النسخ الشعبية للكتب تضر السوق أم تنشر المعرفة؟
النسخ الشعبية للكتب تضر السوق أم تنشر المعرفة؟


«النسخ الشعبية» للكتب.. تضر دور النشر أم تنشر المعرفة؟

بوابة أخبار اليوم- حسن سليم

الأحد، 28 أكتوبر 2018 - 04:14 م

دور النشر: تجبرنا على  تخفيض أعداد النسخ المطبوعة لـ 20%

الباعة الجائلين: تسببنا في عودة الشباب للقراءة

الخبراء: يجب عودة دور الدولة لتوفير الثقافة للمواطن محدود الدخل  


على أحد جانبي شارع طلعت حرب بوسط القاهرة، تقف همسة هشام مقضبة الجبين تسند ذقنها على كفها في حيرة شديدة أمام زخم معرفي في كتب من مختلف المجالات متراصة بعناية على "نصبة" أحد الباعة الجائلين، تمد يدها لتقتني أحدهم لتبدأ مفاوضات لم تدم طويلا للحصول على كتابين مقابل تخفيض يوافق عليه البائع على الفور.

تقول الفتاة إن أسعار الكتب بالشارع، أقل بكثير من المكتبات الكبرى، وهذا ما يجعلها لا تلجأ للمنافذ الرسمية ودور النشر، مشيرة إلى أن انخفاض قيمة الكتاب يساعد في نشر المعرفة والثقافة التي تراهما أساس تطور الشعوب ونموهم.

وتقر الفتاة العشرينية "همسة"، بأن تداول الكتب بالشوارع وطباعتها دون ترخيص أو إذن مسبق من دور النشر، فيما تعرف بالنسخ الشعبية تمثل تعديًا على حقوق الدور والملكية الفكرية، مبررة شرائها لتلك النسخ بأنها لا تستطيع دفع المبالغ التي تحددها دور النشر والتي تتجاوز أحيانا 100 جنيه للكتاب الواحد، متسائلة عن دور دار الكتب وقصور الثقافة في توفير الكتب والمعرفة  للمواطنين. 

"همسة" وغيرها الكثير يلجأون لشراء "الطبعة الشعبية" للكتب لانخفاض سعرها، وعدم تأثر المحتوى النصي بشيء سواء بعض الأخطاء التي لا تذكر ولا تؤثر في رسالة الكتب الأصلية، الأمر الذي يمثل ضررًا بالطباعة والنشر ويؤذي سوق الكتب، بينما يراه الباعة الجائلين، يساهم في نشر المعرفة وتوصيل الثقافة للجميع، وبين هذا وذاك استطلعت "بوابة أخبار اليوم" آراء الطرفين والخبراء المختصين حول مدى نفع وضرر تلك الكتب.

20% أقل من الكتب المطبوعة

بداية، يقول هيثم حسن مدير عام إحدى دور النشر، إن ما يعرف بطباعة النسخ الشعبية يعد انتهاكًا صريحًا لحقوق الملكية الفكرية ولحق الدور والمؤلف الذي يطبع  باسمه الآلاف من النسخ دون حصوله على أي عائد من بيعهم، مشيرًا إلى أن تعامل قانون الملكية الفكرية ضعيف مع تلك الحالات وبلا دور حقيقي، ويكتفي بفرض غرامات زهيدة لا تتناسب مع ما يكسبه الباعة من بيع كتاب واحد فقط.

ويضيف "حسن"، أن تداول تلك النسخ يسبب أضرارًا بالغة لسوق الكتاب وقطاع الطباعة والعاملين بهما، إذ أنه يجبر دور النشر على طباعة نسبة أقل من الكتب لا تتجاوز الـ20% من النسبة التي من المفترض نشرها حال عدم وجود السوق الموازي،  مؤكدا أن ما يشاع حول حصولهم على مكاسب طائلة من الكتاب الواحد غير صحيح، وأن فارق السعر بين النسخة الرسمية ونظيرتها المزورة، يرجع لتضمن سعر الكتاب الرسمي نسبة الضرائب واختلاف أورق الطباعة وكذلك اختلاف المطابع نفسها.

ومن جانبه، يرى شريف رزق، مدير دار للنشر والتوزيع، أن صناعة الثقافة والمعرفة بمصر تواجه أزمة عنيفة تهددها بشدة بوجود السوق الموازي، لافتا إلى أن قانون الملكية الفكرية الحالي لا يحكم سيطرته على زحف النسخ المزورة على الأصلية التي تكلف الدور مبالغ طائلة دون الحصول على ربح مرضي، في مقابل تذهب كل الأرباح للباعة الجائلين، مطالبا بتغليظ العقوبة عليهم وعدم الاكتفاء بالغرامات الزهيدة وحماية سوق الكتاب.

ولفت إلى أن تلك النسخ تدمر الثقافة ولا تساعد على نشر المعرفة كما يدعي الباعة، إذ تحرم الناشر من طباعة ونشر المزيد من الكتب فيما بعد لعدم حصوله على الأرباح المناسبة من بيع كتبه، وأنهم -الباعة- يتعدون على حق الناشر والمترجم والمؤلف، مختتمًا: "في حال عدم وجودهم بدل ما هطبع كتاب واحد.. هطبع عشرة".

عودة الشباب للقراءة

"الكتب دي اللي رجعت الشباب تقرأ تاني".. كلمات تلقائية نطقها أحمد ربيع بائع كتب بمنطقة وسط البلد، دفاعًا عن مهنته المتهمة بتدمير سوق الكتاب بمصر، مشيرًا إلى أن الجميع يعلم أن هناك نسخة شعبية وهي وجهة القراء الأولى  والسبب الرئيسي في شهرة أغلب المؤلفين والكتاب الحاليين.

ويضيف أن أغلى كتاب عند البائعة الجائلين يباع بـ50 جنيها مقابل 4 أضعاف ثمنه على الأقل بالسوق الرسمي، مختتمًا: "لولا وجودهم  لتشارك كل خمسة أفراد في شراء كتاب واحد".

وتساءل أيمن محمود، بائع كتب، عن بديل النسخ الشعبية، مؤكدًا أن محبي الثقافة والكتب لا يهتمون حاليا بالنسخ الأصلية، بل يتسائلون عن موعد صدور نسخ "الشارع" للتزود بأكبر قدر ممكن من الكتب والمعرفة وتوفير المال.

ويشرح أحمد سلطان، بائع كتب، تصنيفات طباعة الكتب والتي تتضمن جزئين أولهما النسخ عالية الجودة والتي يكون سعرها أقل من النسخة الأصلية بـ20 أو 30 جنيهًا، والنسخ المتوسطة التي تقل بنسبة أكبر تصل لـ40 أو 50 جنيهًا، وهناك الكتب الأكثر شعبية، وهي التي تباع بـ15 جنيهًا وأحيانا 10 حسب عدد صفحات الكتاب، معلقًا: "إنهم يراعون كافة الفئات أثناء طباعة وتوزيع الكتب وهو ما يجعل سوقهم رائجًا بين مختلف الأوساط".

دور الدولة في تثقيف محدودي الدخل

ويرى أستاذ النقد والأدب العربي بجامعة حلوان د. صلاح السروي، أن إقامة مساواة وعدل بين الطرفين أمر محير وصعب للغاية، نظرًا لحق كل مواطن في التثقف والحصول على المعرفة بمقابل مناسب، بينما يوزع الناشر الكتاب بأسعار أضعاف تكلفة الطباعة، أملاً في الاستئثار بالأرباح، حتى أن الكاتب نفسه في أغلب الأحيان لا يعرف  عدد النسخ المطبوعة أو المباعة.

ويوضح "السروي"، أن النسخة الشعبية أوضحت فداحة استغلال دور النشر التي تحدد سعر الكتاب بحوالي 100 جنيه، في مقابل نسخة شعبية تصل أحيانا لـ20 جنيها تتضمن هامش ربح، مؤكدًا صعوبة إدانة أو التحيز لأحد الطرفين، مشيرًا إلى أن الحل الوحيد هو عودة دور الدولة مرة أخرى في صناعة الثقافة لمواجهة حيتان الناشرين الذين حولوا الثقافة لعمل تجاري يذهب قدسيته.

ويختتم أستاذ النقد والأدب العربي، أن ارتفاع أسعار التي تحددها دور النشر وغياب الدولة أدى إلى حالة فراغ ثقافي تسببت في تصدر كتب السحر والشعوذة والإثارة المشهد الثقافي في مصر.

ويؤكد الناقد الأدبي مدحت الجيار، ضرورة وجود نسخة شعبية للتداول بين الأوساط محدودة الدخل، مشيرًا في الوقت نفسه إلى وجوب تقنينها وإصدارها من خلال دور النشر بسعر مناسب وعقب نفاذ النسخة الأولى.

ويضيف "الجيار"، أن تلك النسخ توسع شهرة المؤلف وتروج لاسمه بالسوق، ومن ثم تدفع دور النشر على التعاقد معه وبالتالي حصوله على عائد مادي أكبر.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة