طاهر بيك أبهر الحضور بألعابه الغامضة (صورة تعبيرية)
طاهر بيك أبهر الحضور بألعابه الغامضة (صورة تعبيرية)


حكايات| العائد من الموت.. ساحر من طنطا وصل للعالمية بأغرب قصة «دفن»

أحمد الشريف

الخميس، 10 يناير 2019 - 10:19 م

 

في عام 1897 ميلادية؛ كانت مدينة طنطا التي  تبعد 93 كم عن شمال القاهرة، على موعد مع مولود استثنائي، جاب الأرض شرقا وغربا حتى أصبح جليسا للملوك وذاع صيته وقيل عنه أنه «أعظم ساحر في التاريخ الحديث»؛ ومع اختلاط آذان المغرب بصراخ سيدة أوشكت على الولادة، وسط ترقب من الأب والأهل؛ مد الطبيب يده ليخرج طفل من رحم السيدة، دون أن يعلم أنه أخرج للعالم مولود سيقف العالم أمام قدراته الخارقة كثيرا.

 

 مولود استثنائي

 

حملت الأم ابنها تتحسسه ونظر الطفل إلى عين أمه مخترقا روحها، وكأنه يعلم أن اللقاء لن يدوم طويلا؛ وبعينيه البريئتين كان يستجدي الزمن بأن تتوقف الساعة عند تلك اللحظة حتى يصيبه الشبع من عين أمه قبل الفراق، وكأنه يعلم أنها ستغادر قبل أن يحفظ ملامحها ويطبعها في قلبه؛ ماتت الأم لتبدأ رحلة جديدة ستغير حياة الطفل رأسا على عقب..

 

ما أن ماتت الأم؛ حتى دخل والده في مشاكل سياسية دفعته لأن يأخذ أسرته ويغادر إلى تركيا ومنها إلى اليونان؛ وهناك درس طاهر الطب وتفوق فيه، ولكن التفوق الحقيقي الذي حققه طاهر كان دراسته لنفسه ومعرفة مكمن قوته وضعفه؛ بل وتعدى ذلك لأن قام بأفعال خارقة للطبيعة لا يستطيع أي عقل أن يستوعبها أو يصدق أنها تحدث..

 

وفي العاصمة اليونانية أثينا؛ بكل وجوهها التي شغلتنا ما بين السياسية والفنية منها؛ تستحضر من بين عبقها معادلة فيثاغورس الرياضية، ونظريات سقراط التوحيدية، ونظريات أفلاطون المثالية، ونظريات أرسطو المنطقية، لتأخذك أساطير تلك الحضارة العظيمة إلى عالم من الإبداع والأمور الخارقة؛ لتكون تلك الحضارة التاريخية شاهدة على ولادة أسطورة جديدة في العصر الحديث تمثلت في الطبيب المصري «طاهر بك»..

 

دفن حيا 28 يوما

 

ووسط معارضة رجال الدين الذين رأوا أن التجربة تمثل تناقضا مع كل الأديان السماوية؛ قام «طاهر بك» بأعظم انجازاته حين دفن نفسه لمدة 28 يوما في التراب؛ ليخرج منها حيا وكأنه لما يلاقي الموت لحظة.

 

وبعد أن أخذ موافقة السلطات اليونانية للشروع في التجربة، أعلن نيته دفن نفسه في التراب لمدة 28 يوما وسط حضور بعض العلماء لكي يثبت لهم أنه لن يقوم بأي غش أو أمور خداعية، بل إن حقيقة الأمر سيدفن نفسه دون اعتماد على شيء سوى قدراته الخارقة..

 

وتحت شروط مشددة لا تسمح بأدنى قدر من الشك في صدقها، وبعد فحص دقيق لموقع الدفن جاء المساعدان بالنعش، وتم التأكد من عدم وجود أي إمكانية لدخول الهواء إليه، وبعدها دخل طاهر بك في حالة الإغماء الكلي بعد أن وضع يده على صدره، ولمس قفاه وضغط بقوة بأصبعه وضغط على جبهته بيده الأخرى، ثم تنفس بقوة وأغلق عيناه ودخل في حالة إغماء حتى سقط كالميت وتجمد جسده كقطعة خشب..

 

الأطباء قاموا بفحصه ليجدوا أن التنفس قد توقف تماما وكذلك دقات القلب، ووضع الجسد في النعش وتم إغلاق الفم بقطعة قطن كبيرة ثم غطى النعش بالرمال الحمراء حتى آخره.

 

ووسط مشاعر ممزوجة بالخوف والإندهاش في ذات الوقت، جلس الأطباء يرجحون فكرة أنه لن يخرج من هذا النعش حيا، وذلك بعد أن سيطروا وفحصوا كل شيء وتأكدوا أنه ليس هناك خدعة أو طريقة يستطيع التنفس من خلالها في ذلك النعش، محدثين أنفسهم بأنه إذا عاد هذا الرجل للحياة فإنها ستكون قدرات خارقة للطبيعة..

 

وبعد انقضاء الـ 28 يوما ومجيء اليوم المشهود، قام المساعدان بإخراج الجسد من النعش، وكان لون الجثة أقرب إلى اللون الرمادي متصلبة تماما، معتقدين أن التجربة باءت بالفشل وأن طاهر فارق الحياة، ولكن بعد دقائق من فتح النعش، تأتي المفاجأة كالصاعقة على رؤوسهم حيث بدأ طاهر يتنفس ببطء وتتحرك جفون عينيه، وبعد 10 دقائق تماما عاد لطبيعته وكأنه لم يعد من موت.

 

العالم يشهد التجربة

 

«لقد كانت إغماءتي كاملة حتى إنني لا أذكر شيئا بالمرة عما حدث لي بعد أن أغلقت عيني، وحتى استيقظت في اللحظة التي حددتها لنفسي»؛ بهذه الكلمات توجه طاهر بك إلى الواقفين في اندهاش كبير وكأن على رؤوسهم الطير.

 

بعد تلك التجربة في الحضارة الإغريقية، طاف طاهر العديد من دول العالم وفي مقدمتهم إيطاليا وسيبريا وبلغاريا، وفي إيطاليا تم اختبار قدراته وقام بعض العلماء بوضعه داخل نعش وألقوه في حمام السباحة، وبعد نصف ساعة جاءت قوات الشرطة لوقف هذه التجربة، وكرر هذه التجربة أمام العلماء في فرنسا لمدة يوم كامل، ليتأكدوا من عدم وجود أي أنابيب تنفذ الهواء من داخل الصندوق وتساعده على التنفس.

 

طاهر بك أعرب عن سعادته بتلك التجربة الفرنسية، لأن بعض المنتقدين زعموا أن الدراويش الهنود الذين مروا بهذه التجربة بالدفن أحياء كانوا يصنعون قنوات هواء سرية محفورة في الأرض لتمكنهم من استمرار التنفس، ولهذا السبب فإن التجربة تحت الماء تمكن العلماء والمنتقدين من ملاحظة كل شيء ومراقبة التجربة عن كثب.

 

طاهر والصحفي

 

ذاع صيت طاهر في العالم، فقام الملك فؤاد باستدعائه وكذلك ملكيْ إيطاليا ورومانيا، لرؤية هذه القدرات الخارقة التي يعجز أي عقل عن تصديقها، ليروا معجزة طاهر بأنفسهم.

 

وما أن استقر طاهر في شقته الفخمة في أحد الأحياء الأوروبية في القاهرة، وبدأ في الشروع في مزيد من التجارب، حتى جاءه صحفي أجنبي يدعى «بول برونتون» أراد التحقق بنفسه من هذه التجربة، لأنه لم يكن يصدق ما يشاع عن طاهر في ذلك الوقت..

 

وبالفعل حصل برونتون على موعد مع طاهر، وذهب لإجراء حوار صحفي معه، وحينما سأله ما سر قدراتك الخارقة، حتى باغته طاهر بالإجابة قائلا: «يجب أن نعترف بالإمكانيات الهائلة التي نمتلكها جميعا.. فالناس الذين يرون هذه الظاهرة نوع من السحر أو شئ خارق للطبيعة مخطئون.. ولم يفهموا أن هذه الأشياء علمية تخضع لقوانين الطبيعة الروحية التي لا تفهم بشكل كامل».

 

ليطمأن قلبي

 

ولكي يطمأن قلب برونتون، اتفق مع طاهر بأن يقوم بتنفيذ التجربة أمامه، وبالفعل جمع برونتون مجموعة صغيرة من الأطباء لكي يشاهدوا سلسلة التجارب التي يقوم بها طاهر، وجاء اليوم الموعود وارتدى طاهر بك جلبابا أبيض ورداء على الرأس مربوطا بخيوط من اللونين الذهبي والأزرق، بينما علق على صدره سلسلة تنتهي بنجمة خماسية الشكل ذهبية، ووقف وقد وضع يديه على صدره منتظرا لحظة البداية.

 

وعلى منضدة في الحجرة كانت هناك بعض الأشياء التي فحصها الحاضرون، فقد كان عليها بعض الخناجر الصغيرة والمسامير والإبر وقطع الزجاج، وعلى منضدة أخرى كان هناك لوح خشبي مملوء أيضا بالمسامير، وقطعة من صخرة ثقيلة وميزان ومطرقة، وأرنب ودجاجة مربوطان من القدمين وموضوعان في سلة، وكان هناك أيضا نعش طويل، وصندوق أكبر وأطول، وكومة من الرمل الأحمر، ومجموعة من المناشف الصغيرة.

 

انطلقوا في التجربة وما أن لمس طاهر قفاه بيده وضغط بقوة بأصابعه، وبيده الأخرى على جبهته، بدأ يتنفس بقوة وفي خلال دقيقة أغلقت عيناه، ثم أصدر صرخة ودخل في حالة أقرب إلى الإغماء حتى إنه سقط مثل رجل ميت وأصبح جسده متجمدا كقطعة من الحجر.

 

 

قام المساعدان بتعرية الجزء الأعلى من جسده ووضعاه فوق المنضدة الطويلة، وفي هذه اللحظة قام أحد الأطباء بقياس ضربات القلب وفوجئ بأنها تصل إلى 130 درجة وهو ضعف الرقم الطبيعي، ثم جاء المساعدان بقطعة الصخر الجرانيت التي يبلغ وزنها نحو 90 كيلو جراما، ووضعاها على بطن طاهر بك العارية، وقاما بالضرب عليها بالمطرقة بقوة بينما الجسم لا يزال متصلبا كقطعة من الحديد حتى انشطرت الصخرة إلى قطعتين.

 

وبعد ذلك وضع طاهر بك على اللوح الخشبي المغطى بالمسامير وقطع الزجاج، ووقف أحد مساعديه فوق صدره والآخر فوق بطنه، وكان كل منهما يقفز إلى أعلى وينزل، وعندما فحص الأطباء ظهر طاهر بك فوجئوا بأن ظهره لا يحوي أي علامة ولم تظهر نقطة دم واحدة، وعند قياس النبض وجدوا أنه وصل إلى 132 درجة.

 

لم يسترح طاهر بك أكثر من دقيقتين حتى خضع لاختبار أخر، فقد طلب الأطباء أن يخرقوا فكيه بدبوسين صغيرين، وقام أحدهم بالفعل بإدخال الدبوس من الخارج إلى الداخل الفك، وكان طاهر بك مستيقظا ومدركا لما يحدث ولكنه لم يبد عليه أي ألم، بل حتى عندما سمح لطبيب آخر بوضع خنجر في زوره وإدخاله في الحنجرة من الخارج.

 

الشيء الذي أدهش الأطباء أكثر عدم وجود دم على الإطلاق على جلد طاهر، وقد أجروا تجربة بعمل قطع في وجهه بقطع من الزجاج وكذلك بسكين في كتفيه وصدره، ولكن كانت النتيجة جروحا بلا دماء..

 

وسأل أحد الأطباء طاهر بك عما إذا كان يستطيع أن يخرج دماء من الجروح، وعلى الفور بدأ الدم يتدفق حتى غطى صدره، وعند نقطة معينة توقف الدم بمجرد استخدام قوة الإرادة، وخلال دقائق قليلة كان الجروح قد شفيت تماما.

 

المرور على جمر من النار المتقد كانت إحدى التجارب الأخرى والتي نفذها دون أن يبدو على وجهه أي تغير أو ألم، وهنا أجرى أحد الأطباء اختبارا آخر لمعرفة ما إذا كان قد تناول أي مخدر، وثبت عدم وجود أي شيء غير عادي.

 

بعد ذلك قام طاهر بك بتجربة قدرته على السيطرة على الحيوانات بتنويم كل من الأرنب والدجاجة مغناطيسيا بالضغط على عصب في رقبة كل منهما والمرور بيديه على نفس العصب عدة مرات، بعدها كان كل من الأرنب والدجاجة لا يتحركان من المكان الذي يضعهما فيه طاهر بك.

وفي نهاية الاختبارات، كان هناك موعد مع أهم تجربة وهي الدفن حيا، والتي نفذها طاهر بك أمام برنتون وسط دهشة الحاضرين ودهشة برنتون نفسه..

 

سر طاهر بك

برانتون

وبعد أن انتهت التجارب، وصدق برنتون في قدراته، قال له طاهر بك: «البعض يظنون خطأ أنهم عندما يضعون المسامير في فكي.. فإن كل ما أفعله هو إجبار إرادتي على مقاومة الألم.. وإذا كان هذا صحيحا.. فلماذا لا تظهر أي جروح على جسدي بعد كل هذا الوخز؟.. الحقيقة أنهم لم يستطيعوا بعد الفكاك من أسلوبهم الذي اعتادوه في التفكير.. ولم يتصوروا حقيقة تفسيراتي لما يحدث.. إن ما يحدث يعود إلى اثنين من الأسرار، الأول هو الضغط على المراكز العصبية.. والثاني القدرة على الدخول في حالة إغماء أشبه بالغيبوبة.. ويمكن لأي شخص مناسب ومستعد للدخول في تدريب طويل قمت به حتى أسيطر على نفسي لأداء ما أقوم به.. وبدون هذا فإنني لا أدعي أن لدي الشجاعة على تحمل الألم.. فلست مثل هؤلاء الهنود الذين يتطوعون لتحمل الألم والمعاناة.. كل ما أشاركهم فيه هو قدرتي على الحياة الروحية».

 

الروائي جون كاننج، روى في كتابه «أغرب حكايات السحر»، أن طاهر بك، لم يرى أنه ساحر كما يصوره البعض، ولكنه كان يعتقد أن أي شخص يمكنه القيام بما يفعله إن علم السر، وأن جل الأمر يحدث نتيجة الضغط على بعض المراكز العصبية..

 

ولكن بعد هذه المشاهد والتجارب الخارقة للعادة، هل تعتقد أن ما قام به طاهر بك، هو أحد فنون السحر، أم أن للأمر وجه أخر ربما يكون طبيا أو مستندا على نظريات علمية؟.. المؤكد أن طاهر بك رغم أنه لم يحاضر هذا التطور التكنولوجي لإلقاء مزيد من الضوء على ما حققه من قدرات خارقة، إلا أنه يظل أعظم ساحر في التاريخ المصري.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة