كيف يسهم الأدباء في صياغة الوعي الحقيقي؟
كيف يسهم الأدباء في صياغة الوعي الحقيقي؟


«معركة الوعي».. كيف يساهم الأدب في التصدي للأفكار المسمومة؟

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018 - 10:43 م

ما لم تستطع جحافل الغزاة أن تفعله، تحاول الأفكار المسمومة، و«غسيل المخ» المغرض تحقيقه عبر التشكيك فى كل الأشياء، وإطلاق سحابات الغيم على المشهد برمته، فلا تستطيع العيون إلا تبين ملامح جزء ضئيل من الصورة، مما يصنع وعيًا ناقصًا وإدراكًا للأمور زائفًا، وفى جنح الضباب تنتشر الأوهام، ويسود التخبط وانعدام الوزن، وذلك بالضبط ما يستهدف الخصوم تحقيقه، إنها محاولة للتسلل إلى الداخل، فى قلب العرين، حيث يجد الفرد العادى نفسه فريسة لأوهام الخصم، تتلاعب به وكأنه «ريشة» فى مهب رياح عاتية، فلا جذور له، لأن الوعى الحقيقى غائب، ولا أقدام تحمل الكيان، لأن الإدراك مريض، فكيف نسلح الملايين بأقوى عدة وهى الوعى الحقيقى الراسخ؟ وكيف نبث فى الأذهان حيوية الفهم العميق، وأصالة الرؤية المكتملة؟ وما دور المفكرين والأدباء فى تحقيق ذلك خاصة وأن الوطن يخوض معركة مصير وهو يبث الوعى الحقيقى فى ضمائر الملايين من أبنائه، عدد من المفكرين والأدباء أجابوا عن هذه الأسئلة عبر هذا التحقيق.

 

فى البداية يقول الناقد الكبير والمترجم القدير د. محمد عنانى: الأدباء يحملون مسئولية فى مخاطبة جيل الشباب من خلال أعمالهم، ومسئولية الأديب مضاعفة ومزدوجة وهى ما يكتبونه وما يترجمونه، والعمل المنهجى الصحيح فى الترجمة لم يعد كما كان، فالرواد أدوا دورهم ولكن الأجيال المتلاحقة لم يؤدوا دورهم كما يجب، مثلًا رواية الحرب والسلام هى من الروايات العظيمة التى تجعل من يقرأها يتعلم كيف يحب وطنه، تمت ترجمة الجزء الأول منها ولكن الجزء الثانى لا نعرف إذا كان قد ترجم أم لا، فلم يعد هناك اهتمام بالترجمة والمترجمات، ولكننا نحاول فهناك أعمال كثيرة تقدس الوطن ترجمتها سابقًا، وها أنا ذا أعمل على إعادة طباعتها فى معرض القاهرة الدولى للكتاب القادم.

 

أما بالنسبة إلى تشجيع الشباب على القراءة يجب أن تكون هناك جائزة للشباب فى مجال الأدب والنقد، وقد تكون النتائج غير مبهرة نظرًا لإغفال الجامعات ومناهجها للأدب، فلابد أن تشارك وزارات: الثقافة، والتربية والتعليم العالى فى دورات تدريبية منظمة فى الكتابة الإبداعية والنقدية، وشباب الجامعات لديه من الوقت والحماس ما يجعله يقبل على هذه الدورات خصوصًا إذا ما كافأناهم، إما عن طريق طبع أعمالهم، أو جوائز نقدية قيمة، أو تنظيم ندوات لهم مع كبار الأدباء.


فى حين يقول الأديب الكبير د. نبيل فاروق: هناك فى كل جيش نقطة تسمى الشئون المعنوية، ونحن كأدباء بالنسبة إلى مجتمعنا نشبهها ونلعب دورها بكتاباتنا، حيث يكون الأديب هو الأقدر على الظهور كمصدر للثقة، وشرح الخفى وراء ما يشاهدون، فنحن الآن نعايش حروب الجيل الرابع، وهى حروب من نوع آخر خادعة، ليست بالدبابات والطائرات وإنما بالقذف بالمعلومات المغلوطة التى تهدم الوعى، فالشباب يحتاجون فى هذه الفترة لمثل أعلى، وذلك يتم بكل الطرق المتاحة قد يكون من خلال إبداعاتهم بشكل ضمنى، ولكن هذه الطريقة الضمنية قد لا تصل إلى كل الناس فلماذا لا نقيم الندوات؟ فالعالم الآن اختلف وأصبح مثل لعبة الشطرنج، وبمجرد تصديق الشاب لأنه فى حرب فعلًا، يبدأ تكوين وعيه.


حب الأوطان


ويقول الشاعر الجنوبى الكبير جميل عبد الرحمن: لابد من إتاحة فرصة للأصوات الجادة من الأدباء والشعراء للإحتكاك بالسواد الأعظم من الشباب، فالأديب يستطيع أن يوصل إحساسه بالإنتماء للوطن، فالرسول صل الله عليه وسلم، عندما هاجر من موطنه مكة إلى المدينة وقف ودمعت عيناه وقال إنى أعلم أنك أحب أرض الله إلى الله، وأنك أحب أرض الله إلى، ولولا أن أخرجنى أهلك، ما خرجت، وطبعًا نحن لنا فى رسول الله أسوة، ولنا فى السلف الصالح أيضًا، أسوة حسنة، فالتاريخ القديم قدم لنا عرابى وسعد زغلول ومحمد فريد وناصر والسادات، وكلهم عناصر تعتمل داخل الوطنية والحب المستميت للوطن، كما أشار جميل عبد الرحمن لأهمية زيارة المدارس وتوعية الأطفال، ليشبوا على الثقافة وتأصيل حبها فى نفوسهم، لاسيما وأن وسائل التواصل الاجتماعى سلبت الشباب ليه.


أما الشاعرة المتميزة د. شيرين العدوى فتقول: تقع على الأديب عدة مسئوليات أولها الكتابة الجادة، لأن الكتابة الجادة هى التى تشكل الوعى لدى الشباب، والكتابة الهزلية التى تحتوى على إبداع حقيقى تساعد فى تنبيههم، لابد للأدباء أن يلتقوا بالشباب من آن إلى آخر فى الجامعات والمدارس، لمناقشتهم فيما يشغل ذهنهم فى المجتمع، وأيضًا يجب استثمار وسائل التواصل الاجتماعى للتواصل مع الشباب على الطريقة التى يحبونها، فقد تغير كلمة من أديب فكرة لدى القارئ الشاب، وتتساءل شيرين: لماذا لا يدمج الشباب والأطفال فى العملية السياسية، وهذا يجعلهم يشعرون بالإنتماء وأنهم من يصنعون القرار.


ضبط المنظومة الإعلامية
ويقول الروائى الكبير أحمد فريد: يجب أن تعود مؤسسة السينما لإنتاج أفلام تبعث رسائل تحتوى على مبادئ شريفة ومسائل إنسانية محترمة من خلال أعمال الأدباء، والذى ينطبق على السينما ينطبق على التليفزيون بالطبع، فالتليفزيون هو الأقرب، كان هناك قبل وقت طويل برامج هادفة جدًا وممتعة، وهى الترفيهية التى تحتوى على التعليم بشكل غير مباشر، وطالب فريد بعودة وزارة الإعلام لضبط المنظومة الإعلامية حتى لا تحتوى على كلام مغلوط أو هدم مأجور، ويجب أن تهتم وزارة الثقافة بقصور الثقافة، وجذب الشباب بالعروض المسرحية وما يحبون، وتتبنى مواهبهم، أما المدارس والجامعات فلابد أن تحتوى على أنشطة مثل المسرح، والملاعب الرياضية كى يفرغوا فيها طاقتهم حتى لا ينحرفوا وينحدروا.


وتقول الشاعرة د. هويدا عطا: إقامة الندوات والمحاضرات التى تناقش أفكارا بناءة ومثمرة، ونشر فكرة معينة إيجابية والعمل عليها، ومحاولة تطبيقها ومشاركة الشباب اهتماماتهم، حتى يشاركونا ما نقوله ونطرحه عليهم بشكل فعال، والدورات التدريبية أيضًا، فعمود أية دولة هو الشباب، لذا يجب توظيفهم بشكل مناسب حتى وإن كان بسيطًا، مثلًا، لنزرع شجرة، ننظف حيًا، ثم نتوسع، لنستصلح الصحراء.


الوعى يصنع رؤية
بيمنا تقول الروائية المتميزة ضحى عاصى: يقع على الأدباء دور كبير جدًا فى صناعة الوعى الحقيقى، فالكتابة التى تحتوى على روح الانتماء تتسرب بشكل تلقائى إلى القارئ، فتؤثر على مشاعره وفكره، وتكون وعيه، فى الكتابات القديمة أحببنا كلنا الحارة المصرية والنموذج الشعبى المقدم فى أغلب الأعمال الأدبية، بمعنى أنه إذا كان الكاتب أمينًا مع النماذج المصرية التى يقدمها فى الكتابة، صنع وعيًا لدى الناس، والوعى يخلق رؤية، والرؤية تصنع قدرة على التعامل، حتى مع النماذج التى تكون سلبية، لأن عرضها ليس من باب الكره وإنما من باب الكشف بغاية الإصلاح.


وفى الختام تقول الشاعرة والناقدة د. كاميليا عبد الفتاح: أن توجه الكتابة نفسها، أو جزءًا منها على الأقل إلى الشباب، هذا من ناحية المضمون، أما من ناحية الخطاب فيجب مراعاة المرحلة الشبابية ومتطلباتها، وهذا ليس معناه الإبتذال، ولكن فقط مراعاة طبيعة الجيل الذى لم ينشأ على قراءة البلاغة، وغيرها من تراث اللغة، فاللغة العربية فى الأصل تستطيع استيعاب كل العقول فلم الإبتذال، كما يجب مواجهة الشائعات التى تحاول النيل من البلد، ولابد من التأكيد على أهمية وقيمة الشباب، فالشاب يشعر بأنه ليس عليه التعويل للنهوض بالبلد، غير أن الشباب مستهلك الآن من القنوات غير الهادفة والأفلام المبتذلة، التى عملت على إهتزاز كلمات مقدسة داخلهم مثل «الوطن، والرسالة، والمسئولية...» فأصبحوا يتساءلون عن قيمة هذه الكلمات، وهل هى ستصير عبئاً على خطواتهم نحو المستقبل؟، كما يجب الاهتمام أيضًا، بالندوات، فهى الحل، قصور الثقافة يجب أن تنشط، ويجب أن يكون الخطاب على مستوى فكر الشباب، ويعتمد على الحوار وليس الوعظ، وأقصد بالندوات والاجتماعات مع الشباب أن نسير على غرار مؤتمر الشباب الذى يقيمه الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو مثال لاستيعاب الشباب وفكرهم. وأعتقد أنه آن الأوان للدولة أن تدعم قناة الشباب وأن تكون تحت إشرافها.


 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة