من الفواكه، مثل العنب والتمر والزبيب، أو من الحبوب، مثل الحنطة والشعير والذرة، أو من العسل، سواء عولجت بالنار «طبخت»، أو لم تعالج.

 

بمرور السنوات، أطلق العامة اسم النبيذ على الخمر في العصر الحديث، ولهذا فإن العلة من تحريم الخمر هي الإسكار، دون اعتبار للمصدر الذي استمدت منه، أو المسمى المطلق عليها، بحسب ما أكده الدكتور شبيب بن علي الحاضري، في كتابه «الخمر داء وليست بدواء».

 

وبمراجعة شرح الأحاديث النبوية التي ورد فيها ذكر كلمة «نبيذ»، يتبين أن هناك فرقًا شاسعًا بينها وبين الكلمتين؛ حيث أن كلمة «نبيذ» أطلقت على الخمر في العصر الحديث، والنبيذ الذي شربه النبي لا علاقة له بالخمر وأنه أقرب في الوصف الحالي لـ«الخشاف» أو الماء المُحلى بالبلح الذي يتناوله الصائمون في رمضان.

 

 
فصل الخطاب في أحاديث النبيذ


بتوغل آخر في البحث عن كلمة النبيذ في كتب الحديث الصحيحة، يتضح أكثر وأكثر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تناول هذا المشروب، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه «عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله، ألا نسقيك نبيذا؟ فقال: بلى. قال: فخرج الرجل يسعى، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا. قال: فشرب». وكلمة ألا خمرته تعني في شرح الحديث (غطيته) وليس التخمير بمعناه الدارج.

 

اقرأ حكاية أخرى| أكل المخاصي «حرام».. ماذا لو كان رأي «أبو حنيفة» صائبًا؟ 


ثم في حديث آخر عن ابن حزم القشيري، قال: «لقيت عائشة، فسألتها عن النبيذ، فدعت جارية حبشية، فقالت: سل هذه؛ فإنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ له في سقاء من الليل، وأوكيه -أغطيه- وأعلقه، فإذا أصبح شرب منه». وهذا الحديث أقرب ما يكون لما سبق ذكره من فكرة «الخشاف» الرمضاني.

 

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله ينقع له الزبيب، فيشربه اليوم، والغد، وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيسقى أو يهراق». أي أن النبي كان يشرب منه طالما لم يختمر ولم يتغير طعمه، وهو ما يثبت أن النبي كان لا يشرب الشراب المختمر الذي تغير طعمه ورائحته.

 

وهناك كثير من الأحاديث في كتب السنة الصحيحة تثبت شرب النبي للنبيذ، وأكد علماء الحديث أن الزعم بمخالفة تلك الأحاديث للقرآن في نهيه عن شرب الخمر، حيث قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (90 - المائدة) وهذا الأمر مردود بسبب الخلط بين مفهوم الخمر والنبيذ.

 


النبي ينهى عن شرب الخمر

 

قبل نزول تحريم الخمر كان بعض المسلمين - حال السُكر - يتفاخرون فيما بينهم، ويضرب بعضهم بعضا؛ لأجل ذلك حُرمت الخمر، فضلا عما بها من أضرار تصيب الإنسان، وليس كل ذلك متحققا في «النبيذ» الذي كان يشربه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبيذ الذي شربه النبي صلى الله عليه وسلم، هو ماء ينقع فيه التمر أو غيره لتخرج حلاوته، فيشرب قبل أن يتخمر ويصبح مسكرًا، حسبما جاء في «الصحيح المختصر للبخاري» تحقيق مصطفى ديب البغا.

 

اقرأ حكاية أخرى| «منديس» المقدسة.. أول قبلة حج إليها المصريون القدماء

 

 
ولكن إذا تخمر «النبيذ» تحول لمشروب مسُكر وحُرّم لعلة تحريم الخمر؛ لأن من مقاصد الشريعة حفظ العقل، وفي السكر تغييب للعقول. وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الانتباذ فوق ثلاثة أيام؛ لأن بعد الثالثة يتغير النبيذ ويصبح مظنة الإسكار، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشرب ويهراق - يلقى ولا يشرب-.

 

وعن ابن عباس أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقع له الزبيب، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيسقى أو يهراق». وقال النووي عند شرحه لأحاديث الباب: «في هذه الأحاديث دلالة على جواز الانتباذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلوا لم يتغير، ولم يغل، وهذا جائز بإجماع الأمة».

 

 
خلط النبيذ.. وعلة التحريم

 

ولما كان خلط «النبيذ» يفتح المجال لفساده وتخمره؛ نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن انتباذ الخليطين من الأشربة، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا»، كما جاء في صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: «الأشربة، باب: كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين»، وذلك احتياطا منه - صلى الله عليه وسلم - وتشديدًا فيما قد يظن فيه شبهة سُكر.

 
 

الفصل في شُرب الخمر


وللتأكيد على أن النبي نهى أشد النهي عن شٌرب الخمر، ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر». ومن تأكيده في تحريم الخمر أنه حرم القليل منها فضلا عن الكثير، فقال عن عبد الله بن عمرو: «ما أسكر كثيره فقليله حرام». 

 

اقرأ حكاية أخرى| رحلة حج الرجل الأغنى في التاريخ.. تصدق بالذهب وعاد دون ملكه

 

وعن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعته يقول: «كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق-مكيال يسع 16 رطلا- فملء الكف منه حرام».

 
ولم يكتف النبي بتحريم شرب الخمر فقط ولكنه حدد أصناف يشملهم التحريم كالشاربين تمامًا، فعن أنس قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، والمعصورة له، وحاملها، والمحمولة له، وبائعها، والمبيوعة له، وساقيها، والمسقاة له، حتى عد عشرة من هذا الضرب» حسبما جاء في صحيح ابن ماجه كتاب «الأشربة، باب: لعنت الخمر على عشرة أوجه».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة