رقية السادات خلال حوارها لـ«الأخبار»
رقية السادات خلال حوارها لـ«الأخبار»


حوار| رقية السادات في مئوية والدها: أبى.. مات مديوناً

إسلام الراجحي

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018 - 01:16 م

قبل استشهاده نقص وزنه وقرر الإفراج عن جميع المعتقلين


كان حريصا على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان وسجل القرآن بصوته

 

رغم مرور سنوات طويلة على رحيل الرئيس السادات، إلا أن شخصيته وحياته المليئة بالتفاصيل الإنسانية، لا تزال مليئة بالأسرار التى لم تكشف حتى الآن، فحياة الرئيس السادات سواء قبل أو بعد توليه الرئاسة، وحتى وفاته ثرية ومليئة بالأحداث.


«الأخبار» حرصت على الاطلاع على جانب من تلك الحياة الإنسانية للرئيس الراحل من خلال ابنته رقية التى فتحت لنا خزائن الأسرار، وكشفت العديد من الكواليس الإنسانية عن حياته ورحيله.


وكشفت رقية السادات أن الرئيس جمال عبد الناصر عين والدها نائبا له لصدقه وحبه لمصر وعدم سعيه وراء مصلحة شخصية حتى نجحت الوشايات فتأزمت العلاقة بينه وبين عبد الناصر فتقدم باستقالته مكتوبة فرفضت حتى توفى عبد الناصر أصبح رئيسا للجمهورية.

 

وأوضحت كان حزينا ومهموما بعد نكسة ٦٧ حتى حقق النصر فى أكتوبر واستعاد الارض والعرض.. واضافت سجن شقيقه لاستغلال النفوذ ورفض تسلم قطعة ارض وزعت على مجلس قيادة الثورة وعاش فى منزل بالإيجار وتوفى مدانا للبنك الاهلى بقرض قيمته الف جنيه، سجل القرآن الكريم بصوته، وكان يعتكف العشر الاواخر من رمضان ويحب زيارة السيد البدوى بطنطا.

 

مواقف عديدة وحكايات عن حياته نسترجعها خلال الحوار والتفاصيل فى السطور التالية.


ما تفاصيل اعتقاله أربع مرات وكيف كان يرى مصر؟


- اصعب المواقف هى رحلة كفاحه الاولى حيث واجه أبى أحداثا صعبة للغاية حيث تم القبض عليه فى عام ٤٢ من البوليس السياسى بأوامر من السلطة الإنجليزية ثم خرج صلبا قويا مقتنعا بالكفاح الوطنى فهو كان يرى مصر العشق والمحبوبة ومستعد لفعل أى شىء من أجلها فتم القبض عليه مرة أخرى ولكن هذه المرة سجنوه فى منقباد بأسيوط .

 

وخرج مرة أخرى أشد تمسكا بمبادئه ليتم اعتقاله لثالث مرة فى معتقل الزيتون ولذلك استأجرنا منزلا قريبا من المعتقل حتى نستطيع زيارته ونكون بجواره لانه كان يشعر بالاطمئنان لوجود امى وأولاده بالقرب منه، اما المرة الرابعة فتم سجنه بعد اتهامه بقتل امين عثمان والتخابر مع الألمان وأخبارهم بالمواقع الإنجليزية لضربها .

 

وهنا كان لى موقف لن أنساه حينما قال لى أولاد أعمامى «ابوكى اتسجن عشان حرامى» فظللت أبكى وامتنعت عن الطعام وطلبت زيارة والدى وبالفعل تحقق طلبى والتقيت أبى وقلت له فى السجن «بابا حبيبى هو حضرتك حرامى؟! فرد انا مسجون سياسى لانى بكافح لطرد الملك والإنجليز من مصر ولست لصا كما قالوا لك وانتهت هذا الفترة بالعفو عنه من معتقل «قرة العين» وعدنا لنسكن بيت العائلة فى كوبرى القبة.


ما المواقف الصعبة التى تعرض لها أثناء ملاحقته أمنيا بعد هروبه من السجن؟


- فى هذه الفترة انتقلنا للاقامة فى المرج وكان والدى متخفيا بالزى البلدى «جلابية وكوفيه» واطلق على نفسه اسم محمد نور الدين واستأجر المنزل بهذا الاسم واختبأنا ليلا نهارا وعمل فى عدة مهن فاشتغل سواقا وتباعا وعمل فى المقاولات وهناك حمام سباحة فى الزقازيق عليه اسم محمد نور الدين.


هل توفت شقيقتك راوية لانه لم يجد ثمن العلاج؟


- بالفعل بعدما انتقلنا إلى روض الفرج وتحديدا فى شبرا وكنا نعيش ظروفا قاسية وأصيبت راوية باسهال شديد فى الصيف وكتب لها الدكتور محلولا ولم يكن مع أبى ثمن العلاج ولم يكن معه حتى ثمن السكر فاشترى عسلا اسود فأصيبت اختى بجفاف شديد ثم ماتت ومن شدة حزنه وحبه لها أطلق على شقيقتى التى ولدت بعدها اسم راوية.


ما انطباعاته بعد نكسة عام ٦٧؟


- زارنى بعد النكسة بأسبوع وكان فى ذلك التوقيت رئيس مجلس الأمة ووجدته يرتدى بدلة عسكرية بدون رتب فانزعجت وقلت له ما هذا يا بابا فقال نحن فى حالة حرب ولو انا صغير فى السن لذهبت لميدان القتال لمحو العار واسترداد الارض لان ابى بنشأته الريفية كان يرى أن الأرض عرض وشرف وكرامة.


ما قصة رفضه لقطعة ارض ضباط مجلس قيادة الثورة فى المهندسين؟


- أبى ظل يسكن بالايجار مدى حياته فعندما أراد أن ينتقل من المنيل إلى منزل آخر فعرضوا عليه فيلا من فلل الحراسات فاستأجرها ثم استقر فى فيلا فى الجيزة بـ١٥٠ جنيها فى الشهر وظل يقيم بها فلم يكن لأبى فيلا تمليك كما أدعى البعض، ورغم ذلك عرض عليه مجلس قيادة الثورة قطعة ارض فى حى المهندسين تم تخصيصها لضباط المجلس فرفض ابى وقال لا يمكن ان استفيد بعائد من الثورة فكانت لديه من القناعة ما يجعله يترفع عن استغلال النفوذ فى حين قبل البعض ذلك مثل عبد الحكيم عامر وحسين الشافعى وكمال الدين حسين.


ولماذا اختاره عبد الناصر نائبا له دونا عن جميع ضباط مجلس قيادة الثورة؟


- لانه رأى فيه انه لا يبغى اى مكاسب من اى نوع ولا يسعى لاى مصالح والصداقة بينهما كانت قوية فكان يحب والدى جدا ووالدى يبادله نفس الشعور، فكان عبد الناصر رئيسا ويأتى من المنشية ليجلس معه فى منزلنا بالهرم لساعات طويلة يتناقشا معا فى كل الأمور ولن أنسى عمى جمال عبد الناصر حيث شهد على عقد قرانى وحضر زفافى، ولكن ما عكر الصفو بين والدى وعمى عبد الناصر هو الوشايات من بعض أصدقائهما، ورغم الوشايات من البعض الا انه رأى السادات هو الجدير بالمنصب فكلفه كنائب اول لرئيس الجمهورية فى عام ١٩٦٩.


لماذا قدم السادات استقالته لجمال عبد الناصر للاعتذار عن استمراره نائبا لرئيس الجمهورية؟


- بسبب الوشايات وحقد البعض على العلاقة القوية بين ابى وعبد الناصر ظلوا يحاولون ان ينهوا تلك العلاقة خاصة وانهم كانوا يخشون ابى لانه عبد الناصر كان يعانى أزمة صحية وكان والدى نائبا له وهو ما يشكل خطرا شديدا عليهم، فنجحوا فى الوشاية ووجد ابى لوما وعتابا من عبدالناصر فقدم استقالته وانطلق إلى منزله فى الهرم جمع اغراضه الشخصية وانطلق إلى ميت ابو الكوم .

 

زاره عبد الناصر مرتين فى ميت الكوم ليقنعه بالعدول عن الاستقالة، فرفض ابى فقال له سأقبل استقالتك بشرط أن تحضر معى مؤتمر القمة فقال له والدى وعد فقال نعم، فوافق والدى على السفر معه وذهب من منزلنا فى الجيزة إلى الهيلتون وبعد انتهاء المؤتمر عاد والدى إلى الجيزة ليستعد للاتجاه لميت ابو الكوم فوجد اتصالا هاتفيا من أسرة جمال عبد الناصر تطلب من الحضور لان والدهم مريض فاتجه على الفور.

 

ثم بعد ساعات وجدنا الإذاعة تذيع بعض آيات القرآن الكريم بشكل متواصل ثم وجدنا ابى يذيع بيان وفاته فى ظل تأثر شديد للغاية وعشنا فترة حزن شديدة وشارك ملايين المصريين فى وداع عبد الناصر وأصبح والدى رئيسا للجمهورية.


بعد تولى السادات حكم مصر هل استغل أحد من عائلته النفوذ او قبل بعض الهدايا؟


- كان ابى شعاره واضحا وهو لا لاستغلال النفوذ ولا تكبر على الناس ولا انتهازية طبقه على نفسه وعلينا جميعا وله واقعة شهيرة للغاية عندما أخطأ عمى « شقيقه» فوضعه فى السجن عقابا له، وله واقعة أخرى عندما أهدى الامير فيصل شقيقى سيارة كهدية زواجه أصدر قرارا بضمها للرئاسة لتصبح ملكا للدولة.


هل حقا سجل الرئيس السادات القرآن الكريم بصوته وماذا عن زياراته إلى السيد البدوى؟


- بالفعل سجل القرآن الكريم بالكامل بصوته وموجود نسخة منه فى مكتبة الإسكندرية فقد كان شديد التقرب لربه يجلس بمفرده يصلى ويناجى ربه، فهو حفظ القرآن فى الكتاب فى صغره وكان يعتكف اخر عشرة أيام فى رمضان حتى وهو رئيسا، وكان أيضا من ضمن طقوسه زيارة السيد البدوى حيث كان يستبشر خيرا بتلك الزيارة.


فترة ما قبل الحرب هل كنتم تنقلون نبض الشارع وهل كنتم تعرفون موعد الحرب؟


- كنا ننقل له نبض الشارع فما علينا الا البلاغ، وفى كل مرة كل يصمت ويستمع ولا يعلق وفى بعض المرات يقول لنا «بنوضب»، فهو يرى أن البيت مكان اسرى تنقطع صلته بالسياسة وإدارة الدولة عندما يدخله، ورغم أننا أولاده الا اننا لم نكن نعلم انه اتخذ قرار الحرب، فتفاجأنا بإذاعة بيان العبور، وكان فى فترة ما قبل الحرب بثمان واربعين ساعة مقيما فى قصر الطاهرة وأنشأ غرفة عمليات الحرب هناك، وعندما استقبلنا الخبر الحزين بوفاة عمنا وشقيقه عاطف اتصلنا به فى الحادية عشرة مساء فجاء صوته قويا « عاطف الله يرحمه بطل طلبها ونالها وياريت انا كمان انول الشهادة».


كيف عادت رفات شقيقه عاطف بعد استشهاده؟


- أثناء المباحثات طلب السادات من هنرى كاسنجر وزير خارجية أمريكا عودة رفات عاطف السادات بعدما تم العثور عليها وبالفعل عادت وهى «الخوذة» و«الطبنجة» و«السلسة» المدون بها بيناته وأخذها السادات ودفنها فى قبر العائلة بميت ابو الكوم وأصبح بعد كل ذكرى الانتصارات أكتوبر يحضر العرض العسكرى ثم يتوجه لقبر عاطف وأوصى اذا دفن فى ميت ابو الكوم يدفن مع عاطف شقيقه وطلب منا ان نرتدى الملابس البيضاء أثناء زيارته ولا نبكى عليه لانه بطل عظيم فكان أبى بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة يستطيع أن يجنب شقيقه الحرب ولكن رباه على ان يخوض الحرب فى الصفوف الأولى.


ماذا عن مفاجأة زيارة الكنيست وما هى تفاصيلها ؟


- فاجأ السادات العالم أجمع بإعلانه فى مجلس الشعب زيارة للرئيس وفوجئنا مثل العالم بذلك الاعلان فتحدثت معه وقلت له وانا اشعر بالخوف عليه هتذهب إليهم فى عقر دارهم انا خائفة عليك فقال لى أنا أدعو للسلام وكفانا حروب وكفانا آرامل وكفانا يتامى وأسعى لتجنيب اولادى الحرب.


هل طلب ان يدفن فى وادى الراحة بجبل موسى؟


- فى استراحته بالقناطر الخيرية فى فبراير ١٩٨١ اتصل به حسب الله الكفراوى وقال له « كله تمام والمدفن جاهز» فتسآلنا مدفن ايه فرد « قررت ان ادفن فى وادى الراحة تحت جبل موسى وقال عندما أعود من العرض العسكرى سأذهب لمشاهدة المدفن وكانه كان يشعر بدنو الأجل.


ماذا عن ايامه الأخيرة قبل وفاته ؟


- قابلت ابى قبل مقتله باسبوعين فكان شكله غريبا ومهموما ونقص وزنه وامتنع عن تناول اللحوم نهائيا قبلها بستة أشهر قال لى يوم ٢٥ سأتسلم بقية الارض وبذلك اكون قد انهيت رسالتى التى كلفنى الله بها بالنسبة لمصر ورجعت أرضها واستعاد الجيش المصرى كرامته وسأتنحى عن الحكم وساتولى رئاسة الحزب الوطنى وسأعود لاقيم فى بلدى ميت ابو الكوم وسافرج عن جميع المعتقلين.

 

قلت له أيضا لماذا لا ترتدى «الدرع الواقى» فقال لى «يا بنتى انما يأتيكم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة مشيئة ربنا فوق اى اعتبار هو انا يعنى لو ارتديت الدرع وطلقة اصابتنى فى رقبتى اكيد هموت على طول».


كيف تابعتى اللحظات الأخيرة فى حياة السادات؟


- قبل العرض بيوم طلب منى ان أسجل العرض وبالفعل جهزت شريط الفيديو وقلت له « اشمعنا يعنى فرد هيبقى فيه مفاجآت» وكانه يشعر ان شيئا ما سيحدث، بدأت فى متابعة العرض حتى وجدنا إطلاق نار وانقطع البث التلفزيونى وارتبكت وخفت حتى علمنا فى النهاية بوفاته فكان يوما اسود.


لماذا لم تنفذ وصيته بدفنه فى وادى الراحة؟


- افتى الشيخ بيصار بدفنه فى مكان استشهاده وتم تغسيله رغم ان الشهيد لا يغسل رغم ان وصيته كانت فى وادى الراحة.


هل مات السادات وهو مديون للبنك الاهلى؟


- بالفعل بعد مقتل أبى وجدناه مقترضا قرضا بالف جنيه من البنك الأهلى ورئيسا لمصر وسددته طنط جيهان على دفعات، ووجدناه أيضا مستدينا من راتبه عدة «سلفات»، فأبى كان نظيف اليد مترفعا عن اى استغلال للسلطة.


كيف رأيت حضور قتلة السادات للاحتفال بانتصارات اكتوبر فى عهد المعزول مرسى؟


- كان يوما اسود وشعرت بالخوف وكنت على استعداد أن اذهب لحماية قبر والدى من هؤلاء القتلة والمجرمين.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة