الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب


خلال مؤتمر قادة الأديان

الإمام الأكبر: لا مفر من العودة إلى الدين كحارس للأخلاق

إسراء كارم

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018 - 10:12 ص

- المواثيق العالمية تصبح حبرا على ورق حين يتعلق الأمر بالبلاد النامية

- لا مفر من العودة إلى الدين كحارس للأخلاق لحل أزمة عالمنا المعاصر

- عالمنا يعاني أزمة شديدة التعقيد مركبة من الألم والتوتر والجزع

- ظاهرة البؤس تكاد تكون السمة التي تنفرد بها حضارتنا المعاصرة

- الإرهاب ليس صنيعة للإسلام أو الأديان لكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة

 

ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، كلمة رئيسية في افتتاح مؤتمر زعماء الأديان، الذي انطلقت فعالياته اليوم الأربعاء، في قصر السلام والوفاق بالعاصمة الكازاخية أستانة، بحضور رئيسي كازاخستان وصربيا، ونخبة من كبار القيادات الدينية في العالم.

 

وتأتي مشاركة فضيلة الإمام الأكبر في المؤتمر في إطار زيارته الرسمية إلى جمهورية كازاخستان، والتي التقى خلالها بالرئيس الكازاخي "نورسلطان نزارباييف"، وعدد من كبار المسئولين السياسيين والدينيين، كما تم تقليده "الأستاذية الفخرية" من جامعة "أوراسيا الوطنية، أكبر جامعات كازاخستان.

 

واعتبر ، خلال كلمته أمام المؤتمر، أن حل أزمة عالمنا المعاصر يستوجب ضرورة العودة إلى الدين ومرجعيته، كحارس للأخلاق وضوابطها، ومنقذ لحل لأزمة عالمنا المعاصر، لافتا إلى أن عالمنا يعاني من أزمة شديدة التعقيد مركبة من الألم والتوتر والتوجس والجزع، وتوقع الأسوأ كل يوم.

 

وأشار شيخ الأزهر، إلى أن الإرهاب ألصق بالإسلام وحده من بين سائر الأديان، مع أن التأمل الدقيق يوضح أن إمكانيات المنطقة التقنية والتدريبية والتسليحية لا تكفي لتفسير ظهور هذا الإرهاب ظهورا مباغتا بهذه القوة الهائلة التي تمكنه من التنقل واجتياز الحدود والكر والفر في أمان تام، مشددا على أن الإرهاب ليس صنيعة للإسلام أو الأديان ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضلت الطريق وفقدت الإحساس بآلام الآخرين من الفقراء والمستضعفين.

 

وفيما يلي نص كلمة فضيلة الإمام الأكبر

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامــة الر ئيس/ نور سلطان نازار باييف - رئيس جمهورية كازاخستان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد يكون من الصَعب على أمثالي، ممَن شـاركوا في مؤتمرات عديدة للحوار بين الأديان، ولبحث ظاهرة الإرهاب –أن أضيفَ اليوم في كلمتي هذه جديدا على أسماع السَادة المشاركين في هذا المؤتمر الكبير، ولكن قد يكون لكلمتي مبرر لو أفلحت في لفت الأنظَار إلى محوريَة موضوع هذا المؤتمر وخطره البالغ الأهميَة في تكييف «أزمة عالمنا المعاصر»، وأنه لا مفر في حلها من ضَرورة العودة إلى الدين ومرجعيته كحـارس للأخـلاق وضوابطها، ومنقذ لحضـارتنا الحـديثة ومكاسبها ومنجزاتها مما ينتظرها من مصير تؤكده سنن الله في سير الحضارات وتاريخ الأمم والشعوب.

 

الحَفــل الكَــريم!

 

لعلَ من نافلَة القول التأكيد على أنَ عالمَنا اليوم يعاني من أزمة شديدة التَعقيد، مركَبة من الألم والتوتر والتوجس والجزَع، وتوقع الأسوأ في كل يوم، حتى أصبح العنف المتبادَل أشبه بأن يكون قانونَ العلاقات الدوليَة، أو لغةَ الحوار بين الغرب والشَرق، ولا يحتاج المتأمل في هذه الأزمة إلى أكثر من أن يَتلفتَ عن يَمينه أو شماله ليدرك أنَ ظاهرةَ «البؤس» هي السمَة التي تكاد تتفرَد بها حضارتنا المعاصرة عن باقي الحضارات التي مَر بها تاريخ الإنسانيَة قديما وحديثا.

 

كيف لا؟! وقد كان القرن التاسع عشر، الذي هو قرن التَطور والمذاهب العلميَة والفلسفيَة، هو نَفسـه قرن التوسع الشره اللاإنسـاني في اسـتعمار الأمَم والشعوب ونَهب ثرواتها ومصادَرة حقوقها واستغلال مواردها ومقدَراتها، بعد ما زعم منظروا الاستعمار أنَ النَاسَ ليسـوا سـواء لا في أصل خلقَتهم، ولا في أجناسهم، وأنَ الجنسَ الأبيض، أو الجنس الآري هو الجنس الأعلى، ورسالته التي كلفَ بها من السَماء هي تهذيب الأجنـاس الأخرى التي هي أدون منـه: إنسـانيَة وعقلا وتفكيرا.

 

ثم جاء القرن العشرون، وقد ظَنَنا أنه قرن الإنصاف وعودة الوعي السَليم إلى صناع السياسات العالميَة المندَفعة بهَوَس العنصريَات ودعاوَى القوميَات حتى في داخل العنصر الأوروبي الآري نَفسه، ولكن جاء هذا القرن فإذا به قرن الحربين العالميتين التي راحَ ضحيَتها أكثر من سبعين مليون ضحيَة من الشَباب والرجال والنساء والأطفال من كل الملَل والنحَل والأديان.. وكانت هاتان الحربان وَصمَة عار في جبين دعاوى التقدم العلمي والفلسفي والفَني.

 

ثم أفاقَ قادَة العالَم، وتنبَهوا لفداحة الثَمن، وتفاهَة البواعث التي أشعلت نيران الحرب، فتواضعوا على ضرورة أن يعيشَ العالَم في أمان وسلام. وأسَسوا لهذا الهدف النَبيل منظَمات دوليَة، وأذاعوا على أسماع الدنيا، في الشَرق والغَرب ما عرفَ بإعلان الأمَم المتَحدَة، أو «الميثاق» الذي يَضمن للشعوب حقها في الأمن والتقدم والرفاهية»، وتكفَلَت المادة الأولى في هذا الإعـلان بحفظ الأمن والسَلام الدَوليين، وتطبيق مبدأ المساواة بين الدول والأعضاء، ومنع اسـتخدام القوَة، أو التهديد بها في العلاقات الدولية، ومنع «التدخل في الشؤون الداخلية للدول».. ولم يدر بَخَلَد جيلي الذي أنتمي إليه أن هذا «الميثاق العالمي» الذي تعهد بحماية المستضعَفين وردع المتسلطين سوف يصبح مجرَد حبر على وَرَق حين يتعلَق الأمر بالبلاد النَامية، وببلدان الشرق الأوسط، والشعوب المغلوبة على أمرها، وأنَ القائمينَ على حراسة هذه المواثيق وتطبيقها ســوف يَكيلون للشعوب بمكيالين، ويَمنَحـون السَلام مَن يَشـاؤون، ويصرفونه عَمَن يشـاؤون، حَسب ما تَشـاء الأهوَاء وتقتضي المصالح والأغراض، ووَفقا لمنطـق القوَة والهيمَنـة، والقاعـدة اللاأخلاقيَة التي تقرر: «أنَ الغـايةَ تبرر الوَسيلَة».

 

ثم أطَلَ القرن الواحد والعشرون فجاء امتدادا لنوع آخر من الحروب، هو حروب الإرهاب.. وسرعان ما ألصق اسم «الإرهاب» بالإسلام وحده من بين سـائر الأديان، وبالمسلمين وحدهم من بين سـائر المؤمنين بهذه الأديان.

 

ويحزنني كثيرا –أيها السَيدات والسَادَة!- أن أقول: إنَنا كدنا نصَدق هذه الأكذوبة الماكرة، وأهدَرنا كثيرا من الجهد والطَاقة فيما يشبه الدفاع عن الإسلام، وتَبرئته من تهمَة «الإرهاب» مع أنَ المقام ليس مقام دفاع بقَدر ما هو مقام فضح للنوايا السَيئة والحمَلات الإعلاميَة الممَنهَجة التي أفلَحت – نعم: أفلحت، وأقولها بكل أسى ومرارة- أفلحت في أن تربط في وعي جماهير الغرب بين الإسلام والإرهاب، والمسلمين والوحشية والبربرية.. واستطاعت أن تروعَ شباب العالَم وأطفاله ونساءه ورجاله من هذا الدين القَيم، ومن نبيه الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين.

 

والحديث في قضيَة الإرهاب حديث ذو شجون، أكتفي فيه بملاحظة عابرة هي: أنه عنـد التأمل الدَقيق يتَضح أن إمكانات المنطقـة التقنيَة والتـدريبيَة والتَسليحيَة لا تَـكفي لتفسير ظهـور هذا الإرهاب ظهورا مباغتا بهذه القوَة الهائلة التي تمكنه من التنقل والتحرك واجتياز حدود الدول، والكَر والفَر في أمان تام، ممَا يحملنا على الشَك كل الشَك في أن هذا الإرهاب الذي ولدَ بأسنان وأنياب ومخالب صناعة عربيَة إسلاميَة خالصة، نقول هذا ونحن نعترف بأن المسرح فعلا مسرح عربي إسلامي، وأنَ اللاعبينَ مسلمون وعَرَب، لكننا نرتاب كثيرا في أن يكون أي من نص المسرحية وإخراجها عربيا خالصا أو إسلاميا خالصا.

 

هذا الإرهاب الذي مارس جرائمه البشعة تحت لافتة الإسلام استهدف المسلمين رجالا ونساء وأطفالا، ولم يستهدف غيرهم إلَا استثناء من قاعدته التي روَع بها المنطقة العربيَة بأسرها من أقصاها إلى أقصاها، واستهدف قطع رؤوس المسلمين وحدهم في صـور بشعة نكراء مقترنة بصيحـة «الله أكـبر» ليترسَخ في وجـدان الآخرين أن هذا هو دين الإسلام، وأن الصبر عليه وعلى المؤمنين به لم يعد محتمـلا، وأنَ سـياسـات عالميَة جـديدة يجـب أن تَنزلَ على الأرض لتغير هـذه الأوضاع الوحشية.

 

الحَفــل الكَــريم!

 

إنَ عقيدتي في موضوع «الإرهاب» –وقد أكون مصيبا وقد أكون غير ذلك-هي أنه ليس صنيعة لا للإسلام ولا للمسيحيَة ولا لليهوديَة كأديان سماويَة، وكرسالات إلهيَة بَلَغَها أنبياء الله ورسله: موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضَلَت الطَريق وفَقَدَت الإحساس بآلام الآخرين من الفقَراء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدونَ سبيلا.

 

هذا التفسير يكشف لنا عن سر استقطاب جماعات الإرهاب طائفة من الشَباب في أوروبا لم يعرف لهم ولا لعائلاتهم سابقة في التدين أو الالتزام بأحكام الشَريعة.

 

ولقد قرأت في دراسة عن الحركات المتطرفة في أوروبا «أن أغلبية الشباب المجنَدين من الشباب الأوروبي في العراق وسوريا ليسوا من المتدينين»، وتَبيَن من إحصاءات أجريَت هناك على أربعمائة عائلة أوروبيَة «التحق أبناؤها أو بناتها بالجهاد في سوريا والعراق أنَ 40% من هذه العائلات ملاحدة، و40% كاثوليكية، و19% مسلمة، وواحد في المائة يهودية»( ).. وإذن فليست القضيَة قضية شباب مسلم وجهـاد إسـلامي، وإنما هي قضيــة الظلم والتَهميـش، والإحســاس بالدونيَة وانتقَاص الحـقوق، أو قَسـوَة الاغـتراب النَفسي عند بعض الشباب، نتيجة فراغ الحضارة المعاصرة من قيَم الدين وأخلاقياته وتعاليمه وهو فــراغ لا يملؤه إلَا هَدي السَماء ونور النبوَة.

 

وأختم كلمتي أيها الحفل الكَريم! بمعلومة طالَعتنا بها صحف يوم الثالث عشر من سبتمبر الماضي تقول: «إنَ المسؤولينَ عن السياسة الدوليَة أنفَقوا تريليون ونصف تريليون دولار على الحروب المندَلعة في أفغانستان والعراق وسوريا في الفـترة من 11 سـبتمبر 2001م وحتى 31 مارس 2018م، وأن هذا المبلغ يعادل ميزانيَة دولة كبرى مثل ألمانيا لمـدَة 5 سَنوات».

 

وتساءلت: لماذا؟ ولمصلحة مَن؟ وهل كان يسمَح بإنفاق عشر معشار هذا الرَقم لمصلحة الشعوب البائسة المحتاجة، ولمحاربة الفَقر والمرَض والجهل؟ ومن أجل الجوعى والمشرَدين والمهجرين من بيوتهم وأوطانهم رغم أنوفهم، في ميانمار وفي القدس وغيرهما؟

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة