السيسي يبدأ مرحلة جديدة في محطات العلاقات المصرية الأفريقية
السيسي يبدأ مرحلة جديدة في محطات العلاقات المصرية الأفريقية


ملف| السيسي يبدأ مرحلة جديدة في محطات العلاقات المصرية الأفريقية

ريهام نبيل

الأحد، 27 يناير 2019 - 10:43 م

 

مصر تستعد لقيادة القارة على طريق التنمية خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي عام ٢٠١٩


القاهرة تحمل هموم وأحلام دول القارة السمراء إقليمياً ودولياً

 

رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى خلال عام ٢٠١٩ من أهم محطات علاقة القاهرة بدول القارة، فهى بالتأكيد ليست نقطة انطلاق، لأن الانطلاقة حدثت منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى شئون الحكم، واتباعه سياسة خارجية منفتحة على القارة السمراء، ليصلح ما أفسدته عهود سابقة، شهدت تجاهلاً أو تعالياً على الدول الأفريقية.

 

لينجح الرئيس السيسى فى استعادة دور مصر فى القارة الأفريقية وبناء علاقات جيدة للغاية وجسور من الثقة المتبادلة مع رؤساء دول القارة الأفريقية لتبدأ مصر فى عهده مرحلة جديدة من العلاقات مع أفريقيا لتستعيد مكانتها بين دولها.. وتأتى رئاسة الاتحاد لتشهد المزيد من التفعيل لدورنا فى التنمية الإقليمية، انطلاقاً من قناعة راسخة لدى القيادة السياسية بأن التكامل يمنح الجميع فرصاً لمستقبل أكثر ازدهاراً.

 

ونظرًا لثقل مصر فى محيطها الإقليمى والدولى يرتفع سقف التوقعات، بما يمكن أن تحققه خلال فترة الرئاسة القادمة للاتحاد الافريقى وما يمكن ان تقدمه لدول القارة، خاصة مع جسامة التحديات التى تواجهها القارة وشعوبها من تحديات الفقر والإرهاب وقلة فرص العمل للشباب وتدهور البنية التحتية لدول كثيرة بها وأزمات كثيرة أخرى، رغم إمكانياتها وثرواتها التى لم تُستغل بالشكل الأمثل بعد.

 

وفى هذا الملف يطرح الخبراء رؤيتهم حول أهم الملفات التى ستحظى بالاهتمام خلال رئاسة مصر وملامح الطريق الذى يجب أن تبدأ منه مصر لتحقيق مصالح القارة فى كافة المجالات، حيث أكدوا أن الرئاسة المصرية للاتحاد ستمضى فى اتجاهات عديدة، فبينما تحاول تحقيق تقدم ملموس فى حل النزاعات المزمنة داخلياً وخارجياً، سيكون لأجندة أفريقيا 2063 حظ كبير من العناية والاهتمام من مصر.

 

الخبراء يحددون ملامح الطريق المصرى لتنفيذ أجندة أفريقيا ٢٠٦٣


برامج تعليمية تدعم هوية القارة.. ومبادرات الصحة تجربة تستحق التعميم


مواجهة الإرهاب لتحقيق الاستقرار.. وجداول زمنية لحل المشكلات المزمنة

 

تطرح أجندة أفريقيا 2063 رؤية مستقبلية للقارة والغد الذى ينشده أبناؤها، بتطلعهم نحو قارة قوية متكاملة، متعلمة تتمتع بالصحة، مزدهرة يسودها السلام ولها تأثير قوى على الساحة العالمية، تهتم بتعزيز كل فئاتها خاصة الشباب والنساء، بما يضمن لدولها السير فى خطوات التنمية المستدامة بإيقاع متسارع، فى هذا التحقيق يضع الدبلوماسيون والمتخصصون ملامح الروشتة المصرية لعلاج المشكلات التى تسعى الأجندة لحلها، ويتحدثون عن أهم الملفات التى سوف يتم التركيز عليها لاستكمال مسيرة التنمية.

 

ومن جانبه يؤكد السفير إبراهيم الشويمى مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية أن مصر تملك رؤية وأفكاراً فى مختلف المجالات تتيح لها تحقيق تقدم كبير فى أجندة 2063.


وأشار إلى أنه على الجانب الاقتصادى علينا دفع التجارة البينية ليعتمد الأفارقة على أنفسهم، ويرى أن الصحة من أهم الملفات التى يجب التركيز عليها، لأن خبراتنا فى هذا المجال ستفيد الدول الأفريقية بشكل واضح، خاصة بعد نجاح عدد من المبادرات مثل القضاء على فيروس سى و100 مليون صحة، ويشير إلى تنظيم جامعة طنطا لمؤتمر يناقش الصحة فى أفريقيا، يعد الأول الذى تعقده إحدى جامعات القارة، لبحث الوجه العلمى والاجتماعى للأمراض التى تعانى منها القارة السمراء، بجانب إطلاق وزارة الصحة مبادرة لعلاج الأشقاء الأفارقة من فيروس سي، تبدأ بدول حوض النيل.

 

وأشار إلى أن لجان الاتحاد الأفريقى تناقش كل هذه الأمور بالفعل، لكن مصر ستعمل على تنشيطها وإعداد جداول زمنية لحل المشاكل المهملة فى توقيتات محددة.

 

وترى السفيرة نميرة نجم المستشار القانونى للاتحاد الأفريقى أنه لدى مصر مبادرات عديدة للشباب والمرأة مع الشؤون الاجتماعية نستطيع أن نفيد بها القارة، بما يساهم فى تطبيق أجندة 2063، كما أن لدينا فرص تعليم وخبرات جيدة وتجارب كثيرة فى مختلف المجالات يمكن نقلها لتحقق خطوات ملموسة فى تطبيق الأجندة.

 

وتضيف: من جانب آخر مطلوب من شبابنا معرفة فرص العمل الجيدة فى أفريقيا، كما يمكننا الاستفادة من تجارب دول القارة فيما يخص دور المرأة، لأن بعض دول أفريقيا حققت نجاحات مهمة فى هذا المجال، وعلى سبيل المثال تعد رواندا أكبر دولة فى العالم لديها سيدات فى البرلمان، كما أصبحت نصف حكومة إثيوبيا من النساء، ورئيس المحكمة العليا بها سيدة، بجانب أن هناك تجارب لرئاسة السيدات بعض الدول مثل رئيسة ليبيريا السابقة ورئيسة إثيوبيا الحالية.

 

وفى مجال الصحة شددت على أهمية نقل تجربة فيروس «سي» للدول الأفريقية، لأننا القارة الأولى فى العالم التى ينتشر فيها الفيروس، كما يمكن أن تتبنى مصر بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأفريقى مشروعاً لمكافحة الملاريا على مستوى القارة، خاصة أن لدينا شركة مصرية تضم أساتذة جامعة قاموا بعمل أبحاث بهذا الشأن، ولديهم منتج يقضى على يرقة الناموس الحامل للملاريا، تم تطبيقه بالفعل فى بعض الدول الأفريقية.

 

ويرى السفير وائل عادل مساعد وزير الخارجية السابق للشئون الأفريقية أن أهم ملفين يجب التركيز عليهما فى تطبيق الأجندة هما التعليم والصحة وتجنب أى قضايا تتعارض مع المعتقدات الأفريقية، ونشر مفهوم أن الإنسان المتعلم وليست لديه الصحة يصبح عديم القيمة والعكس كذلك، ويقول: نحتاج لوضع برامج تعليم حديثة تخرج أجيالا لديها المهارات والخبرات التى تواكب التطور وتساهم فى تعميق الترابط بين دول القارة.

 

ويؤكد د.إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات والبحوث الأفريقية على ضرورة الاهتمام بمواجهة الإرهاب، خاصة أن مصر تتعاون مع دول الساحل والصحراء فى هذا الشأن، مما يحقق الاستقرار فى دول القارة وهو أحد أهداف أجندة 2063.. هذا بجانب حتمية التركيز على التعليم والثقافة والهوية واللغة حتى تستطيع الأجيال الجديدة الاتصال بدينهم وقراءة تاريخهم.

 

ويشير إلى ضرورة تقسيم القارة إلى قطاعات، لأن التعامل مع غرب أفريقيا يختلف عن الشرق والجنوب، فلابد أن يتم التركيز على النواحى الثقافية والحضارية أكثر من العسكرية فى غرب أفريقيا، لأن دولة تشعر بالمرارة لعدم الاعتراف بدورها فى الحضارة الإسلامية، فلم نجد أى كتاب عن فقيه أو مجاهد من هذه المنطقة رغم أن كتبهم موجودة ومن السهل تحقيقها ونشرها، وفى حالة القيام بذلك سنجعل القائمين عليها يشعرون أنهم شركاء وليسوا مستبعدين. 

 

ويقول : كانت لى تجربة حينما قمت بنشر كتاب عن أحد الشيوخ فى غرب أفريقيا وتم بيع 50 ألف نسخة منه فى أسبوع وكان له تأثير كبير.. فالثقافة أهم شئ، ولابد من إعلان الراية الثقافية الحضارية. أما شرق أفريقيا فيضم مسيحيين ومسلمين ومعتقدات أخرى ومصر هى التى نشرت المسيحية الأرثوذكسية فى أثيوبيا وإريتريا، لهذا يمكن حث الكنيسة والأزهر بالعمل مع بعضهما فى مشروعات تخدم الناس بعيداً عن الدعوة.

 

أما بالنسبة للجنوب فقد ساعدنا هذه المنطقة فى حركات التحرير بالكفاح المسلح فى أنجولا وموزمبيق وزيمبابوى وناميبيا وجنوب أفريقيا، وشملت مساعداتنا الجانبين العسكرى والدبلوماسى إلى أن وصلت هذه الحركات للسلطة، كان ذلك فى الحقبة الناصرية، لكن هذا الدور تراجع فى حقب تالية بل وصل أحيانا إلى اتجاه مناقض، مما أدى إلى فجوة يمكن القضاء عليها فى ظل التوجهات الحالية للقيادة السياسية، لذا فمن الممكن إخراج وثائق هذه الحركات التى توضح هذا التاريخ، ونقوم بترجمتها للعربية والإنجليزية والفرنسية ليعرف الجيل الجديد فى هذه الدول دور مصر وتصحيح الصورة الذهنيه لديهم، ويتأكد أبناؤه أن الفترة الحالية تتشابه مع فترة حكم عبد الناصر من حيث الرغبة فى الانخراط مع القارة السمراء.

 

ومن الممكن إنتاج فيلم يعد وصفة عامة لتعميق التعاون الثقافى مع دول القارة، ويتناول مثلا ما توصل إليه العالم السنغالى «أنتى جوب» بأن الحضارة الأفريقية أصلها مصرى، وقام بدراسات فى مختلف المجالات تؤكد هذا، وسيكون لذلك العمل تأثير كبير على مستوى أفريقيا بالكامل.

 

ويضيف السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر تحاول توسيع وجودها فى أفريقيا وأصبحت بالفعل متواجدة أكثر من أى دولة فى العالم ولا ينقصها إلا التمويل لذا يمكن أن نحاول تعزيز التعاون بوجود طرف ممول، سواء دولة عربية أو أوروبية أو أمريكا بهدف تنفيذ مشروعات تخدم الاقتصاد وأجندة 2063.

 

خاصة أن اجتماع مجلس المشاركة المصرية الأوروبية الذى حضره سامح شكرى وزير الخارجية فى بروكسل مؤخرًا يعد دليلاً على أن أوروبا مستعدة لتمويل مشروعات مصرية أفريقية مشتركة، كما أن حضور الرئيس السيسى فى القمة الأوروبية الأفريقية التى عقدت فى النمسا أحد العلامات النشطة للدبلوماسية المصرية.

 

اتفاقية التجارة الحرة حلم للشعوب تتبناه القاهرة لتفعيله


الخبراء: تصديق القاهرة على الاتفاقية سيعطيها دفعة ووزناً وثقلاً كبيراً

 

تعتبر اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية واحدة من أهم الاتفاقيات فى تاريخ القارة السمراء، والتى تهدف إلى خلق سوق حرة بين 54 عاصمة من «كيب تاون» فى أدنى الجنوب إلى القاهرة فى أقصى الشمال.. مما يمثل إضافة كبيرة لجميع شعوب القارة، بتأسيس أكبر تكتل تجارى من حيث عدد الدول، يعد من أهم خطوات الاندماج الاقتصادى المنشود.

 

وقد وقعت 49 دولة على الاتفاقية، بعضها قام بالتصديق والبعض اقترب من ذلك لكى يتم تفعيلها وتنفيذها على أرض الواقع، ويرسم الدبلوماسيون والخبراء خريطة لأهم الملامح والخطوات التى يجب أن تتبعها مصر، لتحقيق أحد الإنجازات الأساسية، خلال رئاستها للاتحاد الأفريقى.

 

ويؤكد السفير وائل عادل مساعد وزير الخارجية السابق للشئون الأفريقية على أهمية وجود برنامج تكامل اقتصادى بين دول القارة ويعتبر الاتفاقية التى ضمت أكبر 3 تكتلات اقتصادية أفريقية لها، خطوة مهمة ومفيدة جدا كان ينبغى تنفيذها منذ وقت طويل، خاصة مع وجود حالة شبه تنافسية بين «السادك» و»الكوميسا» جعلت دول كلا التكتلين الاقتصاديين عاجزة عن دخول منتجاتها للأخرى.

 

ويؤكد أنه بعد هذه الاتفاقية أصبح تحقيق التكامل بين كل هذه الدول ممكنا، ليبدأ تبادل منتجاتها هو الأساس بدلا من استيرادها من الخارج بتكاليف باهظة، خاصة أن الغرب يستورد المنتجات من أفريقيا ويعيد تصديرها مرة أخرى لدول أخرى فى القارة نفسها بأسعار أعلى، ومن الممكن أن نقوم بهذا الدور بين دولنا خاصة أنه لايزال لدى القارة السمراء الكثير لكى تعطيه.

 

ويجب على مصر بذل جميع الجهود الممكنة لتنفيذ الاتفاقية على أرض الواقع.. ويشير إلى أحد الخطوات التى يجب اتخاذها، وهى الدفع بمبادرة النيباد لإنشاء الطريق البرى الذى يربط بين مصر وجنوب أفريقيا، لأن هناك دولا كثيرة انتهت من تنفيذ الطريق داخل حدودها، وأخرى يتبقى للانتهاء منه مسافات بسيطة، ويؤكد أن هذا الطريق سيفيد الاقتصاد الأفريقى بصفة عامة لأنه يمر بمعظم الدول. 

 

هذا بجانب مشروع لطريق برى آخر، يربط شرق القارة بغربها، ويوضح: إذا تم الدفع بهذه الأمور بقوة وبدء تفعيلها ستؤثر إيجابيا على القارة، التى تعتبر البنية التحتية مشكلتها الأولى.

 

وترى السفيرة نميرة نجم المستشار القانونى للاتحاد الأفريقى أن أهم ما يمكن أن تقوم به مصر فى البداية لتفعيل الاتفاقية أن تُصدق عليها، لأنها وقعت ولم تصدق، خاصة أن تصديق دولة بحجم مصر سيعطى الاتفاقية دفعة كبيرة، وهو ما جعل القاعة تضج بالتصفيق بمجرد توقيع المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة السابق عليها فى تيجالى، ورغم أن دور مصر فى التوقيع جاء فى توقيت متأخر بالجلسة طبقا للبروتوكول، حيث قام الرؤساء الحاضرون بالتوقيع أولا قبل أن يأتى الدور على الوزراء، ويرجع هذا الترحيب لأن مصر تعد أحد الاقتصاديات الكبيرة فى القارة وتوقيعها يعطى الاتفاقية وزنا وثقلا.

 

وتشير إلى ضرورة مساهمة مصر فى الانتهاء مما تبقى من إجراءات واجتماعات لتفعيل الاتفاقية بجانب دعوة بقية الدول للتصديق لكى تدخل حيز النفاذ، وهو الأمر الذى سيعود على مصر بالفائدة، لأن اقتصادها منتج، مما يعنى أن الاتفاقية تضمن دخول بضائعنا بدون جمارك إلى أسواق دول القارة، وتمنحها قدرة تنافسية كبيرة، فعلى سبيل المثال نستطيع استيراد مواد خام وغذائية من دول كثيرة فى القارة تفيدنا فى التصنيع، ثم إعادة تصديرها كمنتجات بقدرة تنافسية عالية، ولن يقتصر الأمر على المنتجات الكبيرة التى يتم تصديرها لأوروبا وأمريكا بل ستشمل المنتجات المتوسطة والصغيرة.

 

ويضيف د. إبراهيم نصر الدين، أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة: إن أهم الخطوات نحو تفعيل الاتفاقية تتمثل فى إنشاء خطوط ملاحية تدعم التبادل التجارى، مثل التى كانت متواجدة فى عهد عبد الناصر، بجانب الرجوع لأهل الخبرة وإنشاء مجلس لتنسيق فرص الاستثمار، يقوم بإعداد دراسات جدوى سياسية واقتصادية واجتماعية.

 

ويرى د.محمد نوفل عميد كلية الدراسات الأفريقية أن تفعيل الاتفاقية يحتاج إلى الاهتمام بالبنية التحتية، مثل الطرق التى ستؤدى إلى زيادة التبادل التجارى، خاصة أن القارة بحاجة إلى سوق مشتركة لمواجهة النمو السكانى وارتفاع معدل البطالة بها، وأشار إلى أن مصر تقوم بالفعل بمجهود كبير فى البنية التحتية فى أفريقيا، حيث ساعدت فى إنشاء سد تنزانيا والسكك الحديدية ببعض الدول، كما أن شركات المقاولون العرب والسويدى تعمل فى هذه المجالات فى أكثر من دولة.

 

ويشدد على ضرورة التكامل، عبر الاستفادة من مؤسساتنا العلمية التى تضم نخبة من المتميزين فى مختلف المجالات فى الشؤون الأفريقية، وتساهم فى تخريج كوادر على قدر عالٍ من الكفاءة، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث والرسائل العلمية التى تؤكد على عمق العلاقات الثقافية مع دول أفريقيا.

 

وأشار إلى أن الكلية تمد الجهات المعنية فى مصر بأبرز وأهم الأبحاث فى مختلف المجالات، كما شهدت إنشاء وحدة الدراسات المستقبلية لتقديم كل ما تصبو إليه القيادة السياسية فى نظرتها للوضع المستقبلى فى القارة على كافة المستويات، والعمل على تعزيز الهوية الأفريقية.

 

القاهرة تقود دول القارة بالدبلوماسية الوقائية وعلاج جذور المشكلات


خبراء: السيسى أعاد اكتشاف مصر فى أفريقيا وحرص على استعادة دورها الريادى والتاريخى

 

على مدار سنوات شهدت القارة السمراء نزاعات داخلية وأخرى بين دولها، اتسم بعضها بالدموية التى وصمت أفريقيا بسمة العنف، ورغم انتهاء بعضها، إلا أن هناك نزاعات لا تزال قائمة، يرى الخبراء أن مصر يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً فى حلها، عبر علاج جذورها التى ظلت عقوداً طويلة دون حل، فضلاً عن تجنب أية نزاعات أخرى متوقعة، بتبنى الدبلوماسية الوقائية، التى تطفئ نيران أى خلاف فى مهدها.

 

ومن جانبه يرى السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق أن جزءاً كبيراً من وظيفة الدبلوماسية يتمثل فى تفادى حدوث مخاطر، بأن تفسح الطريق أمام شرح السياسة الخارجية للدول، لأن السياسة ليست أسراراً بل تبادل مصالح، والوقاية هى أن ننشر ونطلع شركاءنا فى أى مجال بسياستنا وما ننوى فعله مبكرا لكى لا يقدم طرف على اتخاذ خطوات قد لا تتماشى مع ما يتبناه الطرف الآخر فى المستقبل، وبالتالى يكون جزء كبير من اللقاءات الدبلوماسية عبارة عن شرح كل طرف موقفه للآخر من مختلف القضايا مسبقاً، وهذا الأمر يعد من أساسيات عمل وزارات الخارجية فى كل مكان.

 

وأضاف بيومى أنه من هنا ظهر مصطلح الدبلوماسية الوقائية، والتى تبنتها مصر بدرجة قوية فى الستينيات، أثناء حركات الاستقلال فى أفريقيا، فشرحت موقفها لكل الأطراف، وشكلت جبهات لتستبق الأحداث وتوضيح ما تنوى عليه للدول الأفريقية الصديقة.

 

ويشير السفير جمال بيومى إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يتبنى الأسلوب ذاته حاليا، حيث يركز على إحاطة الأطراف كلها بالرؤية التى يتبناها والنصائح ووجهات النظر، لأن هذه الأمور تنعكس على سلوك الدول الأخرى.

 

الكلمات السابقة توضح نهج القيادة السياسية فى مواجهة الأزمات، وهو الأمر الذى سيزداد وضوحا مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، عبر الرؤية الاستباقية، لكن ماذا عن النزاعات القائمة بالفعل؟ سؤال يرد عليه د.محمد نوفل عميد كلية الدراسات والبحوث الأفريقية، الذى يشدد على ضرورة بحث أسباب النزاعات أولا لمعرفة سبل العلاج، فعندما دخل الاستعمار أفريقيا الجميع تكالب على ثرواتها المتنوعة وقسّمها إلى شمال وجنوب لكى يستطيع عزل دولها، ونجح فى فعل هذا ويؤكد أنه آن الأوان لحل هذه المشكلة.

 

ويقول: أرى أن تولى الرئيس السيسى لرئاسة الاتحاد الأفريقى سيكون له دور كبير فى ذلك، لأن مصر كان لها دور كبير فى أفريقيا فى مواجهة الاستعمار، وبناء تكتلات اقتصادية قوية ليكون لها ظهير قوى، ونجحنا فى ذلك أيام الرئيس الراحل عبد الناصر.

 

لكن الشعوب الأفريقية عاطفية بطبيعتها تحب من يُشعرها أنها جزء منه، لذا فعندما بعدنا عن القارة بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق مبارك فى أديس أبابا استغلت بعض القوى العظمى هذه الفجوة لنهب ثروات أفريقيا الطبيعية، واستطاعت التأثير على الأفارقة، ثم جاءت فترة الإخوان لتسوء العلاقات بصورة أكبر.

 

إلى أن جاء الرئيس السيسى وحرص على استعادة مصر دورها الريادى والتاريخى فى أفريقيا، وهذه هى الدبلوماسية الوقائية التى يحرص عليها الرئيس، مما يساعد فى تفادى أى خلافات أو نزاعات مستقبلية، خاصة مع حرص الرئيس السيسى على حضور كل القمم الأفريقية وما يخص القارة من قمم دولية وتحرك كجزء من دول القارة خلال تولينا العضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن، وحصلت مصر على رئاسة الاتحاد الأفريقى نتيجة هذه المجهودات، خاصة أن آخر مرة حصلت عليها إحدى دول شمال أفريقيا كانت منذ 10 سنوات.

 

وتضيف السفيرة نميرة نجم المستشار القانونى للاتحاد الأفريقى أنه بالرغم من أن المكون الأفريقى صعب جدا فى النزاعات إلا أن الدبلوماسية الوقائية يمكن أن تلعب دوراً فى تفادى بعضها، وأشارت إلى أنه يجب أن تركز مصر على هذا الأمر خلال رئاسة الاتحاد، خاصة أننا مشاركون بقوات حفظ السلام فى العديد من الدول، كما أن بعض القضايا تحتاج أحياناً إلى تحدث الرؤساء مع بعضهم لتقريب وجهات النظر ومنع تفاقم الأزمات وإحلال السلام.

 

وعن أبرز الأمثلة التى لعبت فيها الدبلوماسية الوقائية دوراً مهماً تشير إلى رفض يحيى جامع ترك حكم زامبيا بعد الانتخابات، وهو الأمر الذى كان سيسبب نشوب نزاع مسلح بين الفيالق، لكن تدخل دول الإيكواس مع دعم الاتحاد الأفريقى جعله يترك الحكم وتم تفادى هذا النزاع، وهذا بجانب دور الاتحاد الأفريقى الكبير الذى قام به مؤخرا فى جنوب السودان لتطبيق الاتفاق المجدد للسلام بالإضافة إلى الدور الذى يلعبه مجلس السلم والأمن أو رئيس المفوضية فى هذا الشأن.

 

وترى السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية، أنه ينبغى بحث الجذور الحقيقية لنشوب النزاعات، سواء كانت أسباباً قبلية أو دينية أو اقتصادية، ومحاولة إيجاد حلول لها، ورفع مستوى معيشة الشعوب بصفة عامة، لأن الأسباب الاقتصادية من أهم الأسباب التى تساعد على نشوب النزاعات، بجانب محاولة تطبيق الحوكمة والديمقراطية لأنها تعطى الفرصة للتعبير عن الآراء وتحقيق المساواة.

 

وبالتالى لن تتواجد أى نزاعات على السلطة لأن الاختيار سيكون بالنظام الديمقراطى، كما أن العدالة الاجتماعية مهمة جداً لمنع الصراعات أما النزاعات الدولية فيمكن تفاديها من خلال التقسيم الواضح للحدود.

 

وتؤكد السفيرة منى عمر على أهمية ذلك، خاصة بعد فشل الدبلوماسية الوقائية فى تفادى بعض الأزمات، كالمذابح التى حدثت فى رواندا والإجراءات التى اتخذها الرئيس كاجامى لمنع تكرار المشاكل بين قبيلتى الهوتو والتوتسى، لدرجة أن بطاقات الهوية أصبحت مجردة من أى بيانات عن الانتماء ورغم كل هذا إلا أن النزاعات والممارسات العنيفة مازالت قائمة بين الروانديين الذين هاجروا لمنطقة شرق الكونغو، وكذلك لم تنجح الدبلوماسية الوقائية فى مناطق أخرى بالعالم.

 

دور مصرى مهم لاستكمال مسيرة إصلاح الاتحاد


نميرة نجم: ضرورة التركيز على الجوانب المالية ومواجهة التحرش الجنسى


وائل عادل: إلغاء «محسوبية» الوظائف.. وإعادة النظر فى توجيه نصف الميزانية للمرتبات

 

تحتل فكرة إصلاح الاتحاد الأفريقى أولوية مهمة لدى الكثير من الدول الأعضاء، خاصة مع تغيُر الكثير من الظروف التى واكبت إنشاءه باسم منظمة الوحدة الأفريقية ثم تحوله لاتحاد، فقد تراجع هدف دعم حركات التحرر الوطنى، بعد أن نالت دول القارة استقلالها، كما أن هناك مشكلات ظهرت على أرض الواقع خلال مسيرته، وهو ما دفع رئيس رواندا لفتح ملف الإصلاح خلال رئاسة بلاده للاتحاد العام الماضى. 

 

ويرى الدبلوماسيون أن مصر سوف تقدم إضافة مهمة فى هذا الاتجاه، لا تعتمد فقط على استكمال ما بدأ بالفعل، لكن بفتح ملفات أخرى مُعلقة.

 

وتؤكد السفيرة نميرة نجم المستشار القانونى للاتحاد الأفريقى أن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى عادة تقوم بإصلاح دورى حسب احتياجات كل منها، لأن بعض الدول الأعضاء تكتشف بعد إنشاء وتطبيق قواعد المنظمة بعض القصور فيها أو عدم كفايتها أو سوء تطبيقها.

 

وأضافت نجم أن إصلاح الاتحاد الأفريقى يجب أن يشمل الجوانب المالية والإدارية، وكذلك الجوانب السياسية، فقد كان الهدف من إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية فى بداية تأسيسها هو دعم استقلال الدول وحركات التحرر الوطنى، وهو ما ينبغى تطويره بعد أن تخلصنا من مرحلة النزاعات مع الدول المحتلة، ولم تعد هناك إلا دول قليلة محتلة والباقى نزاعات داخلية.

 

كما أن دور الاتحاد بدأ يركز بشكل أكبر على الأدوار التنموية، مثل الاقتصاد والتجارة والصحة والتعليم، مما أفرز نظرة مختلفة تحتاج للتطوير. هذا بجانب اهتمام الدول الأعضاء بمعرفة أين تذهب نقودها، خاصة بعد أن أصبحت هناك ضغوط على حكوماتها نفسها لتحقيق تنمية داخلية فى بلادها، وهو ما جعل هذه الدول أكثر اهتماما بالتعرف على كيفية صرف نقودها، وحقيقة وجود مشكلات إدارية داخلية، أو فى أسلوب إصدار القرارات داخل المنظمة أو فى التعيينات.

 

وتضيف نجم أن الإصلاح أصبح مطلبا يواجه كل المنظمات مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة، مما دعا سكرتير عام الأمم المتحدة مع أواخر السنة الماضية إلى إصدار قرار بمنح قدر من سلطته لمديرى الأجهزة فى التوقيع على بعض الأمور المالية والإدارية، وهذا الإصلاح يرتبط بالشخص الذى يحتك بالتطبيق.

 

وترى نجم أن أبرز النقاط التى يجب أن تركز عليها مصر فى ملف الإصلاح داخل الاتحاد، هى الاستغلال والتحرش الجنسى داخل المنظمة، حيث ظهرت بعض المشكلات التى جعلت موسى فكى رئيس الاتحاد يقوم بتشكيل لجنة لتقصى الآراء، والتأكد من الشكاوى بهذا الشأن، واكتشف عددا كبيرا من هذه الحالات.

 

ووصل الأمر فى بعض الأحيان إلى تهديدات بعدم تجديد العقود، وقد تم اكتشاف ذلك خلال الشهور الأخيرة من العام الماضى، ولم يكن لروندا دور فى حل هذه الأزمة، وتضيف أن أولويات الإصلاح تقررها مصر، وبالنسبة للشأن الداخلى للمنظمة تشدد على أن استكمال الاصلاح الادارى والمالى مهم للغاية، وجانب منه يجب أن يقوم على إعطاء كل ذى حق حقه، ومحاسبة من يتسبب فى أخطاء فادحة أو إهدار لأموال المنظمة.

 

وتشير إلى أنه تم تناول المشكلات الداخلية فى قرارات بقمة نوفمبر الماضي، جزء منها لابد أن تتابعه القمة فى يناير والمجلس التنفيذى فى يونيو، ومن بينها الهيكل الجديد للمفوضية، حيث تم اعتماد جزء من الهيكل فيما يتعلق بالرئيس ونائب الرئيس والمفوضين، وهو ما يمثل الجانب السياسى أى المنتخبين، لكن الجانب التنفيذى بالكامل ويتمثل فى الادارات وتشكيلها فلا يزال بدون علاج، خاصة بعد تقليل عدد المفوضين فى مقابل زيادة عدد الادارات والمديرين ومن المفترض أن المجلس التنفيذى سيعتمد هذه الأمور، التى يجب أن تكون من الأولويات التى تضعها مصر ضمن اهتماماتها لترك بصمة فى الاتحاد أثناء الرئاسة.

 

ويؤكد السفير وائل عادل مساعد وزير الخارجية السابق للشئون الأفريقية على ضرورة إعادة النظر فى الوظائف الموجودة فى الاتحاد لأنها أصبحت بالمحسوبية، كما أن أكثر من نصف ميزانيته صارت تصرف على المرتبات وهذا أمر غير مقبول لأن الاتحاد تأسس من أجل خدمة الدول الأفريقية وليس لخدمة مصالح أشخاص.

 

ويشير إلى أن هذه المشكلة تفاقمت أثناء رئاسة دلامينى زوما، لأنها كانت تحاول الهيمنة على الاتحاد، وانحازت لشغل معظم الوظائف من بلادها مما انتهى بسقوطها فى ثانى فترة انتخاب لها سقوطاً ذريعاً، لأن الأفارقة أذكياء ويدركون ما يحدث حولهم، ويعرفون كيفية تفكير كل شخص وماهية أجندته.

 

ويرى السفير وائل عادل أنه تم طرح فكرة ضمن مقترحات الإصلاح، تقضى بمساهمة كل دولة بنسبة من ناتجها القومى فى ميزانية الاتحاد، ويؤكد أن الكثير من دول القارة رفضت هذه الفكرة لأنها غير عادلة، فرغم أن تطبيق هذا الاقتراح سيرفع من مستوى الاتحاد، إلا أنه سيكون على حساب دول بعينها، خاصة أن مصر من أكثر 5 دول مساهمين فى ميزانية الاتحاد.

 

وأضاف أن الاتحاد يحتاج لإصلاحات هيكلية كثيرة، كتوجيه الميزانية لبنود أكثر فاعلية مثل قوات حفظ السلام وتطوير طريقة عملها خاصة أن لمصر الخبرة التى تسمح لنا بذلك.

 

مصر تستعد للرئاسة الرابعة بعد ربع قرن


استقلال دول القارة ساعد فى استبدال المنظمة بالاتحاد

 

فى ستينيات القرن الماضى كانت دول عديدة بالقارة لا تزال تكافح لنيل استقلالها، ووسط هذه الظروف ظهرت الحاجة إلى كيان يعمل على جمع الدول وتوحيد جهودها، وفى عام 1963 انطلقت منظمة الوحدة الأفريقية، التى ظلت تقوم بدورها فى دعم حركات التحرر، لكن بعد نحو أربعين عاما تغيرت الظروف والتحديات، بعد أن نالت الدول استقلالها، وظهرت أهداف جديدة أدت إلى تغيير شكل الكيان.

 

وفى 9 يوليو 2002 تم تأسيس الاتحاد الأفريقى فى جنوب أفريقيا، ليصبح بديلا للمنظمة، فى اجتماع نصف سنوى لرؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء، وتألف الاتحاد من 55 دولة، وكان الهدف من التحول هو جعل القرارات التى يتم اتخاذها أكثر فاعلية.

 

لكن حتى إنشاء الكيان الجديد ظلت منظمة الوحدة الأفريقية هى المنظمة الحكومية الدولية، التى تعمل على تعزيز الوحدة والتضامن بين دول القارة، وتحفيز التنمية الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدولى، وشملت أنشطتها الدبلوماسية دعم حركات التحرر الأفريقية، والوساطة لحل النزاعات الحدودية والحروب الإقليمية والأهلية، وإجراء بحوث فى الاقتصاد والاتصالات، غير أن تركيزها على الكفاح ضد الاستعمار حال دون اهتمامها بالنواحى الاقتصادية.

 

وفى عام 2000 اقترح الرئيس الليبى السابق معمر القذافى أن يتم استبدال المنظمة بالاتحاد الأفريقى، على أن يكون أكثر فاعليه اقتصادية على غرار الاتحاد الأوروبى، وتم التصديق على القانون التأسيسى لإنشاء الاتحاد، من قبل ثلثى أعضاء المنظمة، ليدخل حيز التنفيذ فى 26 مايو 2001.. تأسس الاتحاد فى 9 يوليو 2002.

 

ويتولى رئاسة الاتحاد كل عام رئيس إحدى الدول الأعضاء، يتم انتخابه لمدة سنة واحدة.

 

وقد تولت مصر رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية 3 مرات، الأولى من 17 يوليو 1964 حتى 21 أكتوبر 1965 فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والثانية من 24 يوليو 1989 حتى 9 يوليو 1990، والثالثة من 28 يونيو 1993 حتى 13 يونيو 1994، والمرتين الأخيرتين كانتا فى عهد الرئيس الأسبق مبارك. 

 

وهكذا تأتى رئاسة مصر الحالية للاتحاد بعد 25 سنه منذ آخر مرة تولت فيها المنصب، كما أنها تُعد الأولى للكيان بعد تحويله إلى اتحاد، لتكون أول دولة بعد إثيوبيا تتولى هذا المنصب أربعة مرات على مدار تاريخ المنظمة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة