بافيل نيدفيد
بافيل نيدفيد


حكايات| زيدان وخدعة إعلامية صنعا أسطورة نيدفيد في يوفنتوس

محمد وليان

الجمعة، 28 ديسمبر 2018 - 06:31 م

«أوه، هذا يُسجل علينا دائمًا.. لنقم بشرائه وهكذا نحل المشكلة»..  بهذه الجملة بدأ لوتشيانو مودجي المدير العام ليوفنتوس سرد قصة الحصول على خدمات التشيكي بافيل نيدفيد إلى تورينو، في كتابه «الكرة التي أحملها»، كخليفة لزين الدين زيدان، ليكتب فيما بعد واحدة من أجمل قصص النجاح والوفاء في تاريخ الكالتشيو والسيدة العجوز.

 

«مودجي» الذي أدين عام 2006 في القضية التلاعب بالنتائج الشهيرة «كالتشيو بولي» والتي أودت باليوفي إلى غياهب السيريا بي، وأوقف هو على إسرها من ممارسة أي نشاط رياضي مدى الحياة، يعد واحدًا من أبرز الإداريين في الكرة الإيطالية، فهو من جلب «البيبي دي أورو» ديجو أرماندو ماردونا وكذلك البرازيلي كاريكا إلى إيطاليا ،حينما كان يعمل في نابولي وفاز معه فريق الجنوب بالقب الأسكوديتو مرتين وبطولة الاتحاد الأوروبي (اليورو ليج حاليًا) مرة، كما عمل في أندية روما ولاتسيو وتورينو.

 

خلال فترته مع يوفنتوس الممتدة من 1994 وإلى 2006  نجح الملقب بـ«ثعلب الميركاتو»في الفوز بكل الألقاب الممكنة محليًا ودوليًا ووصلت معه السيدة العجوز  لنهائي دوري أبطال أوروبا 4 مرات أعوام «1996،1997,1998,2003».


كما جلب أبرز نجوم العالم إلى فريق الشمال الإيطالي أمثال زين الدين زيدان وبافيل نيدفيد، وديفيد تريزيجية، وجيجي بوفون، وفابيو كانفارو، وباتريك فييرا، وإيدجر دايفيدز، وفان درا سار، وتييري هنري، وإبراهيموفيتش، وماورو كامورينيزي، وليليان تورام، وإيميرسون، وسالاس، وجانلوكا زامبروتا وغيرهم من النجوم الذين صنعوا الحقبة الأكثر إشرقًا في تاريخ البيانكونيري.


نعود لكتاب «مودجي» والذي خصص فيه فصل كامل بعنوان «كيف جلبتُ نيدفيد؟»، تحدث فيها عن ما يعتبره أصعب وأفضل صفقة قام بها خلال مسيرته.

 

ويقول (والكلام لمودجي) بعد مباراة يوفنتوس أمام لاتسيو في موسم 2000\2001، والتي انتهت بهدف لكل فريق، تحدثت مع كل روبيرتو بيتيجا نائب رئيس النادي وجيراودو المدير التنفيذي، وهما الشخصان اللذان قاد معي اليوفي في تلك الحقبة، هذا يُسجل علينا دائمًا.. لنقم بشرائه وهكذا نحل المشكلة، علينا جلب نيدفيد ليوفنتوس.

 

زيدان يمهد الطريق 

علاوة على أن نيدفيد كان يشكل مصدر خطورة علينا، لأن لاتسيو حينها كان أحد الفرق المنافسة على الصعيدين المحلي والأوروبي، كنا نريد بيع زين الدين زيدان من أجل أن نصنع فريق يتمتع بقوة بدنية وسرعة أكبر.. نيدفيد كان هو الرجل المناسب بالنسبة لنا لكن جلبه لتورينو لم يكن أمر سهل.

 

لماذا نيدفيد ؟

هو رجل من طراز اليوفنتوس، حياته كلها منقسمة على كرة القدم والعائلة فقـط، كان لاعبًا عظيمًا.. لاعب وسط هجومي يمتلك مهارات فنية استثنائية ولا فرق لديه بين القدم اليسرى واليمنى، كان مميز حتى في تنفيذ الركلات الحرة كل هذا بجانب بدن لا يتعب كان يركض دائمًا، وفق ما ذكره الكتاب.

 

ويقول مودجي: «أتذكر أنه في التدريبات يكون واجب علينا منعه إلى أن يتوقف، فهو يركض حتى في غرفة الملابس، أمر لم أرى له مثيل أبدًا حتى يومنا هذا، تجده يهرول في حديقة ماندريا القريبة جداً».

 

«سيادة المدير، بالنسبة لي الركض حُرية ومتعة» هذا ما يقوله نيدفيد في كل مرة مبررا مجهوده المضاعف.

 

في يوم من الأيام «بافيل» قال إنه حينما كان يلعب مع نادي سبارتا براج التشيكي، زملائه في الفريق كانوا يسمونه «المجنون» لأنه كان يأخذ جرعات أكبر من التمارين ربما ساعتين إضافية؛ لذا فإن كل ما سبق يجعل التعاقد مع نيدفيد مكسب كبير أيا كان الثمن.

المفاوضات مع لاتسيو 

المفاوضات مع رئيس لاتسيو سيرجيو كرانيوتي تمت بشكل سلس، وتم الاتفاق على قيمة الصفقة والتي بلغت 70 مليار ليرة إيطالية على أن يكون توقيع العقد في شهر مايو 2001، الشيء الأصعب كان إقناع «نيدفيد» نفسه حيث أنه في الواقع، لم يكن يريد القدوم لتورينو، الأمر لم يكن متعلقا بالمال بل كان قرار حياة، اتصلت به مرات عدة لكن هذا لم ينجح، وطلبت من وكيل أعماله مينو رايولا أن يضغط عليه لكن دون جدوى أيضًا.

 

في إحدى المرات رد على مودجي وقال: «سيادة المدير، شكرًا لك لكن أنا سعيد في لاتسيو وبمدينة روما، أعيش في منطقة أولجياتا بالقرب من ملاعب الجولف إنه أقصى ما أريده أنا عائلتي لدينا كل شَيء، لماذا علي أن أرحل؟ كانت ممانعة من تلك الممانعات القليلة التي تلقيتها في حياتي ولم تغضبني».

 

ويبرر صاحب الكتاب موقف «بافيل»؛ حيث يقول "أثبتت لي دوافعه أن هنالك رجل حقيقي وراء كونه لاعب كرة قدم.. حتى في روما  كرانيوتي والمدير الرياضي نيللو جوفيرناتو، كرسوا أنفسهم لإقناعه لكن لا جدوى منه لدرجة أنهم مزقوا العقد الذي معي وأعلنوا يوم 15 يونيو عن تمديد عقد اللاعب».

 

وأتى مع ذلك التصريح المعتاد النابع من حب الرياضي «أنا سعيد بالبقاء في لاتسيو»، حتى إداريي البيانكوتشيليستي طلبوا من مودجي أن يرمي اتفاقه معهم إلى سلة المهملات لكن كلمة «الاستسلام» ليست جزءا من قاموسه.

 

في ذلك الوقت كان على علم بأن مفاوضات بيع «زيدان» للريال ستنتهي بشكل جيد ،ولهذا كان هنالك خطر أن لا تحظى ببديل زيزو، فمارس نفس لعبة إدارة البيانكوتشيليستي، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تحدث في مؤتمر صحفي وقال بشكل واضح أن نيدفيد لن يأتي: «بالنسبة للاتسيو هو ليس للبيع لم تكن كذبة».


خدعة إعلامية.. «نيدفيد في المصيدة»

 

هكذا كانت تسير الأمور في الحقيقة مودجي فقط كذب على نفسه لأنه كان يعلم بأن عملية اصطياد نيدفيد لم تنته بعد لكن الأمر كان يتطلب فكرة عبقرية للحصول على موافقة اللاعب.. اتصل به مجدداً، حينما كان في براغا يقضي إجازته وقولت له:  «بافيل أطلب منك أن تُسدي إلي معروفًا، لا أقول لك تعال لليوفنتوس بل على الأقل تعال لتلقي نظرة من ثم، إن قررت الرفض سنبقى أصدقاء كما كنا من قبل سأرسل لك طائرة من إيطاليا، طائرة خاصة وذلك لكي لا يتمكن أي أحد من رؤيتك».

 

بافيل قبل بذلك ووقع في الفخ بمجرد ما أنهيت المكالمة معه التقط مودجي الهاتف وأخبر الصحف وقنوات التلفاز.


نيدفيد قادم في اليوم التالي، بافيل هبط إلى تورينو وحينما بدأ يخرج من الطائرة وجد نفسه أمام حشد من الصحفيين، كان ينظر حولهم وهو في حيرة من أمره ويقول «لكن كيف علموا بوصولي؟»، ويصف الكاتب الموقف: «من الواضح أنا تظاهرت بأنني مندهش وغاضب لكن في داخلي كنت استمتع كالمجنون بذلك المذاّق المضاعف للانتصار».

 

ويضيف: «بافيل عادت له الابتسامة حينما أخذناه لزيارة ميدان الجولف الذي يعشقه في تورينو والذي يعتبر جزء من حديقة لا ماندريا الإقليمية، واحدة من أجمل وأروع الأماكن في وادي بو، على بعد خطوتين من روعة قصر فيناريا الملكي عيون نيدفيد كانت تلمع وهو يستمتع بتلك الجنة، لقد اندهش من ذلك الجمال الكبير».

 

حينها اليوفنتوس أصبح أقـرب وجماهير لاتسيو تكفلت بالباقي، فبعد تلك الرحلة غير المتوقعة لتورينو تحول نيدفيد عندهم من معبود إلى خائن.. كانت أيام من الاحتجاجات ضده في روما عاش لحظات صعبة بلغت ذروتها يوم يوليو حينما قرر الاستسلام حسنًا سأوقع لليوفنتوس، وكان هذا من حُسن حظ السيدة العجوز وحظه أيضًا.

 

انتهى هذا الصيف ببيع «زيدان» مقابل 75 مليون يورو للريال،  تلك الأموال التي انعشت خزائن النادي وساهمت في جلب نيدفيد مقابل 38.5 مليون يورو، وثنائي بارما جيجي بوفون مقابل 52 مليون يورو، والمدافع الفرنسي ليليان تورام بـ41.5 مليون يورو.

 

بافيل فاز تقريبًا بكل شيء مع البيانكونيري بما في ذلك الكرة الذهبية عام 2003 والتي كانت بمثابة حبة الكرز على الكعكة، لقد كسب ثقة عائلة أنيللي حتى خارج الملعب لدرجة أنه اليوم متواجد يشغل منصب نائب رئيس النادي البيانكونيري.. هنا انتهى حديث لوتشيانو..

 


 

نيدفيد يتحدث عن الانتقال ليوفنتوس


منذ 1996 وحتى 2001 شارك نيدفيد في 208 مباراة في الدوري الإيطالي مع لاتسيو وسجل 51 هدفًا، وفاز بـ7 بطولات وهي الدوري الإيطالي موسم 2000 ولقب كأس الكؤوس الأوروبية 1999 والسوبر الأوروبي 1999 وثنائية كأس إيطاليا والسوبر الإيطالي عامي 1998 و2000.

 

وكيل اللاعبين الشهير مينو رايولا، ووكيل نيدفيد أجاب على سؤال «كيف انتقل نيدفيد إلى يوفنتوس؟» قائلًا: «يمكنك أن تكتب مجلدات عن هذه القصة.. كنت دائما ضد سياسة لوتشاينو مودجي، ولكني قلت لنفسي: يوما ما سيضطر أن يأتي إلي لضم أحد اللاعبين».

 

ويضيف «رايولا» إنه تحدث هاتفيًا مع نيدفيد حول مستقبله مع نسور العاصمة الإيطالية، وقال له «بافيل لقد وصلت إلى مستوى عال جدا، الأمر انتهى بالنسبة للاتسيو ويجب أن ترحل.. هل تفهم ما أقوله؟».

 

نيدفيد أجابني قائلًا: "مينو اسمعني، أريد البقاء في لاتسيو ليس لأني أحب مدينة روما فقط، ولكن من أجل عائلتي.. زوجتي وابنتي لن يطيقا تغيير الأجواء.. تعلم أن كرة القدم أهم شئ بالنسبة لي، ولكن دون أن يمس ذلك عائلتي». 

 

رايولا يكمل «حسنا.. فلنذهب إلى سيرجيو كرانيوتي ونتحدث معه بشأن زيادة راتبك».

 

كرانيوتي كان رئيس لاتسيو الذي ذاب في عشق نيدفيد، ولكن الظروف المادية للنادي كانت لا تساعده في تلبية رغبة بافيل ووكيله، وقد أظهر ذلك في جلسته مع نيدفيد ورايولا.


ويسرد "رايولا" تفاصيل اللقاء..

كرانيوتي: تعلم أني أحبك بافيل، ولكني لن أتمكن من زيادة راتبك

نيدفيد: وماذا سيحدث؟

كرانيوتي: سأمنحك أقل مما تستحق، وأعدك أني سأزيد راتبك عندما تتحسن الأوضاع في النادي

نيدفيد: حسنا لا مشكلة.. موافق سيدي الرئيس.

 

هنا.. استشاط رايولا غضبًا ورأى أن نيدفيد قد اتخذ القرار الخاطئ.

 

بعد أيام نجحت خطة مودجي بالتعاون مع رايولا والتقى نيدفيد بأومبيرتو أنييلي الرئيس التنفيذي السابق لشركة فيات ورئيس نادي يوفنتوس حينها.

 

يقول نيدفيد في حديثه مع صحيفة نيويورك تايمز عن هذا اللقاء: «لقد ساعدني هذا الرجل كثيرا واعتبرني جزء من عائلته، شعرت بذلك من اللحظة الأولى التي قابلته فيها.. بصراحة لم أتوقع أبدا أن يقول لي: «ستكون بديل لزين الدين زيدان الذي رحل إلى ريال مدريد».


مسيرة نيدفيد رفقة السيدة العجوز

خاض نيدفيد مع يوفنتوس 8 مواسم (2001 : 2009) لعب خلالها 327 مباراة، أحرز خلالها 65 هدفًا وصنع 34 آخرين، وأحرز جميع الألقاب المحلية، وساهم في وصول الفريق عام 2003 لنهائي دوري أبطال أوروبا.. كما فاز بالعديد من الجوائز الفردية أهمها الكرة الذهبية عام 2003 كأفضل لاعب في العالم، وجوائز أفضل لاعب في أوروبا، وورلد سوكر لأفضل لاعب في العالم، وأفضل لاعب في إيطاليا، لنفس العام، والقدم الذهبية للعام 2005، وأختاره الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ضمن أفضل 125 لاعبًا في تاريخ الكرة.

 

في عام 2006 حينما قررت السلطات القضائية الإيطالية إسقاط يوفنتوس للدرجة الثانية على خلفية قضية التلاعب بالنتائج وتجريده من لقبي الدوري عامي 2005 و2006، رفض بافيل نيدفيد الرحيل رفقة كانفارو وتورام وزامبروتا وإبراهيموفيتش وفييرا وإيميرسون وآخرين، وأختار البقاء واللعب في الدرجة الثانية مع ديل بييرو وبوفون وتريزيجيه وكامورينيزي.. حينها قال نيدفيد مقولته الشهيرة عند سؤاله عن سبب بقاء "وماذا أقول إذا استوقفني طفل في تورينو لماذا رحلت بعد كل هذا".


وفي 2009 حينما رفضت إدارة يوفنتوس تجديد عقده على خلاف رغبته بالبقاء في الملاعب، أعلن الدولي التشيكي إعتزال كرة القدم رافضًا العروض التي جئت إليه من أندية تشيلسي ولاتسيو وموناكو وأنتر ميلان، وفي 2013 عين مستشار في مجلس إدارة يوفنتوس والأن يشغل منصب نائب رئيس النادي والمسئول عن القطاع الرياضي وفريق الكرة.
 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة