ياسر رزق
ياسر رزق


ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب من نيويورك: أجواء الكلمة الخامسة للسيسي.. ووقائع اللقاء المغلق مع ترامب

ياسر رزق

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018 - 09:25 م

 

الرابعة والنصف عصر أمس الأول بتوقيت نيويورك.


خارج قاعة الطوابق الأربعة، التى تحتضن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، اصطف أعضاء الوفود العربية والأفريقية يهنئون الرئيس عبدالفتاح السيسى، قبيل مغادرته المبنى الزجاجى للمنظمة الدولية فى أعقاب إلقائه كلمته أمس الأول أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية.

 

كان الوداع حاراً برغم أمطار غزيرة هطلت على نيويورك قبلها بنحو 12 ساعة، ومازالت تسقط دون انقطاع بعدها بنحو 24 ساعة.


وخارج الحواجز الحديدية التى تعزل الجادة الأولى لنيويورك أمام مجمع مبانى الأمم المتحدة المطلة على النهر الشرقى «إيست ريڤر»، وقفت حشود من أبناء الجالية المصرية بنيويورك المقيمين بالولايات الأخرى، يلوحون للرئيس داخل سيارته، ويهتفون «تحيا مصر»، تحت أمطار لم تفلح المظلات فى حجبها عن إغراق ملابسهم بالمياه.

 

< < <

 

هذه هى المرة الخامسة التى أستمع فيها من داخل قاعة الجمعية العامة إلى كلمة الرئيس السيسى منذ إطلالته الأولى على المجتمع الدولى من منصة الأمم المتحدة بعد 100 يوم من توليه منصبه فى سبتمبر 2014.

 

وهذه المرة الخامسة أيضا التى أشاهد فيها الرئيس ومشهد توديعه بالمنظمة الدولية عقب إلقاء الكلمة.

 

مياه كثيرة جرت تحت جسور نهر النيل بين سبتمبر 2014، وسبتمبر 2018، تركت آثارها على إطلالة الرئيس هذه المرة، ومحتوى كلمته وأسلوب صياغتها، ورسمت ملامح مشهد التهنئة والوداع عند أبواب المبنى الزجاجى.

 

< < <

 

هذه المرة.. لم يجد الرئيس السيسى نفسه بحاجة إلى تقديم مصر الجديدة.

 

لم يكن بحاجة إلى الحديث عما جرى فى 30 يونيه، ولا عن النظام الذى أراد تغيير الهوية الوطنية فلفظه الشعب، ولا عن خطر الإرهاب الداهم الذى يهدد البلاد، ولا عن مشروعات تنمية تقام وسط تحديات صعبة.

 

لم يكن الرئيس السيسى يتحدث هذه المرة بصوت تغلب عليه العاطفة، ويملؤه حماس الموقف.

 

لم يتحدث بلسان رئيس دولة تنفض عن نفسها غبار العزلة، أو تنشد مساندة المجتمع الدولى لسياستها، أو تعلن رغبتها فى العودة إلى مكانة فارقتها وإلى دور غاب عنها.

 

هذه المرة.. كان السيسى يتحدث بلسان دولة إقليمية كبرى، تتكلم بلسان أمتها، وإقليمها، وقارتها، وتعلن تصوراتها لمجتمع دولى أكثر عدالة وإنصافا، وتقدم رؤيتها الخالصة لهموم وشواغل الناس فى هذا العالم، من خلال مبادئ ثلاثة حددتها، وقضايا ثلاث سلطت عليها الأضواء.

 

صوت العقل كانت تفصح عنه نبرات حديث السيسى، التى بدا عليها الوضوح والتصميم، وهو يتكلم كقائد لمصر، وزعيم للأمة العربية، ورئيس لمجموعة الـ(77+الصين)، ورئيس مقبل للاتحاد الأفريقى، كبرى التجمعات الإقليمية فى العالم.

 

< < <

 

برغم أن كلمة الرئيس السيسى لم تستغرق سوى 15 دقيقة، إلا أنها كانت حافلة بالمعانى والمواقف والرؤى والتصورات.

 

حرص الرئيس على مصارحة قادة الدول وأعضاء الوفود ومشاهدى كلمته فى مختلف أرجاء العالم، بالخلل الذى يعترى أداء المنظمة الدولية والمصداقية التى تفتقدها فيها الشعوب العربية والأفريقية.

 

وحدد الرئيس 3 مبادئ ينبغى تجديد الالتزام بها..

 

أولها: الحفاظ على الدولة الوطنية القائمة على المواطنة والديمقراطية والمساواة انطلاقا من خبرة مصر الفريدة، مشيرا إلى أنه لا مخرج للأزمات فى سوريا واليمن وليبيا إلى ذلك دون اللجوء إلى حلول جزئية تبتعد من المعالجات الشاملة.

 

وثانيها: الالتزام بحلول سلمية مستدامة للنزاعات الدولية داعيا إلى تسوية نهائية لنزاعات جنوب السودان وأفريقيا الوسطى ومالى، ومؤكدا على ضرورة توفر الإرادة السياسية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لانجاز تسوية نهائية تضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وشدد الرئيس على أن يد العرب مازالت ممدودة بالسلام.

 

وثالثها: الالتزام بتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة كشرط ضرورى لنظام عالمى مستقر.


أما القضايا الثلاث التى سلط عليها الرئيس أضواء كلمته، فتلخصت فى تعزيز الشراكة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، مؤكدا تطلع مصر إلى شراكة فعالة بين الاتحاد الأفريقى والمنظمة الدولية، كذلك استكمال العمل لإيجاد إطار دولى شامل لمكافحة الإرهاب، وأحاط الرئيس فى هذا الصدد قادة دول العالم بما حققته العملية الشاملة «سيناء -2018» فى مجال مكافحة الإرهاب ودحره نهائيا.

 

وكانت القضية الثالثة هى حقوق الإنسان، وقدم الرئيس رؤية مصر الشاملة لحماية هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منوها بما حققته مصر استنادا لدستورها الذى يحمل حقوق الإنسان بأشمل معانيه ومفاهيمه.

 

مشهد جديد لاحظته هذا العام لتوديع الرئيس السيسى بعد إلقاء كلمته، يختلف عن مشاهد الوداع والتهنئة خلال السنوات الأربع الماضية.

 

هذا العام لم يكن المودعون هم أعضاء وفود المنظمات والهيئات الدولية من المصريين وأعضاء الوفود العربية المشاركة فى الاجتماعات فحسب.

 

بل كان الملاحظ وجود عدد كبير من أعضاء الوفود الأفريقية الذين لمسوا أن الرئيس السيسى بكلمته قد باشر فعلا مسئوليته القيادية الإفريقية، من قبل أن يتولى رئاسة الاتحاد الأفريقى بثلاثة أشهر.

 

ويبدو أن دورة رئاسة السيسى الأفريقية ستكون محملة بالآمال والتطلعات الأفريقية، مثلما رئاسته المصرية محملة بآمال وأحلام وتطلعات كل المصريين.

 

< < <

 

كلمة الرئيس السيسى أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة، جاءت غداة القمة الخامسة بين السيسى وترامب، فى الطابق الخامس من مقر إقامة الرئيس فى فندق «نيويورك بالاس».

 

فى الخامسة والربع مساء الاثنين بدأت وقائع القمة وانتهت فى السادسة والنصف، بزيادة 30 دقيقة عن الوقت المحدد لها، كما هى العادة فى لقاءات السيسى وترامب.

 

على مدى ساعة.. التقى الرئيسان فى جلسة موسعة، حضرها من الجانب الأمريكى مايك بنس نائب الرئيس، ومايك بومبيو وزير الخارجية وجون بولتون مستشار الأمن القومى.

 

وحضرها من الجانب المصرى سامح شكرى وزير الخارجية وعمرو نصار وزير التجارة والصناعة واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة واللواء محسن عبدالنبى مدير مكتب الرئيس والسفير ياسر رضا سفير مصر بواشنطن والسفير بسام راضى المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية.

 

بعدها، غادر أعضاء الوفدين الاجتماع، ليقتصر على الرئيسين وحدهما لمدة 15 دقيقة فى جلسة مغلقة.

 

فى هذه الجلسة.. تركز الحديث على قضيتين رئيسيتين بجانب إشارات سريعة لموضوعات أخرى.

 

القضية الأولى هى مكافحة الإرهاب ومطالب مصر لتعزيز دورها فى هذا المجال.

 

والقضية الثانية هى مفاوضات السلام المأمولة بالشرق الأوسط والتسوية النهائية.

 

كان الرئيس السيسى هو المبادر بالحديث فى الجلسة المغلقة، وعرض فى هذا الصدد النجاح الذى حققته القوات المصرية فى العملية «سيناء -2018»، وطرح المطالب فى مجال تعزيز القدرات المصرية وتحقيق أعلى قدر من الكفاءة والفعالية لدحر الإرهاب نهائيا، بما فيها تفعيل التعاون الأمنى.

 

واستمع الرئيس ترامب إلى حديث السيسى مؤكدا مساندة الولايات المتحدة الكاملة لمصر لدحر الإرهاب.

 

ثم تحدث الرئيس السيسى عن القضية الفلسطينية بكل الصراحة الواجبة. أكد الرئيس ضرورة أن تنتهى أى تسوية أو مفاوضات بحل نهائى، وأن يقوم هذا الحل على قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وانطلاقا مما انتهت إليه المفاوضات قبل توقفها وعدم إهدار ما تحقق فى هذا الشأن.

 

أعطى الرئيس رؤية لما ستكون عليه الأوضاع بالمنطقة وحياة شعوبها فى حال التوصل إلى تسوية عادلة على أساس الشرعية الدولية وحل الدولتين ونبه إلى مخاطر فقدان الأمل وانعدام أفق السلام.

 

وقال الرئيس إن مصر مستعدة لتلقى أى مقترحات بشأن خطة الإدارة الأمريكية للسلام عند تبلورها، لإبداء الرأى عليها قبل طرحها وإعلانها. وأكد استعداد مصر لبذل كل جهد لاستئناف التفاوض وصولاً إلى تسوية عادلة تحقق تطلعات المنطقة نحو السلام وتطلعات الشعب الفلسطينى لقيام دولته المستقلة.

 

استمع الرئيس ترامب بإنصات إلى كلام الرئيس السيسى وعبر عن أمله فى التوصل إلى السلام وتصميمه على بذل كل جهد مستطاع لتحقيقه.

 

< < <

 

حفلت القمة المصرية الأمريكية سواء فى جلستها الموسعة أو اجتماعها المغلق بعبارات التقدير من جانب ترامب للرئيس السيسى، وللنجاحات الاقتصادية التى حققتها مصر خلال رئاسته، ولدور مصر فى صدارة الدول التى تحارب الإرهاب، كما حفلت أيضا بعبارات التقدير والإعجاب من جانب الرئيس السيسى بالسياسات التى ينتهجها الرئيس ترامب والنجاحات التى حققها خلال رئاسته.


وبدا من خلال المودة التى سادت اللقاء عمق العلاقات الشخصية بين الرئيسين، وهو ما عبرت عنه تغريدة الرئيس ترامب ومن بعدها تغريدة الرئيس السيسى عن تشرف كل منهما بلقاء الآخر ونجاح المباحثات.

 

ولعل أبرز ما يعبر عن نجاح القمة الخامسة المصرية الأمريكية، وفقا لما قاله لى أعضاء الوفد المشارك فى القمة، هو ما شدد عليه ترامب فى ختام الجلسة الثنائية بأن الولايات المتحدة تقف بكل قوة خلف مصر وبجوارها وتساندها فى كل جهودها لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.

 

< < <

 

صباح أمس بتوقيت نيويورك، الرابعة عصراً بتوقيت القاهرة بدأ لقاء الرئيس ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وعصر أمس بتوقيت نيويورك، الليلة الماضية بتوقيت القاهرة، ينتظر أن يلتقى الرئيس السيسى مع نتنياهو.

 

وبرغم ضعف الآمال فى حدوث اختراق على الملف الفلسطينى، وهو ما عبر عنه جويتيريش السكرتير العام للأمم المتحدة فى كلمته، مازال هناك بصيص أمل فى تحريك الجمود وانتشال عملية السلام من حالة الموات السريرى التى تعيشها منذ سنوات.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة