المدارس المجتمعية للمتسربين.. التعليم مقابل «حصص تموينية» 
المدارس المجتمعية للمتسربين.. التعليم مقابل «حصص تموينية» 


المدارس المجتمعية للمتسربين.. التعليم مقابل «حصص تموينية» 

هاني محمد

الأحد، 18 نوفمبر 2018 - 07:18 م

 

◄ الأسر تختار «الفلاحة» و«الزواج المبكر» بديلا مرضيًا لأبنائها وبناتها 

◄ قرى ونجوع لا تعرف «فصول الدراسة».. وأقرب مدرسة تبعد 10 كيلومترات

◄ 1007 مدارس بـ10 محافظات لـ«الابتدائية» فقط.. والإعدادية والثانوية «تنتظر الفرج»

◄ «مصر الخير» تناشد رجال الأعمال المساهمة في تجاوز الأزمة 

 

ما إن ضاقت الفيوم على أطفالها المتسربين من التعليم حتى انشقت أرضها عن مجموعة، آثرت الابتعاد عن الشكوى وقررت العمل على أرض الواقع لإعادة الهاربين من مدارسهم إليها مرة أخرى.

 

ومع إعلان الرئيس السيسي «2019 عامًا للتعليم»، لم يعد تطوير المدارس فقط أهم المطالب بالقرى والنجوع الفقيرة؛ بل استعادة آلاف المتسربين من التعليم قبل انتهاء مشوارهم في أحضان التطرف والإرهاب. 

 

نقص الفصول

 

أمام تضخم ملف التسرب من التعليم، وضعت بعض الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية، هذا الأمر نصب عينيها، وخصصت جزءًا من التبرعات إلى شكل جديد أطلقت عليه اسم «المدارس المجتمعية»، وكان لمؤسسة مصر الخير السبق في هذا الملف.

 

ومن هنا باتت الحلقة الأهم في الأمر، مساعدة الدولة المصرية في حل مشكلة نقص الفصول، وعدم وجود مدارس يمكن للأهالي إلحاق أبنائهم بها، دون خوف عليهم من الانتقال لمسافات بعيدة عن منازلهم في تلك السن الصغيرة.

 

أما «مصر الخير»، فنجحت في غضون 5 أعوام تقريبًا في افتتاح أكثر من 1007 مدارس بـ10 محافظات، هي: «بني سويف والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان ومطروح وكفر الشيخ»، وغالبيتها في القرى والعزب والنجوع البعيدة.

 



 

مثلث الرعب للأطفال

 

لا تجد كثير من الأسر في الإفصاح عن أن سبب عدم إرسال أبنائها إلى المدارس في حصولها على فوائد مالية من ورائهم، وإن كانت هناك بعض الأسر التي تمنع أطفالها من الذهاب إلى فصولهم خوفًا من بعد الطريق.
 


مأساة الأطفال المتكررة بالفيوم تتمثل في أن مدارسهم تبعد قريتهم بنحو ما بين 5 إلى 10 كيلومترات، ما يدفع الآباء إلى إرسالهم إلى العمل بالزراعة برفقتهم؛ بسبب ظروف الفقر المدقع الذي يعاني منه الأهالي وعدم استطاعتهم الإنفاق على أبنائهم في الدراسة، بالإضافة إلى ظاهرة الزواج المبكر التي تعاني منها المناطق الفقيرة، ويعتبرها بعض الأهالي الملاذ الآمن لبناتهم من الجوع والفقر.

 

 

كشافة الهاربين من التعليم

 

بطريقة السهل الممتنع، نشرت مؤسسة مصر الخير فريقًا لإجراء مسح شامل بالمحافظات الفقيرة والنائية للتعرف على الأماكن الخالية من الخدمات التعليمية وتحديد الفئات المستهدفة «إما المتسربين من التعليم أو ممن لم يلتحقوا من الأصل بالمدارس»، ثم التوجه إليها للوقوف على مدى تعاون الأهالي ومشاركتهم في إنشاء المدارس المجتمعية بطريق التبرع سواء بالأرض أو المساهمة في التأسيس أو الإنشاءات.

 

يلي ذلك المرحلة الثانية والمتمثلة في التعاون مع وزارة التعليم، التي وقعت بروتوكول تعاون وقدمت الدعم لمؤسسة مصر الخير في ملف المدارس المجتمعية، سواء الكتب الدراسية لمرحلة الابتدائي ووسائل الدعم التعليمي والفني.


«أمل قاسم - مسئول التعليم المجتمعي بمؤسسة مصر الخير في محافظة الفيوم» تحدثت لـ«بوابة أخبار اليوم» عما حققته المؤسسة بالمحافظة، مؤكدة أنها واحدة من أفقر المحافظات على مستوى الجمهورية؛ لكنهم نجحوا في إنشاء 83 مدرسة مجتمعية وبعض المدارس تبدأ بفصل واحد وصولا  إلى أربعة فصول دراسية في كل صف دراسي تبعًا للمسح الشامل واحتياجات كل منطقة.

 

«أحيانا نضطر لبناء مدرسة لتخدم 5 أو 6 قرى أو عزب متقاربة؛ لصعوبة إنشاء مدرسة في كل عزبة، ويتم ذلك في كثير من الأحيان بالتعاون مع الأهالي الذين يتبرعون بالأرض وبعضهم يساهم في أعمال البناء والإنشاءات والصيانة وحل المشكلات».. بحسب ما ذكرته «قاسم».

 

اختبارات ذكاء 

 

مسئول التعليم المجتمعي بمؤسسة مصر الخير في محافظة الفيوم، وجهت مناشدة للمجتمع المدني ورجال الأعمال بالمساهمة في مساعدة هؤلاء الأطفال، عبر إنشاء 83 مدرسة إعدادي ومثلها ثانوي ليلتحقوا بها بعد انتهاء مرحلة الدراسة الابتدائية، والمساعدة في إنشاء مدارس أخرى بالمناطق التي لا تستطيع «مصر الخير» الوصول إليها.

 

وأضافت: «هناك قرية تدعي قرية الخضر تبعد 150 كيلومترًا عن مدينة الفيوم، وليس بها فصل واحد ومعظم أبنائها متسربين من التعليم، ويتم فتح الباب للالتحاق بالمدارس عن طريق الإعلان في القرى والعزب عبر ميكروفونات المساجد وقيادات القرى».

 

 

ومع تعدد وسائل الإقناع يقوم الأهالي بالتقديم، ثم يتم الاختيار تبعًا للظروف الاجتماعية والاقتصادية للأهل أو السن بحيث يستثني الأولاد أو البنات الأكبر سنًا حتى لا تفوتهم فرصة التعليم مع إجراء اختبارات ذكاء للمتقدمين.

 

ثم يأتي دور اختيار «الميسرات» المعلمات بحيث يتم اختيارهن من الأماكن القريبة مكانًا من المدرسة، وأن يكن من المؤهلات تعليميًا وتربويًا ونفسيًا ليتعاملن مع تلك الحالات بخصوصية شديدة، وحتى تكون المدرسة جاذبة لهم تعليميًا.

 

لا يتوقف دور الميسرات بانتهاء اليوم الدراسي، وإنما يمتد لمتابعة التلاميذ الذين يتعرضون لضغوط من ذويهم للغياب من المدرسة لمعاونة أهاليهم في العمل بالحقول ويلتقون بالأهل وحل تلك المشكلات.

 

نسيق كامل مع «التعليم»

 

«أحمد فتحي عبد التواب - مسئول الدعم الفني بالإدارة التعليمية بمركز طامية في محافظة الفيوم» أكد  أن هناك تنسيقًا كاملا مع وزارة التعليم فيما يخص تلك المدارس المجتمعية، فالمناهج الدراسية هي نفس المناهج الدراسية بمدارس الحكومة؛ لكن مع اختلاف التركيز على النشاط الحر في مواد اللغة والعلوم وتركهم يصممون أدواتهم التعليمية بأنفسهم».

 

ونبه إلى أنه يتم توفير تكنولوجيا التعليم بالتعاون مع وزارة التعليم، وذلك عن طريق إدخال برامج الدمج التكنولوجي بما فيها برامج الإنترنت وتدريبهم على إنشاء صفحات على فيسبوك للتواصل مع المعلمات والميسرات التعليميات، بالإضافة إلى نظام زيارات ورحلات مدرسية مستمرة.

 

وبالتنسيق مع وزارة التعليم، يتم أيضًا صرف تغذية مدرسية للتلاميذ، تكون في شكل كروت كالبطاقات التموينية يصرفونها من «البقال التمويني» فيها أرز وسكر ومكرونة شهريًا كوسيلة من وسائل الدعم والتحفيز على الاستمرار في الدراسة، وفقًا «عبد التواب».

 

ورغم كل ما سبق، إلا أن المدارس المجتمعية لا تزال تواجه مشكلة خطيرة، تتمثل في أنها حتى الآن مخصصة للمرحلة الابتدائية فقط وليس لدى مؤسسة مصر الخير الإمكانيات لفتح فصول للإعدادي ومن ثم الثانوي؛ لأن العام الماضي تم تخريج أول دفعة من الصف السادس الابتدائي وبعضهم التحق بمدارس في قرى مجاورة لكنها تبعد ما لا يقل عن 10 كيلومترات والبعض الآخر آثرت أسرهم على بقائهم في بيوتهم لـ«تعود ريما لعادتها القديمة».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة