د.يسرى عبد المحسن خلال حواره لـ«الأخبار»
د.يسرى عبد المحسن خلال حواره لـ«الأخبار»


حوار| «أستاذ طب نفسي» يكشف سبب انتشار العنف.. ويحذر من عدوى «الإحباط»

غادة زين العابدين

الأحد، 11 نوفمبر 2018 - 11:05 م

 

د.يسرى عبد المحسن: 


المواطن مطالب بالتخطيط لحياته..والحكومة لن تحقق الرفاهية وحدها


مؤتمرات الشباب أحد أدوات الدولة لإعداد شباب قادر على المشاركة


«التوعية» فشلت فى تنظيم الأسرة


برامج «التوك شو» فقدت جاذبيتها بعد عودة الاستقرار

 

ظواهر وسلوكيات عديدة تحتاج إلى تفسير وتحليل..وعلاج أيضا.. لماذا اختلفت الحالة المزاجية والسلوكية للمصريين..لماذا اختفت السعادة وانتشر الإحباط؟.

 

لماذا أصبح المواطن يلقى كل أحلامه وطموحاته على الحكومة.. ولا يريد المشاركة فى التخطيط لحياته ومستقبله، لماذا يصر الفقراء على الإنجاب بلا حساب.. ثم يشكون الفقر ويطالبون الدولة برعاية أطفالهم، لماذا أصبح الناس أكثر عنفا..وأقل تسامحا، وأين دور الدين الحقيقى فى علاج مشكلاتنا، لماذا اختفى تأثير نجوم الإعلام ولماذا فقدت برامج «التوك شو جاذبيتها وانصرف عنها المشاهد.

 

حول كل هذه التساؤلات دار حوارى مع أستاذ الطب النفسى الشهير د. يسرى عبد المحسن الأمين العام المساعد لاتحاد الاطباء النفسيين العرب سابقا.. بدأ د.يسرى حديثه محذرا من الاستجابة لدعاوى الاحباط.. التى تسعى لجذبنا للخلف وهدم كل الجهود.

 

وقال ان رفاهية المواطن ليست مسئولية الدولة فقط وان المواطن مطالب بالتخطيط لنفسه وحياته وطموحاته مثلما تخطط الدولة لمشروعاتها، أكد أن منتديات الشباب هى أحد ادوات الدولة لاعداد شباب قادر على التخطيط وتحمل المسئولية، وتحدث عن اخلاقيات الزحام التى أدت لانتشار العنف.

 

وأكد أننا فشلنا فى علاج التضخم السكانى بسبب اعتمادنا على سياسة التوعية فقط..وأن تناقض اراء رجال الدين فى أهم القضايا هو أحد أسباب الخلل الذى أصاب الوازع الدينى..وقضايا أخرى كثيرة تناولها د.يسرى عبد المحسن خبير النفس البشرية بالتحليل والتفسير والعلاج أيضا.

 

 فى البداية سألت د.يسرى عبد المحسن عن سر غياب السعادة وانتشار مشاعر الإحباط؟


- صمت قليلا ثم قال : الإنسان بطبيعته يميل للبحث والتركيزعلى النقاط السوداء أكثر من المبهجة، وهو ما يجعله فريسة سهلة للإحباط إذا توافرت الظروف. وفى مصر والدول النامية ينتشر الإحباط لأسباب عديدة أهمها سوء الأحوال الاقتصادية وضغوط الحياه والشعور بفقدان الأمل فى المستقبل.وبالنسبة لمصر فقد مرّت بتغيرات عنيفة خلال وقت قصير مما تسبب للمصريين فى هزة اجتماعية ونفسية.

 

ونحن الآن وصلنا لمرحلة الاستقرار السياسى لكننا نعيش فترة تحوّل انتقالية تتسم بالتحديات والصعوبات الاقتصادية..مما يجعل التوقعات تفوق الواقع وتصطدم به..وهو ما يؤدى للإحباط.


عدوى الإحباط


ويصمت مرة أخرى ثم يضيف : ورغم أن مشاعر الاحباط فى هذه الظروف قد تكون طبيعية إلا أننا يجب ألا نستسلم لها، فخطورة الإحباط أنه ظاهرة تتعارض مع التنمية وتجذبنا للخلف وتقضى على الأمل والتطلعات، والإحباط «معدى» أسرع من السعادة بما يجعله يهدد بنشر حالة من اليأس العام، بينما على العكس من ذلك.. نجد أن مشاعر الفرح والبهجة والاستبشار تمنح الأمل وتطلق الطموحات والتطلعات.

 

وفى الدول المتقدمة نجد الإنسان مشغولا بأموره الخاصة وطموحاته الشخصية.. فيندفع لدعم طاقاته وقدراته حتى يستطيع تحقيق هذه الطموحات..وهو ما يؤدى فى النهاية لتقدم الدولة ككل. وبالنسبة للمرحلة الاقتصادية الصعبة التى نعيشها حاليا فالمواطن عليه دور كبير فى المشاركة، ولابد من مساندة المواطنين لأنفسهم قبل مساندتهم للدولة حتى نجتاز هذه المرحلة ونصل لتحقيق الرفاهية التى ننتظرها.


التخطيط الذاتى


 ماذا تقصد بمساندة المواطنين لأنفسهم ؟..وهل تحقيق الرفاهية الاقتصادية مسئولية المواطن أم مسئولية الدولة؟


- المشاكل الاقتصادية تواجه معظم دول العالم، والحكومات تسعى لحلها بالمشروعات والخطط الحالية والمستقبلية، ولكن الإنسان عليه دور كبير فى المشاركة، ولا أقصد هنا المشاركة السلبية التى لا تتجاوز تحمل الظروف والصبر عليها.. بل أقصد المشاركة الإيجابية التى تعتمد على التخطيط الذاتى والبحث عن فرص.. وإيجاد بدائل، فالمواطن مطالب بأن تكون لديه طموحات وأن يخطط لنفسه وحياته ومستقبله.. وأن يدعم طاقاته وقدراته لتحقيق ما خطّط له، مطلوب منه أن يضع لنفسه مشروعات قابلة للتنفيذ..وأن يحدد جدولا زمنيا لتنفيذها.. ويحدد بدائل لمواجهة العقبات والمشكلات التى ستواجهه.


وهناك إنسان قليل الحيلة ضعيف المقاومة..ينهار أمام المشكلات، وهو عبء على نفسه وعلى أهله.. وفريسة سهلة للإحباط الذى قد يصل به إلى حد المرض. بينما هناك أشخاص لديهم الإرادة والرغبة فى الكفاح والقدرة على مواجهة المشكلات والبحث عن البدائل.


تشكيل الشخصية


 كيف تتكون هذه الشخصية القوية صاحبة الإرادة ؟


- هذا هو دورنا مع أولادنا، فهذه الشخصيات تتشكل منذ الصغر.. من خلال أساليب التربية التى تعلّم الاعتماد على النفس..ومواجهة المشكلات..وعدم تحقيق كل الرغبات بسهولة..والتأكيد على أن تحقيق الأحلام والتطلعات مرتبط بالعمل والجهد، وعلى الجانب الآخر يجب الحرص على تنمية القدرات والهوايات من الصغر لأنها تضيف مهارات جديدة للإنسان تساعده فى إيجاد بدائل تحقق له النجاح فى الحياه..وهذه الأساليب التربوية لن تنجح إلا إذا دعمتها المدرسة والجامعة..بجانب البيت والأهل.


مؤتمرات الشباب


 هل ترى أن مؤتمرات الشباب هى أحد أدوات الدولة فى تشكيل شخصية جديدة للشباب تراعى هذه الأبعاد النفسية ؟


- بالطبع..ففكرة مؤتمرات الشباب هى مبادرة رائعة من الرئيس والدولة لتشجيع الشباب على تنمية قدراته ومواهبه..وتدريبه على المشاركة فى التخطيط..وطرح الحلول والأفكار لمواجهة التحديات، والهدف هو إعداد شباب قوى قادر على المشاركة والتخطيط لحياته وتحمل المسئولية وحماية نفسه من الإحباط والمشاعر السلبية التى تهدد مستقبله وتهدد أيضا كل الجهود التى تقوم بها الدولة. وقد لاحظنا جميعا ذلك من خلال متابعات جلسات المؤتمر ورؤية الشباب وهم يطرحون التساؤلات التى تشغلهم وتقلقهم.. ويتحدثون عن أفكارهم، وكل هذا وسط احتكاك عالمى مع أقرانهم من العالم كله.


أخلاقيات الزحام


 كيف تفسر انتشار العنف وتكرار جرائم قتل الأبناء والأباء والأزواج ؟


- هناك ما يمكن أن نسميه أخلاقيات الزحام.. ففى احدى التجارب قام العلماء بحبس عدد من الفئران فى مصيدة صغيرة ووضعوا لهم كمية من الطعام، ثم وضعوا نفس عدد الفئران فى مصيدة متسعة وأعطوهم نفس كمية الطعام، واكتشف العلماء أن الفئران فى المصيدة الصغيرة يتشاجرون ويهاجمون بعضهم للفوز بالطعام، بينما لم يحدث نفس السلوك فى المكان المتسع.

 

وهذا يؤكد أنه كلما زاد زحام واحتكاك البشر زادت الصراعات وساد العنف والسلوك العدوانى، وهذا ما يحدث فى بلادنا مع الزيادة السكانية حيث نتصارع لقمة العيش والسكن والمواصلات والمستفيات..بل وحتى الماء والهواء..فالعدد كبير والفرص محدودة.. وكل انسان يفكر فى نفسه فقط.


الدين تفاؤل واستبشار


 ماذا عن دور الدين ؟


- الحقيقة أن التدين فى مجتمعاتنا الشرقية نعمة..لأن الدين بمفهومه الواسع هو وقاية وحماية للإنسان..ولكن بشرط أن ندرك الدين بمفهومه الحقيقى الذى يحث على العمل والتقدم والتسامح والأمل.. ولكننا للأسف فى المجتمعات الشرقية كثيرا ما نواجه حالة سوء فهم للدين..والتعامل معه بمفهوم التشدد، حيث يتصور البعض أن الالتزام الدينى يتعارض مع مظاهر البهجة والفرح ويرتبط بالتحفظ والوقار الذى يجعل صاحبه يميل إلى الجدية والعنف والحزن أكثر من ميله للفرح.. وهو بالطبع تفسير خاطئ لأن الدين يسر واستبشار.

 

والدين الحقيقى يرتبط بالعمل والعلم والتطور ويدفع الانسان للأفضل، بمعنى أن الإنسان يجب أن يأخذ حظه من الدنيا..وأن يكون ودودا متسامحا ومتفائلا فى مواجهة الأزمات لأن الله يجعل لنا من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا.


تناقض الآراء الدينية


 من المسئول عن إساءة فهم الدين؟


الأسباب كثيرة والمسئولية مشتركة بدءا من البيت والمدرسة والمؤسسات الدينية والاعلامية والثقافية..ولكن من الأسباب المهمة للخل فى ادراك مفهوم الدين..تناقض رجال الدين أنفسهم فى مواقفهم وأرائهم، فهناك المنفتحون فكريا.. وهناك المتشددون، لدرجة أننا لا نجد إجماعا على القضايا القومية الكبرى.

 

فعلى سبيل المثال نجد رجال دين يؤيدون تنظيم الأسرة ويرفضون زواج القاصرات وختان الاناث..مستندين إلى قاعدة « لا ضرر ولا ضرار»، ولكننا على الجانب الآخر نجد رجال دين يرفضون كل ذلك ويتمسكون برؤيتهم المتشددة التى تسير عكس رؤية ومصلحة الدولة.


«التوعية» لم تنظم الأسرة


 وكيف ترى التعامل مع قضية تنظيم الأسرة فى ظل استمرار المقاومة من بعض رجال الدين؟


- اولا يجب أن نعترف أن كل الحلول التى وضعناها لهذه القضية منذ الثمانينات أثبتت فشلها.. وأننا لن نستطيع الاستمرار فى الاعتماد على التوعية فقط كما كنا نفعل.. لأن سياسة التوعية هى سياسة النفس الطويل..ونحن الآن لم يعد لدينا رفاهية الانتظار..فلايزال الأغلبية يصرون على الإنجاب بلا حساب ولا تخطيط..ثم يشكون الفقر ويتركون أبناءهم فريسة للجهل والفقر..ويطالبون الدولة بتحمل مسئوليتهم ورعايتهم.

 

ولذلك فلابد من التفكير فى حلول أكثر عملية..وهذا ما بدأته الدولة بالفعل بإعلانها عن وضع حوافز للأسر الصغيرة..وهى قرارات تأتى فى اطار المبادرات الجريئة والرؤية الجديدة التى يطرحها الرئيس لتناول المشكلات المختلفة، وأتصور أن النتائج الإيجابية ستكون أسرع.


التوك شو «راحت عليه»


 برامج التوك شو نجحت خلال فترات سابقة فى جذب المواطنين والتأثير عليهم..وأخيرا حدث تراجع كبير فى الاقبال على هذه البرامج وأصحابها.. فكيف تفسر ذلك؟


- يعتدل د.يسرى فى جلسته قائلا: هذا سؤال مهم جدا.. فقد شهد الإقبال على التوك شو ذروته وقت التحولات العنيفة والمتلاحقة التى شهدتها البلاد عقب ثورة يناير وما صاحبها من هزات نفسية واجتماعية، وكان أسلوب هذه البرامج ومقدميها يتماشى مع حالة القلق والتوتر العامة من حيث سخونة الحوارات والخناقات بين الضيوف والصوت العالى للمذيع أو المذيعة واستخدام التشويح باليد وانفعالات الوجه للتحميس والاقناع والسيطرة على المشاهد، حتى تحول هؤلاء النجوم إلى رموز قوية، وأصبحنا نرى اقبالا هائلا على هذه البرامج..وتفاعل شديد من خلال المشاركات التليفونية والرسائل.


 ولماذا تغيّرت الأحوال..وانصرف عنها الجمهور؟


- يصمت د. يسرى قليلا ثم يضيف: الحقيقة أن هذه البرامج كانت وقتها فرصة للتنفيس عن حالة القلق والخوف من المستقبل وعدم وضوح الرؤية، وكان هذا التنفيس حالة صحية إيجابية لاحداث التوازن النفسى للمواطنين. ولكن بمرور الوقت وعودة الاستقرار النفسى اكتشف المواطن أن هذه البرامج لم تعد إلا مباريات فى الخناق والصياح دون تقديم حلول..وأن أمرها أصبح مملا ومكررا.


الاكتئاب فى المقدمة!


 تحدثنا عن انتشار الاحباط كظاهرة سلوكية نفسية..ولكن ما هى الأمراض النفسية الأكثر انتشارا ؟


- الاكتئاب هو الأكثر انتشارا.. ولكن هناك اكتئاب مرضى نسبته من 5% إلى 7%، وهناك الاكتئاب العام بسبب عدم القدرة على التفاعل والتواؤم مع الحياة، ونسبته تصل إلى 15%.


 من هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب؟


- الذين يعانون من ضعف القدرات الاجتماعية، مثل المسنين أو المنعزلين اجتماعيا وأصحاب التوقعات المخيبة للآمال والذين يعانون من ضعف الوازع الدينى الحقيقى، وكلها مشكلات تربوية تبدأ من الصغر..وهنا يأتى الدور التربوى للأسرة أولا..بمشاركة المدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والرياضية.


 كيف يمكن حماية فئة المسنين من الاكتئاب خاصة أن هذه المرحلة غالبا ما ترتبط بالوحدة والفراغ والعزلة الاجتماعية؟


- يجيب بسرعة: هذه حقيقة.. فوفقا للأرقام فإن ما يقرب من 20% من كبار السن يعانون من الاكتئاب العام..الذى يتميز بالحزن والانطواء وعدم وجود هدف للحياة. والمشكلة أن الخروج للمعاش يتحول عندنا إلى صدمة..والحل هو البحث الفورى عن شئ أو أشياء تشغل الإنسان فكريا وجسديا، مثل تعلم مهارات وهوايات جديدة..أو البحث عن وظيفة حتى لو كانت وظيفة تطوعية فى الجمعيات الخيرية..وهذه الأشياء مهمة جدا لأنها لا تشغل الوقت فقط لكنها أيضا تنشط الوظائف المعرفية كالذاكرة والانتباه والتركيز، وهو ما يحمى المخ من الإصابة بأمراض الشيخوخة الذهنية كالزهايمر.


مفاتيح السعادة


 هل انتشار الاكتئاب والاحباط هو ما دفع بعض الدول لإنشاء وزارة للسعادة ويوم للسعادة وعيد للسعادة ؟


- كل هذا فى رأيى هو رسالة وشعار أكثر منه واقع..والمقصود هنا هو إحياء قيمة السعادة والتأكيد على أهميتها كحاجة من الحاجات الأساسية للإنسان..ولكن السعادة تتحقق حينما تتوافر احتياجات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية..بما يحقق له حالة الرضا..بمعنى أن يكون آمنا على حاضره..ومستبشرا بمستقبله ومستقبل أبنائه..فهذه هى مفاتيح السعادة.


الصحة النفسية


 وأخيرا..ما أسهل روشتة لحماية صحتنا النفسية؟


- يبتسم قائلا: أهم عناصر الصحة النفسية..هى العلاقات الاجتماعية والقراءة والرياضة والهوايات.. كما أننى أنصح بتشجيع أبنائنا على العمل التطوعى والمشاركة المجتمعية وهى مهمة جدا لكل الأعمار لأنها تبنى الشخصية وتعمق الانتماء وتشعر الإنسان بقيمة ما يقدمه خاصة اذا ساهم فى اسعاد او مساعدة غيره..وكل هذا يعزز الصحة النفسية ويحمى من المرض النفسى، أما العنصر الأهم فهو الوازع الدينى بمفهومه المعتدل الذى يبعث على الاستبشار والتفاؤل وليس على الخوف والحزن، فالدين هو أهم عناصر الصحة النفسية..لأنه الغطاء الذى يظلل كل شئ فيحمى الإنسان.. ويرتقى بالذوق.. ويتسامى بالأخلاق، وهذا أهم ما نحتاجه لنحيا حياة تتسم بالرضا، والرضا هو السعادة.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة