محمود وحيد ومحررا «الأخبار» مع أحد المشردين داخل دار  الإيواء
محمود وحيد ومحررا «الأخبار» مع أحد المشردين داخل دار الإيواء


«صانع» الأمل: معظم المشردين «أبناء ذوات»..و نجحنا في إعادة 1181 لأسرهم

عماد عبدالحميد- إسلام دياب- جودت عيد

الأحد، 18 نوفمبر 2018 - 10:29 م

محمود وحيد «صانع» الابتسامة على وجوه المشردين:


لدينا 250 ألف متطوع للتعامل مع الحالات


نجحنا فى إعادة مدير عام مصاباً بالزهايمر إلى أهله


حصولى على جائزة «صانع الأمل» تتويج لمسيرة العمل الخيرى

 

عمره لم يتجاوز الثلاثين عامًا، لكن إنسانيته بدأت مبكرًا، عندما شاهد رجل مشرد يتكئ على عامود إضاءة بأحد شوارع القاهرة، وقد بدأ جسده فى التحلل، وقارب أن يفارق الحياة.


لم ينظر إليه باستهزاء أو بتعاطف ويكتف بذلك ويسير فى طريقه، لكنه عكس الكثيرين، اقترب منه، تحدث معه، سمع منه الابتسامات، يتخللها ألم مكتوم، عجز هذا الرجل المُشرد عن الإفصاح عما يعانيه.


أسرع محمود وحيد كان طالبا وقتها بتلقائية إلى أقرب تليفون، واتصل بالإسعاف، التى حضرت ونقلت المُشرد إلى أقرب مستشفى لعلاجه. 


شعر محمود أنه بوصول المريض للمستشفى يكون قد أنقذ هذا الرجل من الموت، لكن أمنياته ذهبت أدراج الرياح، عندما أخبره الطبيب أن قدم المريض تحللت وتحتاج إلى بتر، ثم صدمه، بأن طلب منه أخذ المريض خارج المستشفى لأنهم لايستقبلون هذه الحالات التى لا تحمل بطاقة هوية.


لم ييأس محمود ويترك الرجل فى الشارع ويهرب، قرر أن يصطحب المريض عبر نفس سيارة الإسعاف إلى مستشفى آخر، لكن مبررات الرفض كانت واحدة، هل تعرف هذا المريض؟، هل أنت أحد أقاربه؟، هل تكتب إقرارات على نفسك؟، أين بطاقة هوية هذا الرجل؟

 

ثم يفاجأ برفض استقبال الحالة.. رغم أن العجز والضيق تخلل إلى سائق الإسعاف، حيث إن الساعة قاربت على الواحدة مساءً، إلا أن محمود قرر ألا يترك هذا الرجل يصارع الموت، اتصل بطبيب قريب له..أحضر له المريض بسيارة الإسعاف، قام بالكشف عليه، وطلب منه إيداعه بأحد المستشفيات التى يعمل بها، وبدأت رحلة العلاج... المهندس محمود وحيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة معانا لإنقاذ الإنسان والفائز بلقب صانع الأمل الأول فى الوطن العربى. الذى يكشف تفاصيل رحلته مع العمل الخيرى التطوعى خلال خلال حواره مع «الاخبار» .


كيف كانت بداية عملك الإنسانى؟ 


 بدأت عمل الخير منذ 10 سنوات مع مجموعة من أصدقائى، من خلال المشاركة فى القوافل الطبية وإصلاح أسقف المنازل للفقراء وتوزيع الوجبات الغذائية وعمل وصلات مياه للمناطق الفقيرة وتجهيز عرائس، وكانت كل هذه الأعمال تتم عبر جمع تبرعات من أصدقائى الطلبة. 


لكن بداية عملى الإنسانى فى إيواء المشردين كانت بعد حالة مشرد صدمتنى فى سنة 2014 يوم وقفة عيد الفطر المبارك، عندما وجدت رجلاً مشرداً ملقى عند أحد أعمدة الإنارة فى ميدان رمسيس مع تقاطع صلاح سالم، وكانت الديدان بدأت تأكل فى جسده، قررت أن أساهم فى علاجه.

 

اتصلت بالإسعاف لكنها رفضت نقله، بسبب رائحته الكريهة، حيث تجاوز عمره 75 عامًا.. وحالته كانت مزرية..، إلا أن المُسعف فاجأنى، بالقول إن المستشفيات ترفض قبول هؤلاء المشردين، لأن ليس لديهم هوية.. لم أيأس.. قررت اصطحابه إلى مستشفى وكانت الساعة قد اقتربت من الواحدة ظهرا، توجهت به لمستشفيات عديدة لكنها رفضت دخوله، بعد أذان المغرب انتظرت حتى إفطار العاملين بمستشفى الحسين الجامعى وسط تذمر رجل الإسعاف الذى نقل الحالة، إلا أنه كالعادة صدمتنى الدكتورة بالمستشفى بعدد من الاسئلة : اسم الحالة إيه؟ ما علاقتك به؟ لماذا تفعل هذا؟ أخبرتها أننى فاعل خير قررت مساعدة هذا الشخص.


سألتنى الشخص ده عنده «قلب».. «ضغط».. «سكر»؟ أجبت «مش عارف» وأخيرًا رفضت استقباله.. توجهت به لمستشفى قصر العينى الساعة 12 صباحًا وقام أحد الأطباء بقياس الضغط والنبض والسكر له، وأكد أن هذا الشخص يعانى من قدم سكرى، وأنه يحتاج إلى عملية كحت وتنظيف أو بتر الرجل، وأنت ستُعرض نفسك لمساءلة قانونية، لكونك غير ذى صفة، اتصلت بأصدقائى الذين أوصلونى بالدكتور محمد ندا كبير الأطباء بمستشفى أم المصريين وقمت بنقله للمستشفى وتم إجراء عملية له. 


رحلة إيواء


 وهل انتهى دورك عند إجراء الكشف الطبى عليه؟


لا.. لم ينته دورى، أصبحت مسئولاً عن هذا الرجل، كنت أزوره يوميا، وأحضر له الملابس والدواء والأكل والشرب، وبعد انتهاء فترة النقاهة بعد العملية فوجئت أنه يعانى من الزهايمر، وكان لابد من البحث عن مكان لايوائه حتى لايعود للشارع مرة أخرى. 


بحثت فى كافة دور المسنين ، إلا أنها رفضت استقباله، لأنه لا يحمل بطاقة وليس له قريب من الدرجة الأولى طبقا للقانون، وبعد بحث لساعات وجدت له داراً خاصة بمدينة نصر، اشترط صاحبها قبل قبوله فى الدار، الحصول على مبلغ مالى كبير والتوقيع على عدد من الإقرارات منها أنه مسئول عنه جنائيا وماديا  فى حالة الوفاة.. وافقت.. وتم قبول المريض بالدار.


بعد كل ماعانيته من أجل علاج وإيواء المُشرد..هل كررت التجربة مرة أخرى؟


بالفعل، قررت أن يكون هدفى القادم هو إيواء كل المشردين فى محافظات مصر، والحمد الله ساعدت 3 مشردين وقدمت لهم الغذاء والكساء، وأنقذتهم من الشارع ووضعتهم فى دور إيواء، لكن الأمور المادية كانت عائقاً لاستمرار تجربتى وهدفى الإنسانى، الأموال التى كنت أجمعها من أصدقائى لم تعد كافية لإيواء 4 مشردين.

 

فقررت البحث عن مكان امتلكه لإيواء هؤلاء المشردين.. حصلنا على شقة فى مدينة نصر، رفضت فى البداية وزارة التضامن تخصيصها مكاناً لإيواء المشردين لافتقادها الشروط والضوابط ، لكن بعد شهور وفقنا هذه الشروط وبدأت الدار فى استقبال المُشردين.. ثم نجحنا فى إنشاء «مؤسسة معانا لإنقاذ الإنسان» وتأسيس دارين لإيواء المشردين. 


كيف تتعامل مع المُشرد فى الشارع.. وما هى طرق إقناعه.. للحضور للدار ؟ 


 فى حال إبلاغنا بوجود مُشرد فى الشارع، نبدأ فى النزول إلى المكان والتعامل مع كل شخص حسب حالته، إذا كانت الحالة فى الشارع واعية أبدأ بالتعرف عليها وعن اسمه وسنه ووظيفته وأهله ومنزله وبعد ذلك أقوم بتعريفه بنفسى، وأعرض عليه الإقامة فى الدار، أما إذا كانت غير ذلك، أساعد فى نقلها فورًا دون سؤال لدار الرعاية التى أسستها.

 

وإذا كان مريضاً نفسياً أبدأ التعامل معه وأوفر له فى الدار، طبيباً نفسياً وأخصائياً إجتماعيا، أما إذا كان المريض النفسى غير مستجيب أحقق له كل ما يحتاجه مع استمرار إقامته بالشارع وعلاج أمراضه الجسمانية أولا بأول حتى لا تتحول إلى أمراض خطيرة يصعب علاجها.


طرق الإبلاغ


وكيف يتم الابلاغ عن مُشرد فى الشارع ؟ 


هناك فرق إنقاذ تعمل معى فى كل المحافظات ، تقوم بالبحث عن الحالات والتعامل معها ولدينا الصفحة الخاصة بالمؤسسة عليها أكثر من 250 ألف متطوع يقوم أى فرد منهم بتصوير الحالة التى يعثر عليها وإرسالها لنا بالعنوان على الفيس بوك «معانا لإنقاذ إنسان» وبعد وصول البلاغ يتحرك فريق الإنقاذ ونبدأ بالتعامل معها. 


كيف نجحت فى توصيل فكرتك إلى المواطنين ؟


أسست جروباً على الفيس بوك بعنوان : «معانا لإنقاذ الإنسان» وجاء ذلك بعد ان استطعت التعلم فى مبادرات عديدة مثل : فاعل خير وسفراء العمل التطوعى وفرسان الخير وغيرها، كنت أُساعد فيها بمالى ووقتى وجهدى مع آخرين من خلال مجموعة من الشباب من تخصصات مختلفة نقوم بدراسة احتياجات الفقراء والعمل على حلها جميعا وبعد ذلك تركت تلك المبادرات وركزت على أهالينا المشردين بلا مأوى فى كل مكان فى مصر وتطوع الكثير معى فى إيصالى بهؤلاء المشردين لنجدتهم بمساعدة أصدقائى فى بادئ الأمر.

 

وكانت هناك حالة حاولت إيداعها إحدى الشقق وأثناء التفاوض مع صاحب الشقة الذى رفض دخول الحالة إلا بعد سداد ثمن الايجار توفت، فكانت بمثابة رسالة تحذير موجهة من الله لى بسرعة إيجاد مأوى لهم فى أسرع وقت، خاصة أن المشرد إذا توفى فى الشارع يظل فى المشرحة لمدة 3 شهور حتى تتأكد النيابة من هويته ويصدر قرار بدفنه، او يحصل عليها طلاب كلية الطب ويقومون بتشريح الجثة للدراسة عليها، وهو أمر شديد الصعوبة فى أن تجد المُشرد مُهاناً فى حياته ومماته.


ما أغرب الحالات التى تعاملت معها من المشردين ونجحت فى إعادتها لحياتها الطبيعية؟


نحن نعمل على أكثر من اتجاه ، أولها إنقاذ الشخص نفسه من الموت بانتشاله من الشارع والأمراض ومن الحياة غير الأدمية بدون معرفة أى شىء عنه، والمرحلة الثانية نقوم بعمل تحاليل للشخص لمعرفة إذا كان يعانى من أى أمراض أو فيروسات معدية أو غيرها.

 

أما المرحلة الثالثة نقوم بالبحث عن أهله وحل مشكلته..نجحنا منذ بداية عملنا فى إعادة ١١٨١ حالة إلى أسرهم منهم أكثر من 70% ينتمون إلى عائلات كبيرة ومستويات راقية منهم مدير بالمحكمة الدستورية العليا على المعاش والذى أصيب بالزهايمر وخرج يصلى ولم يستطع العودة مرة أخرى لمنزله ولم يجد سوى الجلوس فى الشارع وخلال 48 ساعة تغير شكله تمامًا لدرجة أن أهله لن يعرفوه إذا مروا بجانبه، وسيدة أخرى وجدناها فى الشارع وكانت تعمل دكتورة بمركز تمريض القصر العينى تم إنقاذها وإعادتها لأسرتها، وغيرهم من أطباء ومهندسين.

 

كانت هناك حالة لمحام طردته زوجته فى الشارع ومنعته من رؤية أبنائه، حيث عثرنا عليه بميدان الحجاز بمصر الجديدة وتسببت المشكلات بينه وبين زوجته فى إصابته بجلطة وأصبح غير قادر على الحركة.. وهو اليوم موجود هنا فى الدار وعاد إلى رشده ، وبدأنا فى الاتصال بزوجته لتقريب وجهات النظر بينهما. 


أسباب التشرد 


هناك أسباب للتشرد تعرفت عليها من خلال تعاملك مع هذه الحالات..ماهى ؟ 


هناك 3 أسباب للتشرد أولها ظروف اقتصادية بسبب الفقر وعدم وجود رعاية، وتأتى الظروف العائلية والاجتماعية بسبب جحود الأهل وعدم وجود من يقف إلى جواره فى المرتبة الثانية أما الظروف المرضية والتى تتلخص فى المرض النفسى والزهايمر فأتى فى المرتبة الثالثة، وأريد أن أؤكد انه، ليس كل من فى الشارع كما يعتقد الكثير من الناس مجذوبين ومجانين وليس لهم هوية، بل إن معظمهم من عائلات كبيرة. 


بعد إيواء المشردين.. تبدأ مرحلة تأهيلهم للمجتمع.. كيف يتم ذلك ؟ 


لدينا أخصائين اجتماعين ونفسين فى الدار على مدار 24 ساعة ، واستطعنا إعادة معظم المشردين الذين حضروا إلى دور الإيواء إلى حياتهم الطبيعية مرة أخرى، لدرجة أننا استعنا بأربع حالات منهم للعمل فى الدار، كأفراد أمن ومرافقين للمسنين ونظافة وطبخ بمقابل مادى، خاصة أن ليس لهم مكان خارج الدار، كما اعتمدنا على بعضهم للمشاركة فى فرق إنقاذ مُشردين فى عدد من المحافظات، بجانب أننا نجحنا فى توفير عمل بالخارج لعدد من المشردين الذين تم تأهيلهم.


هل بعض من تم تأهيلهم عادوا الى ممارسة وظائفهم او مهاراتهم بشكل طبيعى ؟ 


لدينا فى دار الإيواء 70 مُشردًا معظمهم تم تأهيله، ومثال نجد حالة مدحت الذى كان مدرس موسيقى فى الشارع، وبعد وفاة والدته تعرض لازمة نفسية شديدة منذ سنوات طويلة وكان يرفض الجلوس فى الدار ولم يكن لديه ثقة فى أى شخص وبعد فترة كبيرة من المتابعات لمدة 8 شهور وفرنا له الآلات الموسيقة التى يحتاجها، وأصبح يشارك فى ورشة عمل مع الموسيقار سليم سحاب، حيث كانت إحدى أمنياته التى عملنا على تحقيقها.


هل تستهدف فئة المتسولين المقيمين فى الشارع داخل الدار؟


المتسول يمتهن مهنة «الشحاتة» وتكون مربحة بالنسبة له وعندما يأتى إلى الدار لا يصبح الوضع مريحاً بالنسبة له لأن التشرد يكون باختياره على عكس الموجودين فى الدار ، فالتشرد يكون رغما عنهم.


هل هناك رقابة من الدولة لدور الرعاية ؟


الدارين مرخصتان من وزارة التضامن الاجتماعى بعد مدة طويلة من الاجراءات ، خاصة وأن الفكرة جديدة من نوعها ، ونحن حصلنا على ترخيص رقم 1 فى مصر ، لأننا أول كيان من نوعه، وهناك تفتيشات مالية وإدارية ولجان وهناك تبرعات كثيرة من الداخل ، كما حصلنا على تبرعات من الخارج بعد فوزى بجائزة صانع الأمل لكنها لم تحول حتى الان.


صانع الأمل 


حصلت على جائزة «صانع الأمل» التى أعلن عنها حاكم دبى.. ماقصة هذه المسابقة ؟


المبادرة التى أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبادرة فريدة من نوعها لأن المبادرات تكون لأفضل لاعب كرة قدم أو ممثل أو مغنى.. لأول مرة يكون هناك مبادرة عن فعل الخير ، لأن فاعل الخير ينتظر الجزاء من عند الله.


حقيقة لم أتقدم للمسابقة بل قام المتطوعون بترشيحى لها وكان ينافس معى 87 ألف صانع أمل لتبدأ اللجنة بمتابعة جهود المتسابقين على أرض الواقع وتوجهت لجان من الإمارات الى دور الرعاية ، وقاموا بتصوير كل شىء وظلوا مرافقين لى لمدة أيام لوضع التقرير الخاص بى..وبدأت التصفيات، ووصل 15 صانع أمل بالتصفية فى الدور قبل النهائى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة