الكاتب الصحفي خالد ميري - رئيس تحرير الأخبار
الكاتب الصحفي خالد ميري - رئيس تحرير الأخبار


خالد ميري يكتب من بكين: مصر والصين.. انطلاقة التاريخ

خالد ميري

الأحد، 02 سبتمبر 2018 - 10:21 م

الاحترام المتبادل والثقة عنوان علاقة قوية تجمع الزعيمين السيسى وبينج


ماذا تغير خلال ٦٣ سنة منذ القمة الأولى التى جمعت زعيمى الدولتين فى باندونج؟


الحضارة العريقة تقود الدولتين على طريق الحرير والمستقبل المشرق


الشرق الذى استنزفت ثرواته طويلاً عاد ليقود العالم من جديد

 

عبر السنوات الـ٦٣ الأخيرة شهدت العلاقات المصرية الصينية ١٧ قمة لزعماء الدولتين، بدأ أولها ابريل ١٩٥٥ بالقمة التى جمعت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر برئيس مجلس الدولة الصينى شو ان لاى فى باندونج بإندونيسيا، وكانت القمة الأخيرة أول أمس التى جمعت الزعيمين عبد الفتاح السيسى والصينى شى جين بينج.


الفارق كبير بين مصر والصين قبل ٦٣ سنة والبلدين الآن.. فى زمن القمة الأولى كانت مصر قد تخلصت من الاحتلال الإنجليزى الذى جثم على صدرها طويلا وانطلقت تقود حركات التحرر عربيا وأفريقيا وآسيويا وسط صعوبات اقتصادية ومؤامرات عالمية.. وكانت الصين خرجت تعانى الأمرين بعد سنوات احتلال والحرب العالمية الثانية، الآن مصر انطلقت على طريق المستقبل بقوة اقتصاديا وسياسيا بعد أن تخلصت من عام الإخوان الأسود وحاصرت الإرهاب المجرم.. انطلقت تستعيد مكانتها عالميا وإقليميا مع زعيم لا يخشى إلا الله ويعرف كيف يقود بلده وسط أنواء عالمية ومتغيرات سريعة فى كل المجالات.. والصين انطلقت على طريق المستقبل بل وأصبحت تزاحم أمريكا على زعامة العالم بقوة وثقة.


منذ وصول الرئيس السيسى إلى حكم مصر قبل ٤ سنوات حافظت مصر على علاقات قوية وثيقة مع أمريكا وأوروبا.. لكن ذلك لم يكن أبدا على حساب علاقاتها بالشرق وعلى رأسه الصين، السياسة المصرية تحررت من التبعية وبوصلتها تتحرك حيث مصالح مصر وشعبها بقوة وثقة ودون تردد، وخلال السنوات الأربع انعقدت ٦ قمم جمعت زعيمى مصر والصين.. الأولى فى ديسمبر ٢٠١٤ بعد وصول السيسى للحكم بإرادة شعبية كاسحة، وبعدها زار بينج القاهرة فى يناير ٢٠١٦، كما حرص على دعوة زعيم مصر للمشاركة فى ٤ قمم عالمية بالصين بمشاركة زعماء العالم.. بداية من احتفال الصين بعيد النصر والذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية عام ٢٠١٥ ومرورا بقمة العشرين عام ٢٠١٦ وقمة البريكس عام ٢٠١٧ وصولا إلى منتدى الصين - أفريقيا الذى بدأت فعالياته اليوم ببكين.


الصين حريصة على علاقات قوية مع مصر وبينج يحترم الرئيس المصرى كثيرا ويحرص على علاقة احترام وثقة قوية تربط بينهما، ومصر حريصة على تطوير علاقاتها بالصين والسيسى يبادل بينج نفس الاحترام والثقة، تعرف الصين أن مصر التى تضرب فى جذور التاريخ لأكثر من سبعة آلاف سنة تستعيد قوتها وزعامتها لمنطقتنا الآن، وأنها يمكنها أن تكون مركزا تجاريا لها بالشرق الأوسط وأفريقيا، وتعرف مصر أن الصين دولة التاريخ الذى يمتد لآلاف السنين تنطلق بقوة وثقة لزعامة العالم وقيادته.. التاريخ الطويل والحضارة العريقة جمعت الدولتين وواقع الانطلاق والمستقبل المشرق يقود علاقاتهما على طريق الحرير.


وعندما أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق عام ٢٠١٣ لإعادة إحياء طريق الحرير، ليصبح أهم ممر اقتصادى تجارى عالمى يربطها مع أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، كانت مصر فى قلب الطريق وقناة السويس أهم شرايينه ولهذا تعمقت العلاقات وتقاربت المسافات فى علاقات يحكمها الاحترام والصداقة والمصالح المشتركة، والمبادرة التى انضم لها ٧٥ دولة و٣٥ منظمة دولية تهدف الصين منها لاستثمار ١٠ تريليونات دولار فى ٥ سنوات لتصبح فى مقدمة الاقتصاد العالمى.


ومنذ وصول الرئيس السيسى إلى الحكم تحولت علاقات البلدين إلى شراكة استراتيجية شاملة، واتفاقية الشراكة التى تم توقيعها ببكين فى الزيارة الأولى للسيسى تحولت إلى واقع وصل بحجم التبادل التجارى إلى ١١ مليار دولار قبل عام مع زيادة مستمرة، وأصبحت الصين تنافس الإمارات على المركز الأول للاستثمار داخل مصر.. حيث تعمل ١٣٤٥ شركة صينية بمصر وتوفر ٢٧ ألف فرصة عمل، فى مشروعات الفايبر جلاس بالعين السخنة وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بأسوان ومنطقة الأبراج والمال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات المهمة، كما تشهد علاقات البلدين تنسيقا سياسيا كبيرا فى كل القضايا الدولية والحيوية وتدعم الصين مصر بشكل واضح فى كل المحافل الدولية، وهناك تعاون أمنى وعسكرى لتتحول الاتفاقات بين البلدين من أوراق وأحبار إلى واقع يشهد بالتقدم المستمر على طريق التعاون فى كل المجالات.


وجاءت زيارة الرئيس السيسى الحالية إلى بكين وسط تفاؤل كبير بمستقبل أكثر إشراقا وتعاونا لعلاقات البلدين، فبلاد الحضارة تستعيد قوتها.. البلاد التى علمت العالم وقادته طويلا مازالت قادرة على الفعل وعلى أن تستعيد زمام المبادرة وقوة القيادة، والتاريخ علمنا أنه يدور كالكرة الأرضيّة ومن يعانى سنوات الضعف يمكنه أن يستعيد زمن القوة طالما لديه الإرادة والعزيمة وهذا ما يحدث فى مصر والصين.. الشرق الذى طالما عانى واستنزفت ثرواته قادر على أن يستعيد مكانته وريادته وهذا ما يحدث.. وأثق أن حلقاته ستكتمل فى وقت قريب وسنوات معدودة.


وبمجرد أن هبطت طائرة الرئيس السيسى فى بكين بدأ العمل على الفور، برغم الرحلة الطويلة من البحرين الشقيقة والتى تقارب ٩ ساعات.. هكذا تعودنا من الرئيس داخل وخارج مصر، الرجل يواصل العمل ليل نهار والهدف واحد استعادة مصر لمكانتها وتعويض سنوات التخلف التى استمرت طويلا.. والانطلاق بخطوات واسعة على طريق بناء الدولة الحديثة وتحقيق القوة للدولة والرفاهية لشعبها.

 

وفى يوم وصول الرئيس أول أمس كانت القمة السادسة التى جمعته بالرئيس الصينى بينج فى قاعة الشعب الكبرى رمز التاريخ والقوة الصينية بقلب بكين، القمة استمرت بجلسة موسعة حضرها أيضا الوفد المصرى، والذى ضم سامح شكرى وزير الخارجية ود. سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى والمهندس عمرو نصار وزير التجارة والصناعة واللواء مصطفى شريف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة واللواء محسن عبدالنبى مدير مكتب الرئيس والسفير بسام راضى المتحدث الرسمى وسفير مصر فى الصين أسامة المجدوب وقد انضم للوفد الرسمى فى بكين الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس ود. محمد شاكر وزير الكهرباء. 

 

وعقب المباحثات التى شهدنا جانبا منها ورأينا كيف يقدر الرئيس الصينى زعيم مصر، حيث بدأ حديثه بتوجيه التهنئة لإعادة انتخابه مرة ثانية بإرادة شعبية كاسحة وبكلمات التقدير والثناء على رئيس مصر ودولته العريقة، وبعدها تم توقيع ٥ اتفاقيات مهمة تؤكد حرص الصين على المشاركة فى كل مشروعات التنمية بمصر فى السنوات القادمة وتحقيق مبادئ الشراكة الاستراتيجية الشاملة.


وفور انتهاء المباحثات أقام الرئيس الصينى مأدبة عشاء على شرف رئيس مصر، ليستمر الحوار الودى وكلمات الثناء ويتأكد العزم على تحسين العلاقات والانطلاق بها إلى الأمام بكل قوة.


وبالأمس واصل الرئيس فى اليوم الثانى للزيارة نشاطه المكثف بداية من زيارة أكاديمية الحزب الشيوعى الصينى، معمل تفريخ القيادات بهذه الدولة الكبرى.. ليتم توثيق روابط العلاقة بينها وبين الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب بمصر، وأكد الرئيس على الشراكة الحضارية والتاريخية التى تربط البلدين.. والمؤكد أن زيارة الرئيس لهذا الصرح الأكاديمى الرفيع يؤكد على أهمية الاستفادة من تجربة الصين فى تأهيل وتدريب الشباب للقيادة وهو ما يؤكد حرص السيسى على تأهيل شباب مصر وإعدادهم لقيادتها خاصة بعد الدفع بعدد منهم كنواب للمحافظين فى الحركة التى جرت قبل أيام.


وبالأمس التقى الرئيس أيضا برئيس مجلس الدولة الصينى لى كيه تشيانج ليستكمل معه المحادثات حول كل أوجه التعاون الثنائى.. كما قام الرئيس بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكارى ببكين. 


كما التقى الرئيس برؤساء كبرى الشركات الصينية بحضور عدد كبير من رجال الأعمال المصريين لدفع العلاقات الاقتصادية إلى الأمام وبكل قوة ويشهد الرئيس السيسى التوقيع على عدد من العقود مع شركات صينية لتنفيذ مشروعات تنموية مختلفة فى مصر بقيمة استثمارية حوالى ١٨٫٣ مليار دولار.

 

ومن هذه المشروعات القطار الكهربى الذى سيربط العاصمة الإدارية الجديدة بالعلمين الجديدة والمرحلة الثانية لحى المال والأعمال بالعاصمة الإدارية وقمر صناعى مصرى جديد ومشروع توليد الكهرباء من الفحم النظيف وقرض ميسر بالعملة الصينية للبنك المركزى، وهو ما يؤكد ما قاله السيسى فى بداية القمة بأن مصر تحرص على دفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى آفاق غير مسبوقة.


وبرغم أن أول يومين فى الزيارة تم تخصيصهما للعلاقات الثنائية بين البلدين العريقين، إلا أن الرئيس السيسى عقد ٣ لقاءات مهمة مع قادة أفريقيا، وجاءت القمة مع رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد على لتؤكد على دعم العلاقات الاقتصادية والسياسية والتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة لا يضر بأى طرف.

 

وجاء لقاء الرئيس السيسى بالرئيس السودانى عمر البشير لدفع العلاقات قدما بين البلدين لأفاق أرحب من التعاون فى كل المجالات، بالإضافة إلى اللقاء الإيجابى برئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو.. واليوم وغدا تتواصل الزيارة فى منتدى الصين - أفريقيا - فوكاك - بحضور زعماء ٢٠ دولة أفريقية وعدد  من المسئولين من ٣٠ دولة أخرى ورؤساء كبرى المنظمات الدولية.

 

وقد وصل التبادل التجارى بين الصين ودول القارة إلى ١٧٠ مليار دولار ومصر هى الشريك الأفريقى الثالث للصين تجاريا، وتهدف القمة لتعزيز العلاقات الصينية الأفريقية ودفعها إلى الأمام، وخلال يومى القمة الأفريقية يعقد الرئيس السيسى جلسات مباحثات مهمة مع عدد كبير من قادة أفريقيا والمنظمات الدولية. 


عندما تسير فى شوارع بكين تتوقف طويلا أمام اتساع الشوارع وعظمة المبانى والأبراج الشاهقة والمناظر الخضراء والورود فى كل مكان.. ترى الحاضر العظيم يعانق حضارة شامخة تركت آثارها فى الشوارع والميادين، وتعرف لماذا كانت العلاقات المصرية الصينية القوية ضرورة، فمصر التاريخ العظيم تسير على طريق الحداثة بخطوات واسعة كما فعلت الصين.. وهى علاقات كانت وستظل علاقات احترام وتقدير ومصالح مشتركة دون تبعية أو إملاءات.


من الصين تواصل مصر الانطلاق للمستقبل.. وقيادة دول قارتها على طريق البناء والتعمير والتعاون لتحقيق مصالح الجميع.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة