الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب: فـقـــه الـدولـــة

عمرو الخياط

الجمعة، 23 نوفمبر 2018 - 09:53 م

الفقه هو مطلق الفهم بالشيء ومعرفة أحكامه الدقيقة، فإذا كان لكل شيء فقهه الخاص فإنه من باب الأولويات أن يكون للدولة فقهها الشامل على أساليب إدارتها وتسيير أمورها والمعرفة الدقيقة بكل شؤونها وطرق التصدي لمشاكلها وصولا لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. 
ولما كان مصطلح الفقه قد ارتبط بعلوم الشريعة ويختص بأحكام الحلال والحرام، فإن الفهم الصحيح هنا يستوجب التوضيح بأن الفقه ليس مقدسا لأنه يعبر عن تفاصيل الفهم البشرى للشريعة وفقا لتغير الزمان والمكان، أما الشريعة فهي مقدسة لأن مصدرها السماء.
فإذا كان للفقه الشرعي وعلومه رجاله القائمون عليه فإن الدولة أيضا لها رجالها القائمون على إدارة شئونها.
فإذا كان الدين أساسا جاء من أجل إصلاح أمور الدنيا فإن الدولة هي ذروة الأهمية في هذه الدنيا لأنها السبيل الوحيد لتحقيق مقاصد الشريعة المتمثلة في حفظ الدين والمال والعرض والنفس والنسل والعقل.
على هذا النحو فإنه لا يجوز بأي حال الاستقواء على الدولة بالدين وهى مصدر حمايته وحفظه أو الاستعلاء عليها باستخدامه لأن حدوث ذلك يعبر عن فهم خاطئ وتفكير غير منطقي يدفع المعتقدين بأنهم محتكرو الدين إلى الاستقواء على مصدر حمايته فيؤدى ذلك إلى إضعاف الدولة فيضيع الدين معها.
العلاقة هنا ليست علاقة ندية بل علاقة ارتباط وجودي فإذا ضاعت الدولة ضاع الدين.
في كل أرجاء مصر المعمورة تنتشر المساجد والكنائس لا تنقطع بداخلها الصلوات والشعائر، ومن أعلى المنابر طوال الأسبوع وفِى خطبة الجمعة تنعقد الدروس الدينية تعليما وتذكيرا وتلقينا بأصول الدين من الكتاب والسنة، لكن السؤال هنا أين انعكاسات هذه الدروس والتعاليم على السلوك العام والتعاملات اليومية فى البيوت وفِى الشارع وفِى الدواوين العامة والخاصة ؟، الواقع يقول إنها أثرا بعد عين.
إذا كان من يعتقد أنه وصى على الدولة باسم الدين فليخبرنا عن أدواته لتحويل النص إلى أسلوب حياة وإلا فليقل خيرا أو ليصمت.
ثم دعونا نسأل هؤلاء الأوصياء الأدعياء أين كانوا عندما تمكنت عصابة الإرهاب الإخوانى من الاستيلاء على حكم البلاد في غفلة من تدينهم المزعوم ؟، كيف تمكنت هذه العصابة من السيطرة على عقول ووجدان البعض في وقت ما باستخدام دينهم المزيف، بينما من يدعون أنهم قائمون على أمر الدين الصحيح مازالوا عاجزين عن الوصول لجمهورهم المستهدف والتأثير فى سلوكه.. أين كانوا ؟!.
فإذا كانوا عاجزين عن الوصول إلى القلوب والعقول باستخدام ما يسمونه بصحيح الدين الذين يحتكرون مفاتيحه، فإننا نكون بصدد احتمالين لا ثالث لهما، أما أنهم يحملون أسفار الدين الصحيح دون فهمها، أو أنهم يعمدون إلى تضليل جمهورهم، وفِى الحالتين فإن الدولة هي السبيل الوحيد للنجاة حفاظا على هذا الدين وحفظا لعقل المخاطبين به.
المفارقة انك تجد أن مدعى الوصاية الدينية لا يكفون عن الاستغاثة بالدولة إذا ما استشعروا حالة تغول إخواني أو سلفي على مساحة حركتهم الدينية التي يعتقدون انهم محتكروها، فلما تتدخل الدولة بما لديها من أدوات قانونية ودستورية ومؤسسية لضبط هذه الحالة استجابة لاستغاثتهم، فإنهم يعودون إلى سيرتهم الأولى لممارسة الوصاية على هذه الدولة المنتهية للتو من مهمة حمايتهم وحماية صحيح الدين. 
تخيل أنهم عندما ينفردون بالحالة الدينية التي مكنتهم الدولة منها ظنا أنهم أولى بصحيح الدين من غيرهم، فإنهم يسارعون لاستهداف هذه الدولة ومكايدتها مرة أخرى فيفسحون المجال مرة أخرى لعودة جماعات التطرّف التي لم تلبث الدولة أن أنقذتهم منها، لندور باستمرار في دائرة مغلقة لا يدفع ثمنها إلا وعى المواطن الذي يتعرض لعملية تشويه وتشويش لصحيح الدين في عقله.
نحن أمام حالة من الممارسة غير الرشيدة للندية مع الدولة في غير محلها، لا تتوقف عند حدود الندية فحسب بل تتجاوز إلى حد الاستعلاء عليها، فتضع الدولة دائما موضع الاتهام والشك والريبة بأنها في حالة عدم اتساق مع صحيح الدين، فتظل منشغلة طوال الوقت بتغيير هذه الصورة الذهنية التي تفرض عليها باستخدام الدين، وبالتالي تحدث عملية جفاء بين الدولة والمواطن لأنها ظهرت أمامه عاجزة عن حفظ صحيح دينه، فيبحث عن مصادر أخرى لجرعاته الدينية المطلوبة فلا يجدها إلا لدى تجار السموم الدينية، وفِى الوقت الذي مارست فيه جماعات الوصاية باسم الدين الاستعلاء على الدولة سرا وعلانية فإنها تعجز عن معالجة المواطن الذي وقع في براثن جماعات التطرّف والإرهاب، كما لو كان الأوصياء على الدين في حالة اتفاق مع جماعات التطرّف لشغل الدولة عنهم ولتضليل المواطن ليصبح فريسة لهذه التنظيمات.
في مواجهة عملية التضليل الممنهج لا ينبغي للدولة أن تقف مكتوفة الأيدي وإلا فقدت أهم صفاتها كدولة وهى القدرة على امتلاك مقوماتها وأدواتها والسيطرة عليها وإدارتها لصالح أمنها القومي وأهدافها الإستراتيجية.
فإذا كانت جماعات الوصاية باسم الدين قد فقدت قبلتها وبوصلتها واتخذت من الدولة منافسا لها في تسويق بضاعة دينية ظنت إنها احتكرتها، بدلا من أن توجه جهودها لتنظيمات الإرهاب والتطرف التي أغرقت أسواق الوعي ببضاعة فاسدة.. إذا كان ذلك كذلك، فإن السبيل الوحيد هو الدولة القوية التي يخضع الجميع لدستورها وقانونها ولو كره المحتكرون.
اسألوا أهل الذكر إن كُنتُم لا تعلمون، أهل الذكر في الدولة هم رجال الدولة، الذين يمارسون أدوارهم وسلطاتهم وفقا لما حدده الدستور والقانون ويراقبهم البرلمان.
‎فإذا كان هناك من يعتقد أن لديه دستورا موازيا فإن محل تطبيقه وممارسته ليس داخل الدولة المصرية المرتكزة على قوة ثورة ٣٠ يونيو.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة