د. خالد السيد غانم  مدير الإعلام بوزارة الاوقاف وأستاذ بجامعة نور مبارك
د. خالد السيد غانم مدير الإعلام بوزارة الاوقاف وأستاذ بجامعة نور مبارك


فقه المآلات

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018 - 09:38 م

بقلم: د. خالد السيد غانم 

النظر في الأفعال والتفكر في الأقوال قبل صدورها من قائلها يعتبر من المحامد التي ينبغي أن يعتني الإنسان بها، وهو ما يعبر عنه بالنظر في المآلات ويعتبر نوع من أنواع الفقه، والذي يمكن أن يسمى بفقه المآلات، ويعبر عنه بالأخذ في الاعتبار الأثر المترتب على القول والفعل، وهو بُعْد مستقبلي لمعرفة نتائج الأقوال والأفعال، ومفاده أن يزن الإنسان أقواله وأفعاله بميزان المصلحة العامة والخاصة قبل أن تصدر منه، دون تملق أو نفاق أو تملص من المسئولية.
لقد نهى الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن الوقوع في السلوك البغيض، والانحطاط إلى النطق بالكلام البذيء حتى مع غير المسلمين؛ لأن المسلم ينبغي أن يكون سلوكه قويمًا وحسنًا، فضلًا عن التأكيد على البُعْد المستقبلي لعاقبة سبّ الآخرين، الأمر الذي قد يفتح سيلاً من الاتهامات والسباب، يقول الله ـ جل جلاله ـ : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون }  ( الأنعام 108 ).
وفي السنة قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.
قيل يا رسول الله  وكيف يلعن الرجل والديه؟ 
قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه  » صحيح البخاري.
بل إن من الواجب على الإنسان أن يمسك عن البوْح بشيء ما ـ إذا ترتب على ذلك مفسدة أو منقصة ـ حتى ولو كان خيرا، فلقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «  من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل » صحيح البخاري. 
وفي نظري أن نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ لما ذهب إلى العبد الصالح سيدنا الخضر ـ رضي الله تعالى عنه ـ  كان في مقدمة ما تعلمه، ومن أهم أولويات الأمر بالذهاب إليه، وبواعث المُكْث بين يديه وملازمته، تعلُّم الصبر  من الخضر وملازمة الاصطبار، والتطبيق الفعلي لفقه المآلات.
 وهذا واضح من إجابات الخضر ـ رضي الله تعالى عنه ـ لسيدنا موسى ـ عليه السلام ـ ولنتأمل هذه المعاني في آيات سورة الكهف، يقول الله ـ تعالى ـ : {وَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا  قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا  قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا  وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا  قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا  قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾ الكهف الآيات ( 65 ـ 70 )
  وقد نظر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى الأثر المترتب على موقف من الكعبة وما حاليها أبان البعثة عن طريق تفعيل فقه المآلات، فقال: « يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين: بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا»  صحيح مسلم.
    فالعجلة تقود إلى الهلكة، وتسوق ذوي الأهواء إلى الفكر المتشدد والتطرف المغلوط، ولا مندوحة عن استقامة الفكر على المنهج الأسمى، والسلوك الأرشد الذي بينه وحْي الله ـ تعالى ـ خالصا نقيًا، وليكون في  أحوالنا أعمالنا ضمينة فقه المآلات.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة